ترجمة وتحرير: نون بوست
بعد مغادرة المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي، من المرجح أن تظل اللغة الإنجليزية لغة التواصل المشترك في بروكسل. ولكن من غير المتوقع أن تحافظ هذه اللغة على مكانتها طويلا.
يقول أحد المحتجين ضد انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي في بروكسل في شهر آذار/ مارس 2019: “إن المملكة المتحدة هي الدولة الوحيدة التي تُستخدم لغتها الإنجليزية كلغة رسمية”.
الآن ومع اقتراب انسحاب بوريس جونسون من البركسيت بحلول نهاية شهر كانون الثاني/ يناير 2020، ماذا سيكون مصير اللغة الإنجليزية المعتمدة كلغة رسمية للاتحاد الأوروبي وفي البرلمان الأوروبي؟ هل سيقع التوقف عن استخدامها عندما تغادر بريطانيا الاتحاد؟
في سنة 2016، قالت دانوتا هوبنر، وهي عضو في البرلمان الأوروبي ورئيسة لجنة الشؤون الدستورية في البرلمان الأوروبي: “إذا لم تكن المملكة المتحدة موجودة، فلن تكون اللغة الإنجليزية مستخدمة”. لكن ليس الأمر بتلك البساطة. إلى حدود تسعينيات القرن الماضي، كانت اللغة الفرنسية هي اللغة المهيمنة في الاتحاد الأوروبي. حين كان الاتحاد الأوروبي يُعرف باسم الجماعة الأوروبية، حُدّدت كل من الهولندية والفرنسية والألمانية والإيطالية كلغات عمل مستخدمة. ولكن مع انضمام المزيد من الدول، التي كان العديد منها يتحدث الإنجليزية كلغة ثانية أو إضافية، زاد عدد المتحدثين باللغة الإنجليزية حتى أصبحت اللغة الإنجليزية هي اللغة الأكثر شيوعًا.
في الوقت الحالي، أدرج الاتحاد الأوروبي 24 لغة رسمية ولغة عمل. والجدير بالذكر أن المملكة المتحدة تعتبر الدولة الوحيدة التي تُعتمد لغتها كلغة رسمية في الاتحاد. يوجد عدد قليل من الدول الأعضاء التي تستخدم اللغة الإنجليزية بشكل شائع، لكنها رشحت لغات مختلفة كلغة رسمية للاتحاد الأوروبي. فعلى سبيل المثال، تقترح جمهورية أيرلندا اللغة الغالية الأيرلندية كلغة رسمية، بينما تقترح مالطا اللغة المالطية.
حين تنسحب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بصرف النظر عن المفاوضات المحتملة مع أسكتلندا أو غيرها من الأقاليم أخرى) فإنه بهدف التخلص من اللغة الإنجليزية كلغة رسمية، كما هو موضح في بيان نيابة عن المفوضية الأوروبية في أيرلندا بتاريخ 27 حزيران/ يونيو 2016، سيكون هناك تصويت بالإجماع في البرلمان الأوروبي لصالح ذلك.
حيال هذا الشأن، أوضح مفوض الاتحاد الأوروبي الألماني غونتر أوتينغر خلال الاستفتاء في سنة 2016 قائلا: “هناك العديد من الدول الأعضاء التي تتحدث اللغة الإنجليزية، وتعتبر اللغة الإنجليزية اللغة العالمية التي نقبلها جميعا”. لذلك، حتى في ظل وجود رغبة في القيام بذلك، فإن التخلص من اللغة الإنجليزية لن يكون بتلك البساطة والوضوح.
في حال تحقق ذلك، فهل ستكون ضربة قاضية لهذه اللغة؟ تاريخيا، تمكّنت اللغة الإنجليزية من الوقوف في وجه العديد من العواصف التي واجهتها. حين سعت مستعمرات تابعة للإمبراطورية البريطانية إلى الحصول على استقلالها، ربما كان من المنطقي أن تطالب شعوبها بالتخلص من اللغة الإنجليزية، باعتبارها لغة المستعمر، في الآن ذاته. ولكن في الواقع، لم يحدث ذلك، حيث أن اللغة الإنجليزية تستخدم كلغة رسمية أولى أو ثانية في أكثر من 70 دولة حول العالم، مما يشير جزئيا إلى وضعها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي المتطور خلال القرن العشرين.
