في 12 من ديسمبر/كانون الأول الحاليّ، أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال فعاليات “منتدى أسوان للسلام والتنمية”، أنه لن يوقّع على مشروع قانون الأحوال الشخصية “إذا تبين أنه لا ينصف المرأة”، مضيفًا “النساء يتخوفن ألا يحقق القانون التوازن والإنصاف والأمان لهن، وأعلم أن البرلمان ونوابه حريصون على المناقشة المتوازنة والمعتدلة لهذا القانون”.
وقبلها بقليل أعلنت مؤسسة الأزهر أنها أعدت مشروعًا متكاملًا لقانون الأحوال الشخصية في مصر، من خلال هيئة كبار العلماء، استعانت فيه بذوي الاختصاص والمهتمين بقضايا المرأة والطفل والأسرة، موضحة في بيان رسمي أن المشروع يأتي بعد تلقيه عدة مقترحات مقدمة من بعض أعضاء مجلس النواب المصري، تتضمن تعديلات على مواد القانون الحاليّ المعمول به منذ عام 1920.
وكانت أغلب التعديلات المطروحة تتعلق بحق الرؤية وحضانة الأطفال بعد انفصال الزوجين والنفقة والطلاق وغيرها من القضايا الخلافية التي أثارت جدلًا خلال الآونة الأخيرة، وسجالًا بين أطراف عدة وصل صداه إلى مؤسسة الرئاسة التي ارتأت التدخل لحل هذا الإشكال بطريقتها الخاصة.
المشروع المقدم من الأزهر واجه انتقادات شديدة، سواء من داخل مجلس النواب وعلى رأسه رئيس المجلس علي عبد العال، أم من خارجه وعلى الأخص المجلس القومي للمرأة الذي يتبع رئيس الجمهورية مباشرة، باعتبار أن المؤسسة الدينية تجاوزت دورها في طرح مشاريع قوانين، بما يعد تدخلًا في عمل المشرعين والمختصين، ويحول البلاد إلى دولة دينية وفق رأي البعض.
توقعات بجولة جديدة من الصدام بين الرئيس وشيخ الأزهر أحمد الطيب، ليضاف إلى سلسلة التوترات بين الطرفين خلال الأعوام الأخيرة، وذلك في ظل تمسك الأزهر بأحقيته في إبداء الرأي فيما يتعلق بالقوانين التي تمس الشريعة، كون القضايا التي يتضمنها قانون الأحوال الشخصية قضايا دينية من الدرجة الأولى، وفي المقابل إصرار مؤسسة الرئاسة والفريق المؤيد لها برلمانيًا ومجتمعيًا على إبعاد المؤسسة الدينية عن مثل هذه المسائل وإخضاعها للحوار المجتمعي فقط.
كشفت أحدث إحصاءات المركز القومي للبحوث الجناسية والاجتماعية (حكومي) أن نسبة الطلاق في مصر بلغت عام 2018 نحو 24% من إجمالي حالات الزواج، بينما توجد أكثر من مليون قضية أحوال شخصية معروضة أمام المحاكم، بمعدل يبلغ أكثر من 1500 قضية أحوال شخصية كل يوم، هذا بخلاف تخطي عدد أطفال الشقاق الـ15 مليون طفل تقريبًا مشتتين بين أسر مفككة تعاني خلافات زوجية مزمنة استعصى أغلبها على الحل، الأمر الذي دفع إلى ضرورة تعديل قانون الأحوال الشخصية المعمول به منذ نحو 100 عام.
سجال إعلامي
البداية تعود إلى 18 من أكتوبر 2017 حين أصدر شيخ الأزهر قرارًا بتشكيل “لجنة لإعداد مقترح مشروع قانون لتعديل بعض أحكام القوانين المصرية المتعلقة بالأحوال الشخصية، لتقديمه لمجلس النواب (البرلمان)”، وبالفعل أحالت اللجنة الدينية في المجلس مشروع القانون المعروض عليها إلى الأزهر لاستطلاع الرأي الشرعي به، باعتباره الفيصل في الرأي الشرعي فيما يخص مسائل الزواج والطلاق والنفقة وغيرها.
