ترجمة وتحرير: نون بوست
حاولت هيلاري كلينتون القيام بالأمر ذاته، كما حاول 16 شخصًا من الجمهوريين المنافسين القيام بذلك. وبعد أن وقع إنفاق مئات الملايين من الدولارات على الإعلانات لمهاجمة دونالد ترامب في سنة 2016، لم تحقق هذه المحاولات نتائج ملموسة. وفي الوقت الراهن يسعى مايكل بلومبيرغ إلى إنفاق الملايين كل أسبوع لشنّ هجوم على شبكة الإنترنت يقع توجيهه عن طريق الاستطلاع والبيانات التي يعتقد هو ومستشاروه أنها توفر نظرة متفردة تتعلق بنقاط ضعف الرئيس.
لا يعد هذا المجهود المبذول، الذي يستهدف الولايات السبع المتأرجحة، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى أن ترامب من المحتمل أن يكون منافسا في تشرين الثاني/ نوفمبر، سوى جزء من حملة إعلانية واسعة النطاق لم يسبق لها مثيل. فعلى سبيل المثال، يركز بلومبيرغ على موقع فيسبوك وغوغل على مهاجمة الرئيس، حيث أنفق 18 مليون دولار على الإعلانات خلال الشهر الماضي، وذلك وفقا لما أفادت به شركة أكرونيم، وهي شركة مراسلة رقمية تعمل مع حزب الديمقراطيين.
علاوة على ذلك، أنفقت حملة بلومبيرغ مبلغ 128 مليون دولار على الإعلانات التلفزيونية، وذلك وفقا لشركة أدفرتايزينغ أناليتيكس، وهي شركة مستقلة، تتوقع أنه من المرجح أن ينفق بلومبيرغ ما بين 300 مليون دولار و400 مليون دولار على الإعلان عبر جميع وسائل الإعلام قبل يوم الثلاثاء، اليوم الحاسم للانتخابات التمهيدية التي ستُعقد في أوائل آذار/ مارس.
في شأن ذي صلة، تقزّم هذه المبالغ الميزانيات الإعلانية لمنافسيه، حيث ينفق بمعدل أسرع من الحملات الرئاسية السابقة. كما أبدى بلومبيرغ استعداده لأن ينفق بالفعل أكثر مما تنفقه حملة ترامب كل أسبوع للوصول إلى الناخبين على الإنترنت. وإذا كان المبلغ يقدر بحوالي 400 مليون دولار، فهو المبلغ نفسه الذي وقع إنفاقه خلال حملة الرئيس باراك أوباما على الإعلان على مدار الانتخابات العامة بأكملها في سنة 2012.
ترقى الإعلانات إلى حدود رهانات كبيرة من خلال حملة بلومبيرغ التي تشير إلى وجود عدد كاف من الأمريكيين غير المتشبثين بشكل كبير بتأييدهم للرئيس ترامب والذين يمكن أن يتأثروا بإدانة الإعلانات لسلوكه وشخصيته. ولا يوجد أي ضمان لهذه الافتراضات في ظل بيئة سياسية تزداد انقساما على خلفيات حزبية، حيث تعتبر المعلومات المتأتية من “الجانب الآخر” على الفورمشتبهة بالنسبة للعديد من الناخبين.
مع ذلك، يعتقد مساعدو بلومبيرغ أنه من الضروري إغراق الناخبين بالهجمات التي تستهدف الرئيس قبل فوات الأوان، وهو درس تعلمه الجمهوريون في سنة 2016 عندما أنفقوا في بادئ الأمر معظم ميزانياتهم الإعلانية خلال الانتخابات التمهيدية على مهاجمة بعضهم البعض متجاهلين ترامب.
