هاهي السعودية تسعى لطي أخر فصول مسرحيتها الهزلية في قضية جمال خاشقجي، معتقدة أنها بأحكام الأمس الصادرة بحق عدد من المتهمين قد أسدلت الستار على القضية الأكثر إثارة في السنوات الأخيرة، وذلك بعدما قدمت 5 سعوديين “كبش فداء” لتسكين الرأي العام العالمي فيما تم تبرئة رجال ولي العهد المخلصين.
القضية التي بدأتها الرياض بالنكران التام المصحوب بالسخرية، ثم الاعتراف المنقوص، فتدارك الرواية مع كل تسريب تركي مرورًا بإرسال نائبها العام إلى إسطنبول لـ”تضييع الوقت” والبحث عن التسجيلات؛ تسعى الرياض اليوم لكتابة آخر سطورها عبر إعلانها، أمس الثلاثاء، تبرئة المتّهمين الرئيسيين في الجريمة، مدير المخابرات السابق أحمد عسيري، ومستشار الديوان الملكي السابق سعود القحطاني، ومن ورائهما، محمد بن سلمان.
وفي خطوة أثارت الكثير من الجدل أعلنت النيابة العامة السعودية أن أحكامًا بالإعدام صدرت بحق خمسة أشخاص كما عوقب ثلاثة آخرون بالسجن 24 عامًا في قضية مقتل خاشقجي، مضيفة أن القحطاني وعسيري بجانب القنصل السعودي في إسطنبول محمد العتيبي لم توجه لهم أي اتهامات وتم الإفراج عنهم، وهي بذلك تناقض نفسها في ضوء ما أصدرته من بيانات قبل ذلك كما سيرد ذكره لاحقًا.
وحكمت المحكمة بـ”قتل خمسة من المدعى عليهم (لم تذكر أسمائهم) قصاصًا وهم المباشرون والمشتركون في قتل المجني عليه”، و”سجن ثلاثة من المدعى عليهم لتسترهم على هذه الجريمة ومخالفة الأنظمة، بأحكام سجن متفاوتة تبلغ في مجملها 24 عامًا”. وتم “حفظ الدعوى بحق 10 عشرة أشخاص والإفراج عنهم لعدم كفاية الأدلة”.
وفي تفاصيل الحكم قال المتحدث باسم النيابة العامة شعلان الشعلان إن القنصل السعودي في إسطنبول أُفرج عنه بعد ورود إنابة قضائية من الجانب التركي تضمنت شهادات لمواطنين أتراك بوجوده معهم يوم وقوع الجريمة، وأن عسيري خضع للتحقيق، وصدر حكم بإخلاء سبيله لعدم ثبوت إدانته في القضية، مضيفًا أن القحطاني تم التحقيق معه ولم يوجه له أي اتهام في القضية لعدم وجود أي دليل ضده، وأن جريمة قتل خاشقجي لم تتم بنية مسبقة.
مسرحية هزلية
الأحكام المفاجئة جاءت بشكل سري بعيدًا عن أعين الإعلام ومتابعة المنظمات الأممية رغم المناشدات الحقوقية الدولية بمراقبة سير المحاكمات للوقوف على مدى التزامها بما تم التوصل إليه من نتائج في أعقاب التحقيقات التي شاركت فيها جهات التحقيق السعودية والأمريكية بجانب تركيا على مدار أكثر من 6 أشهر كاملة.
التفاصيل التي أعلنتها النيابة السعودية في محاولة لطي هذه الصفحة جاءت مغايرة تمامًا للتقرير الذي أعلنته مقررة الأمم المتحدة، أغنيس كالامارد، قبل 7 أشهر تقريبًا، والذي استعرض العديد من الأدلة الموثقة التي أدانت النظام السعودي وحملت كبار رجالاته مسؤوليته ما حدث.
