بدأ قادة الدول الإسلامية المشاركين في قمة “كوالالمبور 2019” الإسلامية المصغرة التي تستضيفها ماليزيا، في تطبيق أولى أهداف القمة، وأبرزها تعزيز الشراكة بين الدول المشاركة من خلال إمضاء اتفاقيات شراكة في عدة مجالات مختلفة، من شأنها أن تضفي طابعًا جديدًا للعلاقات بين هذه الدول وتجعلها قوة لا يستهان بها.
استغلال مكامن القوة
عادةً، ما يكتفى بعض القادة في ترديد الشعارات والخطابات المكررة، غير أنهم في قمة كوالالمبور تجاوزوا ذلك إلى التفكير في وضع حلول عملية على أرض الواقع، ومن ثمّ تنفيذها عبر جملة من الاتفاقيات البينية الموقعة، مستغلين ما تتمتع به الدول المشاركة من قوة استراتيجية واقتصادية.
وبدأت، الأربعاء، في العاصمة الماليزية كوالالمبور، القمة الإسلامية المصغرة، التي دعا إليها رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد، من أجل بحث إستراتيجية جديدة للتعامل مع القضايا التي يواجهها العالم الإسلامي، ويشارك في القمة زعماء ماليزيا، تركيا، قطر، إيران، وممثلي 18 دولة وما يقرب من 450 عالمًا ومفكرًا.
تتمتع الدول المشاركة في القمة، بمخزون بشري وجغرافي قوي يبلغ تعداده، بعد انسحاب باكستان، 200 مليون نسمة، تتصدرها تركيا بتعداد يبلغ 84 مليونًا، بمساحة نحو 783 ألف كيلو متر مربع، في موقع جغرافي استراتيجي، يقع بين قارتي آسيا وأوروبا.
هذه الامتيازات المتناثرة، يعمل القادة المشاركون في القمة الإسلامية أن تتوحّد وتصبح قوّة واحدة في الوقت الذي يشهد فيه العالم الإسلامي هوانا كبيرا وتراجعا لا مثيل له
تليها، إيران بنسبة تتجاوز 82 مليون نسمة، ومساحة أكثر من 1.6 مليون كيلو متر مربع، بينما يبلغ تعداد ماليزيا نحو 32 مليون نسمة، ومساحة نحو 330 ألف كم مربع، وأخيرًا قطر، التي يبلغ تعدادها نحو ثلاثة ملايين نسمة، على مساحة تبلغ نحو 11.5 ألف كم مربع.
كما أن الدول الأربع التي تترأس القمة، تمتلك إمبراطورية اقتصادية هائلة، تضعها على خارطة الاقتصاد العالمي وتؤهلها لترجمة سياساتها بصورة كبيرة، تتصدرها أنقرة باحتلالها رقم 13 هذا العام، في قائمة اقتصاديات العالم، كما أنها عضو في حلف الناتو، ومجموعة العشرين لأكبر اقتصاديات العالم، تليها ماليزيا في المرتبة الـ 37 عالميًا من حيث إجمالي الناتج المحلي.
أما على الصعيد العسكري، تمتلك تلك الدول قوة ردع قوية، حيث تحتل تركيا المركز التاسع عالميًا بين أقوى الجيوش، وفقًا لتصنيف موقع “جلوبال فاير باور” المتخصص في الشؤون العسكرية، أما إيران تحتل المرتبة الـ 14 عالميًا، فيما تأتي ماليزيا في الترتيب الـ 41 عالميًا، وأخيرًا قطر التي تحتل الترتيب الـ 100 عالميًا.
يعمل القادة المشاركون في القمة الإسلامية على أن تتوحّد هذه الامتيازات المتناثرة وتصبح قوّة واحدة في الوقت الذي يشهد فيه العالم الإسلامي هوانًا كبيرًا وتراجعًا لا مثيل له، جعل معظم دول العالم تتجاوزه وتستهين بإمكانياته.
كما يرى هؤلاء القادة أن استغلال القواسم المشتركة التي تجمع بينهم على جميع الأصعدة وما تمتلكه من إمكانيات بشرية واقتصادية وعسكرية، كفيل بأن يكون نواة حقيقية لتشكيل تكتل قادر على ترجمة ما يخرج عنه من قرارات إلى إجراءات ملموسة على أرض الواقع.
منصّة قوية ضد الإسلاموفوبيا
تضمنت أهداف القمة مكافحة المواقف المعادية للإسلام والتصدّي لها، لما تمثّله هذه الظاهرة من تشويه كبير للمسلمين، وعلى إثر ذلك وقّعت تركيا وماليزيا، على مذكرة تفاهم حول مكافحة هذه الظاهرة من خلال تأسيس مركز اتصالات في إسطنبول.
