عزوف الشباب الأردني عن الانضمام للأحزاب.. البيئة السياسية غير مهيأة بعد

احزاب

رغم عملية التحول الديمقراطي التي شهدها الأردن منذ عام 1989 والآمال التي عقدت حينها لإثراء الحياة السياسية بالنشاط الحزبي القادر على ترجمة تلك الطموحات إلى ممارسات عملية على أرض الواقع، فإن السنوات التالية كشفت تراجعًا ملحوظًا في الأداء انخفض معه بشكل كبير سقف الطموحات.

وبعد مرور 30 عامًا تقريبًا على هذا التحول لم تتجاوز الأحزاب النقطة التي انطلقت منها، مكتفية بدور هامشي في الحياة السياسية، وسط تعزيز لحالة العزوف الشعبي عن الانضمام إليها، بعدما باتت عملية الاندماج الحزبي مخاطرة لدى البعض في ظل العراقيل الحاليّة وترف لدى آخرين لا يبغونه في ظل أزمات أخرى أكثر حضورًا وتأثيرًا.

وبحسب تقريرٍ للمركز الوطني لحقوق الإنسان في 2018، فإن عدد المنتسبين لـ48 حزبًا (إجمالي الأحزاب الأردنية المرخصة) بلغ 34957 منتسبًا العام الماضي، من أصل نحو 6.5 ملايين أردني، من بينهم 12748 شابًا، بنسبة 36.47% من عدد المنتسبين، فيما تبلغ نسبة النساء اللواتي يتولين مناصب قيادية في هذه الأحزاب 0.35% من إجمالي المواقع القيادية، علمًا بأن الأحزاب الأردنية لا تفصح عادةً عن عدد منتسبيها.

العزوف الشبابي عن الانضمام للأحزاب ليس ظاهرة أردنية فحسب، بل السمة الأبرز في المناخ السياسي لمعظم الدول العربية إن لم تكن كلها، في ظل ما تعاني منه البيئة السياسية من فقدان لمقومات الديمقراطية والحرية في ممارسة العمل السياسي، وهو ما انعكس بطبيعة الحال على زيادة الفجوة بين تلك الأحزاب والشارع.

عزوف الشباب عن المشاركة

وفق التقرير تصدر حزب الجبهة الأردنية الموحدة قائمة الأحزاب الأكثر عددًا في عدد المنتسبين إليها بنحو 1769 شخصًا، تلاه حزب التيار الوطني 1367 شخصًا، ثم حزب الوسط 1008 أشخاص، فيما جاء في المركز الرابع حزب جبهة العمل الإسلامي بواقع 948 شخصًا.

“البيئة السياسية في الأردن لم تنفتح على الأحزاب مطلقًا، إلا في حدود اللقاءات الفوقية المتفاوتة بين الحكومة وممثلي هذه الأحزاب”، هكذا علقت الأمينة العامة لحزب الشعب الديمقراطي الأردني “حشد”، النائبة السابقة في البرلمان عبلة أبو علبة، على ظاهرة عزوف الشباب.

وأضافت النائبة في تصريحات لها أن الوضع بصورته الحاليّة لا يؤمن المناخات الديمقراطية اللازمة لتشجيع أبناء وبنات الوطن على الانتساب الحزبي والعمل من خلاله، موضحة أن تنمية دور الأحزاب السياسية في الحياة العامة مهمّة تقع على عاتق الدولة، لأن الأحزاب في الدولة الوطنية جزءٌ أساسي من مكوناتها، لافتة إلى أنها لا تجد مبررًا أبدًا لتفادي الحديث عن الأسباب الرئيسية التي أدّت إلى تحجيم دور الأحزاب في الحياة السياسية والعامة في الأردن.

شريحة من الشباب تذهب إلى أن العمل الحزبي في المملكة بات اليوم نوعًا من الترف، بعيدًا تمامًا عن المشاكل اليومية التي يواجهها رجل الشارع العادي، كما ذهب الشاب الأردني خالد طراونة الذي يرى أن الأحزاب بأجنداتها وأنشطتها في وادٍ والمواطن العادي بهمومه وآلامه في وادٍ آخر.

منع عدة فعاليات لائتلاف الأحزاب القومية واليسارية، بينها اعتصام عند الدوار الرابع للتنديد بنهج حكومة هاني الملقي السابقة، ومنع تنفيذ اعتصام عند السفارة الأمريكية، علاوة على تعرض 3 أحزاب للاقتحام بادعاء السرقة

طراونة لـ”نون بوست” تساءل: ماذا لو استيقظنا في الصباح على خبر تجميد الأحزاب السياسية في المملكة؟ مجيبًا: لا شيء يتغير، الأمور ستسير كما هي، في إشارة منه إلى ضآلة الدور الذي تؤديه الأحزاب في الشارع، مطالبًا بتوفير الأموال التي تنفق على تشكيلات ومؤتمرات تلك الكيانات التي باتت تعبر عن فضاء خارجي لا علاقة له بالواقع، على حد قوله.