التقرير الذي جاء في 100 صفحة قال إن تحديد المسؤولية الجنائية بالنسبة للقادة السعوديين هو أمر مهم يجب حسمه للكشف عن أولئك الذين كانوا “العقل المدبر وراء الجريمة”، فيما أوضحت كالامارد أن البحث عن العدالة ومحاسبة منتهكي حقوق الإنسان هو بنفس درجة الأهمية، مع تعرية الذين أساؤوا استخدام سلطتهم وفشلوا في التصدي لمسؤولياتهم.
الدفوع التي استند إليها التقرير في تقديم لائحة الاتهامات استندت إلى المادة 6 من الاتفاقية الدولية للاختفاء القسري والتي تفرض على الدول الموقعة تقديم مسؤوليها للعدالة الجنائية إن تم إثبات أحد ثلاثة: الأول: معرفتهم بمعلومات أو لم يأخذوا بجدية معلومات تشير بوضوح إلى أن المرؤوسين تحت سلطتهم يرتكبون أو على وشك ارتكاب جريمة الإخفاء القسري.
لم يساور أحد الشك بداية الواقعة في أن ولي العهد لن يضحي برجله الأول ومهندس وصوله إلى الحكم، سعود القحطاني، وأن كل ما جرى كان جزءًا من تمثيلية لتخدير الرأي العام الهائج ضد المملكة
الثاني: كان لهم مسؤولية فعالة في النشاطات والأفعال التي أدت إلى وقوع جريمة الإخفاء القسري، الثالث: فشلوا في إيقاف أو منع حدوث جريمة إخفاء قسري، أو فشلوا في تحويل الجريمة للسلطات المختصة للقيام بتحقيق وإدانة المسؤوليين، لافتا إلى أن الإخفاء القسري هو جريمة حتى إن لم يتم ارتكابها بصورة متواترة، وحتى وإن لم تكن ترتكب على صعيد كبير أو بشكل ممنهج.
وأوضح أن صاحب السلطة يتحمل مسؤولية عدم القيام بأي فعل من لحظة وصول المعلومات إليه بحدوث جريمة أو دلائل على حدوث جريمة، ويتحمل أيضًا المسؤولية في حال توفرت معلومات نبهته إلى جرائم ارتكبها المرؤوسون تحت سلطته، كما يعد الفشل في إنزال العقاب على مرتكبي الجرائم جريمة بحد ذاتها، وإنزال العقاب أو المحاسبة بعد حدوث الجريمة لا يرفع المسؤولية الجنائية، لعدم التدخل لإيقاف الجريمة قبل وقوعها في حال توفرت معلومات تشير إلى احتمال وقوع جريمة.
وفي الختام أكد التقرير أن المسؤولية لا ترتفع عن الرئيس في حال معرفته أن إبلاغ السلطات عن الجريمة سيؤدي فقط إلى إجراء تحقيق زائف أو غير جدي ولا يمكن أن يؤدي إلى محاسبة أي من المرؤوسين بصورة عادلة، ووفقًا لتلك الدفوع كان تقديم كبار مسؤولي المملكة وعلى رأسهم ابن سلمان مطلبًا دوليًا لم يتحقق بعد.
القحطاني والعسيري.. لماذا؟
لم يساور أحد الشك بداية الواقعة في أن ولي العهد لن يضحي برجله الأول ومهندس وصوله إلى الحكم، سعود القحطاني، وأن كل ما جرى كان جزءًا من تمثيلية لتخدير الرأي العام الهائج ضد المملكة وممارساتها التي تزامنت مع تصاعد الانتقادات الموجهة لما يحدث في اليمن بقيادتها كذلك.