وتحمل المذكرة اسم “مشروع التواصل لمكافحة الإسلاموفوبيا”، ويشمل تنفيذ مشروع اتصال مشترك لمكافحة المواقف المعادية للإسلام، وتأسيس هيكلية مشتركة في هذا الإطار، كما يهدف المشروع إلى دحض الأحكام المسبقة من النواحي المؤسسية والهيكلية والخطابية، وكل ما يتعلق بالتعصب ضد الإسلام والمسلمين.
إضافة إلى ذلك، يسعى المشروع إلى القضاء على المفاهيم والتصورات السلبية عن الإسلام، وزيادة الوعي العالمي بالقيم الإسلامية الحقيقية، وتوفير منصة متخصصة في تبادل المعلومات التي تهدف إلى دعم المسلمين وتحسين صورتهم ضد المواقف المعادية للإسلام، إلى جانب تعزيز العلاقات بين العالم الإسلامي والغربي من أجل الحد من الصور النمطية والمعتقدات الخاطئة.
هذه الاتفاقيات الموقعة بين الدول المشاركة في القمة الإسلامية المنعقدة بكوالالمبور الماليزية من شأنها أن ترتقي بالعلاقات بين هذه الدول
وبحسب المذكرة أيضًا، سيتم تأسيس مركز اتصالات في مدينة إسطنبول، ليكون بمثابة مركز قيادة المشروع بأكمله، وبعد ذلك، من المقرر إنشاء منصة للبث باللغة الإنجليزية، تركز على مكافحة المواقف المعادية للإسلام، حيث سيقوم المركز بتشغيل منصة رقمية مع التركيز على مشاركة الأخبار والأفلام الوثائقية ومقاطع الفيديو الإعلامية والمحتويات المماثلة الأخرى.
كما سيتم تأسسيس مركز اتصالات داخل المركز المذكور، لجمع البيانات واستخدامها في خلق وعي عالمي حول الإسلاموفوبيا وما يتعرض له المسلمون حول العالم من اضطهاد وتمييز. فقد سبق أن أعلن رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، فخر الدين ألطون، أن بلاده تعتزم بالتعاون مع ماليزيا وباكستان، تأسيس مركز قوي وقناة للإعلام والاتصالات، تحت مظلة مكافحة الإسلاموفوبيا.
الصناعات الدفاعية والتكنولوجية
لم تقتصر الاتفاقيات المبرمة بين تركيا وماليزيا على هامش القمة الإسلامية على مكافحة الإسلاموفوبيا، بل شملت أيضًا مجال الصناعات الدفاعية والعلوم والتكنولوجيا، مع التأكيد من الرئيس الماليزي، مهاتير محمد، بأن تركيا متقدمة في الصناعات الدفاعية، وماليزيا تتعلم الكثير منها فيما يخص هذه الصناعة.
علاوة على ذلك، شهدت أعمال القمة المصغرة، توقيع 14 اتفاقية حسن نية بين شركات دفاع وتكنولوجيا تركية وماليزية، من أجل تعزيز التعاون بين البلدين في هذه المجالات الحيوية، خاصةً في ظلّ القفزة النوعية التي حققتها تركيا في هذه القطاعات.
ففي السنوات الأخيرة، لمع اسم تركيا في مجال الصناعات الدفاعية، بفضل أبحاثها وابتكاراتها في نظم الاتصالات العسكرية والمدنية وأنظمة الرادار والحرب الإلكترونية والأنظمة الكهربائية الضوئية وأنظمة التحكم، وإنتاج الطائرات المسيرة ومروحيات أتاك والعنقاء وغوك باي والمقاتلة المحلية والمدرعات.
جاءت هذه الاتفاقيات تجسيدًا لما دعا له القادة المجتمعون في القمة، حيث طالب مهاتير الدول الإسلامية بالتخلص من التبعية الغربية، قائلًا: “نحن نعتمد في مجال التكنولوجيا على غير المسلمين، ونحاول أن نصل إلى تقدمهم”، داعياً إلى وضع استراتيجيات للتنمية، تكون محدَّثة بشكل عاجل، لكي تتواكب مع التكنولوجيا الناشئة في العالم الغربي.
كما نادى بشكل عاجل بالاعتماد على الذات، والاستثمار في العقل، من أجل مواكبة التقدم العلمي، مؤكداً أنه ليس لدى الدول الإسلامية إلا البدء بالعمل وتحقيق الإبداع والتقدم التكنولوجي، وإلا فإن بلادنا ستظل خاضعةً للغرب.
بالنهاية، من شأن هذه الاتفاقيات الموقعة بين الدول المشاركة في القمة الإسلامية أن ترتقي بالعلاقات بين هذه الدول، وأن تعجّل أيضًا في صناعة قوة متماسكة ومكانتها في العالم الذي لا مكان للدول الضعيفة فيه.