ترجمة وتحرير: نون بوست
زُعم أن مقاولين أمريكيين ودوليين رئيسيين مشاركين في مشاريع إعادة إعمار أفغانستان قد دفعوا لطالبان أموالًا لحمايتهم، مما زود المتمردين بالتمويل الذي استُخدم فيما بعد لمهاجمة وقتل الجنود الأمريكيين، وذلك وفقًا لدعوى قضائية رُفعت إلى محكمة فيدرالية يوم الجمعة.
في الواقع، تُمثل عائلات الـ 143 شخصًا التابعين للجنود والمقاولين الأمريكيين الذين قتلوا وجرحوا في أفغانستان من سنة 2009 إلى غاية سنة 2017 المدعين في هذه القضية. وادعت هذه العائلات أن الشركات غالبًا ما كانت تدفع الأموال لطالبان عبر المقاولين الفرعيين المحليين، الذين دفعوا للمتمردين أو استأجروا حراس طالبان من مالهم الخاص. وحسب الدعوى، أتاحت المدفوعات للشركات فرصة توفير تكلفة الاستثمار لوضع التدابير الأمنية اللازمة لحماية ممتلكاتها وموظفيها، على الرغم من أن الأموال غذت هجمات المتمردين على القوات والشركات الأمريكية التي لم تشارك في هذه الممارسة.
كان الملازم العقيد ديفيد كابريرا، الذي تحصل على درجة الدكتوراه في العمل الاجتماعي والذي كان بمثابة معالج في الجيش الأمريكي عندما تطوع للعمل في أفغانستان، من بين الضحايا المدرجة أسماؤهم في الدعوى. من جهتها، قالت زوجته، أوغست كابريرا في مقابلة: “كان يحاول أن يفعل ما يبرع فيه، أي مساعدة الجنود”.
ديفيد كابريرا مع زوجته أوغست. قتل في هجوم انتحاري سنة 2011 في أفغانستان.
وصل الضابط إلى أفغانستان منذ شهر عندما تعرضت قافلته لتفجير سيارة مفخخة في 29 تشرين الأول / أكتوبر 2011، مما أدى إلى مقتله هو وأكثر من 10 أشخاص آخرين. وتعتقد السيدة كابريرا التي تقيم الآن في تكساس، أن الإجراء القانوني سيحد من مثل هذه الانتهاكات في المستقبل، حيث قالت: “سيغير هذا الإجراء القانوني الطريقة التي تُنفذ بها الأعمال في مناطق الحرب. أعتقد أنه من الممكن أن يحقق هذا الإجراء العدالة لأولئك الذين فقدوا شخصًا عزيزًا عليهم”.
تشمل قائمة الشركات المدرجة في الدعوى المرفوعة يوم الجمعة العديد من المتعاقدين الحكوميين الأمريكيين الرئيسيين في ذلك الوقت، بما في ذلك أكبر متعاقدَين أمريكيين مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وهما “شركة البدائل الإنمائية” وشركة “لويس بيرجر” اللتان قدمتا حوالي مليار دولار من المساعدات الإنمائية في السنتين الماليتين 2007 و2009. لقد أصبحت شركة لويس بيرجر الآن ملكا لشركة “دبليو.إس.بي غلوبال” في كندا.
كما أن المشاريع الرئيسية المذكورة في الدعوى تتضمن سد كاجاكي وجزءا من الطريق الدائري الأفغاني، الذي تولاه مشروع مشترك بقيادة شركة الكيماويات البيئية. ومن بين الشركات الأخرى، ذُكرت الشركة أمريكية الأصل “بلاك آند فيتش” و”مجموعة سينتيرا” وشركة “إل إل سي” والشركة محدودة المسؤوليات “جانيوس للعمليات العالمية”، وشركة “جي فور إس” بريطانية الأصل وشركة “إم تي إن جروب” من جنوب إفريقيا.
حيال هذا الشأن، قال باتريك ماكيلروي، المتحدث باسم “بلاك آند فيتش”، إن شركته اتبعت توجيهات الوكالات الحكومية الأمريكية وتفتخر بمشاريعها في أفغانستان، لكنها لن تعلق على الدعاوى القضائية المعلقة. علاوة على ذلك، لم تستجب الشركات الأخرى على الفور لطلبات التعليق.
تقرير للكونغرس بعنوان “أمراء الحرب، الشركات” إلى أن المدفوعات تمول بشكل منهجي أمراء الحرب والمسؤولين الفاسدين وربما طالبان نفسها
تستمر الحرب التي دامت 18 سنة مع طالبان في أفغانستان، وتُظهر بعض تقييمات الحكومة الأمريكية أن المتمردين أصبحوا أقوى من أي وقت مضى منذ سنة 2001. وفي الوقت الراهن، تجري الولايات المتحدة محادثات مع طالبان لسحب القوات الأمريكية مقابل ضمان أن لا تُستعمل البلاد كمأوى آمن للإرهابيين.