القحطاني وهو مستشار الديوان الملكي ومسؤول مواقع التواصل الاجتماعي التابع لولي العهد ومهندس ما أطلق عليه “الذباب الإلكتروني” يواجه حزمة أخرى من الاتهامات بعيدًا عن قضية خاشقجي، إذ توجد أدلة موثوقة تشير إلى أنه قام شخصيًا بإدارة حملة استهدفت نشطاء ومعارضين سياسيين، فيما دافع عن نفسه في تغريدة له لافتًا إلى أنه يعمل وفق أوامر ملكية: “وتعتقد أني أقدح من رأسي دون توجيه؟ أنا موظف ومنفذ أمين لأوامر سيدي الملك وسمو سيدي ولي العهد الأمين”.
وفي الأونة الأخيرة طاردته اتهامات بالتحرش بالفتيات والمعتقلات السعوديات، آخرها الناشطة الحقوقية لجين الهذلول والتي أشرف على التحقيق معها بنفسه، وأنه هدد باغتصابها وقتلها وإلقائها في مجاري الصرف الصحي، فيما كشف شقيقها وليد عن مسعاه في مقاضاة القحطاني دوليًا بعد تبرئته في قضية خاشقجي.
رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأمريكي، آدم شيف : الأحكام التي صدرت في قضية مقتل #جمال_خاشقجي هي محاولة للتستر على القيادة #السعودية وعلى رأسها محمد بن سلمان وإبعادها عن جريمة القتل الوحشية
— جمال سلطان (@GamalSultan1) December 24, 2019
التبرئة من دماء الصحفي السعودي المعارض اصطدمت بشكل قوي بالمعلومات التي توفرت لدى المحقق الخاص بالقضية والتي استند إليها لتكون أرضية منطقية للتحقيق معه وتوجيه الاتهام له، من بينها إخباره – المحقق – أن القحطاني كان أحد المسؤولين اللذين قامًا شخصيًا باستجواب وتهديد رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري لإجباره على التنحي عن منصبه. وذلك خلال فترة احتجازه في مسكن خاص في مجمع ريتز كارلتون في مدينة الرياض، في شهر تشرين الثاني عام 2017.
تقرير شركة “كرول” الأمنية -رغم أن السلطات السعودية استأجرتها لتبرئة بن سلمان في قضية الاغتيال- والتي رصدت رسائل عبر تطبيق “واتساب” بين القحطاني وبن سلمان عشيّة الجريمة
كما أنه كان مشاركًا بشكل شخصي في اعتقال وتعذيب ناشطات سعوديات، وفقاً لتقارير صادرة عن الأمم المتحدة وشهادة أحد الأشخاص الذين تمت مقابلتهم في إطار هذا التحقيق، حيث أبلغت ست ناشطات سعوديات عن تعرّضهن للتعذيب في السجون السعودية، هؤلاء الناشطات هن: سمر بدوي، شادان العنيزي، عزيزة اليوسف، إيمان النفجان، لجين الهذلول، ونوف الدوسري. اثنتان من الناشطات قالتا إن سعود القحطاني كان حاضرًا شخصيًا خلال جلسات تعذيبهما. بحسب رسالة رسمية من الإجراءات الخاصة لمجلس حقوق الإنسان للمملكة العربية السعودية، فإن سعود القحطاني قال لإحدى النساء (الهذلول) “أستطيع أن أفعل ما أشاء بك ثم سأذيبك وأتخلص منك في المرحاض”.
وفقًا للبيان الصادر عن المدعي العام السعودي بتاريخ 15 تشرين الثاني 2018، فإن مستشار ولي العهد كان أحد المسؤولين السعوديين العالي المستوى الذين شاركوا بشكل مباشر في المهمة، وهنالك مزاعم بأنه قد اتهم خاشقجي بكونه خطرًا على الأمن الوطني.
وإلى ذلك، فإن قيام سلطات المملكة بفصله من منصبه بعد الإعلان عن الجريمة مباشرة يشير إلى إقرارها بدوره ومسؤوليته في الجريمة. ولهذا، فإن تحقيقًا يجب أن يفتح في مسؤولية القحطاني الجنائية.. هكذا خلص المحقق في ضوء المعلومات التي توافرت إليه
كيف ممكن نرفع قضية على سعود القحطاني في محكمة أمريكية او أوروبية بسبب جريمة التعذيب الي ارتكبها في حق لجين؟
الي عنده خلفية يا ليت يتواصل معي.
