الخميس الماضي أجرى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اتصالًا هاتفيًا مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، شدد خلاله على “ضرورة وضع حد لحجم التدخلات الخارجية غير المشروعة في الشأن الليبي”، وذلك وفقًا لبيان صادر عن المتحدث باسم رئاسة الجمهورية في مصر السفير بسام راضي.
وفي 15 من نوفمبر الماضي، أعلنت الخارجية الأمريكية في بيان لها أن حكومة واشنطن وحكومة الوفاق الشرعية الليبية، ممثلة بوزير الخارجية محمد سيالة ووزير الداخلية فتحي باشاغا، أطلقا حوارًا أمنيًا بين البلدين، داعية قوات اللواء متقاعد خليفة حفتر لإنهاء هجومها على طرابلس، “الذي من شأنه تسهيل مزيد من التعاون الليبي الأمريكي لمنع التدخل الأجنبي غير المبرر، وتعزيز السلطة الشرعية للبلاد، ومعالجة القضايا الرئيسية للصراع”.
الحديث عن الدور الأمريكي في ليبيا واستدعائه من طرفي الصراع، الحلف الداعم لحفتر من جانب وحكومة فايز السراج من جانب آخر، ليس بالجديد، غير أن المستجدات الطارئة على الساحة الليبية وطبول الحرب التي تقرع في ظل السجال العسكري والإعلامي والسياسي بين الطرفين، يعيد هذا الملف لطاولة النقاش مجددًا.
وقبل الولوج في هذا المحور شديد التعقيد لا بد أولًا من العودة للوراء قليلًا، وبالتحديد في 20 من أبريل 2017، للوقوف على العقلية الأمريكية من مسألة التدخل في الشأن الليبي، ففي تصريحه الشهير مع رئيس الوزراء الإيطالي السابق باولو جينتيلوني حين طلب منه دورًا أكبر في الملف الليبي قال الرئيس دونالد ترامب إنه لا يرى “دورًا لأمريكا في ليبيا”، كاشفًا توجه بلاده إزاء هذا الملف وهو الذي لم يكمل بعد 4 أشهر داخل البيت الأبيض، أن أمريكا “تلعب حاليًّا العديد من الأدوار بما فيه الكفاية في أماكن مختلفة من العالم”، غير أنه وأمام إلحاح الحلفاء بشأن ضرورة التدخل لمصلحة بلاده أوضح مرة أخرى أن الدور هناك سيقتصر على محاربة الإرهاب والجماعات المسلحة فقط.
وبعدها بعام ونصف تقريبًا وفي الـ13 من ديسمبر/كانون الأول عام 2018، عرض مستشار الأمن الوطني الأمريكي جون بولتون ولمدة 50 دقيقة تقريبًا ما عرف حينها بـ”إستراتيجية جديدة لإفريقيا“.
تمحورت الإستراتيجية الجديدة حول ثلاث نقاط أساسية تشكل ملامح التوجه الأمريكي بصفة عامة في القارة الإفريقية، بما فيها ليبيا، أولها: زيادة معدل التجارة في المنطقة الإفريقية، ثانيها: الاستمرار في محاربة الإرهاب، فيما يأتي ثالثها متعلقًا بالتأكد من أن الدعم المالي الأمريكي في القارة يستخدم بأكبر قدر من الفعالية وفي الأوجه الصحيحة.
معروف أن مثل هذه التصريحات الفضفاضة هي للاستهلاك المحلي والبروباجندا الإعلامية فحسب، وهو ما تفنده معالم “الإستراتيجية الجديدة للأمن القومي الأمريكي.. حقبة جديدة” التي أعلنها ترامب في ديسمبر 2017 وتلخصت في أربع نقاط كما أوردها موقع البيت الأبيض الرسمي وهي: حماية الوطن والشعب الأمريكي وطريقة الحياة الأمريكية وتعزيز الرخاء الأمريكي والحفاظ على السلام من خلال القوة وتعزيز النفوذ الأمريكي في العالم.
