دأبت المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها على تصدير نفسها كزعيم للعالم الإسلامي، وكوصي على دول الخليج، كما أن الرياض وعلى الرغم من أنها صاحبة الاقتصاد الأول خليجيًا وربما عربيًا بحكم موارد النفط والطاقة المتوافرة لديها، تحاول على الدوام التدخل في قرارات الدول الجارة بالمناحي الاقتصادية.
لم تتوقف المملكة عن حلمها بتزعم الخليج اقتصاديًا، وإنما تطمح بشكل أو بآخر إلى قيادة المنظومة العسكرية لدول الخليج، وبدا ذلك جليًا حينما تدخلت في البحرين لتثبيت حكم ملك البحرين حمد بن عيسى عام 2011، في الوقت الذي تهيمن فيه الدولة الكبيرة على بعض قرارات الدول الخليجية بهيمنة اقتصادية أو تبعية سياسية.
إلا أنه وعلى الرغم من اتباع الرياض لسياسة الهيمنة على بعض الدول وتصدير وجه مهتلف للسعودية مع دول المنطقة كالبحرين والإمارات، فإن ذلك يغطي على خلافات عظمى بينها وبين محيطها، هذه المشاكل المستمرة منها ما يطول عمره إلى عشرات السنوات، ليصبح قضية عالقة يصعب حلها.
في هذا التقرير نلقي نظرةً على أبرز الخلافات بين دول المنطقة والرياض، منها ما له جذور تاريخية ومنها ما استجد على الساحة الخليجية، ومن هذه الخلافات ما اتفقت الدول على حلّه وتجاوزه.
خلاف المنطقة المقسومة
عام 1922 حينما رُسمت الحدود بين المملكة السعودية والكويت، اختلف البلدان على منطقة تبلغ مساحتها 5770 كيلومترًا مربعًا على الحدود بينهما، وتُركت هذه المنطقة غير محددة وسعت الكويت والرياض للحصول على أحقية تبعيتها للمنطقة التي اكتشف فيها إنتاج ضخم من النفط وأصبح هذا الإنتاج يُقسم بين الدولتين في المنطقة المحايدة بالتساوي بحسب اتفاق وُقع عام 1965 وأعطى حقوقًا متساوية بالثروات الطبيعية في تلك المنطقة التي يوجد بها حقلان هما الوفرة والخفجي، ويشغل الحقل الأول شركة نفط الخليج الكويتية وشيفرون التي تنوب عن الرياض، في الوقت الذي تدير شركة أرامكو السعودية وشركة نفط الكويت حقل الخفجي.
عام 2014 أوقف البلدان إنتاجهما على خلفية قرار السعودية الذي يعطي شركة شيفرون الأمريكية امتيازًا بالبقاء في الحقول حتى سنة 2039، الأمر الذي أغضب الكويت التي بدورها أوقفت الإنتاج المتمثل بـ500 ألف برميل يوميًا.
على إثر إيقاف الإنتاج خسرت الدولتان مليارات الدولارات خلال السنوات الماضية، وخسرت أسواق النفط 0.5 من الإنتاج العالمي، وبعد سنوات وقعت كل من السعودية والكويت، في آخر أيام عام 2019، اتفاقًا بشأن الحقول المتنازع عليها، وبهذا الاتفاق سيستأنف البلدان الإنتاج في الحقول تدريجيًا في حال لم يحدث أي طارئ جديد.
خلاف حقل الشيبة
يقع حقل الشيبة جنوب شرق المملكة السعودية، فيما يبعد 10 كيلومترات على الحدود الجنوبية لأبو ظبي، وفي عام 1998 بدأت شركة أرامكو السعودية، بضخ النفط في الحقل، فيما أتاحت السعودية للشركات فرصًا للتنقيب عن الغاز في المنطقة، وتؤكد الإمارات تمسكها بملكية الحقل بناءً على خرائط ومستندات رسمية كما تقول، وفي عام 1974، أُبرمت اتفاقية بين أبو ظبي والرياض تنص على “الدولة التي يقع ما نسبته 80% من حقل الشيبة النفطي العملاق ضمن أراضيها تملك الحق في تطوير هذا الحقل والاستفادة من إنتاجه النفطي بشكل كامل”.