أما رجل الأعمال الأردني عبد الله، البالغ من العمر 40 عامًا فيرى أن الانضمام لأي حزب من الأحزاب يعوق مستقبله وربما يضعه على المحك، لافتًا إلى ما أسماه “حالة الاستقطاب” التي يحياها الشارع السياسي في بلاده، متسائلًا: ماذا يكون الوضع لو أنني أنتمي لأحد الأحزاب المعارضة مثلًا وأردت تخليص جمركي لبعض البضائع الخاصة بي أو أنهي إجراءات في مصلحة حكومية معينة ينتمي موظفوها لحزب آخر؟ وتابع: بالطبع لن ينهوا مصلحتي وربما أكون في نظرهم خائنًا.

وأضاف رجل الأعمال في حديثه لـ”نون بوست” أن المناخ السياسي برمته لا يشجع على العمل والمشاركة، خاصة بعدما تحولت خطابات الأحزاب إلى لغة نخبة لا علاقة لها بالسواد الأعظم من المجتمع، موضحًا أن هناك حالة من تزييف الوعي ومحاولة لرسم صورة مغايرة للواقع تسيطر على الخطاب الحزبي وهو ما لمسه أكثر من مرة حين أجبرته الظروف على حضور مؤتمرات بعض تلك الأحزاب.

الشباب الأردني يكفر بالأحزاب

الخريطة الحزبية

في قراءة سريعة للخريطة الحزبية في الأردن يلاحظ أنها تستظل بثلاث مظلات رئيسية، الأول: التيار المحافظ والوسط (القريب من السلطة)، الثاني التيار اليميني ويمثله التيار الإسلامي، الثالث التيار القومي واليساري، تلك المظلات تشكلها خمسة ائتلافات حزبية رئيسية هي: تيار الأحزاب الوسطية (12 حزبًا)، تيار الأحزاب اليسارية والقومية (6 أحزاب)، تيار الأحزاب الإصلاحية (4 أحزاب)، ائتلاف الأحزاب الوطنية (8 أحزاب)، تيار التجديد (3 أحزاب).

أما من حيث أقدم الأحزاب تأسيسًا فهو حزب “جبهة العمل الإسلامي” الذراع السياسية لحركة الإخوان المسلمين، كما أنه يعد الحزب الأكثر ثقلًا وتأثيرًا، فله 10 نواب في البرلمان، والأكبر بعدد الفروع في المحافظات والحضور بين المواطنين، حيث بلغ عدد فروعه 23.

ويأتي في المرتبة الثانية له حزب الوسط الإسلامي، وله أربعة نواب في البرلمان، و14 فرعًا في المحافظات، ثم حزب “جبهة النهضة الوطنية” بـ11 فرعًا، وحزب “الشعب الديمقراطي” الذي لديه تسعة فروع، بالإضافة إلى عشرة أحزاب لديها مقر واحد، وهناك أحزاب غير ممثلة رسميًا في البرلمان.

ويعد قانون الأحزاب رقم 39 لسنة 2015 أحد أبرز العراقيل أمام النشاط الحزبي، إذ يشتمل على الكثير من المواد التي تشكل قيدًا على الحق الدستوري بتأليف الأحزاب والانضمام إليها، ورغم المطالبات المتتالية بتعديله إلا أنه لم يطرأ عليه أي تعديل طيلة السنوات الأربعة الماضية.

سياسات الحكومة التهميشية وفقدان الإطار التشريعي الذي يسمح بتمثيل الأحزاب برلمانيًا بجانب أزمات التمويل، كلها أسباب أدت ولا تزال إلى فشل تلك الكيانات السياسية في أداء دورها المأمول وإحداث حالة من الحراك بدلًا من حالة التجمد السياسي الذي تحياها المملكة طيلة السنوات الماضية.

المركز الوطني لحقوق الإنسان رصد بدوره عدة ممارسات سلبية للحكومة، أثرت بشكل كبير على النشاط الحزبي، بينها إيقاف الدعم عن حزب الوحدة الشعبية لأسباب قال إنها غير معروفة، مبينًا أن الحزب سجل دعوى قضائية ضد وزارة الشؤون البرلمانية والسياسية، منوهًا أنه لم يبت فيها إلى حين إعداد هذا التقرير.