خلال الأشهر القليلة الماضية شهدت الساحة الليبية زخمًا لم تشهده منذ 2011، حيث تكشفت الصورة بشكل كامل، نفوذ روسي يشابه ما يحدث في سوريا، وتغلغل اقتصادي صيني يهدد القوى الاقتصادية الكبرى، وتعملق للجماعات المسلحة تجعل آبار النفط في هذه المنطقة بمهب الريح، وتصعيد عسكري غير مسبوق من حلفاء حفتر في مواجهة الداعمين لحكومة السراج وعلى رأسهم تركيا.. تصعيد يضع المنطقة كلها فوق برميل بارود.. فهل هذا كاف لإعادة واشنطن النظر في موقفها من الملف الليبي؟
ترامب على خطى أوباما
في مقال له بمجلة فورين أفيرز، نُشر عام 1962 وصف أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية روبرت إيمرسون سياسات الولايات المتحدة التاريخية تجاه إفريقيا بأنها تختلف عن سياساتها في أي منطقة أخرى من العالم، فهي وفق رؤيته تعمل في إطار الصداقات والتفاهمات القديمة التي أعقبت سنوات الحرب من خلال شبكة من التحالفات.
ونتاجًا لتلك السياسة تعززت عملية نشر القواعد العسكرية الأمريكية حول العالم، بينما الوضع يختلف في إفريقيا، فلا توجد للولايات المتحدة أي تحالفات أو اتفاقيات عندما يتعلق الأمر بالقارة الفقيرة، فهي غير ملزمة بأي مواقف أو تقاليد ومصالح راسخة، ما جعلها تتمتع بحرية فريدة في وضع سياسات محددة لمواجهة القضايا التي تقدمها الدبلوماسية الأمريكية.
تراجع الدور الأمريكي ليبيًا ليس من بنات أفكار ترامب وإدارته، فهو استمرار لنهج من سبقوه من الرؤساء والحكومات المتعاقبة، كان آخرها حكومة الرئيس باراك أوباما، الذي كان يتبع إستراتيجية التقليل من التدخلات العسكرية المباشرة في الدول إلا عند الضرورة القصوى عندما يُمس أمن واشنطن كمحاربتها لتنظيم الدولة.
لا شك أن قضية المرتزقة الروس وقتالهم مع حفتر أزعجت الإدارة الأمريكية بشكل كبير، وهو الأمر الذي دفع واشنطن للتحرك
ومنذ 2011 وعلى مدار السنوات الثمانية الماضية تذبذب الموقف الأمريكي حيال ما يدور في الشارع الليبي، فمع خروج الشعب على نظام معمر القذافي انقسم التقييم الأمريكي إزاء هذا التطور للأوضاع إلى قسمين: قسم يرى بأن ليبيا تستحق الوقوف معها وتعتبر القذافي مشكلة وأوغل في دماء المدنيين، وتزعم هذا الرأي الخارجية الأمريكية، وقسم آخر يرى أن الأراضي الليبية أرض خصبة للجماعات المسلحة وكان القذافي خير من يجيد ترويضهم والتعامل معهم، وتزعمه البنتاغون والسي أي إيه.
وأمام الخيارين وبعد تفكير طويل، استقر أوباما على الأخذ بموقف الخارجية وأعلن دخول بلاده في المعركة، غير أنه اختار أن يكون داعمًا لحلف أوروبي يقود العملية العسكرية وتكتفي واشنطن بدور الظهير السياسي الدولي لهذا التحالف، وهو ما كان بالفعل.
لكن سرعان ما تغير الموقف، فبعد مقتل القذافي دخلت البلاد في مرحلة من الفوضى والتدخلات الإقليمية، الأمر الذي جعل من الدخول إلى الساحة الليبية مغامرة غير محسوبة، وعليه آثرت إدارة أوباما أن تنأى بنفسها عن هذا المستنقع، وذلك رغم مقتل السفير الأمريكي كريس ستيفنز، في سبتمبر/أيلول 2012.
ومع استلام ترامب مقاليد الأمور، لم يتغير الموقف بداية الأمر، فالرجل بعقلية التاجر رأى أن خيار عدم التدخل في الشأن الليبي هو الأرجح، كون تلك المشكلة لا تؤثر على الأمريكان، حتى ما يتعلق بالنفط الليبي، رأى أنه بإمكانه الاستعاضة عنه من أماكن أخرى من دول الخليج، ليترك الملف برمته لأوروبا والقوى الأخرى.
ولكن ماذا حدث؟
الأمور لم تنته سريعًا كما توقع الأمريكان، فالوضع يزداد سوءًا يومًا تلو الآخر، والبساط يسحب من تحت أقدام الريادة الأمريكية ساعة بعد الأخرى، لتتحول الدولة الليبية أو على الأقل في قطاعات كبيرة منها إلى بؤرة نشطة للجماعات المسلحة التي وجدت في فراغ المشهد فرصة سانحة للتمدد، فكان تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وغيره من التنظيمات القادمة من العمق الإفريقي.
