تواصل السلطات الألمانية استعداداتها لاحتضان مؤتمر برلين الذي أعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في سبتمبر/أيلول الماضي نيتها الدعوة إليه، لبحث سبل حل الأزمة الليبية المتصاعدة، غير أن عدم استدعاء دول الجوار لهذا المؤتمر المرتقب وتواصل “تهور” حفتر وقيادته عملية عسكرية ضد العاصمة طرابلس بمعية حلفائه قد يمهد لفشل هذا اللقاء حتى قبل انعقاده.
غياب دول الجوار
رغم تأكيد العديد من القوى الإقليمية، ضرورة دعوة دول الجوار لمؤتمر برلين المنتظر، لم نشهد إلى اليوم أي جديد في هذا الشأن، فالقائمون على المؤتمر مصرون على عدم دعوة تونس والجزائر، دون تقديم أسباب كافية لذلك.
وخلال مؤتمر صحفي مع نظيره التونسي قيس سعيد، عقب اجتماع ثنائي وآخر على مستوى الوفود في العاصمة التونسية، شدد الرئس التركي رجب طيب أردوغان، على ضرورة أن يضم مؤتمر برلين بشأن الأزمة الليبية دول الجزائر وتونس، لأهمية دور البلدين في إحلال السلام بليبيا.
وقال أردوغان: “أبلغت السيدة ميركل بهذا الشأن، وقلت لها إن عليهم تلافي هذا النقص، كما تحدثت مع السيد بوتين”، وأضاف “تناولت هذه المسألة مع السيد جونسون (رئيس الوزراء البريطاني) خلال اتصال هاتفي حيث أبلغته أن هذه الدول هي أكثر الدول معرفة بليبيا ووجودها في مرحلة برلين سيعود بالفائدة الكبيرة على هذه المرحلة”.
تؤكد العديد من المعطيات الجغرافية والسياسية أن تونس والجزائر عكس الدول الكبرى الباحثة عن مطامع اقتصادية وإستراتيجية في ليبيا، فهما تبحثان عن مصلحة الشعب الليبي قبل كل شيء
تعد كل من تونس والجزائر من أبرز الدول التي تسعى إلى المساهمة في حل الأزمة الليبية المتواصلة منذ سنوات، نظرًا لعمق الروابط المشتركة بين هذه البلدان وتأثرهما بتواصل تردي الأوضاع في جارتهما الشرقية.
لا شك أن تونس والجزائر بما يحملانه من روابط تاريخية ومصالح إستراتيجية تجاه ليبيا منذ قديم الزمان، يبقيان من أهم الدول الداعمة لاستقرار ليبيا، لما في ذلك من مصالح كبرى لبلديهما، فانعدام الاستقرار في هذا البلد سيكون له تأثير سلبي على كل من تونس والجزائر.
وكان سفير ألمانيا لدى ليبيا أوليفر أوفكزا، قد أعلن في منتصف شهر سبتمبر/أيلول الماضي أن بلاده تهدف إلى استضافة مؤتمر عن ليبيا هذا العام بالتعاون مع الأمم المتحدة لمحاولة إرساء الاستقرار في الدولة المنتجة للنفط التي تشهد قتالًا بين فصائل متناحرة من أجل السيطرة على العاصمة طرابلس.
ارتفاع عدد ضحايا عملية حفتر العسكرية ضد طرابلس
وقبل أيام قليلة، أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد مبادرة أطلق عليها اسم “إعلان تونس للسلام” وتهدف إلى دعوة كل الليبيين للجلوس إلى مائدة الحوار بغية التوصل إلى صيغة توافقية للخروج من الأزمة الليبية الراهنة في إطار الاتفاق السياسي الليبي واحترام الشرعية الدولية، إلا أنها لم تجد صدى كبيرًا.
تؤكد العديد من المعطيات الجغرافية والسياسية أن تونس والجزائر عكس الدول الكبرى الباحثة عن مطامع اقتصادية وإستراتيجية في ليبيا، فهما تبحثان عن مصلحة الشعب الليبي قبل كل شيء، فضلًا عن تحقيق أمنهما القومي، لذلك فإنه لا يمكن حل الأزمة الليبية دون هذين البلدين، وأي مؤتمر يعقد دونهما سيفشل.
وتعتبر حكومة الوفاق الوطني الليبية التي يقودها فائز السراج من وجهة نظر السلطات التونسية والجزائرية الجهة الشرعية الممثلة للشعب الليبي وليس اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي تتهم قواته بارتكاب جرائم حرب.
عملية حفتر العسكرية
فشل مؤتمر برلين المرتقب لا يفهم من خلال غياب دول الجوار فقط، بل أيضًا من خلال تواصل الحملة العسكرية التي يشنها حفتر وحلفاؤه ضد العاصمة طرابلس التي توجد بها حكومة الوفاق الوطني المدعومة دوليًا، فضلًا عن سفارات وبعثات الدول الأجنبية وهيئة الأمم المتحدة.
