ترجمة وتحرير: نون بوست
حوّل العقد الماضي عالم صناعة الصحافة، بدءًا من الطفرة الكبيرة التي قدمتها الهواتف الذكية وصولًا إلى التحول الهام لنماذج الأعمال، مع سعي المؤسسة الإعلامية الدؤوب للبحث عن طرق جديدة تعوض بها عن إيرادات الإعلانات التي تراجعت في الآونة الأخيرة. فماذا يمكن أن يُخبّئ العقد القادم للصحفيين والشركات الإعلامية؟ لمعرفة ذلك، تحدثنا إلى مجموعة من خبراء هذا المجال للتعرف على توقعاتهم للسنوات المقبلة.من الواقع المعزز إلى نماذج الأعمال المتغيرة، هذه نظرة على التحديات والأساليب التي قد تميز العقد الثاني للألفية الثانية.
التضليل الإعلامي
لطالما جذبت تقنية التزييف العميق الأنظار على مدار السنوات القليلة الماضية، حيث أصبحت تمثل أبرز التهديدات التي قد تواجه الصحفيين في وقت لاحق. وتقدم أمثلة طورتها رويترز لمحة مثيرة للقلق عما قد تفرضه التحديات الجديدة للتضليل الإعلامي.
أوضح المحرر الرقمي التابع لمشروع “فورست درافت” أليستر ريد، أنّ تقنيات التزييف العميق، لم تحظى بعدُ بالقبول العام، لذلك لازال هناك متسع من الوقت للاستعداد. وأضاف ريد أن “كل شخص يتملّكه نوع من الذعر الأخلاقي حيال تقنيات التزييف العميق، لكن لا يوجد شيء جديد حقا فيما يتعلق بمقاطع الفيديو التي وقع التلاعب بها والتي شاهدناها. لقد رأينا ما أطلق عليه الكثير من الناس” الأخبار السطحية الزائفة”، حيث لا تزال الحيل القديمة هي الأفضل والأكثر فعالية. وما يتعين علينا فعله هو إحداث رؤية جماعية للتغيير تتعلق بطريقة تفكيرنا في هذه الأشياء، وهذا سيستغرق بعض الوقت”.
من جهته، يرى مات نافارا، الخبير الاستشاري المتخصص في وسائل التواصل الاجتماعي، وجود سبب يدعو للتفاؤل في المعركة ضد أنواع جديدة من المعلومات المضللة، موضحًا “أعتقد أن وجود وعي كبير بهذا الشأن الآن، وتضافر جهود العديد من شركات التكنولوجيا الكبرى لتسليط الضوء على أجزاء من المحتوى المشبوه، يعتبر بمثابة خطوات إيجابية”. ومع ذلك، يعتقد ريد أن مشاكل معالجة المعلومات المضللة سوف تزداد سوءًا قبل حتى أن تتحسّن، “لدينا بعض المستويات الأخرى التي ينبغي علينا التراجع عنها قبل أن تستعيد توازنها”.
التكنولوجيا
قال الصحفي جلين مولكاهي المختص في مجال الهواتف المحمولة، إن العديد من المجالات التكنولوجية بصدد التطور وهي تزخر بإمكانات هائلة لسرد القصص، لكنها تنطوي على بعض المخاطر. في هذا السياق، سلّط الصحفي الضوء على الواقع المعزز باعتباره مجالا رئيسيا يمكن أن تزدهر فيه رواية القصص بطرق جديدة لجلب اهتمام الجماهير وإشراكهم. ولكنه يشك في احتمال تمكن الواقع الافتراضي من الإقلاع على الإطلاق، لأن الأمر يتطلب الكثير من المعدات الإضافية.
رغم إمكانات سرد قصص التي يتيحها الواقع المعزز، يعتقد مولكاهي أن هذا المحتوى يتطلب حاليا، قدرا كبيرا من التشفير، في ظل غياب منصة بسيطة لإنشائه
في هذا الشأن، أكد الصحفي مولكاهي أن “تجربة تطبيقات على غرار بوكيمون غو، تُظهر أن الجماهير لديها نهم تجاه الواقع المعزز لأنها سهلة الاستهلاك، كانت هذه هي المشكلة الجوهرية المتعلقة بمحتوى فيديو 360 درجة والواقع الافتراضي؛ ففي حين أن التقنية بحاجة إلى عتاد إضافي، يمكنك استخدام الواقع المعزز انطلاقا من جهاز تحمله بين يديك”.
