أعلنت الرئاسة الجزائرية، الحداد الوطني ثلاثة أيام إثر وفاة قايد صالح، نائب وزير الدفاع الوطني ورئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الجزائري، والذي وافته المنية أمس الإثنين عن عمر يناهز 80 عامًا إثر سكتة قلبية في بيته، فيما عيّن الرئيس الجزائري المنتخب حديثًا عبد المجيد تبون اللواء سعيد شنقريحة رئيسًا لأركان الجيش بالإنابة.
من ثورة 54 إلى حراك فبراير
وُلد قايد صالح في 13 يناير/ كانون الثاني من عام 1940، بمنطقة غين ياقوت في محافظة باتنة (400 كلم شرق العاصمة الجزائر)، بدايته كانت بانضمامه إلى جيش التحرير الوطني إبان الثورة التحريرية في عام 1957، وهو بعمر الـ17، وتدرج في مختلف مناصب القيادة، وارتقى في فترة وجيزة من قائد كتيبة إلى رئيس للفيالق 21 و29 و39 لجيش التحرير الجزائري.
وانتقل بن صالح إلى مجال التكوين العسكري، بعد استقلال البلاد في الخامس من شهر يوليو / تموز 1962، قبل أن يخوض معارك في حرب الاستنزاف في مصر عام 1968، وشارك في دورة رسكلة في الاتحاد السوفيتي سابقا بين عامي 1969 و1971، ليحصل بعدها على شهادة تأهيل من أكاديمية “فيستريل”.
وبعد عودته إلى مسقط رأسه، تدرج أحمد قايد صالح في مختلف مناصب القيادة، إذ عين قائدا لكتيبة مدفعية، ثمّ قائدًا للقطاع العملياتي الأوسط بالناحية العسكرية الثالثة، قبل أن يصبح قائدًا لمدرسة تكوين ضباط الاحتياط بالناحية العسكرية الأولى.
وفي مطلع ثمانينيات القرن الماضي، صار صالح قائدا للقطاع العملياتي الجنوبي بالناحية العسكرية الثالثة في أقصى جنوب البلاد، وجرى تعيينه نائبًا لقائد الناحية العسكرية الخامسة، فقائدًا للناحية العسكرية الثالثة، ثم قائدًا للناحية العسكرية الثانية.
ووصل إلى رتبة لواء بتاريخ 5 جويلية 1993، وبتاريخ 1994 تم تعيينه قائد للقوات البرية، وبتاريخ الثالث من أغسطس 2004، تم تعيين أحمد قايد صالح رئيسًا لأركان الجيش الشعبي، ومن ثم تقلد رتبة فريق بتاريخ 5 جويلية 2006.
برز قايد صالح حينما قرر الاصطفاف إلى جانب الشعب وتخلى عن بوتفليقة بعد تعاظم الرفض الجماهيري ضد الولاية الخامسة
وكان الفريق أحمد قايد صالح، أول عسكري في البلاد يحوز على منصب نائب وزير الدفاع الوطني، بعد تعيينه بمرسوم رئاسي سنة 2013، وسع هذا الأخير صلاحياته ليصبح عضوًا في الحكومة، فيما احتفظ الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة بمنصب وزير الدفاع الوطني.
وتحول الفريق أحمد قايد صالح، إلى شخصية “بارزة ومحورية” منذ اعتلال الوضع الصحي للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، في الـ 28 من شهر أبريل/نيسان لعام 2013.
وبرز بشكل كبير بعد انطلاق حراك 22 فبراير/ شباط الماضي، حينما قرر الفريق أحمد قايد صالح الاصطفاف إلى جانب الشعب وتخلى عن بوتفليقة بعد تعاظم الرفض الجماهيري ضد الولاية الخامسة، وأصر منذ بداية الأزمة السياسية على تطبيق الدستور للخروج من الانسداد، ورفض كل مقترحات المعارضة للدخول في مرحلة انتقالية أو تعيين مجلس تأسيسي، وظل يردد في خطاباته أن: “عهد المراحل الانتقالية انتهى”، لكنه حال دون حدوث أي تجاوزات في الشارع والتزم بعدم سقوط قطرة دم واحدة في البلاد.
وكان آخر ظهور إعلامي لقايد صالح، الخميس الماضي، خلال حفل تنصيب الرئيس الجزائري الجديد عبد المجيد تبون وأدائه لليمين الدستورية، وظهر حينها متعبًا بعد عشرة أشهر من الانسداد السياسي الذي عرفته البلاد.
وتقلد قائد الجيش الجزائري عدة أوسمة، منها وسام جيش التحرير الوطني ووسام الجيش الوطني الشعبي، ومؤخرًا تقلد وسام صدر في حفل تنصيب رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون.
حالة حزن
وعم الحزن البلاد، عقب إعلان الرئاسة عن وفاة نائب وزير الدفاع الجزائري، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق أحمد قايد صالح، إذ أجمع الجزائريون عبر مواقع التواصل الاجتماعي على رحيل الرجل الذي حفظ دماء الجزائريين في فترة عويصة مرت بها البلاد منذ فبراير/ شباط الماضي.
وعلق الناشط الجزائري ياسين اعمران على وفاة قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح قائلًا: “من علامات حسن الخاتمة أن لا يطول عمر المرء بعد عمل صالح”، واعتبر أن القايد صالح أدى الأمانة واستقبل ربه بوجه كريم.
بينما ارتأى رافضو الانتخابات الرئاسية التي نُظمت يوم 12 ديسمبر / كانون الأول الماضي، تأجيل مسيرات الطلبة الأسبوعية والتزام الصمت والترحم عليه، وكتب الناشط الجزائري، مروان الوناس: “الموت له رهبة وتكفي أن نصمت حينها”.
رفيقه يخلفه مؤقتًا
وكلف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، اللواء سعيد شنقريحة بقيادة أركان الجيش مؤقتًا، خلفا لقايد صالح، ويعتبر من أبرز رفقائه في الكفاح.
وكان اللواء سعيد شنقريحة، يتولى قيادة القوات البرية التي تأتي في المكانة الثانية بالهرم العسكري، ويعتبر من أبرز قادة الجيش، وهو من العسكريين الجزائريين البارزين الذين شاركوا في الحرب العربية الإسرائيلية رفقة رفيق دربه في النضال أحمد قايد صالح.
ولد بتاريخ 1 أغسطس/آب 1945 بمنطقة “القنطرة” التابعة لمحافظة بسكرة (أقصى جنوب البلاد)، والتحق بصفوف الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي وعمره لم يتجاوز 10 سنوات.
ويعتبر اللواء سعيد شنقريحة، من القيادات البارزة خلال ما يعرف بـ”العشرية السوداء” التي شهدتها البلاد في التسعينيات.
وعين الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة، اللواء سعيد شنقريحة قائدًا للقوات البرية في 23 سبتمبر/أيلول 2018 خلفًا للواء أحسن ظافر، تزامنًا مع التغييرات العميقة التي أجراها في المؤسسة العسكرية على خلفية فضيحة ضبط 701 كيلوجرام من الكوكايين غرب البلاد.
وبتاريخ 18 مايو/ آيار 2018، كشفت وزارة الدفاع الجزائرية عن ضبط كمية هائلة من مادة الكوكايين قادمة على متن باخرة من أمريكا اللاتينية وكشفت هذه القضية عن تورط مسؤولين بارزين فيها بعضهم متواجدين رهن الحبس المؤقت.