يعد مرض السرطان المرض الأكثر فتكاً بين سائر الأمراض، فانتشاره واسع ونسب الشفاء منه تكون قليلة، فبحسب إحصاءات مجلة أبحاث السرطان في المملكة المتحدة، تم تشخيص أكثر من 17 مليون حالة سرطان في جميع أنحاء العالم طوال عام 2018، توفي منهم حوالي 9.6 مليون شخص، ويشير البحث نفسه إلى أنه سيتم تشخيص 27.5 مليون حالة سرطان جديدة كل عام بحلول عام 2040.
وتكمن خطورة هذا المرض في عدم التعرف عليه أو تشخيصه في وقت مبكر، فهو لا يظهر أي أعراض في البدء، ويتم تحديده في جسم المريض غالباً في مراحل تطور المرض الأخيرة وبعد فوات الأوان.
كيف يتكون السرطان؟
ينشأ المرض بحدوث تغيرات داخل خلايا جسم الإنسان، والتي تكون في الأساس عدد ثابت داخل الجسم، وكل خلية تؤدي عدد محدد من الانقسامات.
جميع الخلايا لديها مركز تحكم يسمى النواة، وهو المكان الذي توجد فيه الكروموسومات، التي تتكون من آلاف الجينات.
تحتوي الجينات على سلاسل طويلة من الرسائل المشفرة بالحمض النووي والتي تحدد كيفية تصرف كل خلية.
عند حدوث أي خلل في أوامر الانقسامات يؤدي إلى نموها وتكاثرها بشكل غير طبيعي لتشكل كتلة كبيرة تعرف باسم “الورم”.
يمكن أن يحدث هذا الخلل بعدة أسباب، مثل عوامل كيمائية أو وراثية أو نمط الحياة للإنسان، كالتدخين مثلاً.
تشخيص المرض
يتفق جميع الباحثين وعلماء الأورام على أن الكشف المبكر عن السرطان يزيد من فرص بقاء المريض بشكل كبير.
لسوء الحظ يتم تشخيص معظم مرضى السرطان في المراحل النهائية من المرض.
وفي هذه المراحل، انتشر الورم بشكل مفرط ولم يترك أي خيارات علاجية أفضل لإيقاف ورم خبيث أو الإزالة الكاملة للسرطان.
علماً بأن نسبة الشفاء من السرطان تصل لحد 80% في حال تم الكشف عن أنواع معينة من السرطانات مثل سرطان الرئة والبروستات.
بعد الشكوك الأولية من قبل المختصين بوجود ورم عند الإنسان يتم التحول للمرحلة الثانية ليتم التأكد من صحة استنتاجاتهم وهو إجراء الخزعة، وهو إجراء جراحي يتطلب غرز إبرة متخصصة لداخل الورم وأخذ عينة وإجراء عملية زرع للأنسجة ليتم تحديد الورم بالحميد أو الخبيث، ومع ذلك أيضاً قد تحدث أخطاء أثناء التشخيص.
الذكاء الاصطناعي ومساهمته في كشف السرطان
لا يشك أحد بمقدار الثورة التي أحدثها الذكاء الاصطناعي في القطاع الصحي وغيرها من القطاعات، إذ أظهرت خوارزمياته القدرة على التعامل مع كميات هائلة من البيانات يصعب على البشر تصنيفها أو تحليلها.
حيث يمكن لخوارزميات التعلم الآلي اكتشاف الأنماط التي قد تكون غير مرئية للبشر في صور الأشعة السينية، وهي قادرة على معالجة العديد من هذه الأنماط، والأهم من ذلك هي قللت نسبة الخطأ الذي يمكن أن يحدث من قبل البشر.
فعلى سبيل المثال أظهر فريق من الباحثين من مركز بيث الطبي في كلية الطب بجامعة هارفارد بقيادة الدكتور أندرو بيك أن تحليل البيانات من خلال التعلم العميق قد قلل من معدل الخطأ في تشخيص سرطان الثدي بنسبة 85 ٪.
وقال الدكتور بيك: “كان الهدف هو بناء نظام حسابي للمساعدة في تحديد المناطق المنتشرة من السرطان في الغدد الليمفاوية، وكانت النتائج مذهلة لأنها نجحت في تشخيص السرطان بدقة 92 ٪، ومع مزيد من التحسينات في الخوارزمية، حقق الباحثون دقة 97 ٪ في النتائج”.
الأورام التي تمكن الذكاء الاصطناعي من تشخيصها:
1 سرطان الثدي
سرطان الثدي هو النوع الأكثر انتشاراً بين النساء مقارنة بباقي الأنواع، وجرت عدة أبحاث لاستثمار أمكانيات AI بغية تشخيصه مبكراً منها:
قام باحثون من جامعة جنوب كاليفورنيا في لوس أنجلوس بتدريب خوارزمية للتمييز بين الأورام الخبيثة والحميدة في فحص الثدي.
قام الباحثون بتدريب خوارزمية التعلم الآلي الخاصة بهم، والتي يشيرون إليها على أنها شبكة عصبية تلافيفية عميقة، باستخدام أكثر من 12000 صورة اصطناعية.