وفي عهد حاكم الإمارات السابق الشيخ زايد آل نهيان لم يتم إثارة هذا الخلاف، إلا أنه وفي عام 2005 عرضت المملكة على الإمارات اقتسام النفط المنتج من الحقل مناصفةً كما الحال في المنطقة المقسومة بالكويت مقابل حل الإشكاليات الحدودية بين البلدين لصالح المملكة.
في 2007، عدّلت الإمارات الخرائط الرسمية المتعلقة بحدودها مع السعودية، مؤكدة من خلال المصورات الجديدة أن حقل الشيبة من حقها، وأظهرت الخرائط تمديد الحدود الإماراتية في الربع الخالي، بحيث يدخل ما نسبته 80% من حقل الشيبة النفطي ضمن الأراضي الإماراتية، وتستمر هذه الأزمة بالإضافة إلى أزمات ترسيم الحدود التي لم تُحل على الرغم من تصدير أن العلاقة بين البلدين مثالية وخاصة بعد تحالفهما في حرب اليمن.
حقل الشيبة
حقل أبو سعفة
يبرز اسم هذا الحقل كمثال للهيمنة السعودية على البحرين واعتبار هذا البلد تابعًا لا دولة مستقلة ذات سيادة، ويعود تاريخ سيطرة الرياض على قرار المنامة إلى عام 1963 الوقت الذي اكتشف فيه حقل أبو سعفة على حدود البلدين البحرية، إلا أن قرار السعودية جاء حينها بالسيطرة على الحقل والإنتاج، وتمنح الحكومة في السعودية جزءًا من الأرباح لحكومة المنامة، رغم أن هذا الحقل يقع في الجزء البحريني من المنطقة الحدودية، وأصرّت السعودية في الثمانينيات من القرن الماضي على ترسيم حدودها مع البحرين التي سيطرت بها على جزر من الأخيرة.
خلاف خور العديد وواحة البريمي
استولت السعودية على واحة البريمي في يونيو/حزيران 1952 رغم وجود اتفاقيات عن الواحة في المنطقة المتنازع عليها مع الإمارات وعمان، الأمر الذي جعل بريطانيا ترد بهجوم كبير مستعيدةً به المنطقة من السعوديين في مطلع 1954، في يوليو/تموز من نفس العام توصلت الأطراف إلى اتفاقية تسوية سلمية للخلاف على النفط، فيما حلت السعودية والإمارات وعمان، الصراع والتنازع فيما بينها عام 1971.
يطول الحديث عن الخلافات الحدودية بين السعودية وجيرانها إلا أن الخلاف على “خور العديد” مع الإمارات يعدّ الأبرز، ففي منتصف القرن الماضي حاولت الإمارات ضمّ كل من قطر والبحرين إليها لتصبح 9 إمارات بدلًا من 7، لكنها في 1974 وبضغوط سعودية وقعت الإمارات اتفاقية جدة التي نصت على ترسيم الحدود بين البلدين، حيث تنازلت السعودية عن جزء من واحة البريمي مقابل الحصول على ساحل بطول نحو 50 كيلومترًا تفصل بين قطر والإمارات، وبذلك أصبح على القطريين أن يمروا بأراضٍ سعودية للوصول إلى الإمارات بدلًا من أن تكون هناك حدود مشتركة ومباشرة بين قطر والإمارات، في تدخل سعودي واضح لتغيير الحدود القطرية، وبالعودة إلى حقل الشيبة الذي تحدثنا عنه فإن الخلاف عليه يرتبط ارتباطًا وثيقًا بهذه المشكلة.
بالإضافة إلى ذلك أغلقت كل من قطر والسعودية صراعًا حدوديًا دام 35 عامًا، بعد توقيعهما لاتفاقية ترسيم الحدود بينهما سنة 2001، وكان الخلاف قد تفاقم بينهما سنة 1992، وأدى إلى مناوشات مسلحة أوقعت قتلى في المنطقة المعروفة بالخفوس.
أخيرًا، لم تكن خلافات الحدود والنفط بين السعودية وجيرانها من دول الخليج فقط، بل تعدتها إلى جزر مصرية تدعي السعودية أنها لها، جزيرتا تيران وصنافير تحديدًا، وحقق وصول عبد الفتاح السيسي إلى الحكم بدعم سعودي عام 2013 إلى تسهيل سيطرة الرياض على الجزيرتين بتنازل وقعه الرئيس المصري، وهو ما خلف موجة عارمة من ردود الفعل الرافضة في الشارع المصري.