— Walid Alhathloul| وليد الهذلول (@WalidAlhathloul) December 23, 2019
أدلة دامغة
العديد من الأدلة التي ساقتها جهات التحقيق استنادًا للمعلومات سالفة الذكر كانت كفيلة لأن يقدم كل من القحطاني والعسيري للمحاكمة العاجلة كأحد أبرز المتورطين في القضية، وهو ما كشفه تقرير كالامارد السابق، والذي قسم الأدلة إلى نوعين، أدلة ظرفية وأخرى توصلت إليها التحقيقات.
أما الأولى فيأتي على رأسها تقرير وزارة الخزانة الأميركية، الذي فرض عقوبات على القحطاني باعتباره “مسؤولًا رفيعًا في الحكومة السعودية اضطلع بدور في تخطيط وتنفيذ العملية التي أفضت إلى مقتل خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول”، وأن الجريمة “تم تنسيقها وتنفيذها بواسطة مرؤوسه ماهر المطرب”، المسؤول الرفيع في الاستخبارات السعودية، الذي ظهرت صور له وهو ضمن حاشية بن سلمان في رحلاته الخارجية.
كذلك تقرير شركة “كرول” الأمنية -رغم أن السلطات السعودية استأجرتها لتبرئة بن سلمان في قضية الاغتيال- والتي رصدت رسائل عبر تطبيق “واتساب” بين القحطاني وبن سلمان عشيّة الجريمة، وتحديدًا يومي 2 و3 أكتوبر/تشرين الأول، بجانب تقارير صحافية أخرى تحدثت عن أن الاستخبارات المركزية الأميركية “شفّرت” رسائل بين ولي العهد السعودي والقحطاني قبيل ساعات من اغتيال خاشقجي.
حالة من التشكيك خيمت على رد الفعل الدولي حيال تلك الأحكام التي وصفت بأنها “مثيرة للسخرية” كما جاء على لسان مقررة الأمم المتحدة لحالات الإعدام خارج نطاق القانون
هذا بجانب بيان النائب العام السعودي الصادر في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2018 والذي صرّح فيه بأن العملية تمّ التخطيط لها بواسطة رئيس الاستخبارات “السابق” أحمد عسيري، وأنه طلب “قائدًا للمهمة” من أجل “إعادة” خاشقجي “عن طريق الإقناع، وإن لم ينجح فبالقوة”.
التقرير أشار إلى أن عسيري طلب أن يرشح مستشار “سابق” في الديوان الملكي، دون الإشارة إليه بالاسم، أحد موظفيه ليرأس الفريق. ويعقّب تقرير كالامار على ذلك بأن “وثائق وبيانات لاحقة عرّفت المستشار المذكور على أنه سعود القحطاني”.
أما فيما يتعلق بأدلة الإدانة فتتقدمها مكالمتان هاتفيتان استمعت إليهما كالامار شخصيًّا: الأولى في 28 سبتمبر/أيلول، وفيها محادثة بين ملحق أمني في القنصلية السعودية بإسطنبول وماهر المطرب، الذي يؤكد بأنه “أبلغ مكتب الاتصالات” حول المعلومات التي قدّمها له “حاتم”؛ وفي المكالمة الثانية يسأل المطرب ملحق القنصلية إن كان خاشقجي سيعود في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول، ليرد بالقول: “نعم، كنا مصدومين، لقد تحدثنا للتو”. يرجّح تقرير كالامار أن يكون مكتب الاتصالات المذكور تحت إدارة سعود القحطاني نفسه، المعروف بأنه المتحكّم في كلّ ما يتصل بالإعلام والتواصل الجماهيري.