بحلول نهاية العملية، كانت الخوارزمية دقيقة بنسبة 100٪ على الصور الاصطناعية؛ بعد ذلك، انتقلوا إلى فحوصات الحياة الحقيقية، وكانت دقة خوارزمياتهم 80%.
في دراسة أخرى، صمم آدم يالا وزملاؤه في قسم الهندسة الكهربائية وعلوم الحاسوب بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا خوارزمية تحليل كثافة الأنسجة في الثدي.
بعد فحص كمية هائلة من بيانات مرضى سرطان الثدي، خلص الباحثون إلى أن “نماذج التعلم العميق” التي تستخدم تصوير الثدي بالأشعة السينية تعطي تمييزًا محسّنًا بشكل كبير.
كما أعد باحثو مختبر علوم الحاسوب والذكاء الاصطناعي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ومستشفى ماساتشوستس العام نموذجًا للتعلم العميق لتفسير الصور باستخدام الذكاء الاصطناعي.
باستخدام بيانات من أكثر من 90000 صورة شعاعية للثدي، حدد النموذج نموًا خبيثًا لم تتمكن العين البشرية من التعرف عليه.
كما أظهر نموذجهم قدرته على التنبؤ فيما إذا كان المريض سيصاب بسرطان الثدي مدة تصل إلى خمس سنوات.
يعمل الباحثون في جامعة إمبريال كوليدج في لندن مع DeepMind Health لتطوير التقنيات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي لتحسين دقة الكشف عن سرطان الثدي.
من خلال دراسة 7500 من تصوير الثدي بالأشعة السينية مجهولة المصدر، يأملون في إنشاء برنامج من شأنه أن يقلل من التشخيص الخاطئ.
2 سرطان الرئة
سرطان الرئة السبب الرئيسي لوفيات السرطان في جميع أنحاء العالم، حيث يتوفى سنوياً 1.8 مليون شخص بسببه، ويكمن التحدي في العثور على العقيدات الخبيثة في وقت مبكر.
وتشير دراسة أمريكية إلى أن الذكاء الاصطناعي أفضل من الأطباء المتخصصين في تشخيص سرطان الرئة.
وقام باحثون في جامعة نورث وسترن في إلينوي بالتعاون مع جوجل بدراسة لاكتشاف أنماط لتشخيص سرطان الرئة.
تم تدريب برنامج الكمبيوتر باستخدام 42،290 من فحوصات الرئة المقطعية من حوالي 15000 مريض، وبعدها عرضت عليه صور أخرى وتم اختباره فكانت تشخيصاته دقيقة جداً.
3 سرطان الجلد
تم اختبار خوارزميات التعلم الآلي لتشخيص سرطان الجلد بواسطة الباحثين في جامعة ستانفورد، قارن الباحثون أيضًا هذه النتائج بأطباء الجلدية المعتمدين، ولوحظ قدرة أجهزة الحواسيب على اكتشاف سرطان الجلد بدقة عالية جداً.
إذ تمكن من اكتشاف السرطان في الشامات بنسبة دقة 95%، مقارنة بالأطباء البشريين الذين اكتشفوها بنسبة 87%.
4 سرطان القولون والمستقيم
طور باحثون صينيون خوارزمية يمكنها تشخيص سرطان البروستاتا بدقة مثل طبيب الأمراض.
اختبر الباحثون الأداة المتاحة تجاريًا للكشف عن سرطان القولون والمستقيم، ووجدوا أن خوارزمية التعلم الآلي حددت الأفراد الذين يعانون من خطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم أعلى بعشرة أضعاف في المراحل القابلة للشفاء.
كما طور علماء من يوكوهاما، اليابان، برنامجًا يمكنه اكتشاف سرطان القولون والمستقيم في مراحله الأولى بدقة 86٪.
غالبًا ما يصعب تحديد موقع هذا النوع من السرطان قبل أن تصبح الأورام خبيثة ومميتة، حيث تدخل الخلايا السرطانية إلى مجرى الدم ، لذلك فإن الاكتشاف المبكر أمر بالغ الأهمية.
5 سرطان الجينوم
ذكرت Nature أن مركز الجينوم في نيويورك يعتمد على برنامج فريد لفحص مرضى الورم الأرومي الدبقي، وهو نظام ذكاء اصطناعي طورته شركة IBM يطلق عليه Watson. اكتسب Watson شهرة في عام 2011 بفضل أدائه الممتاز في عرض دعائي عن الجهاز.
الهدف من برنامج Watson من IBM هو التمكن من قراءة ملفات المرضى ومن ثم الوصول إلى المعلومات ذات الصلة اللازمة لتقديم خطة التشخيص والعلاج الأكثر دقة.
6 سرطان البروستات
يعتبر نظام FocalNet، نظام الذكاء الاصطناعي الذي طوره مؤخراً باحثون في جامعة كاليفورنيا، يمكن أن يساعد أخصائيي الأشعة والأورام في تشخيص سرطان البروستاتا.