في هذا الصدد، تساءل رجل من ميشيغان خلال حملة إعلانية جديدة لبلومبيرغ، قائلا: “كل هذا الجهد والأموال ولا يخصص أي منها لمساعدة الانتخابات التي تهمنا حقا؟”، وذلك في إشارة إلى الإنفاق الذي حصل في الانتخابات التمهيدية من قبل الديمقراطيين. علاوة على ذلك، تخطط الحملة لإدارة الإعلانات على الإنترنت في الولايات الرئيسية في يوم الثلاثاء الحاسم. كما يظهر رجل آخر في الإعلان وهو يبدي حسرته فيما يتعلق بحملة ترامب التي تركز بشدة على ولاية بنسيلفانيا، في حين لا يبدي أي من الديمقراطيين اهتمامهم بهذه الولاية. وعلى ما يبدو، يحاول ترامب الفوز من خلال بنسيلفانيا مرة أخرى.
في الولايات المتأرجحة على غرار ولاية ويسكونسن وبنسلفانيا التي من المحتمل أن تقرر ما إذا كان من المحتمل أن يُعاد انتخاب ترامب، يحرص ترامب وحلفاؤه على القيام بحملة إعلانية باسمه منذ أكثر من سنة تقريبا. وتركز حملة بلوميبرغ جهودها هناك على أمل تقويض مكانة ترامب.
من جهته، قال مدير حملة بلومبيرغ، كيفن شيكي: “لقد أخبرت أي شخص سيستمع إليّ أن ترامب سيفوز”. وخلال المقابلات، وصف كبار المحللين الاستراتيجيين التابعين لبلومبيرغ كيف يعتقدون بأنهم قادرون على تقويض موقف ترامب مع الناخبين المستعدين لإعادة النظر بشأن دعمهم له. ووفقًا لبيانات الحملة، يتراوح عدد هؤلاء الناخبين بين 10 إلى 15 بالمئة من الأشخاص الذين صوتوا لصالحه سنة 2016.
في سياق متصل، أفاد مساعدو بلومبيرغ أن بياناتهم تظهر عمومًا أن هؤلاء الأشخاص يميلون إلى التعبير عن خيبة أملهم من الوعود التي فشل ترامب في الحفاظ عليها فيما يتعلق بقضايا متعلقة بإعادة بناء البنية التحتية للبلاد، وهو ما يعدَ مصدر قلق شديد بشكل خاص في أماكن مثل ميشيغان. وفي معظم الولايات، يشعر الناخبون بالانزعاج من محاولة الرئيس إلغاء قانون الرعاية الصحية دون تقديم بديل جمهوري، وهو أمر يعتقد الناخبون أنه يعرض ضمانهم الصحي للخطر. علاوة على ذلك، يرى الناخبون رد فعل ترامب على العديد من عمليات إطلاق النار الجماعية التي حدثت خلال فترة ولايته على أنها تفتقر إلى الجدية والإلحاح، لا سيما في الضواحي المحيطة بديترويت وفيلادلفيا حسب ما تظهره بيانات شركة بلومبيرغ.
عبّر الكثير من الناخبين عن مشاعر السخط والإرهاق التي شعروا بها بعد ثلاث سنوات مما يبدو وكأنه قصص يومية تدور حول ترامب واندفاعه والخلل داخل إدارته والشجار الحزبي في واشنطن الذي أثر في بعض الحالات على حياة الناخبين في المنزل والعمل.
مزارعو حقول فول الصويا من بين أكثر المتضررين من التعريفة التي فرضها ترامب على البضائع الصينية
من جهته، قال غاري بريغز، الذي غادر فيسبوك السنة الماضية كرئيس للتسويق للانضمام إلى الشركة التابعة لبلومبيرغ، والذي يقدم له في الوقت الراهن المشورة بشأن حملته الرئاسية: “مع وجود نسبة من الناخبين القابلين لإعادة النظر في الأمر، توجد ضريبة يريدون إزالتها”. في الواقع، صممت الرسائل التي تستخدمها حملة بلومبيرغ في الإعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الويب الأخرى خصيصًا لهذا الشعور بالإرهاق. وفي هذا الصدد، قال شخص ظهر على فيسبوك في ولاية كارولينا الشمالية: “قل لا للفوضى”.
