في يونيو 2014 أصدر رئيس مجلس الوزراء المصري آنذاك إبراهيم محلب قرارًا بإلغاء وزارة الإعلام بصورة رسمية كونه مطلبًا شعبيًا، تعزز بصورة أكبر إبان ثورة 25 يناير 2011 التي طالبت بتحرير الإعلام من الرقابة الحكومية ورفع سقف الحريات إلى الحد الذي يسمح للصحفي التعبير عن رأيه دون قيد داخلي أو رقيب رسمي.
لم تتحمل الدولة فكرة غياب الرقيب على المضمون الإعلامي لفترة طويلة، خشية أن يتجاوز الأمر الخط الأحمر الذي وضعه النظام حفاظًا على استقراره وبقاءه، ومن ثم بات التفكير في آلية أخرى لإحكام القبضة على وسائل الإعلام أمرًا غاية في الأهمية، وعليه تم استحداث هيئات أخرى جديدة تحل محل وزارة الإعلام لكن بمسميات مختلفة.
وفي 2017 أصدر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، 3 قرارات جمهورية (158-159-160) بتشكيل: المجلس الأعلى لتنظيم الاعلام، والهيئة الوطنية للصحافة، والهيئة الوطنية للإعلام، طبقًا لنصوص ومواد القانون 92 لسنة 2016، وهي الكيانات التي نجحت في خنق الحريات الإعلامية بصورة غير مسبوقة في التاريخ المصري.
ورغم تأدية الهيئات الثلاث لدورها على أكمل وجه في تفريغ المنظومة الإعلامية من مضمونها الحقيقي عبر اعتماد إستراتيجية الصوت الواحد وملاحقة كافة المغردين خارج السرب، في الداخل والخارج على حد سواء، غير أنه من الواضح أن هذا الأداء لم يكن مرضيًا بالشكل الكاف.
بالأمس وبينما ينتظر المصريون التعديل الوزاري الجديد فوجئوا بإعادة حقيبة الإعلام مرة أخرى بعد 5 سنوات من الإلغاء، وإسنادها إلى وزير الإعلام الأسبق أسامة هيكل، قرار أثار الكثير من الجدل لدى الشارع الذي بات يتساءل حول دوافع هذه الخطوة في هذا التوقيت، ومدى دستوريتها، وما هي المهام الموكلة للوزير الجديد وأخيرًا.. ما مصير الهيئات الثلاث؟
اسامه هيكل وزيرا للاعلام واستدعي لآداء القسم ظهر اليوم
— مصطفى بكري (@BakryMP) December 22, 2019
فشل إدارة الملف الإعلامي
في الـ20 من نوفمبر/تشرين الثاني الحاليّ نقل موقع “مدى مصر” عن مصدرين داخل جهاز المخابرات العامة الذي يعمل به، نجل الرئيس، محمود السيسي، أنه “سيكون مبعوثًا عسكريًا لمصر لدى روسيا، والقرار اتخذ، على أن يكون تنفيذه في 2020، بعد فترة ابتعاث قصيرة لمحمود السيسي من المخابرات العامة إلى المخابرات الحربية، يليها ترشيحه للمنصب الجديد”.
القرار وبحسب المصادر “اُتخذ قبل أيام لأداء مهمة عمل طويلة في بعثة مصر العاملة في روسيا، وذلك بعدما أثرت زيادة نفوذه سلبًا على والده، فضلًا عن فشله في إدارة عدد من الملفات التي تولاها” غير أنهما لم يُحددا المدة التي سيقضيها في موسكو، لكنهما اتفقا على أنها مهمة طويلة الأجل قد تستغرق شهورًا، وربما سنوات.
أما عن دوافع القرار فكانت لفشل السيسي الإبن في إدارة الملفات التي أوكلت إليه، على رأسها ملف الإعلام الذي يسيطر عليه مباشرة منذ أكثر من عام، وهي الفترة التي فقد خلالها كثيرًا من تأثيره، لدرجة دفعت السيسي إلى انتقاد الإعلام علانية أكثر من مرة.