كما طور باحثون صينيون خوارزمية يمكنها تشخيص سرطان البروستاتا بدقة مثل طبيب الأمراض.
7 سرطان الرأس والعنق
طور الباحثون في جامعة تكساس بهيوستن برنامجًا لتحديد شكل أورام سرطان الرأس والعنق بدقة، وأظهر الأطباء المدربون إجراء تقييمات متفاوتة على نطاق واسع لحجم الورم.
يتيح هذا البرنامج لعلماء الأورام بالإشعاع استهداف علاجهم بشكل أكثر دقة، ولا سيما الحرجة منها بسبب الأنسجة الضعيفة الأخرى الموجودة بالجوار.
8 سرطان غدة درقية
الغدة الدرقية هي غدة صغيرة في مقدمة الرقبة البشرية تتحكم في عملية الأيض.
كل عام، يصاب حوالي 12000 رجل و 35000 امرأة بسرطان الغدة الدرقية، ويموت أكثر من 900 رجل و 1100 امرأة بسبب المرض، حسب مركز السيطرة على الأمراض.
يبدأ سرطان الغدة الدرقية في الغدة الدرقية وعادة ما يتم تحديده من قبل الأطباء من خلال الموجات فوق الصوتية أو أدوات التصوير الأخرى.
لكن العقيدات الدرقية، وهي كتل صغيرة تتشكل في الغدة الدرقية، ليست سرطانية دائمًا.
ومع ذلك، نظرًا لوجود إرشادات محدودة حاليًا تخبر الأطباء بما يجب فعله مع عقيدات الغدة الدرقية التي تقع في المنطقة الرمادية – الكتل التي يتعذر التعرف عليها بسهولة على أنها حميدة أو سرطانية-، يتم تشخيص المرضى بشكل غير صحيح وقد يتعرضون لجراحة غير ضرورية عند التعرض لخطر الإصابة بالسرطان.
طور فريق بحثي من جامعة جيفرسون خوارزمية حققت دقة 97 في المائة في تحديد نمو الغدة الدرقية الحميد و 90 في المائة دقة في الكشف عن نمو الغدة الدرقية السرطانية.
شركات فاعلة في أبحاث الذكاء الاصطناعي في مجال الكشف عن السرطان
شركة جوجل
تعمل Google أيضًا على تطوير “مجهر الواقع المعزز” الذي يمكن أن يعزز أداء المجهر الضوئي الحالي، وهذا النهج الجديد الذي يستخدم الذكاء الاصطناعي سيكون قادراً على توليد نتائج أسرع من المجهر اليدوي.
شركة Pfizer
في عام 2016، عقدت شركة Pfizer Inc شراكة مع IBM Watson، وهي منصة تعليمية عميقة تستخدم المؤلفات الطبية الشاملة، وتحلل هذا السجل الطبي، وتولد خيارات علاجية حديثة.
شركة Aidence
Aidence، هي شركة ناشئة مقرها أمستردام، والتي طورت برمجيات تحليل الصور الطبية القائمة على التعلم العميق.
Veye Chest، يساعد أخصائي الأشعة على اكتشاف العقديات الرئوية والإبلاغ عنها على صورة للصدر بالأشعة المقطعية، وقد تم نشره بالفعل في 10 مستشفيات، حسبما تقول الشركة الناشئة.
شركة صوفيا
في سويسرا ، تستخدم Sophia Genetics الذكاء الاصطناعي لتحديد الطفرات الجينية وراء السرطان لمساعدة الأطباء في وصفة العلاج الأفضل.
تحديات
لا يزال تطبيق الذكاء الاصطناعي على الأورام بحاجة إلى التغلب على بعض العقبات الرئيسية. بادئ ذي بدء، يتعين على علماء البيانات التعامل مع السجلات الصحية الإلكترونية غير المنظمة والبيانات الواردة من مصادر متعددة تم جمعها وتنظيمها لأغراض مختلفة.
لا تحتوي معظم قواعد البيانات الروتينية على الجودة الكافية لاستخدامها بواسطة خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحقيق معايير الجودة المطلوبة للتجارب السريرية.
كما أن الكثير من الهيئات الصحية لم تمنح الموافقات على استخدام تلك التقنيات في مشافيها.
خاتمة ٥
لا ينبغي النظر إلى الذكاء الاصطناعي كحل مستقل لتشخيص أو علاج المرضى في بيئة غير خاضعة للرقابة تمامًا.
بل إنه حل تم إنشاؤه ليكون مساعدًا ذكيًا ومفيدًا للأطباء الذين لديهم رؤية لا تقدر بثمن وشاملة لحالة المريض والتاريخ الطبي السابق.
إنه مثال رئيسي على كيفية عمل البشر والتكنولوجيا معًا، وليس ضد بعضهم البعض.
الشيء الذكي الذي يجب القيام به هو رؤية الذكاء الاصطناعي كما هو: أداة يمكن أن تساعد في المناطق التي تظل فيها القدرات البشرية محدودة.