في هذا الإطار، أورد شخص آخر وهو يصور صورة لرجل يغطى وجهه في يأس واضح أثناء وقوفه فيما يبدو أنه حقل فول الصويا: “تغريدة أخرى وكذبة أخرى. لقد نشر ترامب الآلاف من التصريحات الكاذبة التي تسببت في الفوضى وإحراج بلدنا”. (كان مزارعو حقول فول الصويا من بين أكثر المتضررين من التعريفة التي فرضها ترامب على البضائع الصينية).
أما الأشخاص الآخرون، فيُركز أكثر على القضية تحديدا ويعملون على فكرة يقول الخبراء الاستراتيجيون في بلومبيرغ إنها اختُبرت جيدًا في بحثهم، وهي أن الرئيس يبحث عن مصالح الشركات الكبرى والأثرياء على الرغم من الوعود لتحسين حياة الأمريكيين من الطبقة العاملة.
تُعد الولايات السبع التي اختارتها حملة بلومبيرغ من أكثر الولايات تنافسية، مثل ويسكونسن وفلوريدا، وغيرها من الولايات التي يعتقد الديمقراطيون أنهم يستطيعون الحد فيها من هيمنة الجمهوريين، مثل تكساس وأريزونا. وعموما، تتصدر القائمة ولاية ميشيغان وبنسلفانيا وكارولاينا الشمالية.
في الواقع، استجابت حملة ترامب بقوة لدخول بلومبيرغ في السباق، لدرجة أنها منعت المراسلين من موقع الشركة الإخباري من المشاركة في تجمعات الشركة وفعالياتها لأن الموقع صرح بأنه لن يقوم بإجراء تحقيقات صحفية حول منافسي بلومبيرغ في التعيين الديمقراطي. من جهة أخرى، قلل ترامب من شأن العمدة السابق وفصله معتبرا إياه تهديدًا، حيث قال: “سيفشل مايكل الصغير”.
من الصعب للغاية العثور على أكثر الطرق فعالية للهجوم على الرئيس الحالي لأسباب متنوعة. ولا يتمتع الرئيس بسلطة وببرنامج الوظائف المشغولة فحسب، وإنما شكل الأمريكيون بصفة عامة وجهات نظرهم حول فترة الولاية الأولى. من جهته، يعتقد لاري مكارثي، وهو صانع إعلانات جمهوري كتب العديد من إعلانات لجنة العمل السياسي التي حاولت تقليص شعبية الرئيس باراك أوباما من خلال الأصوات المتأرجحة للناخبين سنة 2012، أن إعلاناته لم تكن فعالة “لأن العديد من الناخبين حددوا بالفعل رأيهم حول أوباما”. بالإضافة إلى ذلك، أورد مكارثي أن هذا الحكم يُظهر أن “سياسات أوباما لم تُعجب عددًا كبيرًا من الناخبين، في بياناتنا، ولكنهم لم يظنوا أنه رجل سيء”.
حشد من الناس في تجمع ترامب في باتل كريك، ميشيغان، ليلة تصويت مجلس النواب لسحب الثقة.
بيد أن العكس هو الصحيح مع ترامب، إذ تظهر استطلاعات الرأي، على سبيل المثال، أن معظم الأميركيين يوافقون على تعامله مع الاقتصاد. لكنهم يعطونه باستمرار تصنيفًا منخفضًا للأداء الوظيفي، قائلين إنهم لا يعتقدون أنه صادق. كما تظهر استطلاعات الرأي العامة أنه يتمتع بفرصة متساوية في الفوز بالعديد من الولايات ضد مجموعة متنوعة من المرشحين الديمقراطيين، والتي قالت حملة بلومبيرغ إنها تتعقب بياناتها الداخلية.