كما أشار مولكاهي إلى أنه “على الرغم من أن فيديو 360 درجة لا يزال في طور النمو، حيث من المحتمل أن يكون هناك تطور تقني كبير خاص بالفضاء، إلا أن هذه التقنية لم تحدث صدى في صفوف الجماهير، ومثلت مسألة سماعات الرأس جزءا صغيرا مما كان متوقعا قبل ثلاث سنوات فقط”.
رغم إمكانات سرد قصص التي يتيحها الواقع المعزز، يعتقد مولكاهي أن هذا المحتوى يتطلب حاليا، قدرا كبيرا من التشفير، في ظل غياب منصة بسيطة لإنشائه. وفي ظل تزايد الطلب، قد يتدخل التعلم الآلي للمساعدة في تقليص مقدار الوقت والجهد اللازمين لإنشاء مشاريع الواقع المعزز.
تشمل الأنواع الأخرى من التكنولوجيا التي تلوح في الأفق لتتصدر عناوين الأخبار، عمليات التحقيق التلقائي، التي يقوم مدققوا الحقائق التابعين لمنظمة “فول فاكت” بتجربتها، بالإضافة إلى الجيل الخامس للأنظمة اللاسلكية لتعزيز جودة البث المباشر، وأدوات جديدة على غرار أدوبي سينسياي، التي تستخدم التعلم الآلي للمساعدة في المشاريع، بما في ذلك تقية الاقتصاص 16:9 في لقطة رأسية مثالية. قد يتدخل التعلم الآلي للمساعدة في تقليص مقدار الوقت والجهد اللازمين لإنشاء مشاريع الواقع المعزز.
التمثيل والتنوع
من المحتمل أن يشهد العقد المقبل تحولًا كبيرًا على مستوى كيفية عمل غرف الأخبار ذاتها، حيث ستبدأ الألفيات في الاضطلاع بأدوار أكثر ريادة. في هذا الإطار، قال بولي كورتي، المحرر والشريك في وكالة تورتويز ميديا: “أعتقد أن جيلي والجيل الذي تعلمت منه، يشعرون بأنهم مختلفون عن حياتهم العملية مقارنة بالصحفيين الذين يأتون إلى غرف الأخبار”. وأشار إلى وجود “فرق بين الأخبار المدفوعة بهدف معين، بشكل لا يُعقل، وتلك المدفوعة بعلامة تجارية، ترغب في التحرك أكثر، والضغط من أجل عقد صفقة أفضل.”
ستشهد السنة المقبلة أيضا قرار فيسبوك بشأن ما إذا كان سيستمر في تمويل مشروع الصحافة المجتمعية مع اقتراب انتهاء فترة التجربة. نظرًا لنجاحه في جلب مجموعة متنوعة من المواهب في الصناعة، يأمل رئيس الشراكات في المجلس الوطني لتدريب الصحفيين، ويل جور، في أن يقع تأمين الدعم المستمر للمشروع في النهاية، موضحًا أنه لن تستفيد غرف الأخبار المحلية فقط، وإنما جمهورها أيضًا.
الصحة العقلية
أصبح الإرهاق قضية خطيرة على نحو متزايد بين الصحفيين والمحررين. أضف إلى ذلك نتائج حركة “هاشتاج أنا أيضا”، ليصبح من الواضح إلى حد ما أن المؤسسات الإخبارية في حاجة إلى تغيير عميق في طريقة عملها. حيال هذا الشأن، أوضحت زوزانا زيوميكا، مديرة برنامج معهد ويلكوم ومؤسسة موقع ويب “نيوز مارفنز” الذي لم يعد له وجود الآن، أن هذا سيكون التحدي الأكبر للمنظمات التقليدية، حيث يصعب إحداث التغيير الثقافي. وقد أكدت أنه “لدى المنظمات الأصلية الرقمية الأصغر، بطريقة ما، مهمة أسهل للتأكد من أنها تخلق ثقافات تدعم الجميع”، وستكون الصحة العقلية من ضمن المواضيع المركزية التي ستناقش في العقد القادم، بنفس الطريقة التي تم التطرق بها إلى مسألة التنوع والمساواة بين الجنسين في العقد الماضي”.
