من الخليج العربي إلى شمال إفريقيا، للصحراء بريقها وجمالها وإن اختلفت البيئة الحاضنة لها، ومصر صاحبة المعالم الشهيرة، اجتذبت السياح من أصقاع العالم ممن استهواهم البحث عن أسرارها ودفعهم إليها حب المغامرة والتجديد.
وتُعتبر مصر أرشيفًا تاريخيًَّا عالميًّا للثقافات، قامت على أرضها أقدم الحضارات العالميّة منذُ عام 3200 قبل الميلاد، وتميّزت بتنوّعها واستمرارها على مدى قرون طويلة، ومن أبرزها الحضارة الفرعونيّة والرومانيّة، والإغريقيّة والبيزنطيّة، وكذلك الحضارة الإسلامية التي وفدت إليها في القرن السّابع الميلادي.
وتضمُّ مصر العديد من المعالم الأثرية الهامَّة التي تشكل نقاط جذبٍ سياحيّةٍ لكلِّ المهتمِّين بدراسة تاريخ المنطقة من كافَّة أرجاء العالم، ومن أبرزها أهرامات الجيزة ومعابد الأقصر، والصحراء المتنوعة والفريدة من نوعها.
ويتميّز البلد الإفريقي بموقعه الإستراتيجيّ، حيثُ يطُل من الشّمال على البحر الأبيض المُتوسّط، ومن الشّرق على البحر الأحمر وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء، ويحُدّه من الجنوب دولة السّودان، ومن الغرب الجمهورية الليبيّة.
وينصح بالسفر إلى مصر في الفترة الممتدة من ديسمبر إلى فبراير، حيث تكون الأجواء معتدلة وملائمة بعيدًا عن ارتفاع درجات الحرارة أو انخفاضها بشكل كبير، وإذا قمت بالزيارة في موسم غير موسم الذروة، فسوف تستمتع أيضًا بأسعار أرخص للفنادق.
لكل حبة رمل قصة
تمثل الصحراء في أم الدنيا بشقيْها الغربي والشرقي نحو 95 بالمئة من مساحة مصر، لكن لما يزيد على 200 عام أولى المختصون بالقطاع السياحي اهتمامًا بترويج وتنشيط السياحة في مساحة 5 بالمئة من إجمالي الأراضي، إلى أن جاء الغرب ممثلًا في الاستعمار أو علماء الآثار ليُعيد اكتشاف مساحات شاسعة من الصحاري التي تحتوي على مقومات حضارية وجمالية ساعدت على إعادة صياغة خارطة السياحة في مصر.
الصحراء الغربية والسفاري
إذا كنت من عشاق السفاري، فإنّ الصحراء الغربية تعد من أغنى صحاري شمال إفريقيا، وتبلغ مساحتها 67% من مساحات مصر تقريبًا، ولكنها لم تعط الاهتمام الكامل بها، وفي نظر رجال الآثار والباحثين هي صحراء الخير الواعد نظرًا لما تحتويه من عيون وآبار ومعابد ومقابر وآثار إسلامية ومسيحية، وبحيرات وكثبان رملية وجبال ووديان يحنو إليها عشاق المغامرة.
وفي المنطقة ذاتها، يقبع بحر الرمال الأعظم وهو أحد 18 بحر رمال في العالم منها أربعة في إفريقيا، يشتهر برماله البيضاء في البداية والحمراء في النهاية، ويصفها أستاذ الآثار مختار الكسباني، بأنها من أشهر كنوز مصر الأثرية لأنها كانت سببًا في تدمير جيش قمبيز الفارسي عام 525 قبل الميلاد والذي حير العلماء على مر العصور ولم يستطع أحد فك لغز فناء هذا الجيش قبل وصوله إلى بحر الرمال ولكن مع مرور الوقت أصبحت المنطقة وجهة سياحية لعدد متنوع من الأجانب.
الصحراء البيضاء
صحراء رملية تكسوها بقع بيضاء وتشكيلات صخرية مختلفة، وتتميز بجمال قد لا يشبه أي شيء رأيته بحياتك، جمال فريد يتناقض فيه المشهد بين الجو الحار والصورة الجليدية الباردة.