يفوق عدد المتحدثين بالإنجليزية التي تكون لغتهم الثانية أو الأجنبية غير الرسمية جميع عدد الناطقين الآخرين باللغة الإنجليزية، ولا يزال عددهم مستمرا في الارتفاع. ومع تراجع الإمبراطورية البريطانية، برزت الولايات المتحدة التي تتخذ من اللغة الإنجليزية لغة رسمية لها. من جهتها، تعتقد الأستاذة لين مورفي من جامعة ساسكس أن الولايات المتحدة قد أنقذت اللغة الإنجليزية. ومن منظور استخدامها كلغة عالمية مشتركة، فإن مورفي محقة.
في بعض حالات ما بعد الاستعمار، تعتبر اللغة الإنجليزية لغة محايدة إلى حد ما. ففي الهند على سبيل المثال، كان من المفترض الاستغناء عن اللغة الانجليزية تدريجيا بعد الاستقلال في سنة 1947 واستبدالها باللغة الهندية. ومع ذلك، نظرا لأن عدد الناطقين باللغة الانجليزية في الهند كان قليلا، وعدم رغبة أغلبهم في تحدثّها لأسباب ثقافية وسياسية مختلفة، فقد استمر استخدام اللغة الإنجليزية، وهي في الوقت الحاضر لغة رسمية للهند.
لم تعد اللغة الإنجليزية ببساطة تنتمي إلى متحدثي اللغة الإنجليزية “الأصليين” بعد الآن بل باتت تنتمي إلى كل من يتحدثها
في سياق متصل، لا تزال اللغة الانجليزية لغة رسمية في هونغ كونغ على الرغم من عودة المقاطعة إلى جمهورية الصين الشعبية في سنة 1997. ونظرا لكون هونغ كونغ مركزا دوليا للتجارة والتمويل، فإن هذا الأمر منطقي، ولكن هناك أيضًا دليل على أن الناس في هونغ كونغ يشعرون بأن اللغة الإنجليزية جزء من هويتهم ــ وهو ما يجعل هونغ كونغ متميزة عن البر الرئيسي للصين. علاوة على ذلك، يوجد في سنغافورة متحدثون باللغة الملايوية والصينية (لهجات مختلفة) والتاميلية، لذلك بالنسبة لأشخاص آخرين في هذا السياق، تعد اللغة الإنجليزية لغة موحدة.
في المقابل، إن هؤلاء المتحدثين باللغة الإنجليزية ليسوا “إنجليزيين بريطانيين”، أو حتى “إنجليزيين أميركيين”. لقد طوّر الإنجليز الذين يتحدثون الإنجليزية في جميع أنحاء العالم مفرداتهم وقواعدهم الخاصة، ولا تعتبر اللغة الأوروبية-الإنجليزية استثناء. لم تعد اللغة الإنجليزية ببساطة تنتمي إلى متحدثي اللغة الإنجليزية “الأصليين” بعد الآن بل باتت تنتمي إلى كل من يتحدثها، وسوف تتطور وتتغير حسب الاحتياجات التواصلية للمجتمعات المخاطبة. ويتعيّن على البريطانيين والأمريكيين أن يضعوا هذا في اعتبارهم عند استخدام اللغة الإنجليزية في المناسبات الدولية، حيث لا يسعهم افتراض أن كل متحدث باللغة الإنجليزية سوف يفهمهم.
هل ستتوقف اللغة الإنجليزية عن كونها اللغة الرسمية للاتحاد الأوروبي؟ ربما ليس في الأمدين القريب والمتوسط، سواء في المحادثات بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، أو أعضاء البرلمان الأوروبي، أو في إطار تفاعل الاتحاد الأوروبي مع بلدان أخرى في مختلف أنحاء العالم. ويذكر أن أحد أعضاء البرلمان الأوروبي السويدي اقترح أن المحادثات في الاتحاد الأوروبي قد تكون أكثر عدلا باللغة الإنجليزية، لأنها ستكون اللغة الثانية للجميع.
لكن على المدى البعيد، قد يعتمد استمرار هيمنة اللغة الإنجليزية كلغة عالمية على ثرواتها السياسية والاجتماعية الاقتصادية. وبما أنها راسخة وواسعة النطاق، أعتقد أنه من المرجح أن تستخدم كلغة عالمية مشتركة لبعض الوقت. لكن المواقف واللغات تتغير. وفي اعتقادي إن آندي هاميلتون هو الذي أشار إلى أنه بمجرد أن تصبح اللغة اللاتينية هي اللغة الثانية للجميع، فإنها لن تعود اللغة الأم لأي شخص
المصدر: الغارديان