أنهى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مساء أمس الأربعاء، زيارته الخاطفة والمفاجئة إلى تونس، زيارة جاءت غداة إعلان الرئاسة التركية إمكانية إعداد مسودة قانون تتيح إرسال قوات إلى ليبيا دعمًا لحكومة طرابلس المعترف بها دوليًا، ما من شأنه أن يعيد ترتيب موازين القوى في هذا البلد المنهك.
وضع الجانب التونسي في صورة التحرك التركي
هذه الزيارة الفجائية، أراد أردوغان من خلالها، وفق أستاذ العلوم السياسية في الجامعة التونسية هاني مبارك، وضع الجانب التونسي في صورة التحرك التركي لأنه من الصعوبة بمكان تجاوز الموقف التونسي خاصة وأن الرئيس سعيد أعلن أكثر من مرة سواء خلال الحملة الانتخابية أو بعدها أن تونس ستكون لجانب القرارات الدولية وإلى جانب الشرعية الدولية.
وأدى أردوغان الأربعاء زيارة عمل إلى تونس استمرت لساعات، ورافق أردوغان في الزيارة كل من وزيري الخارجية مولود تشاووش أوغلو، والدفاع خلوصي أكار، إضافة إلى رئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان، ورئيس دائرة الاتصال في الرئاسة فخر الدين ألطون، والمتحدث باسم الرئاسة ابراهيم قالن، ما يؤكّد حجم وأهمية الملفات التي تمّ التطرّق لها.
وأوضحت الرئاسة التونسية، في بيان صادر عنها، إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره التونسي قيس سعيد، بحثا خلال لقائهما بقصر قرطاج الأربعاء، سبل الإسراع بالعمل على وقف إطلاق النار بليبيا في أقرب وقت.
هذه التحركات المتتالية، يسعى من خلالها أردوغان إلى السيطرة على الوضع في ليبيا وأن يكون المتحكم في مجريات الأمور في هذا البلد العربي الذي أثقلته الأزمات المتتالية
يؤكّد هاني مبارك، في حديثه لنون بوست، أن الموقف التونسي تجاه السراج ينسجم مع الموقف التركي، وعلى هذا المستوى يمكن تنزيل هذه الزيارة لاستكشاف مدى التعاون التونسي في إطار الرؤية التركية، وعلى أساس ما سيستنتجه أردوغان من لقاء سعيد سيتم صياغة طبيعة الموقف التركي وحدوده للتدخل في هذا الملف.
التحول إلى طرف مباشر في حلّ الأزمة
فضلًا عن وضع الجانب التونسي في صورة التحرك التركي، يفهم من خلال هذه الزيارة وجود رغبة كبيرة لدى أردوغان ونظامه للتحول إلى طرف مباشر في وضع حلّ للأزمة الليبية سواء في جانبه العسكري أو في الجانب التفاوضي على الرغم من صعوبة الفصل بين الجانبين، وفق أستاذ العلوم السياسية في الجامعة التونسية هاني مبارك.
يتأكّد هذا الأمر، من خلال متابعة تحركات الرئيس التركي الأخيرة، حيث ما فتئ يقوم بتحركات دبلوماسية لدعم حكومة الوفاق الوطني التي يقودها فائز السراج، وتقديم الدعم السياسي للحكومة الشرعية في البلاد، حتى تتمكن من فرض سلطتها كاملة على ليبيا.
وتقدم تركيا دعمًا حقيقيًا للحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا في ليبيا، وتجري تعهداتها معها بشكل علني وشفاف، خلافاً مثلًا لسلوك دول محور الثورات المضادة التي تدعم حفتر، على رأسها مصر والإمارات وفرنسا.
تحركات أردوغان، لم تقتصر على الجانب الدبلوماسي فقط، بل الجانب العسكري أيضًا، فهو يريد أن يكون له الكلمة الفصل في هذا الشأن، خاصة وأنه سبق أن أكّد أن بلاده ستسخر كل إمكاناتها لما يصفه بـ”منع المؤامرة عن ليبيا”.
وتوقع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في كلمة ألقاها خلال اجتماع لحزب العدالة والتنمية الحاكم في العاصمة أنقرة، حصول حكومته على تفويض من البرلمان التركي في 8 – 9 يناير من أجل إرسال جنود إلى ليبيا تلبية لدعوة الحكومة الشرعية، مؤكّدا نية بلاده تقديم جميع أنواع الدعم لحكومة طرابلس في كفاحها ضد حفتر المدعوم من دول أوروبية وعربية، وفق قوله.
وفي 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وقع الرئيس التركي مذكرتي تفاهم مع رئيس الحكومة الليبية فائز السراج، المذكرة الأولى تتعلق بترسيم الحدود الملاحية في البحر المتوسط، أما المذكرة الثانية، فهي متعلقة بإرسال قوات تركية إلى ليبيا إذا طلبت حكومة الوفاق الوطني دعمًا عسكريًا.
السيطرة على الوضع والتحكم في مجريات الأمور
هذه التحركات المتتالية، يسعى من خلالها أردوغان إلى المشاركة بضبط الوضع في ليبيا، ويؤكّد هاني مبارك في هذا الشأن، وجود طموح تركي بدأ يطفو على السطح منذ عدة سنوات يتناسب وقوة تركيا المتنامية من ناحية وضعف النظام الإقليمي العربي من ناحية ثانية والمحاولات الإيرانية والإسرائيلية لملئ الفراغ الناجم عن ضعف النظام العربي، وفق قوله.
