المتابعين للمشهد التربوي في الجزائر، إلى طريقة تعاطي الرئيس الجزائري الجديد عبد المجيد تبون مع مطلب تصدر شعارات الحراكيين منذ انطلاق الحراك في 22 فبراير/ شباط الماضي، والمتمثل في إسقاط لغة ” موليير” ( الفرنسية )، فكل جمعة ترفع شعارات من نوع: ” خُذ السبحة والعن فرنسا ” وهي إحدى المقولات التي رددها أحد قادة جمعية العلماء المسلمين ( أكبر تجمع لعلماء الدين بالبلاد ).
وأصبح هذا المطلب يتردد بشكل كبير على لسان أولياء التلاميذ في المدارس والطلبة الجامعيين وحتى الأساتذة والباحثين، باعتبار أن ” اللغة الإنجليزية هي اللغة الفضلة والسائدة في العالم “، ولجأ قطاع عريض منهم إلى مراكز التكوين المتخصصة في الإنجليزية لتعلمها.
تجاوب رسمي مع المطلب الشعبي
وقُوبل مطلب وقف التعامل باللغة الفرنسية في المدارس والجامعات وتعويضها باللغة الإنجليزية, بتجاوب رسمي من طرف الحكومة, وأطلق وزير التعليم العالي الجزائري, الطيب بوزيد, استبيان لفائدة الإطارات الأكاديمية الجامعية والطلبة، حول قرار استبدال اللغة الفرنسية باللغة الإنجليزية, وهي الخطوة التي حظيت بنسبة قبول عالية.
ولم تكن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي, الوحيدة في البلاد التي قررت التخلي التدريجي عن اللغة الفرنسية, وأعلنت وزارة التربية إلغاء امتحان مادة اللغة الفرنسية من الامتحانات المهنية للترقية في القطاع، وهي سابقة في تاريخ القطاع.
كذلك أشاد وزير العمل والتشغيل الجزائري, تيجاني حسان هدام بـ ” تطوير اللغة الإنجليزية في الجزائر وتحل محل اللغة الفرنسية لأنها ليست بلغة عالمية وينحصر التعامل بها على مستوى بلدان معينة فقط “.
وأعلن أن ” المدرسة العُليا للضمان الاجتماعي ” التابعة لقطاعه ستشرع في التدريس باللغة الإنجليزية انطلاقا من الدخول الاجتماعي القادم, كتجربة أولى لتمكين البلدان الأفريقية، خصوصا تلك الناطقة بالإنجليزية للاستفادة من خدمات هذه المدرسة العليا وذلك في إطار المسعى الرامي إلى تعزيز دور هذا الصرح العلمي على المستويين الإقليمي والقاري في مجالات التكوين.
هذه القرارات دفعت بالسفير الفرنسي بالجزائر للجهر علنا بمخاوف بلاده باريس على مكانة اللغة الفرنسية بالجزائر، وقال كزافييه درينكورت بلغة صريحة وواضحة: ” باريس تُريد الحفاظ على علاقات البلدين خاصة في المجال التربوي، والذي يلخصه التعاون المطلق بين المعاهد الفرنسية والجزائرية، والتبادلات بين الجامعات، وتدريس اللغة الفرنسية، نعمل جميعًا هنا لتطوير هذا الإرث الذي ورثناه “.
هل سيتخلى تبون عن الفرنسية ؟
غير أن الرئيس الجزائري الجديد, عبد المجيد تبون, في خضم حملته الانتخابية مؤشرات توحي بتوجهه نحو إعادة النظر مكانة اللغة الفرنسية في جميع الميادين, حيث باتت هذه الأخيرة تتفوق على العربية في الشارع وفي المدرسة الجزائرية التي شهدت إصلاحات عميقة منذ إعلان بوتفليقة تعيين نورية بن غبريت على رأس قطاع التربية في 5 مايو/ آيار 2014, حيث رفضت هذه الأخيرة مُقترح التدريس باللغة الإنجليزية في المدارس الابتدائية.
ورفض تبون, في مؤتمر صحفي, عقده بتاريخ 9 نوفمبر / تشرين الثاني الماضي, الحديث باللغة الفرنسية في رده على سؤال طرح بها, كما أنه قال لدى نزوله ضيفا على إحدى القنوات المحلية الخاصة, إن ” الفرنسية غنيمة حرب ” مقولة أحد المؤسسين للأدب المغاربي المكتوب بالفرنسية كاتب ياسين, والذي اختار بعد الاستقلال التوقف عن الكتابة بلغة ” موليير ” والعودة إلى الثقافة المحلية.