مع الوضع في الاعتبار أن القحطاني كان المسؤول عن وسائل التواصل الاجتماعي في خدمة بن سلمان، “وهذا دليل موثوق على أنه أدار شخصيًّا حملة تستهدف ناشطين ومعارضين سياسيين”، كما أن ماهر المطرب “القائد المزعوم للفريق المسؤول عن التفاوض (مع خاشقجي)، وأحد المخططين الرئيسيين للعملية، هو نفسه موظف لسعود القحطاني، وفقًا للنائب العام السعودي”.
ومن الأمور التي أثارت الاستغراب كذلك ما أعلنت عنه النيابة العامة السعودية أثناء إعلان الأحكام التي صدرت بحق المتهمين، حيث صنّفت جريمة الاغتيال بأنها حدثت “من دون تخطيط مسبق”؛ بمعنى آخر حادثة “قتل عرضي”، رغم أن فرقة الإعدام جلبت معها أدوات قتل وتخدير وتقطيع للجثة ومن بينها “المنشار”، حسبما كشفت التحقيقات والصور ومقاطع الفيديو الملتقطة.
سعود القحطاني
مطالب بفتح تحقيق مستقل
حالة من التشكيك خيمت على رد الفعل الدولي حيال تلك الأحكام التي وصفت بأنها “مثيرة للسخرية”، كما جاء على لسان مقررة الأمم المتحدة لحالات الإعدام خارج نطاق القانون، التي أضافت أن “الرؤوس المدبرة لجريمة خاشقجي ليست حرة فحسب، بل لم تتأثر تقريبًا بالتحقيق والمحاكمة، وهذا هو نقيض العدالة”.
وتابعت: “لقد قام المسؤولون السعوديون الثمانية عشر، الذين حضروا بمفردهم، في القنصلية السعودية في إسطنبول لأكثر من 10 أيام، بتنظيف مسرح الجريمة. وهذا عائق أمام العدالة وانتهاك لبروتوكول مينيسوتا للتحقيق في أعمال القتل التعسفي”، مختتمة عددًا من التغريدات على حسابها على تويتر قائلة: “لكن وجود طبيب شرعي مسجل في فريق القتل الرسمي، قبل 24 ساعة على الأقل من الجريمة، ومناقشة تقطيع الجثة قبل ساعتين من وقوعها بالفعل، يشيران بوضوح إلى التخطيط”.
j) Bottom line: the hit-men are guilty, sentenced to death. The masterminds not only walk free. They have barely been touched by the investigation and the trial. That is the antithesis of Justice. It is a mockery.
— Agnes Callamard (@AgnesCallamard) December 23, 2019
أما منظمة العفو الدولية فعلقت بأنه “لا يمكن أن تتحقق العدالة للصحافي السعودي جمال خاشقجي، إلا بإجراء تحقيق مستقل ونزيه”، فيما قالت لين معلوف، مديرة البحوث للشرق الأوسط في المنظمة، إنه “نظراً لانعدام الشفافية من قبل السلطات السعودية، وفي غياب القضاء المستقل، فلا يمكن أن تتحقق العدالة لجمال خاشقجي إلا بإجراء تحقيق دولي مستقل ونزيه”.
واعتبرت المنظمة الحكم “تستراً على الجريمة، ولا يحقق العدالة لخاشقجي ولا يكشف الحقيقة لأحبائه، نظراً لانعدام الشفافية من قبل السلطات السعودية”، وأضافت “تم إغلاق المحاكمة، بما في ذلك أمام المراقبين المستقلين، مع عدم توفر معلومات عن كيفية إجراء التحقيق”.
بدوره، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية، حامي أقصوي، إن القرار الصادر عن القضاء السعودي بعيد عن تلبية التطلعات، مؤكدًا أن بقاء تفاصيل مهمة في طي الكتمان، مثل مصير جثمان خاشقجي، وتحديد المحرضين على قتله والمتعاونين المحليين إن وجدوا، “هو قصور أساسي في تجلّي العدالة ومبدأ المساءلة”.