إعادة هيكلة شهدتها منظومة الإعلام في مصر خلال الأونة الأخيرة بعدما أبدى الرئيس امتعاضة من التعاطي مع بعض الملفات والقضايا الحساسة التي فشلت الألة الإعلامية فيها
غضب السيسي من فشل إدارة ملف الإعلام تجاوز إبعاد ابنه عن هذا الملف إلى حديث يثار بشأن موقف مشابه تجاه ذراعه اليمني، مدير جهاز المخابرات الحالي ومدير مكتبه السابق، عباس كامل، هذا بجانب الإطاحة برجل عباس الأول والمقرب منه، المقدم أحمد شعبان، لذات السبب.
إعادة هيكلة شهدتها منظومة الإعلام في مصر خلال الأونة الأخيرة بعدما أبدى الرئيس امتعاضة من التعاطي مع بعض الملفات والقضايا الحساسة التي فشلت الآلة الإعلامية فيها، رغم ما تتمتع به من إمكانيات في تحقيق أهدافها المخطط لها، ولعل الموقف حيال تسريبات الفنان المقاول محمد علي بشأن فساد بعض إدارات القوات المسلحة أكبر دليل على سقوط الإمبراطورية الإعلامية التي دشنها النظام لخدمة أجندته الداخلية.
تعددت مظاهر التغييرات التي طرأت على الإعلام خلال الأشهر القليلة الماضية، فبجانب وقف بث قنوات وإعادة افتتاح أخرى، والاستغناء عن إعلاميين وعودة بعضهم، وإزاحة أخرين عن الشاشة، وغلق صحف وفتح مواقع، أسند الرئيس هذا الملف الذي يمثل صداعًا حقيقيًا للنظام إلى صهره الفريق محمود حجازي، رئيس أركان الجيش المصري الأسبق، في خطوة وصفها البعض بأنها استدعاء للضرورة القصوى.
جدلية دستورية
حالة من الجدل أثارها قرار تعيين وزير للإعلام، حيث ذهب فريق إلى أن القرار مخالف للدستور الذي لم ينص على وجود وزارة تحمل هذا الإسم، تاركًا مهمة متابعة الأداء الإعلامية للهيئات الثلاث التي أصدر السيسي قرارًا ببعثها عام 2017، وهو ما يمكن أن يخلق مشكلة حقيقية وفق ما أشار الفقيه الدستوري عصام الإسلامبولي.
إلا أنه وفي المقابل قال أستاذ القانون الدستوري، صلاح فوزي، إن التعديل الوزاري الجديد الذي أجري يصادف صحيح نصوص الدستور، مشيرًا إلى أنه لا يوجد في الدستور نص يقضي بإلغاء وزارة الإعلام، موضحًا في مداخلة تلفزيوينة له أنه لا يوجد نص دستوري يقضي بإلغاء وزارة بعينها، مؤكدًا أن تكليف أسامة هيكل بمنصب وزير دولة للإعلام هو أمر دستوري بامتياز.
وتابع أن تعيين وزير للإعلام هو اختصاص مطلق لرئيس الجمهورية، والمنع أو الحظر بحاجة إلى نص، وطالما لا يوجد نص يمنع التعيين فالأصل هو الإباحة، متابعًا: وزير الإعلام سيكون عضوًا في الحكومة بينما الهيئات الإعلامية ليست كذلك”، منوهًا إلى أن المنصب الوزاري قابل للمساءلة البرلمانية.
الرهان على الوزير الجديد لإصلاح الوضع الحالي رهان محفوف بالمخاطر وفق ما ذهب البعض، إذ أن السلطة الممنوحة لوزير الدولة لا تخول له الصلاحيات الكافية لاتخاذ ما يمكن لتحسين الأداء
وفي تبرير لدستورية القرار ألمح البعض إلى أن هناك فارق بين الوزير ووزير الدولة، فقرار تعيين هيكل جاء أنه “وزير الدولة لشؤون الإعلام”، وفي تعريف مصطلح وزير الدولة بمختلف البلدان، يشار إلى أنه وزير بلا حقيبة وزارية، ووظيفته عادة تكون التنسيق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، مع وجود دور اجتماعي وإداري وسياسي أيضًا، ويكون له حق التصويت داخل مجلس الوزراء، وهذا يُعني أن “هيكل” سيتولى مهام منصبه بلا هيكل إداري وزاري أو مقر حكومي، بل سيكون له مكتبًا بأحد مؤسسات الدولة.