توقعات باختفائها بحلول 2050
وتوقع رئيس المجلس الأعلى للغة العربية صالح بلعيد اختفاء اللغة الفرنسية من التداول في العديد من دول العالم كلغة أجنبية أولى, وأكد أن الفرنسية لن تكون لغة “الفرنكة” بحلول سنة 2050 وفقا لدراسة أعدّها المجلس.
وحسب نتائج هذه الدراسة التي أعلن عنها صالح بلعيد بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية يرتقب أن تتفوق اللغة العربية قريبا في حين ستبقى اللغات الأكثر تداولا في العالم هي الإنجليزية ثم العربية فالإسبانية، تعقبها اللغة الروسية محصيا تداول مليار و800 مليون ساكن في العالم للغة العربية، التي أصبحت لغة رسمية على مستوى 60 دولة.
الحراك طواها
ويقول في هذا السياق الناشط السياسي والبرلماني السابق, محمد حديبي لـ ” نون بوست ” إن ملف اللغة الفرنسية طوته الأحداث والوقائع قبل السياسيات والقرارات في إشارة منه إلى انتفاضة الحراك الشعبي المتواصل منذ 22 فبراير / شباط الماضي.
قطاع عريض من المدافعين عن اللغة العربية تجد اسمهم مكتوب بالحرف اللاتيني على الفايسبوك ويتباهون حينما يتكلمون باللغة الفرنسية
ويشير إلى أن اللغة الفرنسية هي لغة مثل باقي لغات العالم لكننا سائرون اليوم نحو توجه آخر لمواجهة تحديات مستقبلية بينها منظومة العولمة ولذلك يقول “حديبي” إنه لا يجب أن نتعامل بلغة لا تتعاطى مع التحولات التكنولوجية والاقتصادية والتجارية.
ودعا النائب البرلماني عن الإتحاد الإسلامي من أجل النهضة والعدالة والبناء, مسعود لعمراوي, إلى إخراج قانون استعمال اللغة الغربية الذي وضعه بوتفليقة حبيس الأدراج، وتعميم استعمالها في كل المجالات وحذف اللغة الفرنسية نهائيا من جميع الوثائق وبدون استثناء وإحلال اللغة الأمازيغية جنب اللغة العربية.
وانتقد لعمراوي بشدة سيطرة اللغة الفرنسية على جميع المجالات واستدل باستعمالها الواسع على مواقع التواصل الاجتماعي وقال: ” قطاع عريض من المدافعين على اللغة العربية تجد أن اسمهم مكتوب بالحرف اللاتيني في صفحات الفايسبوك ويتحدثون بل ويتباهون حينما يتكلمون باللغة الفرنسية”.
واستدل أيضا باستعمال اللغة الفرنسية على لافتات المحلات ويتابع قائلا أنه: ” وبعد 57 سنة من الاستقلال كل الوثائق البنكية وبدون استثناء مكتوبة باللغة الفرنسية، ودفاتر شروط المناقصات باللغة الفرنسية وحتى وزارة الشؤون الدينية لم تسلم من ذلك، أما وثائق شركتي سوناطراك النفطية المملوكة للدولة الجزائرية وسونلغاز للغاز والكهرباء فحدث ولا حرج ناهيك عن وثائق بقية الإدارات “.
وتحدث لعمراوي عن كبار المسؤولين في الدولة الجزائرية ويؤكد أن ” بعضهم يتشدقون ويتباهون بالحديث باللغة الفرنسية لعامة الناس أثناء خرجاتهم الميدانية وحتى في القنوات والإذاعات الناطقة بالعربية أيضا بالرغم من إتقانهم للغة العربية التي يتحدثونها بكل طلاقة لتبقى عقدة أوديب تلاحق الجميع “.
و يقترح رئيس المنظمة الوطنية لأولياء التلاميذ بالجزائر, على بن زينة بالعودة إلى العمل بالقانون الذي صدر في عام 1991 والذي سنَهُ وزير التربية أنذاك على بن محمد وقامت وزيرة التربية السابقة نوري بن غبريت بإلغائه وينص على توزيع استمارات على التلاميذ لاختيار اللغة الأجنبية التي يرغبون في دراستها.