“بفضل التكنولوجيا نجحنا في حذف 2 مليون بطاقة تموين”.. تصريح أدلى به الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على هامش مؤتمر الشباب العالمي الذي اختتم فعالياته قبل أيام بمدينة شرم الشيخ، استعراضًا لتأثير التكنولوجيا في إنجاز المعاملات وتسهيل الإجراءات.
التصريح وإن عبر الرئيس المصري من خلاله على حجم ما وصل إليه التقدم التكنولوجي في القطاع الحكومي إلا أنه في الوقت ذاته أثار مخاوف عدة من تزايد رقعة المحرومين من الدعم الذي لم ينطبق عليهم الشروط التي وضعتها وزارة التموين لضمان الحصول على الدعم الشهري الذي تبلغ قيمته 50 جنيهًا ( 3 دولار).
وتأتي هذه التحركات استجابة لشروط صندق النقد الدولي الذي وقعت معه الحكومة المصرية عام 2016 اتفاقًا مع للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار يُدفع على مدار 3 سنوات، مقابل التزام الحكومة بتنفيذ برنامج إصلاحات اقتصادية، يتضمن تحرير أسعار الوقود والكهرباء ورفع الدعم نهائيًا عن السلع الأساسية.
شهادات مؤلمة
“منذ عامين تقريبا فوجئت أثناء ذهابي لاستلام حصتي التموينية الشهرية أن بطاقتي بها عطل ولا تعمل وعليه لا يمكنني صرف مستحقاتي التموينية التي هي عبارة عن 4 زجاجات زيت و5 كيلو سكر وبعض السلع الأخرى”.. بهذه الكلمات استهل عبدالعزيز سرده لتجربته مع الدعم التمويني.
وأضاف عبد العزيز البالغ من العمر 45 عامًا ولديه ولدان وبنت أنه توقع أن الأمر لم يتجاوز بضعة أيام لإصلاح هذا العطل الذي حلّ ببطاقته، حيث طُلب منه تقديم طلب في الجهة المختصة التابع لها وإرفاقه بحوالة بريدية وبعض النفقات الأخرى.
لكن ها هو العام الثاني يوشك أن ينتهي ولم يصرف عبدالعزيز تموينه منذ توقفه في يناير 2018، وبعد ماراثون من الذهاب والإياب والتجول عبر أرصفة الإدارات والوزارات المختلفة والتسكع على مكاتب الموظفين، باءت محاولات الرجل بالفشل ليرضى بنصيبه كونه أحد المحرومين من جنة الدعم.
“ربما لم يكن مبلغ الدعم كبيرًا لكنه كان بمثابة النواة التي تسند الزير، يكفي أني كنت أوفر ثمن الخبز والذي يتجاوز عشرة جنيهات على أقل تقدير يوميًا، هذا بخلاف الزيت والسكر وغيرها من السلع التي أرهقت كاهلي أكثر مما هو عليه.. وبعد محاولات مذلة رضيت بحالي ولزمت بيتي”.. قال الرجل.
على مدار السنوات الثلاث الماضية بلغ عدد المستبعدين من قائمة مستحقي الدعم أكثر من ثمانية ملايين شخص، خلال مراحل التصفية الخمس الاخيرة
لم يختلف حال إسراء كثيرًا عن عبدالعزيز، حيث فوجئت بوقف بطاقتها التموينية بعدما سافر زوجها للعمل في السعودية قبل خمس سنوات تقريبًا، وحين سألت أخبروها أن المسافرين يحذفون تلقائيًا من الدعم، رغم عدم وجود قانون يؤكد ذلك، على الأقل فيما يتعلق بالمقيمين في مصر.. فالمعروف أن المسافر فقط من يحذف أما باقي أفراد الأسرة فلا مشكلة في استمرار تمتعهم بالدعم.
تقول أسراء: “فقدنا حصتنا التموينية قرابة 3 سنوات طيلة عمل زوجي بالخارج.. حتى بعد أن عاد وتعرض لحادث وتوفى في 2017 لم نحصل على التموين، رغم أننا قدمنا ما يفيد بوفاته، إلا أنه وحتى اليوم لا زال مسجل لدى وزارة التموين بأنه بالخارج ومن ثم لا يستحق الدعم”.