تتبع حملة بلومبيرغ، عن طريق الإعلانات، مسارا دقيقا يفصل بين محاولة تقويض ترامب وإيقاف الناخبين الذين قد لا يحبون الرئيس، ولكنهم لا يريدون التمسك به. وفي هذا السياق، قال هوارد وولفسون، أحد كبار مستشاري السيد بلومبيرغ منذ فترة طويلة، متحدثا عن ترامب: “هناك نوع من القلق الذي يخلقه”. وأضاف وولفسون أن “هذا الأمر يعد حقيقيا بالنسبة للناس”، معترفًا بالعوامل المتناقضة.
أفادت الحملة أنها أنتجت 160 نسخة من إعلاناتها على مواقع التواصل الاجتماعي وحدها، حيث وصلت إلى 15.5 مليون متابع في أول أسبوعين من شهر ديسمبر/ كانون الأول. وفي هذا الإطار، قال أكرونيم في تحليل حديث للسباق إن “حملة مايكل بلومبيرغ الوليدة أنفقت على غوغل ويوتيوب في الشهر الماضي أكثر مما أنفقته حملة ترامب طوال السنة”.
في الحقيقة، لا تمكن القدرة على ضخ هذا القدر الكبير من الأموال في الإعلانات حملة بلومبيرغ من ضخ ملايين الرسائل أسبوعيًا فحسب، بل تتيح أيضًا استهدافًا أكثر دقة لمجموعات فردية من الناخبين غير الملتزمين، سواء كنّ هؤلاء من النساء في الضواحي اللاتي يشعرن بالقلق بشأن العنف المسلح أو الناس المحافظين ماليا الذين يشعرون بالذعر تجاه عجز الأمة المتصاعد. وقال كين جولدشتاين، أستاذ السياسة بجامعة سان فرانسيسكو وخبير الإعلان السياسي، إن أحد أهم التأثيرات المحتملة لاستراتيجية بلومبيرغ يمكن أن يكون كيفية ملأ الفراغ في الأماكن التي تسود فيها الإعلانات المؤيدة لترامب.
خلال دراسة جديدة أجريت مع مجموعة من الأكاديميين الآخرين المختصين في المراسلة السياسية، قال جولدشتاين إنهم وجدوا أنه في سنة 2016، أن نقص الإعلانات في حملة كلينتون ساهم في انخفاض نسبة الإقبال بين الناخبين المؤيدين لها. ووجدت الدراسة أن الديمقراطيين الذين لديهم ميول أقل للتصويت في ميشيغان ويسكونسن، كانوا أقل عرضة للحضور في المناطق التي كان ترامب يستثمر فيها بكثافة عبر الإنترنت والتي لم تكن كلينتون تروّج لنفسها فيها. وفي هذا الصدد، قال جولدشتاين: “كان التأثير الكلي متواضعا، بالتأكيد، لكن هامش فوز ترامب في ميشيغان ويسكونسن، كان بدوره متواضعا للغاية”.
بالإضافة إلى الانتقادات الصارمة التي وُجَهت لترامب وقيادته، صُمّمت إعلانات بلومبيرغ أيضًا لإرسال رسالة إيجابية حول العمدة السابق، حيث تستهدف بالأساس الديمقراطيين. ولا شك أن هؤلاء الناخبين هم الذين يحتاجون إلى الاقتناع أولاً حتى يستفيد بلوميبرغ سياسيا من استثماره الضخم في الإعلانات المناهضة لترامب.
في هذا الشأن، قال تود هاريس، وهو استراتيجي مراسلة جمهوري عمل في عدة حملات رئاسية، كانت آخرها حملة السناتور، ماركو روبيو، من فلوريدا: “في بعض الأحيان، يعد من السهل وصف نفسك بسمات لا تتصف بها حقّا”. وقال هاريس إن هذه الإعلانات ترتكز على “تقديم مايك بلومبيرغ نفسه للناخبين الأساسيين كشخص يكره ترامب بقدر ما يكرهونه
المصدر: نيويورك تايمز