رواية “الانفصال” ليست الأولى للكاتبة الأرجنتينية “سيلفيا أرازي” الفائزة بجائزة “خوليو كورتاثار للقصة القصيرة في إسبانيا “1998””، عن مجموعتها القصصية “ما أسرع حلول المساء”، فقد بدأت رحلتها بروايتها الشهيرة “معلمة الموسيقى” التي ترجمت عام “1999”للغاتٍ كثيرة من ضمنها الألمانية والهولندية، وتحولت إلى فيلم سينمائي من إخراج “أرييل برويتمان”.
“سيلفيا” من مواليد بوينوس أيرس، الأرجنتين، وهي كاتبة ومغنية وممثلة، درست الفن بجامعة بوينوس أيرس، والشعر الغنائي بمعهد كولون العالي للمسرح.
رجل نائم تتطلع إليه
العام الماضي صدرت رواية “الانفصال” لأول مرَّة في نسختها الأولى بالأرجنتين، وسارع لترجمتها المترجم المصري “طه زيادة”، ترجمة طازجة، وجميلة، يُحسب له ولدار مسعى الالتفات للكاتبة، ولتقديم شيء مِن منتجها، وتعريفنا عليها، وعلى المنطقة الأتية منها.
“أتطلع إلى رجل نائم جواري، سُيصبح اعتبارًا من الغد وإلى الأبد، زوجي السابق، ومن المحتمل ألا يعود للنوم بجانبي مرة أخرى.”
تبدو الرواية وأنها تبدأ مِن النهاية، حيث تبدأ البطلة في التعريف بالشخص النائم جوارها في الليل، وتتطلع إليه، ولا تعرف هل سوف يبقى نائمًا بجوارها، ويصبح زوجها، أم سوف يحدث غير ذلك، لتنبأ بحدثٍ فاصل في مجرى أحداث الرواية.
من الجملة الأولى تشدك “سيلفيا” لقصتها، تنصت معها، كما تنصت البطلة “لوثيا”، لكل صوت من أصوات المنزل، لتساقط قطرات صنبور الحمام ببطء، وحفيف أفرع الشجر بالخارج.
بطلة رواية من أصل سوري
“الحب مثل الصور القديمة، يصدم أحيانًا من يعيش فيه، ولكن ليس كل من اقترب يستطيع مشاركة تلك الصدمة”.
تُدهش “سيلفيا أرازي” قراءها الأرجنتينيين قبل العرب، باختيارها بطلةً للرواية من أصل سوري، فوالد “لوثيا” البطلة سوري أرجنتيني، قدم إلى الأرجنتين مع أشقاءه السبعة، في سن مبكرة، ولدوا جميعًا في دمشق بسوريا، والد “لوثيا” ساعتها كان عمره ثلاثة عشرة سنة.
تظهر الكاتبة كثيرًا في روايتها، تفاصيل عن العرب، علاقتهم ببعضهم، عما يمثله الحب لهم، كيف يقبلون عليه، وكيف يبتعدون عنه، وماذا تمثل لهم الحياة بصفة عامة، وإلى حدٍ كبير نجحت في هذا، وإن كانت الرواية لم تركز على هذا الجانب كثيرًا.
“يعتبر الوقوع في الحب بالنسبة للعرب، نوعًا من العقاب.”
الزواج والطلاق في الأرجنتين
بحسب المترجم “طه زيادة” في نهاية الرواية، يذكر أن في العام 2016، نشرت جريدة “كلارين” الأرجنتينية، تقريرًا عن معدلات الطلاق في “بوينوس أيرس”، موضحًا أنه في العام 2015، تم تسجيل 5643 حالة طلاق، بمعدل 15 حالة في اليوم، وأن المرحلة العمرية التي يقع فيها الطلاق أكثر شيوعًا في العقد الرابع من العمر، 47 عامًا في حالة الرجال، و44 عامًا في حالة النساء، وهي نفس أعمار أبطال العمل “لوثيا” و”بيدرو”.
“يجد الإنسان نفسه عجوزا وسط الشباب وشابا وسط العجائز”.