وأضاف أن “القرار الصادر عن المحكمة المعنية في السعودية، فيما يتعلق بقضية مقتل جمال خاشقجي، أبعد ما يكون عن تلبية تطلعات بلادنا والمجتمع الدولي لتسليط الضوء على جميع جوانب هذه الجريمة وتجلّي العدالة”، مشددًا على أن “الكشف عن الجريمة التي ارتكبت في الأراضي التركية وتحديد ومعاقبة المسؤولين والمحرضين عليها، ليست مسؤولية قانونية فحسب؛ بل مسؤولية وجدانية في الوقت نفسه”.
إن هذا الحكم عبارة عن تستر على الجريمة، ولا يحقق العدالة لجمال خاشقجي ولا يكشف الحقيقة لأحبائه. لقد أخفق الحكم في التطرق إلى تورط السلطات #السعودية في هذه الجريمة المروعة، أو الكشف عن مكان وجود رفات #جمال_خاشقجي. https://t.co/5TVNfQsO3v
— منظمة العفو الدولية (@AmnestyAR) December 23, 2019
وفي المقابل اعتبرت الولايات المتحدة الحكم “خطوة مهمة”، حيث قال مسؤول كبير للصحافيين إن “أحكام اليوم خطوة مهمة لكي يدفع كل مسؤول عن هذه الجريمة الرهيبة” ثمن ما اقترفه، وطلب المسؤول الأميركي من الرياض “المزيد من الشفافية” بينما قال رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأميركي، آدم شيف، إن الأحكام “محاولة لإبعاد القيادة السعودية وعلى رأسها ولي العهد محمد بن سلمان عن جريمة القتل الوحشية”.
كما حثّ وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب، السلطات السعودية على ضمان محاسبة المسؤولين عن مقتل خاشقجي، قائلًا في بيان له: “يجب على المملكة العربية السعودية ضمان محاسبة جميع المسؤولين عن قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، وعدم تكرار مثل هذه الجرائم الشنيعة”، مضيفاً: “لقد كان مقتل جمال خاشقجي جريمة فظيعة، وعائلة خاشقجي تستحق أن ترى العدالة وهي تتحقق لقتله الوحشي”.
الله يرحمك يا حبيبي و يسكنك في جنته، ان تتأخر العدالة هنا ولن تتأخر هناك …! #جمال_خاشقجي #october2_2018 pic.twitter.com/Aflhq6aNK5
— Hatice Cengiz / خديجة (@mercan_resifi) December 23, 2019
أما على المستوى الأسري، فأعرب نجل جمال خاشقجي، صلاح، عما أسماه “ثقته في القضاء السعودي” الذي قال إنه أنصف عائلته بعد الأحكام التي أعلنت عنها النيابة العامة السعودية، لافتا في تغريدة له أن: “إنصاف القضاء يقوم على مبدأين، العدالة وسرعة التقاضي، فلا ظلم ولا مماطلة. اليوم القضاء أنصفنا نحن أبناء المرحوم، بإذن الله جمال خاشقجي”.. وهو الموقف الذي فسره كثير من السياسيين أنه يأتي نتيجة ضغوط تعرضت لها أسرة الراحل من قبل سلطات المملكة.
إنصاف القضاء يقوم على مبدأين، العدالة وسرعة التقاضي، فلا ظلم ولا مماطلة. اليوم القضاء أنصفنا نحن ابناء المرحوم، بإذن الله جمال خاشقجي. ونؤكد ثقتنا في القضاء السعودي بكافة مستوياته وقيامه بإنصافنا وتحقيق العدالة. الحمد لله والشكر له.
