ترجمة وتحرير نون بوست
بينما أكتب هذا المقال، هناك احتجاجات ضخمة في الهند ضد القانون الجديد المعادي للمسلمين، كذلك يحتج نشطاء هونغ كونغ – الذين يطالبون بحقوقهم منذ أشهر – تضامنًا مع مسلمي الإيغور الذين يتعرضون للاضطهاد على الجانب الآخر من الصين، وبذلك ينتهي العقد في احتجاجات.
لو نظرنا إلى العقد الماضي سنجد أن أسبوعًا في عهد ترامب كان يعادل قرنًا قبل ذلك، وكان من الصعب أن يتذكر أحدهم فوضى عارمة حدثت قبل شهر، فالناس يستمرون في نسيان الماضي، ولهذا يفشلون في التعرف على الأنماط والعواقب والقوة الحقيقية للحركات.
على سبيل المثال، اعتبر الناس أن الحركة النسوية “#MeToo” ثورة مفاجئة جاءت من العدم، لكنها في الحقيقة جاءت من مكان مميز للغاية، طفرة شديدة في النسوية العالمية خلال العقد الماضي حيث كانت تنشر الأخبار والاحتجاجات والأحداث عن النسوية قبل “#MeToo” في 2017، كانت هذه الطفرة تتويجًا للعمل والتحليل النسوي منذ عدة عقود، وما حدث في أكتوبر 2017 هو مشاركة نجوم الأفلام في الأمر.
لكن الخوف الحقيقي من أن يكون الحديث عن 2010 مثل الحديث عن ثمانينيات القرن الماضي ويُساء فهمه من خلال التبسيط المخل للأمور، فالناس يقولون عن هذا العقد إنه عقد “ريغان” وكأن مليارات الناس في عدة قارات كانوا جميعًا رجعيين مثل الرجل الأبيض في أمريكا.
كان رونالد ريغان رئيسًا مريعًا وكان عصره انتكاسة لعقود من التقدم نحو المساواة الاقتصادية والأمن في الولايات المتحدة، لكن رغم ذلك شهد العقد نشاطًا ملحوظًا ونتائج فورية، مثل الإطاحة بحكم ماركوس في الفلبين من خلال ثورة شعبية عام 1986 والإطاحة بالديكتاتورية العسكرية في كوريا الجنوبية عام 1987 والإطاحة بكامل الكتلة الشرقية للاتحاد السوفيتي عام 1989، وبداية انتهاء عصر التمييز العنصري في جنوب إفريقيا، مع بعض الاحتجاجات غير الناجحة في بورما والصين.
إضافة إلى ذلك وُضعت أسس العمل القادم مع ظهور النسوية والنشاط المناهض لمرض الإيدز وبداية التحول العميق في التعرف على القضايا العرقية والاجتماعية في الحركة البيئية، والأكثر عمقًا من ذلك كان تطور إستراتجيات جديدة شاملة أقل هرمية وغير عنيفة ترفض المبادئ والتكتيكات الفاشلة للأنشطة السابقة التي كانت مكونًا أساسيًا في تلك الحركات.
وعليه فبإمكان المرء رفض هذا العقد نظرًا لصعود ترامب والعديد من الاستبداديين حول العالم (نعم هناك الكثير منهم من الفلبين وحتى المجر)، لكن في المقابل كان هناك المزيد من الحركات في الاتجاه الآخر، ربما بدأت الاحتجاجات بشكل بطيء لكنها ارتفعت سريعًا مع بداية الربيع العربي في يناير 2011 الذي يعد واحدة من أقوى الحركات المناهضة للاستبداد التي شهدها العالم، فقد أطاح بالأنظمة في تونس ومصر وليبيا كما انتشرت الاحتجاجات في السودان والعراق، لكن نسخة سوريا تحولت إلى كابوس من الحرب الداخلية.
ما يكمن تحت هذا التحرر من الوهم هو الاستعداد للتشكيك في الأسس التي كانت تبدو ثابتة لا جدال بشأنها
لم ينته الأمر في كل الدول العربية التي شاركت في الاحتجاجات بأحسن حال، لكن الاحتجاجات أوضحت أنه حتى المستبدين المدعومين بالجيوش ليسوا بعيدين عن الخطر، وأن الأشخاص العاديين بإمكانهم أن يجتمعوا ويصبحوا قوة غير عادية، وأن الشوق للديموقراطية أصبح قويًا في العالم الإسلامي، وقد يكتب المنهزمون التاريخ في بعض الأحيان إذا توقفوا عن انهزامهم.