عودة وزارة الاعلام كان مطلبا من العاملين في مجال الاعلام كافة ,لكنني أتساءل عن تسمية الوزارة بوزارة دولة فهذا تحجيم لمسؤوليات الوزير الأستاذ أسامة هيكل-كان الله في عونه – خصوصا ومهمته لن تكون مقتصرة على اعلام الدولة لكنها ستكون شاملة للاعلام الخاص.المهم أن يتوقف”العك”في هذا الملف pic.twitter.com/keV6bvMXDG
— Hamed Ezzeldin (@hamedezzeldin) December 22, 2019
هيكل.. الوزير المُستدعى
كان هيكل وزيرًا للإعلام إبان ثورة يناير، حيث تقلد المنصب أقل من ستة أشهر فقط، في الفترة من 24 يوليو 2011 وحتى 6 ديسمبر 2011، لكن سرعان ما تمت الإطاحة به بسبب فشله في التعامل مع المشهد آنذاك، هذا بجانب ما أثير بشأن اتهامات فساد واجهها لتعيين زوجته، أمل فوزي، في منصب رئيس تحرير مجلة نصف الدنيا الصادرة عن مؤسسة الأهرام القومية.
وبعد 8 سنوات من تركه الوزارة يعود إليها هيكل مجددًا، فهو أحد قدامى المحررين العسكريين في مصر، وكان من المقربين للمجلس العسكري إبان توليه حكم مصر عقب ثورة 25 يناير، كما أنه لم يترك المشهد بالكلية، إذ رأس مجلس إدارة مدينة الإنتاج الإعلامي من سبتمبر 2014 وحتى قرار تعيينه، كما رأس لجنة الثقافة والإعلام والآثار في مجلس النواب المصري وذلك قبيل تقديم استقالته لحلف اليمين الدستورية.
تعرض هيكل خلال الفترة التي قضاها كوزير للإعلام ومن بعدها رئيسًا لمدينة الإنتاج إلى انتقادات لاذعة بسبب ما أسموه “ديكتاتوريته”، حيث وصفه البعض بأنه “كاره للرأي الآخر” ولا يسمع إلا صوته فقط، فيما تعجب صحفيون من اختياره على وجه التحديد في هذه المرحلة التي تتطلب عقلية أكثر انفتاحًا على الرأي الأخر.
الرهان على الوزير الجديد لإصلاح الوضع الحالي رهان محفوف بالمخاطر وفق ما ذهب البعض، إذ أن السلطة الممنوحة لوزير الدولة لا تخول له الصلاحيات الكافية لاتخاذ ما يمكن لتحسين الأداء في التعامل مع ملف الإعلام الذي يعاني من تضارب التصريحات والمعلومات في مختلف الأزمات، مثلما حدث في واقعة اقتحام موقع “مدى مصر” والقبض على العاملين به، الأمر الذي فسره البعض بالتخبط في إدارة الملف، وبات من الضروري أن يتم ضبط هذا المشهد عبر قيادة واحدة بإمكان الجميع التواصل معها ولديها القدرة على التحدث باسم الدولة.
الدور الرئيسي للوزير الجديد هو تنسيق سياسات الدولة الإعلامي، وتحديد آليات عرض سياسات الحكومة وخطواتها إعلاميًا، فضلًا عن أنه أصبح المتحدث الرسمي الأول باسم الدولة المصرية
ما الدور المنتظر؟
ماهي الوظيفة الحقيقية لوزير الدولة للإعلام؟.. سؤال حضر بقوة على منصات السوشيال ميديا منذ تسريب أنباء عودة وزارة الإعلام مرة أخرى، وفي ظل عدم وجود لائحة ثابتة ودستورية للتعريف بمهام الوزير الجديد، تصاعدت التكهنات والتخمينات من قبل خبراء الإعلام.
