قامت تركيا قبل عدة أشهر بتنفيذ أكبر مناورة بحرية في تاريخها بمشاركة أكثر من 100 سفينة حربية في فبراير 2019 قبل أن تقوم بتنفيذ مناورة أكبر وهي مناورة “ذئب البحر” في مايو 2019 والتي شاركت فيها أكثر من 130 سفينة كما شاركت بها طائرات حربية ومروحية، ولكن المناورة الأولى سلطت الضوء على مصطلح مهم هو مصطلح “الوطن الأزرق”. وهو يشير بالدرجة الأولى إلى أن الوطن لا ينحصر بالسيادة على البر، بل على الجانب المتصل به من البحر أو المياه المحيطة بالدولة وهي 3 بحار في حالة تركيا.
وقد نشر موقع الرئاسة التركي في يوليو 2019 صورة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في حفل لطلاب جامعة الدفاع التركي، تظهر خلفه مباشرة خريطة مكتوب عليها الوطن الأزرق وبجوارها كتب الرقم 462 ألف كيلومتر مربع في إشارة إلى المساحة التي تمثلها المياه الإقليمية التركية، وهي نصف مساحة البر التركي تقريبًا، وقد أثارت الصورة جدلًا لأنها غطت الحدود البحرية التركية في بحر إيجه وشملت عددًا من الجزر المتنازع عليها مع اليونان، وربما ظهرت الخريطة بشكل واضح عندما شارك أحد مسؤولي وزارة الخارجية التركية على حسابه على تويتر مجموعة من الخرائط بعد الاتفاق الأخير في نوفمبر بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية حول تحديد مناطق الصلاحية البحرية.
الصورة التي أثارت مصطلح الوطن الأزرق في حفل جامعة الدفاع التركية
ويمكن تقييم الاتفاق البحري الأخير مع ليبيا في ذات سياق تطبيق السيادة على الوطن الأزرق حيث يتقاطع هذا مع الاتفاقية بالإضافة إلى أهداف أخرى.
ينسب الأدميرال البحري المتقاعد جيم غوردنيز لنفسه أسبقية المناداة بتطبيق مصطلح الوطن الأزرق في عام 2006، ويقول هذا الجنرال أنه دفع ثمنًا بسبب هذه الأفكار حيث قام تنظيم غولن بتلفيق التهم له، حسب ادعائه. وقد أعلن أنه يشعر بالفخر لأن هذا المصطلح تم إطلاقه على أكبر مناورة بحرية في تاريخ تركيا.
ويظهر المقطع التالي جانبًا من الفعاليات في مناورات الوطن الأزرق والتي شاركت بها مجموعة من الدول مثل قطر وانجلترا وألمانيا وأذربيجان والبوسنة والهرسك.
ومن الواضح أن تركيا قررت نشر قواتها البحرية وبوارجها وسفن التنقيب والبحث في مناطق “الوطن الأزرق” التي تشمل مناطق الصلاحية أو السيادة التركية في المياه المحيطة بها في البحار الثلاثة البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط وبحر إيجة.
وهي مصممة على إظهار قوتها وسيادتها في إطار رادع للجهات المتنافسة معها أو التي تريد عزلها وخاصة قبرص واليونان.
ويرى عدد من الخبراء العسكريين والجنرالات المتقاعدين أن مناورات الوطن الأزرق التي قامت بها تركيا مؤخرًا هي رسالة بأن قواتها البحرية استعادت عافيتها بعد محاولة الانقلاب الفاشلة وقد كانت القوات البحرية من أكثر القوات التي تغلغل بها تنظيم غولن وأن القوات تم تطهيرها من التنظيم وبالتالي شهدت الأمور بعد 2016 سرعة كبيرة في تنفيذ المشاريع الوطنية التي تخدم الأهداف الحقيقية للبلد وليس أعدائها أو أطراف خارجية أخرى.
وفي هذا السياق يقول الجنرال المتقاعد علي دنيز كوتلوك أن جماعة غولن لم تستطع الوصول لأهدافها في القوات البحرية وأن على الذين يعتقدون أن القوات البحرية تضررت بسبب تنظيم غولن أن يعيدوا التفكير مرة أخرى”.
لا تزال تركيا تقارع وتسعى للحفاظ على الوطن الأحمر أو البر التركي وفي نفس الوقت فإن سعيها لتأمين الوطن الأزرق يعطيها درعا إضافيا وقوة إضافية
من زاوية أخرى لعل أهم منطقة في الوطن الأزرق هي منطقة شرق المتوسط حيث توجد خلافات بين تركيا واليونان وتركيا وقبرص الرومية، وكذلك تعتبر أغنى المناطق في احتيطات الطاقة، وقد ذكرت الصحافة التركية أن احتياطات الطاقة المكتشفة شرق المتوسط تغطي احتياجات تركيا من الطاقة لأكثر من 500 سنة.
وبالرغم من تأكيد الرئيس أردوغان على تنفيذ نفس السياسة في البحر الأسود إلا أنه من المنطقي أن تشهد منطقة شرق المتوسط عرضًا أكبر للقوة فهي من أكبر سواحل تركيا وتشهد تنافسًا وتنازعًا كبيرين.
إن تعبير “الوطن الأزرق” مصطلح يدغدغ العواطف الوطنية، ولهذا يعتبر اختياره ذكيًا فهو يضمن إجماع كافة الأحزاب السياسية في تركيا وحتى من له اعتراض فهو لا يجرؤ على التصريح المباشر به نظرًا لأن غالبية الرأي العام التركي تنظر بافتخار إلى الوطن الأزرق وتدعم كل محاولات فرض السيادة والردع للقوات المسلحة التركية عليه.
لا تزال تركيا تقارع وتسعى للحفاظ على الوطن الأحمر أو البر التركي، وفي نفس الوقت فإن سعيها لتأمين الوطن الأزرق يعطيها درعًا إضافيًا وورقة قوة في أي ملف من ملفات علاقاتها الدولية، إذ أن موقع تركيا البري والمائي يجعلها مرتبطة بكافة القضايا في الأقاليم المحيطة بها.