ترجمة وتحرير نون بوست
استأثرت “ظاهرة” الجهادية في منطقة الساحل على محور الاهتمام الدولي وذلك بسبب انتشارها المفاجئ وتأثيرها بطرق مدروسة على التوازنات الاجتماعية والسياسية لدول وسط أفريقيا.
وفي حين يزعم أن الدين هو العامل الأساسي لانتشار الإرهاب باعتباره جهادًا، فإّن ثمّة أسبابًا أخرى حاسمة لا علاقة لها بالوازع الديني. وفي هذا الصدد، أجرى معهد الدراسات والأمن الذي يُعنى بالمشاكل الاجتماعية في منطقة غرب إفريقيا والساحل وحوض بحيرة تشاد، الذي تديره لوري آن ثيرو بوني، مجموعة من الدراسات لتحليل الأسباب التي تدفع أشخاصًا ينتمون إلى أي طبقة اجتماعية أو ثقافة أو فئة عمرية للانضمام إلى الحركات الجهادية التي “تهم” المنطقة.
عند تحليل التقرير الصادر عن هذه الدراسات، التي شارك فيها خبراء من تخصصات متعددة وتطرقوا إلى موضوعات كانت ولا تزال ذات صلة بحركات إرهابية، تبين أن الدافع الديني ليس حاسمًا على الإطلاق عندما يتعلق الأمر باختيار الانضمام إلى الجماعات الجهادية. وقد ركزت الدراسات على الجماعات الإرهابية الناشطة في النيجر ومالي وبوركينا فاسو في المنطقة المسماة “الحدود الثلاثة”، وعلى الموضوعات التي لعبت أدوارًا مختلفة ضمن هذه “الحركات”.
عند قراءة “التقرير” المقدم في العاشر من كانون الأول/ ديسمبر في العاصمة البوركينية واغادوغو، من الواضح أن خيار “الانضمام” إلى الجماعات الجهادية، التي تجتمع تحت “راية” تنظيم الدولة الإسلامية للصحراء الكبرى، لا يكون دائما نتيجة “مسار إيديولوجي” للتلقين الديني، وإنما نتيجة مجموعة من الدوافع التي غالبًا ما يكون مصدرها “العالم الشخصي” وأصولها تافهة، مثل الغيرة والحسد والانتقام.
يبقى الجانب الاقتصادي مهما في بانوراما “أسباب الاختيار”، حيث أن الهدف من الانضمام إلى هذه الجماعات دائمًا يتمحور حول حماية أي نوع من الأنشطة المدرة للدخل
أما الأسباب الأخرى “للاختيار الإرهابي” تعود إلى النوع “الاجتماعي”، مثل الحاجة إلى الحماية الأسرية والفردية في سياق يجب أن يحمي فيه “القانون” والدولة المجتمع، لكن هذا لا يحدث. وهذا ما ينطبق على “منطقة الحدود الثلاثة”، حيث يبسط تنظيم الدولة بمنطقة الصحراء الكبرى سيطرته على الإقليم، وبذلك يكون الانضمام إلى الجماعات الجهادية بدافع ضمان البقاء؛ ليس للحفاظ على الحياة فحسب وإنما حفاظا على حالة اقتصادية عادة ما تكون مرتبطة بتعاطي الزراعة وتربية الماشية. لذلك، إن الالتزام بـ “الانضمام” يعطي السكان الفرصة للدفاع عن ممتلكاتهم بالأسلحة وبمساعدة رجال الميليشيات أيضا، وهو ما يخلق نوعا من “تبعية”.
في الواقع، يبقى الجانب الاقتصادي مهما في بانوراما “أسباب الاختيار”، حيث أن الهدف من الانضمام إلى هذه الجماعات المتطرفة دائمًا يتمحور حول حماية أي نوع من الأنشطة المدرة للدخل، مثل تربية الحيوانات التي تكتسي أهمية كبرى في ميزان البقاء، خاصة في حالة عدم وجود ضمانات السلامة من قبل الدولة.