ومع مرور الوقت بدأ النفوذ الروسي يتزايد، لا سيما بعد مغازلة فريق حفتر له أكثر من مرة، الأمر الذي وجد فيه الروس فرصة لتكرار السيناريو السوري، حيث السيطرة الكاملة على الأرض عسكريًا، ومن ثم الاستفادة من إعادة الإعمار اقتصاديًا، بخلاف تقوية الموقف التفاوضي سياسيًا.
ومن ناحية أخرى بدأ الصينيون كذلك في تعزيز حضورهم، وإن كان في مجمله اقتصاديًا، إلا أنه يمثل تهديدًا للنفوذ الاقتصادي الأمريكي ليس في ليبيا وحدها، بل في الشمال الإفريقي وقطاعات كبيرة من القارة التي يرى فيها الجميع مستقبلًا باهرًا كسوق كبير للقوى الاقتصادية القوية.
لا شك أن قضية المرتزقة الروس وقتالهم مع حفتر أزعجت الإدارة الأمريكية بشكل كبير، وهو الأمر الذي دفع واشنطن للتحرك، وإن كان تحركًا خجولًا، هذا مع الوضع في الاعتبار أن ترامب الآن يواجه أزمات داخلية تهدد مستقبله السياسي، ومن ثم تغيرت قائمة أولوياته، فالحفاظ على مجده الشخصي أولًا.
بلغ حجم التبادل التجاري النفطي الأمريكي الليبي مليار ونصف دولار في 2017، مقابل 11.2 مليار دولار تبادل تجاري نفطي مع دول جنوب الصحراء الإفريقية الكبرى مجتمعة
النفط.. نقطة الضعف
تعلم الولايات المتحدة أهمية النفط كسلاح سياسي أثبت فعاليته أكثر من مرة تاريخيًا، ولعل هذا كان السبب الرئيسي وراء السياسة الجديدة التي ابتدعها الأمريكان تحت مسمى مبدأ كارتر، التي تقوم على منح المؤسسة العسكرية الأمريكية دورًا مهمًا للتصدي لأي خطر أيًّا كان شكله وطبيعته يعوق البحث عن النفط وتأمين مصادره والوصول إليه والحفاظ على ثبات أسعاره.
مع مرور الوقت تبين أهمية وقيمة القارة الإفريقية في هذا المضمار، مضمار النفط، وبالفعل تحولت شؤون القارة الإفريقية من مجرد ملحقة عسكرية تابعة للقيادة العسكرية الأمريكية التي تتخذ من أوروبا مقرًا لها حتى العام 2007 إلى إنشاء قيادة عسكرية أمريكية مستقلة ترعى المصالح الأمريكية في إفريقيا.
وكان نتيجة ذلك أن تأسس ما سمي بـAFRICOM في أكتوبر 2008، وهي وحدة مكونة من قوات مقاتلة موحدة تحت إدارة وزارة الدفاع الأمريكية مسؤولة عن العمليات العسكرية الأمريكية وعن العلاقات العسكرية مع 53 دولة إفريقية عدا مصر، التي تقع في نطاق القيادة المركزية الأمريكية.
وحسب موقع القيادة الرسمي لتلك الوحدة فإن مهمة هذه القوات تتلخص في العمل مع الشركاء المحليين والدوليين على بناء قدراتهم الدفاعية وتعزيز مقدرتهم على الاستجابة للأزمات وردع التهديدات العابرة للحدود وهزيمتها من أجل ضمان تقدم الولايات المتحدة وحماية مصالحها الوطنية وتعزيز أمن القارة الإفريقية الإقليمي وتحقيق استقرارها وازدهارها.
جدير بالذكر أن ليبيا صاحبة الاحتياطي النفطي المؤكد الأكبر في إفريقيا، فهي من جهة تتوافر على 2.9% من الاحتياطي النفطي العالمي المؤكد، إلى جانب أنها صاحبة رابع أكبر احتياطي من الغاز في إفريقيا أو ما نسبته 0.8% من احتياطي الغاز العالمي.