وتعتبر الصحراء البيضاء شاهد على قوة الطبيعة، حيث نُحتت الصخور بفعل الرياح على هيئة فطر عملاق أو قطعة زجاج، مما جعلها تحفة فنية غريبة لا مثيل لها بأي صحراء في العالم.
وعادة ما يفضل زائرو الصحراء البيضاء التخييم فيها، فلا يوجد مكان آخر يظهر كل هذا الكم من النجوم التي ترصع السماء، كما يظهر في سماءها درب التبانة واضحًا جليًا فوق الصخور، فيما يضوي كوكب الزهرة ليزين سماء الليل بضيائه.
وتظهر بعض الصور الملتقطة للصحراء في مصر تشكيلات صخرية شمال واحة الفرافرة في محافظة الوادي الجديد، أي على بعد حوالي 500 كيلومتر جنوب غرب العاصمة القاهرة. وكانت الصحراء البيضاء أحد النقاط الرئيسية لسباق رالي الفراعنة لعدة سنوات متتالية.
الصحراء السوداء
تعد “الصحراء السوداء” في الواحات البحرية من أهم المزارات السياحية الطبيعية في مصر والعالم، وهي عبارة عن جبال من صخور بركانية متناثرة مثل أرخبيل من الجزر.
وترتبط الجبال السوداء ببعض الأحداث التاريخية التي ترجع إلى الاحتلال الإنجليزي لمصر، مثل “جبل الإنجليز” الذي أطلق عليه هذا الاسم لتمركز القوات الإنجليزية عليه خلال فترة الاحتلال البريطاني للواحة، والأطلال الموجودة على قمته ترجع إلى فترة الحرب العالمية الأولى.
ويتميز الجبل بقمته السوداء لاحتوائه على أحجار البازلت، وهي من الصخور البركانية التي تدل على نشاط بركاني قديم في المنطقة، كما يصل ارتفاعه إلى 200 متر. وترجع أهمية موقع جبل الإنجليز السياحية لوقوعه في منتصف النطاق العمراني بالواحات البحرية.
الجلف الكبير
إلى جانب كونها منطقة ظهور الإنسان المصري الأول، وفق ما أكّدته الكتابات الحجرية وآثار الأقدام بتلك المنطقة، تم إعلان منطقة الجلف الكبير كمحمية طبيعية منذ العام 2007، وتقع المنطقة على حدود مصر مع ليبيا والسودان، وتضم سهولًا شاسعة للكثبان الرملية وكهوفًا تعود لعصور ما قبل التاريخ.
ويمتاز الجلف الكبير بكنوزه وكهوفه الصحراوية والجبلية والمناظر الخلابة التي جعلت منه مقصدًا للسياح المغامرين ومحبي سباق السفاري والصعود لقمم الجبال، إضافة إلى كهوفه ومن أشهرها “وادي صورة” وهو كهف كبير يرتاده الرحالة والباحثون في آثار ما قبل التاريخ، وكهف المستكاوي الذي يحوي أكثر من 2000 صورة من النقوش ورسوم الإنسان الأول.
وتغطي سطح الجلف بلاطات بازلتية تشقه الوديان من جميع جوانبه وأكبرها وادي عبدالملك الذي يمتد شمالًا وجنوبًا، والعديد من الوديان الأخرى كوادي بخت ووادي واسع، تمتد من جوانبه وديان أخرى لها كثبان حمراء (وادي حمرا).
سيناء
تتمتع سيناء بطبيعة ساحرة تتنوع ما بين الجبال والسهول والوديان والشواطئ الجميلة بالإضافة إلى مياه البحر حيث الشعاب المرجانية والأسماك النادرة، وتعد سيناء مركزًا عالميًا للسياحة بأنواعها الدينية والثقافية والتاريخية والترفيهية، وذلك لموقعها المتميز حيث تعتبر سيناء جسرًا يصل بين قارتين الآسيوية والإفريقية.
وتضم بين طياتها الكثير من المعالم المميزة إذ يوجد بها العديد من المنتجعات السياحية والمحميات الطبيعية أبرزها شرم الشيخ، دهب، رأس سدر، طابا، نويبع، محمية رأس محمد، محمية نبق، محمية طابا، دير سانت كاترين، حمام موسى، حمام فرعون، وجبل موسى.
