ترجمة وتحرير نون بوست
من أهم التحديات التي تواجه متابعي صناعة الذكاء الاصطناعي اليوم؛ عدم وجود مفهوم قياسي مقبول لماهية الذكاء الاصطناعي، حتى رواد الذكاء الاصطناعي لديهم تعريفات مختلفة، يقول رودني بروكس: “الذكاء الاصطناعي ليس شيئًا واحدًا، إنه مجموعة من الممارسات والأجزاء التي يضعها الناس معًا”، لكن هذا التعريف بالطبع لا يتناسب مع الشركات التي تحتاج إلى فهم مدى اتساع تقنيات الذكاء الاصطناعي وكيف ستقوم بتطبيقها في لتناسب احتياجاتها.
بشكل عام، يتفق معظم الناس على أهداف الذكاء الاصطناعي الأساسية وهي تمكين الآلات من اكتساب قدرات معرفية وإدراكية وقدرة على اتخاذ القرار، تلك الصفات التي كانت خاصة بالبشر والكائنات الذكية فقط.
يقول ماكس تيجمارك حول تعريف الذكاء الاصطناعي: “إنه ذكاء غير بيولوجي”، هذا التعريف بسيط للغاية لكننا لا نفهم الذكاء البيولوجي بشكل كامل، لذا فبنائه اصطناعيًا يشكل تحديًا كبيرًا.
من ناحية نظرية مجردة؛ فالذكاء الاصطناعي هو سلوك آلي ووظائف تحاكي الذكاء والسلوك البشري، بشكل خاص عادة ما يشير إلى ما نفكر به مثل التعلم وحل المشكلات وفهم والتفاعل مع بيئة العالم الحقيقي والمحادثات والتواصل اللغوي، ومع ذلك فهذه التفاصيل هامة خاصة عندما نحاول تطبيق هذا الذكاء لحل المشكلات الخاصة للشركات والمنظمات والأفراد.
أن تقول “الذكاء الاصطناعي” بينما تقصد أمرًا آخر
هناك مجموعات فرعية لهؤلاء الذين يبحثون في تقنيات الذكاء الاصطناعي بهدف حل المشكلة النهائية: خلق ذكاء اصطناعي عام بإمكانه التعامل مع أي مشكلة أو موقف أو عملية تفكير يستطيع أن يفعلها الإنسان، هذا الذكاء الاصطناعي العام هو هدف العديد من أبحاث الذكاء الاصطناعي التي تتم مخبريًا وأكاديميًا لتصل إلى الإجابة على السؤال الأساسي إذا ما كان الذكاء هو أمر خاص فقط بالكائنات البيولوجية.
لكن الكثير ممن يتحدثون عن الذكاء الاصطناعي في السوق اليوم لا يتحدثون عن الذكاء الاصطناعي العام أو حل تلك الأسئلة الأساسية المتعلقة بالذكاء، إنهم يبحثون عن تطبيق أجزاء معينة من الذكاء الاصطناعي للحد من المشكلات، هذا هو النقاش التقليدي حول الذكاء الاصطناعي.
ولأنه لم يكن هناك من يحل مشكلة الذكاء الاصطناعي العام بنجاح، فكل حلول الذكاء الاصطناعي الآن ضيقة للغاية، ولذلك فتلك الحلول الضيقة لا تحاول تحقيق أي شئ أكبر من المشكلات التكنولوجية التي تطبقها.
ما نقصده هنا هو أننا لا نستخدم الذكاء الاصطناعي المحدود لحل مشكلة الذكاء الاصطناعي العام، ولن يتوسع الأمر من أجل منظمات بعينها، ففي الواقع لا تهتم الكثير من الشركات بالذكاء الاصطناعي العام وهدفها من الذكاء الاصطناعي لا يتعلق بالذكاء الاصطناعي العام على الإطلاق.
وبذلك يبدو أن تصور الصناعة عن الذكاء الاصطناعي وإلى أين يتجه يختلف عما يعتقده الناس في المجال الأكاديمي والأبحاث، ما يثير الشركات بشأن الذكاء الاصطناعي هو وجود أشياء محددة يقوم بها البشر وترغب المنظمات في استبدالهم بالآلة.
يختلف نطاق تلك المهام بحسب المنظمة ونوعية المشاكل التي تحاول حلها، إذا كان هذا هو الوضع، فلماذا نهتم بمصطلح غير محدد وواضح يختلف تعريفه وأهدافه عما يجري تطبيقه بالفعل؟
ما هي التقنيات المعرفية؟
قد يكون التعريف المناسب لهذا المجال الضيق من الذكاء الاصطناعي الذي يتم تطبيقه على مجال ضيق من تلك التطبيقات هو “التكنولوجيا المعرفية”، فبدلًا من محاول بناء ذكاء اصطناعي تستخدم الشركات التقنيات المعرفية لأتمتة وتمكين مساحة واسعة من المشكلات التي تتطلب بعض جوانب المعرفة، بشكل عام من الممكن تصنيف تلك الجوانب المعرفية لـ3 فئات:
الإداراك: فهم البيئة المحيطة والمدخلات القادمة من أجهزة الاستشعار:
تشمل تقنيات المعرفة الإداركية التعرف على الصور والأجسام وتصنيفها ومعالجة اللغات الطبيعية وتوليدها، ومعالجة النصوص والمعلومات غير المنظمة وإشارات إنترنت الأشياء والمستشعرات الروبوتية وجميع أشكال الحوسبة الإدراكية، إن القدرات الإدراكية هي مجال أبحاث الذكاء الاصطناعي التي تحصل على أكبر دعم من مناهج تطوير الشبكات العصبية المتقدمة والتعلم العميق على وجه الخصوص.