ويبلغ حجم التبادل التجاري النفطي الأمريكي الليبي مليار ونصف دولار في 2017، مقابل 11.2 مليار دولار تبادل تجاري نفطي مع دول جنوب الصحراء الإفريقية الكبرى مجتمعة، ورغم الاضطراب التي تشهده ليبيا فإنها نجحت في الحفاظ على إنتاج مليون برميل نفط يوميًا خلال 2018.. ليبقى السؤال: هل يتخلى ترامب عن هذا الكم الهائل من الطاقة شبه المجانية للصراعات والنزاعات المسلحة؟
محاربة الجماعات المسلحة
الأعوام الأربع الأخيرة على وجه التحديد شهدت الساحة الليبية موجات من العمليات المسلحة لم تشهدها الأراضي الليبية منذ عقود طويلة، إذ تشير أرقام مركز إفريقيا للدراسات الإستراتيجية إلى أن الهجمات التي قامت بها الجماعات المسلحة الإسلامية منذ العام 2016 تحديدًا في تزايد مستمر، فمن 90 عملية وهجوم عام 2016، زاد العدد إلى 194 عملية عام 2017، وارتفع مرة أخرى عام 2018 ليصل إلى 465 عملية.
وكان نتاجًا لذلك أن شهدت أعداد الضحايا ارتفاعًا كبيرًا أيضًا، من 218 ضحية عام 2016، إلى 529 في العام الذي تلاه، ليصل 1.110 ضحايا بنهاية العام 2018، هذا الارتفاع الملحوظ في الهجمات التي تنفذها هذه الجماعات يصاحبه ارتفاع التكلفة المالية والاقتصادية في مواجهتها ويسبب خسائر فادحة في اقتصاد دول المنطقة.
المؤشرات تذهب أن تلك المستجدات الأخيرة ربما تجبر واشنطن على إعادة النظر في موقفها الخجول إزاء الملف الليبي
بالطبع.. الكلفة الباهظة للعمليات المسلحة تحتاج إلى اقتصاد قوي للإنفاق عليها، ومن ثم كان النفط الهدف الأيسر والأكثر نعومة في ذات الوقت بالنسبة للمهاجمين، وهو ما ينعكس سلبًا على عمليات الإنتاج، فعلى سبيل المثال كان نتاجًا لتلك العمليات المسلحة واستهداف الآبار النفطية أن انخفض الناتج الإجمالي المحلي التونسي من 3% عام 2015 إلى 1% 2018 بسبب الهجمات التي تعرضت لها ذلك العام، وانخفض مردود قطاع السياحة 45% أو ما يعادل مليار دولار، كما انخفض إنتاج النيجر من النفط بسبب الهجمات عام 2016 من 2.2 مليون برميل يوميًا إلى 1.4 مليون برميل يوميًا، بمعدل 800 ألف برميل في اليوم الواحد.
وعليه كان مواجهة تلك الجماعات أمرًا ضروريًا لحماية المخزون النفطي الذي يغذي الأمريكان، وعليه كان هذا هو السبب الرئيسي في وجود 7500 جندي أمريكي إلى جانب 1000 خبير ومتعاقد أمني لتأمين منابع النفط الإفريقي، وللحد من الجماعات الإسلامية هناك أو القضاء عليها، مقارنة بوجود 4500 جندي لفرنسا، القوة الاستعمارية الأقدم في إفريقيا، في نفس المنطقة ولنفس السبب بحسب صحيفة إنترسبت الأمريكية.
3 سيناريوهات للتدخل
بعد الإطلالة السريعة على محددات العقلية الأمريكية إزاء الملف الليبي يمكن القول إن هذا الملف ارتبط بقضايا السياسة الخارجية الأمريكية الشائكة من أكثر من جهة، فالبلد العربي هو صاحب الاحتياطي النفطي المؤكد كما تطرقنا، ورغم استعار الحرب الأهلية فيها، فإنها حافظت على إنتاج مليون برميل نفط يوميًا من أجود أنواع النفط في العالم وأقله تكلفة.
هذا المعدل من النفط يعزز الإستراتيجية الأمريكية فيما يتعلق بتحمل تداعيات العقوبات المفروضة على إيران التي من المرجح أن تحدث أزمة في سوق النفط العالمية، وهنا ربما يكون النفط الليبي المضمون، بجانب النفط القادم من بعض الدول الإفريقية الأخرى هو الضامن للأمريكان لتعويض النقص المحتمل.
ومن جهة أخرى، فإن التدخل الأمريكي سيقطع بشكل كبير الطريق على الأطماع الروسية خصوصًا أن الوضع في سوريا بات يستقر تدريجيًا ما يعني احتمالية انتقال الروس الى النظر باتجاه ليبيا، تحديدًا بعد الدعم الروسي لحفتر، بجانب الخوف من انتقال عناصر الجماعات المسلحة إلى الساحة الليبية وهو ما قد يهدد المصالح الأمريكية في الشمال الإفريقي.
