إذا لم تشاهد الفيلم التركي “ديفريم” الذي يحكي قصة محاولة الأتراك صنع سيارة بجهود محلية بطريقة درامية مثيرة فربما لا تستطيع الشعور كم يشكل هذا الأمر من زخم عاطفي وحلم لدى الأتراك بكل ما تشكله الكلمة من معنى، حيث حاول الأتراك منذ نحو 70 عامًا صنع سيارة وكانت السيارة الأولى “ديفريم” التي أنتج منها 4 سيارات فقط ولكن لم يكتب لها النجاح في عام 1961، كما جرت محاولات أخرى ولم تحقق حلم الأتراك.
لكن يوم الجمعة 27 من نوفمبر/تشرين الثاني 2019 قاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنفسه السيارة التركية محلية الصنع TOGG، حيث تمكنت 5 شركات تركية تعاونت معًا من إنتاج السيارة وسوف تنزل للأسواق بعد عامين حسب التقديرات.
أردوغان يقود السيارة التركية محلية الصنع TOGG
بلغت قيمة الاستثمار في مشروع إنتاج السيارة التركية 3.7 مليار دولار، وضمنت الجهات المستثمرة بيع 30 ألف سيارة ستنزل للخدمة في 2022 بعد أن تم حجزها علمًا أن السيارة ستعمل بالطاقة الكهربائية بنسبة 100% وبنظام تحكم ذاتي.
لن نتحدث كثيرًا عن السيارة ومواصفاتها، فقد تابع الملايين يوم الجمعة حفل الافتتاح وامتلأت وسائل التواصل بصور السيارة وبالمعلومات والتعليقات عنها وبمقارنات بين تركيا التي حققت حلم السيارة ودول أخرى ما زالت تسير في الطريق الخطأ.
لا يقتصر الأمر لدى تركيا على مجرد تحقيق الحلم الوطني بإنتاج سيارة محلية، بل إن الأموال التي تصرفها تركيا على السيارات كما يقول الخبير الإستراتيجي حسن بصري يالجين من أكبر الثقوب في ميزانيتها، حيث تُباع مئات الآلاف من السيارات كل عام في تركيا ولكن الأرباح تصب في خزائن الشركات الأجنبية، وتعتبر تركيا من أكبر أسواق السيارات الأوروبية ويتم التشكيك دائمًا في قدرتها على صناعة سيارتها ويتم إحباط معنوياتها في هذا الجانب حتى لا تستطيع تحويل هذه المكاسب من الشركات الأوروبية إلى خزائنها. ومن المتوقع أن تكون الشركات الأكثر تضررًا هي الشركات الألمانية والفرنسية، حيث أقبل الأتراك في الأعوام الأخيرة بشكل كبير على السيارات الألمانية والفرنسية.
وفضلًا عن أرباح السيارات فإن كون السيارة مصممة للعمل بالطاقة الكهربائية سيخفف من استهلاك تركيا للوقود بشكل كبير وهو ما سيقلل من مصاريفها واعتمادها الخارجي.
لكن تركيا أصبح اليوم لديها مشروعها الخاص الذي قد ينهي الاعتماد على البلدان الأوروبية، فإنهاء الاعتماد على البلدان الكبرى في التكنولوجيا والمحركات خطوة أساسية لتركيا لتدخل عالم التقدم التكنولوجي والصناعي خاصة أن لديها تاريخًا في حظر السلاح والمعدات وليس آخرها طائرة إف 35 بسبب أزمة استلامها منظومة إس 400 من روسيا، ولذلك فإنها بحاجة أن يكون لديها مشاريعها الخاصة حتى لا تكون تحت رحمة القوى الموردة كما حصل بعد دخولها قبرص 1974 وحتى التهديدات بعد عملية نبع السلام في أكتوبر 2019.
لذلك تعرضت تركيا لمحاولات إفشال استقلاليتها في الصناعة لأن الاستقلالية الصناعية جزء من الاستقلال السياسي ولعل أهمية هذا المسار تشير إلى أن محاولات الإفشال لمشروع السيارة لن تتوقف، ولكن يبدو أيضًا أن تركيا لن تتراجع وهي مصممة على الشب عن الطوق في مجال التصنيع، كما فعلت في الطائرات دون طيار وفي بعض مجالات التصنيع العسكري.
تتعرض محاولات تركيا في هذا السياق للتشويش من الداخل ومن المعارضة وقد تعرضت كل المشاريع الكبرى مثل الجسور والمطار الثالث ومؤخرًا مشروع قناة إسطنبول للتثبيط
قال الرئيس التركي في تصريح له عن السيارة الجديدة: “لقد أفشلوا مشروع “سيارة ديفريم” – أي سيارة الثورة وهو اسم السيارة القديمة – ولكنهم لن يستطيعوا أن يفشلوا مشروع سيارة ديفر”.
تتعرض محاولات تركيا في هذا السياق للتشويش من الداخل ومن المعارضة وقد تعرضت كل المشاريع الكبرى مثل الجسور والمطار الثالث ومؤخرًا مشروع قناة إسطنبول للتثبيط، ولكن كون مشروع السيارة الوطنية حلمًا لكل مواطن تركي فهذا يجعل من الصعب جدًا معارضته أو تشويهه من الداخل رغم وجود ذلك بحالات قليلة.
ولهذا فقد نشطت مواقع تابعة لجماعة غولن وبعض الأطراف الخارجية المتعارضة مع تركيا للتقليل من شأن السيارة التركية الجديدة والقول إنها سيارة إيطالية وليست تركية، ولكن الاختبار الحقيقي لهذه الشائعات سيكون بعد عامين عندما يحين موعد نزول السيارة للخدمة، كما أن هذا يتعارض مع شراكة خمس شركات تركية ضخمة في مشروع السيارة.
في 1961 عندما صُنعت سيارة “ديفريم” المحلية وشُحنت من مدينة إسكيشهير إلى أنقرة للمشاركة في حفل تأسيس الجمهورية نسي منظمو الاحتفال تزويد السيارة بالوقود اللازم، وعندما بدأ الاحتفال وفي أثناء سير السيارة توقفت بعد 100 متر بسبب مشكلة الوقود وهو ما جعل هذا الأمر سببًا للسخرية من المشروع، وبعد ذلك فشل المشروع لأسباب عديدة، وقد نقل عن الرئيس التركي قوله للمسؤولين “صنعتم السيارة بالعقل الغربي ونسيتم الوقود بالعقل الشرقي”، وربما كان جمال غورسال قائد أول انقلاب عسكري في تركيا الذي رسخ مفهوم الانقلاب في تركيا وتدخل الجيش في السياسة، غير لائق لنيل شرف مثل هذا المشروع الكبير الذي يعتبر حلمًا للشعب التركي.