— salah khashoggi (@salahkhashoggi) December 23, 2019
كوكب الارض كله يعرف من أمر بقتل أباك يا صلاح بل يعرف أدق تفاصيل العملية الأغبى استخباراتيا في العصر الحديث، والكوكب نفسه يشاهد اليوم قضاء مهبط وحي ديننا وهو يكذب ويدلس ويلبس القاتل ثوب الحكم، أعذرك لأنك تعيش تحت القتلة وتخشى على نفسك وأهلك، رحم الله #خاشقجي وأبدله أهلا خيرا منك https://t.co/Gc6jNr6qpu
— عبدالله الشريف (@AbdullahElshrif) December 23, 2019
بدورها، نددت خديجة جنكيز، خطيبة خاشقجي، بالأحكام، وأعادت نشر تغريدة لرئيس مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير)، نهاد عوض، عقب إعلان النيابة السعودية تفاصيل الحكم، وجاء في التغريدة: “إخفاق العدالة.. ماذا عن أولئك الذين أمروا بتنسيق القتل الوحشي واستضافته؟”. وتابع: “المملكة العربية السعودية تصدر أحكاماً بالإعدام على جمال خاشقجي”.
Miscarriage of Justice.
What about those who ordered, coordinate and hosted the brutal murder?Saudi Arabia sentences five to death over Jamal Khashoggi murder#JusticeForJamal #JamalKhashoggi@mercan_resifihttps://t.co/6VLHiHPcG6
— Nihad Awad نهاد عوض (@NihadAwad) December 23, 2019
وفي الإطار ذاته علقت “جمعية بيت الإعلاميين العرب” على هذه الأحكام، بقولها إنها “ليست من أجل إظهار الحقيقة أو طمأنة الرأي العام، وإنما من الجلي أنها من أجل إغلاق ملف هذه الحادثة الأليمة”، وإنها “ليست كافية وتدفعنا إلى إعادة طرح السؤال الذي طرحناه مراراً وتكراراً: أين جثة جمال خاشقجي؟”، كما ندد الأمين العام لمنظمة “مراسلون بلا حدود” كريستوف ديلوار، بتبرئة المتهمين الرئيسيين بالقضية، ووصف ذلك بأنه أمر “لا يحترم العدالة الدولية”.
أما الناشطة اليمنية، الحائزة على جائزة نوبل، توكل كرمان، فعلقت على الأحكام بقولها إن “قضاء مملكة آل سعود (..) يبرئ القحطاني والعسيري من جريمة اغتيال خاشقجي”، وتابعت: “الحقيقة أن المجرم الوحيد الحقيقي هو محمد بن سلمان (ولي العهد) والباقون مجرد أدوات، (..) ويومًا سيلاقي عقابه العادل، وعسى أن يكون قريبًا”.
قضاء مملكة آل سعود الظلامية يبرئ القحطاني والعسيري من جريمة اغتيال خاشقجي ، الحقيقة ان المجرم الوحيد الحقيقي هو محمد بن سلمان البقية مجرد ادوات ، رأس الاجرام الطائش محمد بن سلمان ويوما سيلاقي عقابه العادل، وعسى أن يكون قريبا
— Tawakkol Karman (@TawakkolKarman) December 23, 2019
قريبًا.. قد يعود القحطاني وعسير للعمل تدريجيًا، وكما حاول ولي العهد تبرئة ساحتيهما محليًا بوصفهما ذراعيه الذي يحقق بهما ما يريد، فإنه لن يتوانى عن تبرئة اسمهما عالميًا مهما كلفه الأمر، هذا يتوقف على مدى قوة رد الفعل الدولي الذي إما أن يعيد القضية مرة أخرى لساحات القضاء الدولي ليقدم المتورطين الحقيقيين للمحاكمة بعيدًا عن “أكباش الفداء” أو يكتب هو بنفسه شهادة وفاتها رسميًا. وهو ما ستكشفه الأيام القادمة خاصة وأن مثل هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم مهما تفنن المجرم في دفن أدلة الجريمة وأدواتها.