نماذج التمويل
على الرغم من الحاجة إلى مواصلة تنويع التمويل مع استمرار انخفاض عائدات الإعلانات، إلا أن كرتيس لا تتوقع نهاية أيام الحصول على محتوى الأخبار مجانًا. لكنها تشعر بالقلق إزاء احتمال نشوء نظام إخباري مزدوج بين أولئك الذين لديهم القدرة على الدفع وأولئك الذين لا يتمتعون بهذه القدرة. وفي هذا الصدد، بينت كرتيس أن “هناك أجزاء كبيرة من الجمهور لن يدفعوا مقابل الأخبار، وما يقلقني هو أن ينتهي الأمر إلى وجود أشخاص يدفعون مقابل الأخبار ويحصلون على جودة أعلى، بينما ربما تنخفض الجودة لدى البقية”.
الواقع أن الغالبية العظمى من العناوين قد تكون بعيدة إلى حد ما عن الوصول إلى هذه المكانة
إنها ترى أن هذا يشكل تهديداً أعظم إذا ما تعرضت مكانة هيئة الإذاعة البريطانية، “بي بي سي”، باعتبارها جهة بث للخدمات العامة للتهديد، سواء كان ذلك راجعاً إلى التساؤلات حول مستقبل رسوم الترخيص أو الصعوبات التي تواجهها في إشراك الجماهير الأصغر سناً. وأضافت قائلة: “أريد بشدة أن أرى هيئة الإذاعة البريطانية لا تزال في نفس المكانة في غضون عشر سنوات.”
يتوقع جور، الذي شغل منصب نائب مدير التحرير في مجلة “ذي إندبندنت”، أن العناوين الأخرى قد تحتاج إلى الانتقال إلى الإنترنت فقط. والواقع أن الغالبية العظمى من العناوين قد تكون بعيدة إلى حد ما عن الوصول إلى هذه المكانة، لذلك من غير المرجح أن تأتي عناوين أخرى في المستقبل القريب، ولكن أظن أن هذا قد يكون مرجحاً نسبياً في غضون خمس سنوات.”
توافقه زيوميكا الرأي، حيث قالت إن السنوات العشر القادمة ستكون محورية في تحديد النموذج المستقبلي للمنظمات الإخبارية، “سواء من خلال الاضمحلال أو من خلال التكيف أو من خلال كليهما، في غضون عشر سنوات أعتقد أن تحولنا من قوى الأمس إلى أحد الناجين في الغد ينبغي أن يكون كاملا”.
تدريب
خلال سنة 2021، احتفل المجلس الوطني لتدريب الصحفيين بعيد ميلاده السبعين، وبالنسبة إلى جور، هذه المدة البارزة هي شهادة على كيفية تكيف المنظّمة مع المهارات والمتطلبات المتغيرة لتكون مراسلاً. وقال جور “لقد نجت المنظمة خلال هذه المدة الطويلة على وجه التحديد لأنها تطورت لتواكب العصر، ونحن نفعل ذلك الآن من خلال الانتقال إلى مجالات صحافة البيانات والاعتراف بأنه سيكون هناك دائمًا أشياء جديدة يحتاج الناس إلى معرفتها إذا كان عليهم القيام بوظائفهم بشكل جيد”.
مع ذلك، نوه جور بأن المهارات الصحفية الأساسية التي ظلت دون تغيير إلى حد كبير لسنوات عديدة، ستظل بنفس القدر من الأهمية بما في ذلك الاختزال. وأضاف جور: “الحقيقة هي أن الاختزال قد صمد أمام اختبار الزمن، وإذا كنت ترغب في الدخول إلى صحافة الأخبار، فإن فرصك تزداد بشكل كبير إذا حصلت على الاختزال. سيستمر النقاش، ولكن وجهة نظري هي أن مهارة الاختزال تعد ميزة كبيرة لمنح نفسك أفضل فرصة للحصول على وظيفة”.
المصدر: جورناليزم