كانت هذه الشركات الأمريكية تدفع ملايين الدولارات لأمراء الحرب والجماعات المتمردة لتلقى الحماية في ذروة الحرب، وعندما جرى نشر أكثر من 100 ألف جندي أمريكي في أفغانستان، وقع توثيق ذلك على نطاق واسع من قبل تحقيقات الكونغرس. وفي سنة 2009، أبلغت وزيرة الخارجية آنذاك، هيلاري كلينتون لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ أن أموال الحماية كانت بمثابة مصدر تمويل رئيسي لطالبان. وفي سنة 2010، خلص تقرير للكونغرس بعنوان “أمراء الحرب، الشركات” إلى أن المدفوعات تمول بشكل منهجي أمراء الحرب والمسؤولين الفاسدين وربما طالبان نفسها.
في سنة 2011، كتبت اللجنة الثنائية الحزبية المعنية بالتعاقد في زمن الحرب في العراق وأفغانستان في تقريرها النهائي للكونغرس أن سوء التخطيط والإدارة والرقابة أضر بأهداف الولايات المتحدة. كما أشارت اللجنة إلى أن مدفوعات المقاولين الأفغان لمجموعات المتمردين لتلقّي الحماية أمر مقلق للغاية.
لم تُقاضَى أي شركة أمريكية أو دولية جنائيًا بسبب دفعها المال لطالبان. لكن المحامين الذين رفعوا دعوى يوم الجمعة استشهدوا بملاحقة قضائية لوزارة العدل أقر فيها “تشيكيتا براندز إنترناشيونال”، وهو مورد للموز في عام 2007 بتقديم الدعم المادي لقوات الدفاع الذاتي المتحدة في كولومبيا التي صنفتها الولايات المتحدة جماعة إرهابية في ذلك الوقت. جادل “تشيكيتا” بأنه دفع لقوات الدفاع الذاتي المتحدة في كولومبيا مقابل الحماية تحت تهديد العنف، وهو موقف رفضته الولايات المتحدة.
للفوز بدعوى مدنية، يحتاج المحامون إلى إقناع هيئة المحلفين بأن كثرة الأدلة تدعم قضيتهم، وهو معيار أقل مستوى من المحاكمة الجنائية، حيث يجب أن تثبت الحكومة أن المدَّعَى عليه مذنب بما لا يدع مجالًا للشك. تعتمد المعلومات في الدعوى على مصادر سرية وتقارير الكونغرس والصحفيين والجهات الحكومية الرقابية، كما تصور هذه المعلومات بيئة مقاولات تمتلك فيها بعض المشاريع شركات متعددة في السلسلة، بدءًا من مقاول رئيسي استعان بمقاول فرعي استعان هو بدوره بمقاول فرعي آخر.
نقلًا عن هذه المصادر، تزعم الدعوى أن ما بين 20 بالمئة وبالمئة من الأموال الموجهة للمشاريع الكبرى قد دفعت في شكل أموال للمتمردين لتلقي الحماية. رفعت الدعوى في محكمة الولايات المتحدة في واشنطن من قبل شركتي الدعاوى القضائية “كيلوج هانسن” و”ويلكي فار آند جالاغر”. وتشارك في تسجيل إقرارات الدعوى شركة “سباراتشينو”، وهي شركة تحقيق قانونية.
من جهته، أخبر جوشوا برانسون، وهو شريك في شركة “كيلوج هانسن” صحيفة وول ستريت جورنال بأن “المتهمين هم شركات كبيرة لها أعمال مربحة في أفغانستان”. وأضاف برانسون قائلا: “دفعت هذه المدفوعات المقدمة مقابل الحماية من الهجمات، كما يزعم، بعيدا عن مصالح المتهمين الخاصة. كما مولت تمردا إرهابيًا قتل وجرح الآلاف من الأمريكيين، بمن فيهم عملاؤنا”. من المحتمل أن تزعم بعض الشركات الأجنبية أن الولايات المتحدة تفتقر إلى الولاية القضائية على عملياتها في أفغانستان. وقد تجادل شركات أخرى بأنها كانت تحاول دعم المهمة الأمريكية في أفغانستان في ظل ظروف صعبة.
رفعت شركتا “كيلوج هانسن” و”سباراتشينو” دعوى في عام 2017 تزعمان فيها أن شركات الأدوية الأمريكية والأوروبية دفعت إلى مجموعة شيعية هاجمت الجنود الأمريكيين في العراق. في المقابل، حصلت الشركات على عقود من وزارة الصحة العراقية، ودفعت الدعوى وزارة العدل إلى فتح تحقيق جنائي. لا تزال الدعوى والتحقيق مستمران.
المصدر: وول ستريت جورنال