يُظهر التقرير أيضًا أن أول ضحايا هذا “النظام” القائم على ضرورة «الانتماء إلى الإرهاب” هم المسؤولون عن المياه والغابات الواقعة في شرق بوركينا فاسو. وفي الحقيقة، تمنع “السلطات” المحلية الصيادين من السكان الأصليين “بدافع الضرورة” من الصيد في المنطقة المحمية داخل مجمع متنزه بندجاري الوطني في دولة البنين المحاذي لمتنزه أرلي الوطني في بوركينا فاسو، التي تندرج ضمن تراث اليونسكو منذ سنة 1996 (البنين وبوركينا فاسو والنيجر). ولكنها في نفس الوقت تسمح للصيادين الأجانب، لأغراض ترفيهية، بارتكاب مجازر في حق الحيوانات مما خلق حالة من الإحباط لدى السكان المحليين، وهو شعور استغلته الجماعات الإرهابية لصالحها جيدا.
هناك حقيقة أخرى مثيرة للاهتمام تتعلق بـ “دور المرأة داخل المنظمة الإرهابية”، التي تنسق “أنشطتها” وفقًا للسياق الاجتماعي والثقافي والعلاقة الاجتماعية التي تربطها بأعضاء الجماعة. تضطلع النساء بأدوار موردي الأغذية، أو حتى الأسمدة المستخدمة لصنع القنابل، ولكن دورها الأساسي هو القيام بمهام المخبرين بالنظر إلى قدرتها على اختراق المجتمعات المختلفة.
إجمالا، إن المشكل الحقيقي يكمن في الحوكمة، ذلك أن قوة الدول وصلاحياتها هي التي تجعل المجتمعات تشعر بالانتماء والحماية ومن المرجح أن “تسقط” المجتمعات في أحضان الجهادية عندما تتعامل الدولة مع شعبها عسكريًا
يعد “الاختراق الاجتماعي” الاستراتيجي للجماعات الجهادية إحدى أكبر الصعوبات التي تواجه الدول. وفي السنوات الأخيرة، انتقلنا من “الانتماءات” الخارجية (العناصر الجزائرية والعربية البربرية)، إلى ظاهرة التجنيد الداخلي، أي داخل المجتمعات المحلية.
على ضوء هذا الملخص الموجز “لتقرير” معهد الدراسات والأمن، يمكن أن نستنتج أولا أن ظاهرة الجهادية في الساحل ليست دينية بحتة في الأصل وإنما ناشئة عن الاحتياجات الاجتماعية (عدم الأمان، الإحباط، التمويل، التجارة)، وثانيا أن سكان الساحل يتمتعون بقدرة تكيفية ملحوظة و”مرونة أيديولوجية” كبيرة، وثالثا أن الجماعات الجهادية وخاصة قادتها بارعون في فن استغلال “أوجه القصور” لدى الدول واقتراح “حلولهم”، حتى لو كان ذلك يستعدي استخدام دلالات السلفية الجهادية.
إجمالًا، إن المشكل الحقيقي يكمن في الحوكمة، ذلك أن قوة الدول وصلاحياتها هي التي تجعل المجتمعات تشعر بالانتماء والحماية، ومن المرجح أن “تسقط” المجتمعات في أحضان الجهادية عندما تتعامل الدولة مع شعبها عسكريًا دون احترام حقوق الإنسان الرئيسية، وهو العامل الأساسي الذي يشجع على انتشار ظاهرة “الهجرة” نحو الجماعات الإرهابية. وإلى جانب “التعاون” العسكري الدولي الهادف لتحقيق الاستقرار في المنطقة، سيكون من المفيد للمجتمعات أن تدرك أن ممثليها يتمتعون بشعور المصلحة العامة وليس الشخصية. ولكن هذه “الديناميات الاجتماعية والظواهر الزائفة” تتبع نفس “العملية”، ومع المتغيرات ذات الصلة و”المواقف” المماثلة التي تبدو “مألوفة” أكثر بالنسبة لنا.
المصدر: أبنيوني