تنفصل “لوثيا” عن زوجها “بيدرو” في مرحلةٍ حرجة من حياتها، بعد خمسة عشر عامًا من الزواج. على حافة الانفصال و”لوثيا” تطلع إلى زوجها النائم، تبدأ في تعدد مزاياه، وعيوبه، “بيدرو” زوجها تساقط كثيرًا من شعره، أصبح أكثر بدانة، رغم سنوات عمره الثمانية والأربعين بوجه يافع وبدين ما زالتا مؤثرتين.
مع مرور الزمن أصبح اسم “بيدرو بالنسبة لزوجته حين تنطقه ذو طعم مرّ. في نفس الوقت تسأل “لوثيا” نفسها إذا كان زوجها يفكر فيها بأي طريقة، هل يراها جذابة؟ شيقة؟ مملة؟ هل هي أم جيدة؟ تسأل كل هذه الأسئلة ولا تعثر على إجابة محددة، وترتضي أن تبقى جاهلة.
الكلمات كسلاح حرب
“يفزعني أن أجد نفسي أفعل أشياء كنت أمقتها فيه”.
بعد أن تنفصل “لوثيا” عن زوجها “بيدرو”، تجد في خزانةٍ لديها، أحذيةً خاصة به، أحذية قديمة ومهترئة، ما إن لمستها “لوثيا”، شعرت أن أثار “بيدرو” في الحذاء، ما زالت موجودة.
ما أغرى “لوثيا” في شخصية “بيدرو” وجعلها منجذبة إليه، لم تكن ابتسامته، ولا حسه الفكاهي، كانت طريقته في الحديث هي السر، بعد الانفصال شعرت “لوثيا” وتأكدت أن زوجها كان يمارس عليها استبداد الكلمات، بين الكلمات المعسولة، والأخرى القاسية.
لا أشبه بولا
“تتنفس البيوت في عدم وجود الرجال بالمنازل.”
“بولا” هي والدة “لوثيا”، جميلة، ومحبة للفنون، وقع في غرامها فنانون كثر، لا تدعوها “لوثيا” أبدًا بـ”ماما”، تناديها دائمًا باسمها فقط.
تحاول “لوثيا” دائمًا ألا تتحول لـ”بولا” أمها، لا تود أن تصبح على هيئتها في الشكل والجمال، ولا في طريقة حديثها، وتعاملها مع المحيطين بها، تحاول دائمًا ألا تنقلب صورتها من لوثيا إلى بولا، رغم أن أوقات كثيرة تنتبه لهذا التحول.
تبدو “لوثيا” في أوقاتٍ كثيرة لا تعرف كيف تحدد مشاعرها ناحية زوجها، أوقات تعترف لصديقتها المقربة “فيرا” أنها ما زالت تشتاق لزوجها، وأوقات أخرى تعترف لها ولنفسها بالسأم، وأنها لا تعرف كيف كانت تحيا؟
“انفصلت لأنني سئمت.
النوم في الفراش وحيدًا
“أدركنا ذات يوم أن الحب هرب منا إلى مكان آخر”.
يبدو فراش “لوثيا” رغم فراغه من “بيدرو” أمرًا مريحًا لها نسبيًا، تحاول أن تستشعر الدفء في هذا الأمر الجديد، منذ الانفصال، والنوم وحيدًا في الفراش يجعلها تتذكر أشياءٍ كثيرة، تعيد فتح نقاطٍ معتمة في الذاكرة.
تبدو الأمور جيدة لها، وأنها في طور التحسن بوجود بنتها “مورينا”، خصوصًا إذا نامت بجوارها، هذا الأمر يشعرها بالسعادة.
مع وظيفة جديدة في متجر الكتب، تتطور حياة “لوثيا”، تعمل ما ودت أن تفعله منذ زمن، فهي مغرمة جدًا بالكتب، وكل شيءٍ يخصها، تصف علاقتها بالكتب أنها “علاقة أكثر حميمية، ما تسميه اتصالًا جسديًا.” الأمر الذي كان يسخر منه “بيدرو”، في مكتبة “أداغيو” وجدت “لوثيا” أخيرًا ضالتها.
“أحب التواصل مع الناس، وبصفة خاصة التواجد بين الكتب.”
الرواية مجملًا جميلة، مكتوبة بأسلوب شديد البساطة، لن تشعر بملل نهائي أثناء القراءة، خصوصًا مع الفصول الصغيرة التي تتميز بها الرواية، كذلك الترجمة جميلة ومبذول فيها جهد كبير.