وقبل أسبوعين، أعلن خليفة حفتر بدء ما وصفها “عملية حاسمة” للتقدم نحو العاصمة الليبية طرابلس، حيث ظهر في كلمة متلفزة وهو يرتدي الزي العسكري، قائلًا: “دقت ساعة الصفر، ساعة الاقتحام الواسع الكاسح التي ينتظرها كل ليبي حر شريف، ويترقبها أهلنا في طرابلس منذ أن غزاها الإرهابيون واستوطنوا فيها بقوة السلاح”.
لم تكن هذه المرة الأولى التي يعلن فيها حفتر بدء ساعة الحسم، بل هذه المرة الرابعة التي يعلن فيها التقدم لاقتحام طرابلس منذ أبريل/نيسان الماضي، فقد شن حملة عسكرية واسعة في ذاك الشهر، بإيعاز من دول عربية على رأسها الإمارات ومصر، بهدف ما أسماه تحرير طرابلس من الجماعات الإرهابية.
يعمل هذا العسكري السبعيني على إطالة أمد الأزمة في ليبيا، ذلك لأنه لا قيمة له دونها، ويستخدم حفتر مليشياته لزعزعة أمن واستقرار ليبيا
هذه العملية العسكرية المتواصلة منذ أشهر، أدت إلى تدهور الوضع الإنساني في البلاد، حيث أسفرت عن سقوط مئات القتلى وآلاف الجرحى وعشرات آلاف النازحين والمشردين، وتتوقع المنظمات العالمية الناشطة في ليبيا، ارتفاع عدد الضحايا وتفاقم ظاهرة النزوح، فأدى الاستخدام المستمر للضربات الجوية عبر الطيران المسير والمدفعية الثقيلة على أهداف مدنية في مناطق غربي ليبيا والنقص الحاد في الأدوية الذي تعاني منه المستشفيات والمراكز الصحية الأولية، إلى تزايد عدد الضحايا.
وذكر المبعوث الأممي غسان سلامة في بيان “الهجمات العشوائية ضد المدنيين لا تشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي فحسب، بل أيضًا تصعيد للنزاع وتحريض على أعمال انتقامية في المستقبل مما يهدد الوحدة الاجتماعية في ليبيا”.
بالتزامن مع ذلك، أعلنت منظمة الهجرة الدولية، أول أمس، أن تزايد خطورة الوضع الأمني في طرابلس والمناطق المحيطة، يعرض حياة الكثير من المدنيين الأبرياء والمهاجرين لخطر متزايد، وطالبت المنظمة بإطلاق سراح المهاجرين الذين وصفتهم بالمستضعفين في مراكز الإيواء واتخاذ التدابير لحماية أرواحهم.
ويعمل حفتر وداعموه على حسم المعركة عسكريًا، دون بحث الحلول السياسية، رغم يقينهم بصعوبة المهمة، فموازين القوى تتجه لحكومة الوفاق خاصة بعد إعراب السلطات التركية نيتها تقديم الدعم العسكري لهذه الحكومة التي تحظى بالشرعية الأممية.
تقدم مصر والإمارات دعمًا كبيرًا لحفتر
يسابق حفتر وحلفاؤه الزمن من أجل حسم معركة طرابلس عسكريًا، وهو ما يفسر تزايد الدعم المقدم لقواته والمرتزقة العاملين معه، حيث كشفت تقارير إعلامية وصول ثلاث طائرات شحن عسكري إماراتية إلى إحدى القواعد الجوية في شرق ليبيا، إحداها كانت تقل مسلحين قادمين من قاعدة عسكرية إماراتية في منطقة القرن الإفريقي، وطائرتان وصلتا عبر الأجواء المصرية، وتحملان شحنة ضخمة من الأسلحة والمدرعات التي تنتجها أبو ظبي.
كما كثفت مصر دعمها الدبلوماسي والعسكري لحفتر، أملًا في قطع الطريق على تركيا الداعمة للجهود الأممية لإيجاد حلم سلمي للأزمة الليبية، وتأمل القاهرة أن يسيطر حليفها حفتر على طرابلس وتكون له الكلمة الفصل في ليبيا، حتى تتحكم في مواردها الطبيعية.
يعيش حفتر وهم السيطرة على ليبيا بالكامل، خاصة وقد سوق له أن العاصمة طرابلس محطته الأخيرة للعبور إلى تحقيق وهم حكم ليبيا بانقلاب عسكري، ويؤكد هذا ارتباط اسم حفتر في ليبيا بالعنف والفوضى والسعي إلى إرباك الوضع العام في البلاد، فكلما لاح بصيص أمل لليبيين للخروج من أزمتهم حتى يأتي حفتر ويقوضه.
ويعمل هذا العسكري السبعيني على إطالة أمد الأزمة في ليبيا، ذلك لأنه لا قيمة له دونها، فيستخدم مليشياته لزعزعة أمن واستقرار ليبيا، حيث يرنو إلى الزعامة وتصدر المشهد العسكري والسياسي في ليبيا مهما كلفه الأمر.
إصرار حفتر وحلفائه على مواصلة خططهم العسكرية، من شأنه أن يفشل كل خطط السلام في البلاد، فضلًا عن تعريض ملايين الليبيين للموت في العاصمة طرابلس والتسبب في انهيار الدولة الليبية في الوقت الذي يأمل فيه الليبيون في رؤية بلادهم تنعم بالاستقرار والأمن.