ترجمة وتحرير: نون بوست
تجاهلت المملكة العربية السعودية اجتماع القمة الإسلامية الأخير في كوالالمبور، حيث ذكرت أنه ينبغي مناقشة جدول أعمالها في إطار منظمة التعاون الإسلامي. كما أقنعت الرياض رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان بعدم الحضور، ودفعته إلى الانسحاب. ومن جهته، أكد رئيس وزراء ماليزيا، مهاتير محمد أن القمة لا تهدف سوى إلى إيجاد حلول للمشاكل التي تواجه العالم الإسلامي، مشيرًا إلى عدم وجود أي نية لتشكيل “كتلة جديدة” أو التسبب في الانقسام. في المقابل، أصدرت منظمة التعاون الإسلامي بيانًا انتقدت من خلاله القمة بما أن الإعلام السعودي أكد على أنها تمثل تحدٍ للمنظمة.
الشرعية التاريخية
تمتعت المملكة العربية السعودية تاريخيًا بالشرعية من خلال منظمة التعاون الإسلامي التي أسستها الرياض لموازنة القومية العربية الشديدة في مصر، التي وقع الحفاظ عليها كمصدر سلطة لينة للمملكة. كان من الصعب على الخصوم أن يتنازعوا على موقفهم وموقفهم الرمزي في العالم الإسلامي.
رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد يتحدث في افتتاح قمة كوالالمبور في 19 كانون الأول / ديسمبر.
في الواقع، تحاول المملكة العربية السعودية حقًا الحفاظ على الوحدة، من أجل الحفاظ على هيمنتها على منظمة التعاون الإسلامي، التي تصف نفسها بأنها “الصوت الجماعي للعالم الإسلامي”، والتي يقع مقرها في جدة. لن يُبرز ظهور برامج إسلامية أخرى شرعية المنظمة المتلاشية فحسب، ولكنه سيُظهر أيضًا دور المملكة العربية السعودية المتراجع في العالم الإسلامي.
ومع ذلك، فشلت منظمة التعاون الإسلامي في حل المشاكل الهائلة والمتنامية التي تواجه المسلمين في جميع أنحاء العالم، كما تراجعت أهمية المملكة العربية السعودية إلى حد كبير – أو ينظر إليها على أنها تعمل بنشاط ضد المصالح الإسلامية.
لا يعني ذلك بالضرورة ذكر الأخطاء الفادحة التي حدثت على الصعيد المحلي، على غرار فرض عقوبة الإعدام على العلماء المسلمين المعتدلين بتُهم مشكوك فيها. أما الآخرون، فوقع استهدافهم على خلفية انتقادهم للنظام لأنه دعم الهيئة العامة للترفيه، والتي يرى البعض أنها مثيرة للجدل على المستوى الأخلاقي. ولا تُعنى المملكة العربية السعودية فقط بموقعها وسلطتها في العالم الإسلامي، إذ ينبثق قرارها المتمثل في تجنب وعدم تشجيع البقية لحضور مؤتمر كوالالمبور، في اختلاف أساسي في السياسة الخارجية للمملكة السعودية وسياسة ماليزيا وتركيا وقطر.
الربيع العربي
من المهم أن نتذكر أن المملكة العربية السعودية وقفت ضد الربيع العربي، واعتبرته تهديدًا. وعندما اندلعت الاحتجاجات في شرقيَ المملكة العربية السعودية المجاورة للبحرين في سنة 2011، أخمدتها الرياض بقوة غاشمة. علاوة على ذلك، أنفقت الحكومة مليارات الدولارات على الإسكان الجديد وزياد الرواتب، في محاولة للمحافظة على السلام. وعوضًا عن الاستجابة لمطالب الإصلاح السياسي، التي كانت ستعزز شرعية المملكة ومكانتها الإقليمية، اختارت الرياض تشديد الخناق على الربيع العربي.
يحتفل المتظاهرون البحرينيون بالذكرى الرابعة لانتفاضة الربيع العربي في سنة 2015.