أضف إلى ذلك الصين التي باتت تمثل صداعًا في رأس الولايات المتحدة، لا سيما بعد تأثيرها السريع في القارة الإفريقية، الأمر الذي أجبر صناع القرار في السياسة الأمريكية على اتخاذ خطوات جادة تمحورت في التلويح بأن إفريقيا بما فيها ليبيا ستكون ربما الساحة الأخيرة لمواجهة التوسع الصيني في العالم بشكل عام، وإفريقيا بشكل خاص.
المؤشرات تذهب أن تلك المستجدات الأخيرة ربما تجبر واشنطن على إعادة النظر في موقفها الخجول إزاء الملف الليبي، وكما يرى الكاتب والمحلل السياسي جمال عبد المطلب، فإن “الموقف الأمريكي يمكن أن يتغير قبل الانتخابات الرئاسية 2020، فترامب صعب المزاج، وهناك استدراك لأن لديهم دراسات تقول إن تركيا تحاول النهوض وقيادة الأمة الإسلامية وتريد لعب دورها التاريخي”.
الموقف الأمريكي حيال الملف الليبي يتأرجح بين التمدد والانحسار، والصعود والهبوط، بقدر ما يخدم مصالحه في القارة الإفريقية عمومًا
عبد المطلب في تصريحاته لـ”عربي 21” يرى أن هناك عدة سيناريوهات فيما يتعلق باحتمالية التدخل الأمريكي، منها أن “الأمريكان ربما يغضون الطرف عن تركيا لكي تتدخل وتعاقب حفتر على إدخال الروس، وبعد تدخل تركيا يمكنهم فرض عقوبات عليها”، كذلك “من المحتمل أن يستمر الأمريكان في سياسة اللامبالاة”، وفقًا للسيناريو الثاني الذي يطرحه المحلل السياسي.
أما الاحتمال الثالث فهو “أن يسمحوا لتركيا بالتدخل ما يساهم في ازدياد المرتزقة الروس والإمارات والمصريين، ثم يتطلب الوضع تدخل واشنطن ليستفيدوا مع الشركات الأوروبية في مسألة المشاريع باعتبار أن لديهم علاقة تاريخية نفطية مع ليبيا، فهم الذين استخرجوا النفط الليبي بالتعاون مع الإنجليز في البداية”.
أما عن الأطراف التي من المحتمل أن ينحاز لها الأمريكان فأشار أن “الظاهر أنهم يعترفون بحكومة الوفاق ويعتبرونها هي الأقرب إلى مدنية الدولة والديمقراطية وأبلت بلاءً حسنًا في محاربة تنظيم الدولة، فيما جماعة حفتر في نظرهم يمارسون الفوضى”، غير أنه استدرك قائلًا: “أما وفقًا لنظرية كونداليزا رايس فإن هذه المناطق ينفع معها الفوضى ولا ينفع معها الحضارة، ولهذا لم يقطعوا التواصل مع حفتر، فهم يمسكون العصا من الوسط لكنهم أقرب إلى حكومة السراج”.
هذا الرأي يتفق معه الكثير من الخبراء الذين يرون أن واشنطن ستلعب على الأحبال كافة، ففي الوقت الذي تقابل فيه حكومة الوفاق وتدعم توجهها لن تقدم على اتخاذ موقف ضد حفتر الذي ربما يحظى بدعم نسبي أقل ما يمكن هو غض الطرف عن جرائمه المرتكبة بحق الليبيين.
جهود حثيثة تبذلها أوروبا لأن يكون للولايات المتحدة دور بارز في مؤتمر برلين المزمع إقامته بعد أيام لبحث الملف الليبي وإيجاد صيغ مشتركة للخروج من المأزق، هذا المؤتمر رغم ما يثار بشأن فشله قبل بدايته في ظل تحول الساحة الليبية إلى حرب بالوكالة الآن، فإن الكثيرين يعولون عليه في الخروج بنتيجة مقبولة
وفي المجمل فإن الموقف الأمريكي حيال الملف الليبي يتأرجح بين التمدد والانحسار، والصعود والهبوط، بقدر ما يخدم مصالحه في القارة الإفريقية عمومًا، وفي إطار الأهداف الإستراتيجية الخارجية الأمريكية المعلنة، وعليه يمكن القول إن أمريكا لن تتدخل في ليبيا نصرة لحفتر أو دعمًا للسراج، ولن يكون تدخلها إلا إذا ارتأت أن الوضع أصبح يعيق أو يؤثر على مسارها في تطبيق أولوياتها في المنطقة وهي السيطرة على النفط ومحاربة الإرهاب ومواجهة التوسع الصيني والروسي.