وتعتبر رحلات السفاري في المناطق البدوية، الطريقة الوحيدة الشيقة لاكتشاف قلب صحراء سيناء، ولك أن تتخيل روعة مشهد الصخور التي تتغير ألوانها مع غروب الشمس، فيما تمثل السلاسل الجبلية وأشهرها جبال منطقة سانت كاترين التي تشتهر بألوان صخورها الزاهية والمتعددة وتكوينها المثير، ملاذًا لهواة التسلق والتخييم.
أما رواد الاستكشاف والمغامرة فلهم ما يصبون إليه في الوديان المتميزة وعيون الماء ذات الشهرة والجمال مثل عين القديرات في منطقة القسيمة وعيون أم أحمد وعيون فرطاقة والوادي الملون الذي يعتبر أحد عجائب الطبيعة في سيناء، والوادي هو عبارة عن متاهة من الصخور الرملية بالألوان الأصفر والأرجواني والأحمر والذهبي.
وإذا كنت تبحث عن الصيد البري فهناك العديد من المناطق التي تلبي رغبتك، كمنطقة العريش والشيخ زويد ورفح في شمال سيناء.
راس شيطان
أمام راسي شيطان، فهو مخيم بدوي يطل على شاطئ خليج العقبة بمدينة نويبع وتحيطه الجبال الخلابة المغمورة في الماء والأودية والكهوف والسهول، ويمكنك الاستمتاع بالنظر إلى الأجرام السماوية ليلًا وحضور حفلات الشواء والرقص على الأنغام البدوية، والتسلق والتجول بالوديان الصخرية والغطس نهارًا.
الإقامة في راس شيطان بسيطة وبدائية، فقط بإمكانك الإقامة بالغرف البسيطة المبنية بالطوب أو القش، والاستمتاع بمنظر البحر الهادئ بأقل تكاليف.
واحة سيوة
تُعتبر واحة سيوة من أقدم المناطق التاريخيّة في مصر، إذ حازت على كثير من الألقاب عبر العصور؛ فكان يُطلَق عليها سنتريا من قِبَل العرب القدماء، وكذلك واحة جوبيتر-آمون، وميدان النّخيل وسانتار من قِبَل المصريّين القدماء. يحتوي الموقع على آثار لبيوت تُشكّل تجمُّعًا كبيرًا كالواحة.
ورغم التقدّم الحضاريّ الكبير الذي تعيشه مصر، إلا أن سيوة ما زالت تُحافظ على عاداتها وتقاليدها؛ حيث يتكلّم السُكّان لغتهم الأصليّة وهي الأمازيغيّة، إلى جانب العربية، وترتدي النّساء الزيّ التقليديّ الخاصّ بالمنطقة.
وفي سيوة أيضًا، يُنصح عادة بزيارة قرية شالي، أين يجد السياح الكثير من المخيمات الممتازة فور وصولهم للمبيت تحت هذه السماء المليئة بالنجوم، بينما يكتشف صحراء القرية الصغيرة أثناء الصباح.
وفي مصر أيضًا توجد محمية طبيعية (الفيوم) مثالية للتخييم خلال العطلة الأسبوعية، فهي قريبة جدًا من القاهرة، وتستطيع أن تهرب فيها من زحام المدينة، فهناك يمكنك الحصول على تجربة رائعة للتخييم والاستمتاع برؤية الشلالات والبحيرات والكثبان الرملية الناعمة.
لا تختزل أم الدنيا في الأهرامات ومعابد الأقصر وأبو الهول الجاثم على أطراف القاهرة أو ذلك النيل الذي أصبح بخيلًا، بل هي نقطة التقى فيها التاريخ بالجغرافيا لينتج صورة سريالية لصحراء تُخلد في ذكري من حطّ رحاله بها يومًا، أو قل هي بوابة الأزمان والأمكنة تأخذ كل من وطئت قداماه رمالها إلى عوالمها الساحرة، وتلفه بنسائم العنبر فيستكشف أسرارها وأغوارها، فهي صحاري غنية بكل المقومات الطبيعية الخالية من التلوث البيئي تجذب سائحي الثقافة والعلم والمغامرات.