كانت المملكة العربية السعودية أول دولة تبتهج بالانقلاب العسكري المصري الذي حدث في سنة 2013. وفي غضون سنة، أعلنت أن جماعة الإخوان المسلمين منظمة “إرهابية”، دون التطرق إلى مسألة الحرب التي شنّتها المملكة العربية السعودية على اليمن أو الحصار الذي فرضته على قطر.
ربما مثّلت تركيا أبرز المؤيدين للربيع العربي، وعلى الرغم من انتقاد سياساتها المحلية، إلا أن هذه السياسات لا تزال تحظى بالشرعية، حيث أنها انبثقت عن تفويض انتخابي شعبي. ومؤخرا، أقالت ماليزيا رئيس وزراء فاسد وناضلت من أجل تعويض المليارات التي أُنفقت في غير محلها. أما قطر، فلا تزال تتمتع بشرعية مَلَكية تقليدية، بينما يتابع ملايين العرب شبكة الجزيرة التابعة لها. وفي الواقع، يعدَ الثلاثة أطراف الذي سبق ذكرهم، على أهبة الاستعداد لمناقشة قضايا الحكم المحلي والسياسة، أكثر من استعداد المملكة العربية السعودية للقيام بالأمر ذاته.
علاوة على ذلك، هناك أيضًا اختلاف في التعامل مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إذ تتحدث المملكة العربية السعودية من حين لآخر عن الحقوق الفلسطينية. لكن من الناحية العملية، فقد تخلت عن القضية الفلسطينية، وانخرطت في التطبيع التدريجي مع “إسرائيل”.
الواقعية السياسية الاستبدادية
سُمح للمواطنين السعوديين والصحفيين، إن لم يقع تشجيعهم، بتشويه الفلسطينيين. وفي الحقيقة، زار مدون سعودي “إسرائيل” هذه السنة والتقى بمسؤولين، ثم استضاف في وقت لاحق رجلين إسرائيليين في مقر إقامته. وتجدر الإشارة إلى أنه كان من غير الممكن تصور حدوث هذه الأفعال قبل بضع سنوات. وعموما، تعدَ هذه التطورات مخالفة لمبادرة السلام التي قادتها السعودية سنة 2002، والتي دعت إلى انسحاب “إسرائيل” من الضفة الغربية وغزة قبل التطبيع. وفي الوقت نفسه، استنكرت ماليزيا وتركيا بشدة “إسرائيل”، وتحدثت قمة كوالالمبور عن “تحرير” المسجد الأقصى، الواقع في القدس الشرقية المحتلة.
في الحقيقة، لا تعدَ المملكة العربية السعودية ملتزمة حقًا بمخاوف المجتمع الإسلامي الدولي. ففي حين أنها أدانت أعمال ميانمار الوحشية ضد الروهينجا سنة 2017، قد قامت في وقت لاحق بترحيل البعض إلى بنغلاديش، على الرغم من دعوات الأمم المتحدة لمنحهم اللجوء. فضلا عن ذلك، لم تتخذ موقفا مع كشمير أو تنتقد الصين بسبب اضطهادها للأقلية المسلمة الإيغور. وبدلًا من ذلك، وقّعت رسالة غريبة إلى الأمم المتحدة دفاعًا عن سياسات الصين.
تُعتبر الرياض مدفوعة بسياسة واقعية استبدادية، مع الاهتمام الضئيل بالتضامن الإسلامي. وربما لم يعد لها الموقف نفسه في العالم الإسلامي، لكنها لا تزال قوية بما يكفي لإجبار باكستان، الدولة الكبيرة التي تملك قدرات نووية، على تجنب قمة كوالالمبور. ومع ذلك، مضت القمة قدمًا في برنامجها. وإلى جانب مناقشة حلول المشاكل الإسلامية، ستحتاج الدول المجتمعة إلى متابعتها من خلال فرض حلول مستدامة وملموسة وقابلة للتقييم.
المصدر: ميدل ايست