لكن اتضح للأزهر أن مشروعات القوانين والمقترحات التي قدمها نواب البرلمان ومنظمات نسائية جاءت مخالفة للشريعة الإسلامية، وعليه قرر الطيب تكليف هيئة كبار العلماء بوضع مشروع قانون متكامل من جانب الأزهر وتجاهل المشاريع الأخرى، وبعد قرابة 30 اجتماعًا أُعلن المشروع النهائي أكتوبر الماضي.
موجة من الانتقادات وجهها المعارضون للأزهر بدعوى أن دوره ليس سن القوانين ورأيه “استشاري غير ملزم”، غير أن شيخ الأزهر رد على ذلك في تصريحات متلفزة قال فيها: “الأزهر ليس جهة تشريع، ولكن حين يتعلق الأمر بقوانين مصدرها الشريعة الإسلامية، فلا يجب أن يُترك لغير العلماء”.
مؤسسة قضايا المرأة، علقت على القانون في بيان لها، قائلة: “مشروع القانون المقدم من الأزهر، لم يراع مبادئ العدل والمساواة والإنصاف، ونصوص الدستور والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها مصر وحقوق المرأة بشكل خاص”، كما وصفته بأنه “يعد تكريسًا لسلب حقوق المرأة”.
“حين يتصدى الأزهر لمشروع قانون الأحوال الشخصية كمشروع قانون فهو يزاول عمله أو واجبه الأول بحكم الدستور وبحكم القانون وحتى بحكم العامة” شيخ الأزهر
وفي السياق ذاته ردت رئيسة “المجلس القومي للمرأة” مايا مرسي بالقول: “هناك تخوفات من مواد نفقة العدة والطفل، وغيرها من شؤون حقوق المرأة في القانون”، مشددة على ضرورة خروج التشريع بشكل متوازن، وبتوافق مجتمعي حول جميع مواده، ليرد شيخ الأزهر عليها مجددًا بأن “إعداد مشروع القانون جاء انطلاقًا من واجب شرعي، لأن التشريع متعلق بمصادر القرآن والسنة”، مضيفًا “الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد الذي يمكن أن تنطلق منه أحكام الأحوال الشخصية للأسرة”.
وأضاف الطيب ردًا على تلك الانتقادات “حين يتصدى الأزهر لمشروع قانون الأحوال الشخصية كمشروع قانون فهو يزاول عمله أو واجبه الأول بحكم الدستور وبحكم القانون وحتى بحكم العامة، لأن العامَّة لا تقبل أن يقنن لها مَن لا علم له بشريعته أو بأمور الأسرة من زواج وطلاق وميراث وغيرها”.
وتنص المادة السابعة من الدستور المصري على أن “الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شؤونه، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، ويتولى مسؤولية الدعوة، ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم. وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه”.
انقسام داخل البرلمان
مشروع القانون المقدم أثار حالة من الانقسام تحت قبة البرلمان، حيث انقسم المجلس إلى قسمين: أولهما، وهو الأقل عددًا، يساند مشروع الأزهر بشأن الأحوال الشخصية، ويقوده رئيس اللجنة الدينية أسامة العبد وأعضاء اللجنة بالبرلمان، والآخر، الأكثر عددًا، يرفض ما يصفه “وصاية الأزهر على أحكام الأسرة باعتبارها شأنًا إسلاميًا”.
عضو البرلمان محمد أبو حامد، انتقد مؤسسة الأزهر في تغريدة له على حسابه على “تويتر” متهمًا إياها بأنها “فوق الدولة والدستور والقانون وتعمل كأنها دولة داخل الدولة”، فيما علقت عضو مجلس النواب وأستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر آمنة نصير، قائلة: “الأزهر ليست من مسؤولياته التشريع، وإنما تأكده من عدم مخالفة أي تشريعات للشريعة الإسلامية بعد الموافقة عليها في المجلس”.
من الآخر كده وبخصوص إشكالية قانون الأحوال الشخصية والأزهر أظن يجب علينا جميعًا أن نفكر في هذا السؤال/ هل الأزهر الشريف مؤسسة من مؤسسات الدولة المصرية ويخضع كما تخضع جميع المؤسسات للدستور والقانون أم أنه يظن أنه فوق الدولة والدستور والقانون ويعمل كأنه دولة داخل الدولة؟ pic.twitter.com/0Q3hXI7m7N
— Mohamed Abu Hamed (@MohamedAbuHamed) October 31, 2019
تشير بعض المصادر داخل البرلمان إلى أن رئيس المجلس رفض مناقشة المشروع المقدم من الأزهر، واحتد على رئيس اللجنة الدينية، مبررًا رفضه مناقشة المقترح بشأن القانون بأن الدستور اختص رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء وأعضاء البرلمان، باقتراح التشريعات على سبيل الحصر، وبالتالي يجب انتظار تقدم الحكومة بمشروعها عن القانون إلى البرلمان.