وتميل معظم الأراء إلى أن الدور الرئيسي للوزير الجديد هو تنسيق سياسات الدولة الإعلامي، وتحديد آليات عرض سياسات الحكومة وخطواتها إعلاميًا، فضلًا عن أنه أصبح المتحدث الرسمي الأول باسم الدولة المصرية، هذا بخلاف عقد المؤتمرات الصحفية، والإجابة عن التساؤلات المطروحة بشأن السياسات المصرية، وتقديم المعلومات الوافية لكل الوسائل الإعلامية، سواء المحلية أو الأجنبية.
مصادر ذهبت إلى دور بارز آخر سيقوم به هيكل خلال الفترة المقبلة، إذ سيُلقى على عاتقه ضبط المشهد الإعلامي، في ظل تراجع دور الأجهزة المختلفة من التدخل بالشأن الإعلامي، ويُصبح “الوزير المُستدعى” بديل المسؤولين داخل الجهات السيادية في إدارة الملف الهام.
آخرون يرون أن وزارة الإعلام ستكون همزة وصل بين الحكومة والبرلمان المصري، كما أنها يمكن أن تقوم بمتابعة العملية التنفيذية لقرارات المجلس الأعلى للإعلام، علمًا بأنه لا يحق لها دستوريًا أن تتخطى اختصاصات المجلس، في ظل عدم تحديد الاختصاصات التي ستقوم الوزارة للقيام بها بعد.
برلمانهم وافق على الوزارة الجديدة
أسامة هيكل وزيرا للاعلام!
والله لو جبتوا عبد القادر حاتم ما فيه فايدة.. ما هو أسامة كان وزير الاعلام عمل ايه؟!
— سليم عزوز (@selimazouz1) December 22, 2019
تضارب في الاختصاصات
يبدو أن تعيين وزير للإعلام لم يكن بالخبر الجيد لرئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، الكاتب الصحفي مكرم محمد أحمد، والذي ألمح إلى وجود تضارب بين الوزير والهيئات الإعلامية الثلاث، قائلًا إن أسامة هيكل “وزير بلا وزارة تتعلق بشؤون الإعلام”، مبينًا أن القانون لم يوضح اختصاصاته حتى الآن.
وأكد مكرم أن الدستور ينص على وجود الهيئات المنظمة للإعلام والصحافة، وبالتالي وجود وزير للدولة لشؤون الإعلام لا يخالف الدستور، ويتماشى مع النص الدستوري والوضع القائم ولا يتعارض معه، وتابع “يوجد بالفعل هيئات منظمة للعمل الصحفي والإعلامي والتي تم تشكيلها بعد الانتهاء من التصويت على الدستور في أعقاب عام 2014، وتدير الوضع منذ ذلك التوقيت، إلا أن إعلان مجلس الوزراء وجود وزير دولة لشؤون الإعلام أمرًا من صميم اختصاص السلطات”، نافيًا أنه تم التنسيق معه أو الحديث حول ذلك الأمر باعتباره حق مكفول للدولة.
رئيس المجلس طالب في الوقت ذاته بضرورة توضيح اختصاصات الوزير الجديد لتسير الأمور بسلاسة ولا يحدث تضارب بينه وبين الجهات المنوط بها إدارة الإعلام في مصر، خاصة بعدما أثير بشأن إمكانية سحب الوزارة الجديدة البساط من تحت أقدام تلك الهيئات خلال المرحلة المقبلة.
بعيدًا عن جدلية دستورية عودة وزارة الإعلام مجددًا بعد إلغائها، يبقى السؤال: هل ينجح الوزير الجديد فيما فشل فيه نجل السيسي ومدير مكتبه السابق؟ وهل بات المشهد الإعلامي المصري على أبواب موجات جديدة من التضييق وإحكام السيطرة والتجيير تجنبًا لما يمكن أن يهدد الرئيس مستقبلا؟.. هل يمتلك المحرر العسكري ذو الخبرة الطويلة الإمكانيات الكافية لتحقيق ما لم يحققه الأخرون؟.. أسئلة تبقي الأيام القادمة وحدها من تحمل الإجابة عنها.