تذهب التوقعات إلى أن ظاهرة عزوف الشباب عن الانضمام الحزبي ستتعمق بصورة كبيرة حال بقيت الأوضاع على ما هي عليه

هذا بجانب منع عدة فعاليات لائتلاف الأحزاب القومية واليسارية، بينها اعتصام عند الدوار الرابع للتنديد بنهج حكومة هاني الملقي السابقة، ومنع تنفيذ اعتصام عند السفارة الأمريكية، علاوة على تعرض 3 أحزاب للاقتحام بادعاء السرقة، وتسجيل شكوى بهذا الخصوص دون اكتشاف مرتكبي هذه الجرائم، إذ اقتحمت مقرات أحزاب الوحدة والشعب الديمقراطي والبعث العربي الاشتراكي.

وفي توصياته لتعزيز الحياة الحزبية طالب المركز بسن قانون انتخاب جديد يراعي الاحتياجات الحزبية، واتباع نظام الإخطار عند تأسيس الأحزاب، بدلًا من طلب التأسيس الذي يشترط موافقة اللجنة، وتعديل قانون الأحزاب، ودعوة أصحاب القرار للانخراط في حوار مجتمعي حقيقي منظم مع الكيانات السياسية.

وفي الإطار ذاته دعا الأحزاب لإدراج برامج تقدم أجوبة عن المسائل الحقوقية التي تمس الأفراد، وعدم الاكتفاء بنظامها الأساسي فقط، وتعزيز التواصل الإعلامي بين الأحزاب والجمهور بنشر الأحزاب لوثائقها عبر المواقع الإلكترونية، وأن تعزز تلك الكيانات من حضورها المجتمعي لدى الشارع.

تراجع لدور الأحزاب في الأردن

دور هامشي

رغم وصول النظام في الأردن إلى قناعة أنه لا مجال لتقدم الحياة السياسية إلا من خلال بوابة الأحزاب وأن جميع الكيانات التي يتم صناعتها وتوظيفها بديلًا عن الأحزاب لن تتمكن من ملء الفراغ، وفي ظل وجود قانون أحزاب ودعم حكومي مالي ولو بسيط للأحزاب، فإن الحياة السياسية في المملكة تعاني من حالة ضعف شديد.

الكاتب والحقوقي الأردني محمد العودات في مقاله المنشور بموقع “الجزيرة” استعرض عددًا من الأسباب وراء هذا الضعف، منها أن المجتمع الأردني مجتمع قبلي إذ استطاعت الدولة الأردنية من خلال تفصيل قوانين الانتخاب البرلمانية تحويل النواب للقبائل من نواب رقابة وتشريع إلى نواب خدمات.

يتم تصوير كل حزبي معارض على أنه خصم للدولة لا معارض للحكومة، ويُفرض طوق شامل من المضايقات الرسمية على الحزبي ومعظم ذويه من الدرجة الثانية والثالثة

هذا بجانب العقاب الذي تمارسه الأجهزة الأمنية على كل منتمٍ للعمل الحزبي المعارض، إذ يتم تصوير كل حزبي معارض على أنه خصم للدولة لا معارض للحكومة، ويُفرض طوق شامل من المضايقات الرسمية على الحزبي ومعظم ذويه من الدرجة الثانية والثالثة، إضافة إلى عدم وجود قانون انتخاب يسمح باعتبار العمل السياسي هو عمل للأحزاب ونخبها، إذ إن جميع القوانين الانتخابية في الأردن من تاريخ عودة الحياة الديمقراطية وإلغاء الأحكام العرفية عام 1989 قوانين لا تسمح بصعود الأحزاب ولا تعطيها أفضلية في العمل السياسي.

واختتم تلك الأسباب بعدم وجود الحياة السياسية الراشدة في الأردن التي يمكن من خلالها أن تنمو وتترعرع الحياة الحزبية، إذ إن وجود مملكة نصف شمولية ستكون عاجزة عن إنشاء حياة حزبية متطورة على الإطلاق، إضافة إلى عدم وضوح الرؤيا لدى النخب السياسية التي لا ترى في العمل الحزبي إلا وسيلة للوصول للسلطة.

وفي المجمل تذهب التوقعات إلى أن ظاهرة عزوف الشباب عن الانضمام الحزبي ستتعمق بصورة كبيرة حال بقيت الأوضاع على ما هي عليه، في الوقت الذي باتت فيه السلطات الحاكمة في المملكة مطالبة بإعادة النظر في القوانين التي تنظم تشكيل الأحزاب والعملية الانتخابية، هذا إن كانت هناك إرادة سياسية في تعزيز النشاط الحزبي وإخراجه من ثلاجة التجميد التي يقبع فيها منذ ثلاثة عقود.