في أكتوبر من العام نفسه اندلعت حركة “احتلوا وول ستريت”، كذلك أصبحت الحركة النسوية عالمية حيث اندلعت في عدة أماكن مثل شيلي والمكسيك وكوريا الجنوبية واليابان وباكستان وكينيا، أما حركة “احتلوا” فقد تأثرت بالربيع العربي والحركات المناهضة للرأسمالية في اليونان، وأصبح هناك تمركز لها في عدة مدن من كويتو وأوكلاند إلى القرى الصغيرة في آلاسكا.
أما حركة المناخ فقد أصبحت أكثر قوةً وتطورًا بقيادة السكان الأصليين من القطب الشمالي والإكوادور وحتى جنوب المحيط الهادئ وغيرهم، لقد أصبحت قوة عظمى تحتاج إلى نمو أكثر في العام القادم وتحتاج للانتصار في العقد المقبل.
الأمر الأكثر أهمية من أي حركة في هذا العقد هو التحرر من الوهم، وأقصد بذلك معناه الإيجابي، تأسست حركة “Black Lives Matter” عام 2013 وظهرت حركات أخرى مناهضة للعنصرية في جميع أنحاء العالم مما حطم الشعور بأن العنصرية انتهت من العالم والتقدم لا مفر منه، أما النسوية فقد ذهبت لأعمق من ذلك ورفعت من مطالبها بالمساواة.
ما يكمن تحت هذا التحرر من الوهم هو الاستعداد للتشكيك في الأسس التي كانت تبدو ثابتة لا جدال بشأنها سواء كانت متعلقة بالمعايير الجنسانية والأبوية وتفوق البيض وعصر الوقود الأحفوري والرأسمالية، لنرى أبعد مما رأيناه قبل ذلك وتغيير كلمة “نحن” التي يحدد إداركها ما هو حقيقي وما هو مهم وما هو ممكن.
يأتي مع ذلك القدرة على فهم الأشكال الخفية الأكثر تعقيدًا للقمع، والتفكير بشأن تداخل الهويات المتعددة وكذلك الأشكال المتعددة للقمع أو الامتيازات.
بدأ العقد في أعقاب انهيار الاقتصاد العالمي وكانت حركة “Occupy Wall Street” أحد ردود الفعل على الجشع الهائل والتدمير والنظرة القاصرة للنظام الاقتصادي، هذه الترتبيات الاقصادية التي لم تنجح مع الأشخاص العاديين أثارت الاحتجاجات، من بينها احتجاجات السترات الصفراء في فرنسا والأشخاص الذين صوتوا لصالح ترامب ظنًا منهم أنه مع الاقتصاد الشعبوي، وكذلك الناخبون البريطانيون الذين صوتوا لصالح البركسيت لأنهم شعروا بأن النظام لا ينفعهم.
هناك أيضًا مقاومة مفاجئة ظهرت في نهاية العقد بين موظفي فيسبوك وأمازون وجوجل، حيث احتجوا على المظاهر اللاأخلاقية في شركاتهم وخرج الموظفون في الشركات الثلاثة في مسيرة كانت جزءًا من إضرابات المناخ في سبتمبر.
حركة المناخ هي بالأساس حركة معادية للرأسمالية، لكن الرأسمالية كانت تبدو وكأنها الطريق الأفضل دائمًا خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، هذا الأمر سقط تدريجيًا في أعقاب سلسلة من الفساد والدمار والفشل واستعداد الأجيال الشابة للتفكير في بديل واعتناق نسخة من الاشتراكية.
يقول خبير اللاعنف الإستراتيجي جورج لاكي إن الاستقطاب يجلب الوضوح مما يجعل التغيير أمرًا ممكنًا، والآن لدينا استقطاب ولدينا تحرر من الوهم، لذا مع التفكير بشأن كيفية وصولنا إلى هذه النقطة وكيف فزنا، سنتمكن من المطالبة بإمكانات أكثر في العقد القادم.
المصدر: الغارديان