تفتقر الآلات الحالية للحدس والمنطق السليم والذكاء العاطفي وغيرها من العوامل التي تجعل البشر أفضل في التخطيط واتخاذ القرار
التنبؤ: فهم الأنماط للتنبؤ بما سيحدث لاحقًا والتعلم من التكرارات المختلفة لتحسين الأداء العام للنظام:
تستخدم التقنيات المعرفية التي تركز على التنبؤ مجموعة من التعليم الآلي والتعليم المعزز والبيانات الكبيرة والمنهج الإحصائي لمعالجة كمية كبيرة من البيانات وتحديد الأنماط والحالات الشاذة واقتراح الخطوات القادمة والنتائج.
تعد الشبكات العصبية أمرًا هامًا هنا، وكذلك الطرق الأخرى للتعلم الآلي حتى أبسط المناهج مثل الرسوم البيانية المعرفية والنماذج الإحصائية الافتراضية، لقد اتسعت التقنيات المعرفية التي تركز على التنبؤ من تحليل البيانات الكبرى إلى صياغة قرارات معقدة مثل البشر.
الخطة: استخدام ما تم تعلمه وتصوره لاتخاذ قرارات والتخطيط لخطوات قادمة:
تتصمن التقنيات المعرفية التي تركز على التخطيط نماذج اتخاذ القرار والطرق التي تحاول محاكاة البشر في كيفية اتخاذ القرار، تضمنت المحاولات الأولى أنظمة الخبراء، أما الطرق الحديثة فتستخدم مجموعة من المناهج التي تُستخدم في مواقف مثل الأمن السيبراني وقرارات القروض.
تعد تقنيات المعرفة التي تركز على التخطيط المجال الذي يستطيع استخدام أبحاث الذكاء الاصطناعي العام بشكل أكبر للتحسين، حيث تفتقر الآلات الحالية للحدس والمنطق السليم والذكاء العاطفي وغيرها من العوامل التي تجعل البشر أفضل في التخطيط واتخاذ القرار.
من هذا المنطلق، يبدو واضحًا أن التقنيات المعرفية فرع من تقنيات الذكاء الاصطناعي مع اختلاف رئيسي وهو إمكانية تطبيق الذكاء الاصطناعي على أهداف الذكاء الاصطناعي العام وتطبيقات الذكاء الاصطناعي ضيقة النطاق.
من ناحية أخرى فاستخدام مصطلح التكنولوجيا المعرفية بدلًا من الذكاء الاصطناعي يعني القبول بحقيقة أن التكنولوجيا التي يتم تطبيقها مقتبسة من قدرات الذكاء الاصطناعي لكنها لا تمتلك أي طموحات لتصبح أي شئ أكثر من كونها تكنولوجيا مطبقة على مهام ضيقة ومحددة.
إنقاذ شتاء الذكاء الاصطناعي القادم
هناك تغير ملحوظ في أجواء صناعة الذكاء الاصطناعي، حيث يساعد الضجيج التسويقي ورأس المال الاستثماري والاهتمام الحكومي في الدفع نحو الطلب على مهارات وتقنيات الذكاء الاصطناعي لأقصى حد، لقد أدركت الشركات سريعًا حدود تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي مما يجعلنا نخشى مخاطر رد الفعل العكسي للصناعة لأن الشركات تضغط بشدة وتفرط في وعودها وهذا ما حدث في شتاء الذكاء الاصطناعي الأول.
فما نخشاه بشده هو فتور الاهتمام وتراجع استثمارات وأبحاث الذكاء الاصطناعي الذي أدى إلى شتاء الذكاء الاصطناعي الأول، وعلى كل حال ربما لم تكن المشكلة متعلقة بمصطلح الذكاء الاصطناعي، فالذكاء الاصطناعي يملك دائمًا أهدافًا سامية تحدد معالم واهتمامات البحث الأكاديمي، مثل بناء مستوطنات على المريخ أو السفر بين النجوم، ومع ذلك فكما أدى سباق الفضاء إلى تبني تقنيات واسعة النطاق اليوم، فسوف تؤدي أبحاث الذكاء الاصطناعي إلى تبني تقنيات معرفية واسعة حتى لو لم نحقق أهداف الذكاء الاصطناعي العام.
المصدر: فوربس