من الطبيعي أن تفكر تركيا جديًا، أمام هذا الوضع، بدور فعال في المنطقة خاصة وأن فرصة تحقيق ذلك في ليبيا متوفرة في ظل وجود حكومة السراج التي هي الأخرى ترى في الدور التركي حليفًا وفرصة في الوقت نفسه لإحداث تغيير في موازين القوى مع عدوها التقليدي خليفة حفتر المدعوم مصريًا وخليجيًا، وفق أستاذ العلوم السياسية هاني مبارك.
الدور التونسي في حلّ الأزمة الليبية
زيارة أردوغان لتونس، لا يمكن الحديث فيها عن الدور التركي في ليبيا فقط، بل الدور الذي من الممكن أن تضطلع به تونس في هذه الأزمة أيضًا، خاصة وأن تركيا تجد في مشاركة تونس فرصة لدعم الحل السياسي في ليبيا بما يضمن وقف إطلاق النار.
وسبق أن صرح أردوغان بأنه أبلغ المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أنه من الضروري مشاركة تونس والجزائر وقطر في مؤتمر برلين الخاص بليبيا، والمزمع تنظيمه في بداية عام 2020.
بحكم القرب الجغرافي قياسًا بدول الجوار الأخرى من المنتظر أن يكون لتونس دور فاعل في حل الأزمة الليبية، خاصة وأنها اختارت أن تكون إلى جانب الشرعية الأممية، في وجه رافضي حكومة الوفاق الوطني.
ما فتئت تونس، منذ بداية الأزمة الليبية، تضع تجربتها في الانتقال الديمقراطي القائمة على التوافق، على طاولة الحوار أمام مختلف الفرقاء الليبيين والقوى الدولية كنموذج مثالي للخروج من هذه الأزمة
فالجغرافيا سيكون لها دور مهم في حسم الصراع، فمن الناحية اللوجستية لتونس موقع مميز يمكن أن يستخدم على مستوى الدعم والتغطية أو على مستوى الإعاقة ومنع انهيار العاصمة طرابلس من مختلف الجهات، كما أنها تعتبر مركزًا مهمًا للإمداد أو استنزاف القوات المحتلة للعاصمة، ويعي المختصون في الجوانب العسكرية أهمية الموقع الجغرافي لتونس في حسم الصراع وبالتالي أهميتها في لعب دور الوسيط في حال الجنوح للتفاوض.
وقبل أسبوعين، التقى الرئيس التونسي ورئيس الحكومة الليبية الشرعية فائز السراج في قصر قرطاج، ونقل بيان صادر عن الرئاسة التونسية تأكيد قيس سعيد خلال الاجتماع، على ضرورة إيجاد تسوية سياسية شاملة للأزمة الليبية تخدم مصلحة الشعب الليبي.
وبحسب بيان صادر عن المكتب الإعلامي لرئيس حكومة الوفاق الليبية، فقد أكد الرئيس التونسي للسراج على مساندة تونس للمسار الديمقراطي في ليبيا، ووقوفها بكل إمكانياتها إلى جانب الشعب الليبي.
فضلًا عن ذلك، استقبل الرئيس التونسي قيس سعيد مؤخرًا ممثلين عن مجلس زعماء القبائل الليبية وعددًا آخر من المسؤولين الليبيين في خطوة لرأب الصدع بين الفرقاء الليبيين، وبحث سبل حلّ الأزمة التي تعيش على وقعها البلاد منذ سنوات عدّة.
خلال هذا اللقاء، فوّض الحضور الليبيين الرئيس التونسي لرعاية حلّ شامل للخلاف الليبي وفقًا لرؤية ومبادئ واضحة أهمها، دعوة كلّ الليبيين للجلوس إلى مائدة الحوار بهدف التوصل إلى صيغة توافقية للخروج من الأزمة الليبية الراهنة في إطار الاتفاق السياسي الليبي واحترام الشرعية الدولية.
فائز السراج في ضيافة قيس سعيد
وأيضا التأكيد على أنّ الحلّ في ليبيا لن يكون إلا ليبيّا – ليبيّا دون إقصاء أو تهميش لأيّ طرف مهما كانت انتماءاته السياسيّة أو الفكريّة أو المنطقة التي ينتمي إليها تحت سقف نظام مدني في دولة ليبية موحّدة، ودعم جهود المصالحة الوطنية الشاملة، والعمل على الإعداد لمؤتمر ليبي تأسيسي يضمّ كلّ مكوّنات الطّيف السياسي والاجتماعي واعتماد قانون مصالحة وطنيّة شاملة وتنظيم انتخابات تشريعيّة ورئاسيّة ومحليّة حرّة ونزيهة.
ما فتئت تونس، منذ بداية الأزمة الليبية، تضع تجربتها في الانتقال الديمقراطي القائمة على التوافق، على طاولة الحوار أمام مختلف الفرقاء الليبيين والقوى الدولية كنموذج مثالي للخروج من هذه الأزمة التي طال أمدها وانتقل تأثيرها إلى دول الجوار.
تحرص تونس من خلال مساعيها الدبلوماسية على تحقيق أكبر قدر من التوافق ببن الأطراف الليبية دون تدخل أطراف خارجية والمحافظة على العملية السياسية الديمقراطية في البلاد وعدم إقصاء أي طرف. ويمثل إيجاد حل للأزمة الليبية مفتاحًا لحل عديد من المشاكل الداخلية ذات الطابع الأمني والاقتصادي في تونس، وغيابه تهديد للتجربة الديمقراطية التونسية.
هذه الجهود التركية التونسية، الهدف منها إيجاد حل جذري للأزمة الليبية بعيدًا عن منطق السلاح الذي تعتمد عليه قوى الثورة المضادة وداعميهم الإقليميين.