وتضيف في حديثها لـ”نون بوست” أن كثيرًا من أقاربها وجيرانها يعانون من نفس المشكلة، حيث الحذف العشوائي للمئات بل للآلاف من المستحقين للدعم، بعضهم يعمل في وظائف (بواب عمارة – عامل بناء) ورغم المناشدات الكثيرة والصرخات التي قدمها هؤلاء إلا أنه لا صوت يسمع ولا ضمير يئن.
أما رمضان والذي يبلغ من العمر 60 عامًا فيقول إنه فوجئ قبل عام ونصف بحذف اسمه من المستحقين للدعم التمويني لأنه “لا يستحق” وفق ما أخبره به موظف التموين، وتابع: أنا أعمل بواب.. متسائلا بلغة تكسوها الحزن والألم: “إن كنت أنا لا أستحق فمن يستحق؟”
وأضاف الرجل الستيني لـ “نون بوست” أنه من الطرائف والغرائب أن أحد سكان العمارة التي يقوم بحراستها ويعمل موظفًا بالصحة يحصل على تموين وآخر في نفس الطابق يعمل تاجر يحصل هو الأخر، “أما أنا صاحب السكر والقلب وابنتين وطفل معاق لا أستحق.. حسبنا الله ونعم الوكيل”، يضيف هذا العم.
حذف 8 مليون مصري
منذ 2016 تلتزم الحكومة المصرية بتنفيذ شروط صندوق النقد الدولي للحصول على القرض، وعلى مدار السنوات الثلاث الماضية بلغ عدد المستبعدين من قائمة مستحقي الدعم أكثر من ثمانية ملايين شخص، خلال مراحل التصفية الخمس الاخيرة بحسب مستشار وزير التموين لتكنولوجيا المعلومات عمرو مدكور الذي أكد أن الدولة لا تستهدف أبدًا تقليل فاتورة الدعم.
وبين الحين والآخر كانت وزارة التموين تقدم لائحة جديدة بالشروط الخاصة بالحذف من بطاقات التموين، تمحورت في معظمها حول من لديه مرتب تأميني مرتفع، وأصحاب الدخول المرتفعة ممن يعملون بالقطاع الحكومي، ومن يسددون قيمة مضافة مرتفعة من أصحاب الأعمال، ومن يسددون جمارك وارد أو صادر مرتفعة.
ارتفعت نسبة عدد الفقراء في مصر إلى 32.5% من السكان عام 2017-2018، مقارنة بنحو 27.8% عام 2015-2016
وتشمل كذلك من تقدر المصروفات المدرسية لأحد أبنائه بـ30 ألف جنيه أو أكثر، من يبلغ متوسط المصروفات المدرسية لأكثر من طفل 20 ألف جنيه، ومالكي الحيازات الزراعية التي تبلغ 10 أفدنة فأكثر، ومن يسدد ضرائب تقدر بـ100 ألف جنيه فأكثر، وأصحاب الشركات ممن يبلغ رأس مالها 10 ملايين جنيه فأكثر، ومالكي السيارات موديل 2011 فأعلى، ومن يزيد استهلاكهم من الكهرباء عن 650 كيلوواتاً، ومن تبلغ فاتورة استهلاكه من الهاتف المحمول أكثر من 800 جنيه شهرياً.
وخلال العامين الماضيين اتخذت الحكومة حزمة من الإجراءات القاسية التي كان لها تأثير سلبي على الأوضاع المعيشية للمواطن المصري، يأتي على رأسها تحرير صرف العملة المحلية (الجنيه)، ورفع أسعار الوقود والكهرباء والمياه والمواصلات العامة، وزيادة الرسوم والضرائب.
وكان نتاجًا لهذه الإجراءات أن ارتفعت نسبة عدد الفقراء إلى 32.5% من السكان عام 2017-2018، مقارنة بنحو 27.8% عام 2015-2016، حسب ما أعلنه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فيما تشير بعض التقديرات إلى أن هذا العدد في إطار الزيادة خلال المرحلة القادمة.
ربما لم يكن الدعم التمويني بالقيمة التي تساعد في تحسين مستوى معيشة المواطن محدود الدخل لكنه كان جدارًا ضعيف السمك تستند إليه الأسر المحتاجة بداية كل شهر، ومع سقوطه فإن المعاناة ستكون أكثر تأثيرًا، وهو ما سيدفع المجتمع ثمنه في صور متعددة، حال استمرت السياسات الحالية كما هي دون إعادة نظر.