تلك المصادر رجحت عدم تقدم الحكومة بمشروعها بشأن الأحوال الشخصية في وقت قريب، بهدف تفويت فرصة مناقشته في دور الانعقاد الحاليّ، الذي يعد الخامس والأخير في الفصل التشريعي، ومن ثم تأجيله إلى التشكيل الجديد لمجلس النواب، على اعتبار أن هذا التشريع قد يؤدي إلى حالة من الغضب المجتمعي إزاء مؤسسات الدولة حال تمريره على عجل، وهو ما قد يستغله المعارضون في “تأجيج شريحة كبيرة من المواطنين على سياسات النظام الحاكم”.
لم يكن مشروع القانون المقدم من الأزهر هو الأول من نوعه لتعديل القانون الحاليّ المعمول به منذ عام 1920 إذ سبقته العديد من المحاولات والتجارب لكنها باءت جميعها بالفشل
في المقابل علق النائب شكري الجندي عضو لجنة الشؤون الدينية، قائلاً: “يحق للأزهر الشريف كمؤسسة من مؤسسات الدولة التقدم بالقوانين كيفما شاء، لأن الأزهر مؤسسة من مؤسسات الدولة وممثلة للحكومة ولها رؤيتها فيما يتعلق بالقوانين المتعلقة بالشريعة”، ويتفق معه في ذلك الرأي النائب أحمد حلمي الشريف الذي أكد أيضًا أن “من حق الأزهر الشريف تقديم القوانين للبرلمان، وله أيضًا حق النظر في النصوص والمواد التي تتصل بالشريعة الإسلامية في إطار اختصاصاته”.
ومن الناحية القانونية، أوضح الفقيه الدستوري فؤاد عبد النبي، أن الدستور المصري نص صراحة في المادة السابعة على أن الأزهر الشريف هو هيئة إسلامية علمية مستقلة، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، ومن ثم يكون رأي الأزهر في قوانين الأحوال الشخصية من صميم عمله وكفله له القانون والدستور ورأيه ملزم للبرلمان.
6 مشروعات قوانين سابقة
لم يكن مشروع القانون المقدم من الأزهر هو الأول من نوعه لتعديل القانون الحاليّ المعمول به منذ عام 1920، إذ سبقته العديد من المحاولات والتجارب لكن باءت جميعها بالفشل في ظل حزمة من العراقيل التي حالت دون وصول المشروعات إلى ساحات النقاش الرسمية وفي مقدمتها البرلمان.
ما يقرب من 6 مشروعات قوانين بشأن قانون الأحوال الشخصية قدمها أكثر من 370 نائبًا خلال الأعوام القليلة الماضية، منها 3 مشروعات خلال العامين الماضيين فقط، حملت تواقيع كل من النائب محمد فؤاد و59 نائبًا، والنائبة عبلة الهواري و60 نائبًا، بجانب النائب سمير رشاد و80 نائبًا.
هذا بخلاف ثلاثة مشاريع أخرى تتضمن تعديلات على بعض المواد في القانون القائم، وتكفل تلك المشاريع إعادة تنظيم النواحي الإجرائية والموضوعية المرتبطة بمراحل الزواج، بداية من الخطبة وشروطها، مرورًا بالزواج والطلاق والخلع، وصولًا إلى حق رؤية الأطفال والنفقة وإجراءات صرفها.
“تعبتني معاك يا فضيلة الإمام”، لم تكن تلك الجملة التي رددها السيسي قبل عامين، مجرد مزحة كما اعتبرها البعض، لكنها تكشف الصراع المكتوم وقمة جبل الجليد بين الإمام والرئيس المستمر حتى اليوم
وقوبلت كل تلك المحاولات بالفشل، لعل أبرزها الأزمة التي اندلعت في حزب الوفد (معارض) بين النائب محمد فؤاد الذي تقدم بمشروع قانون للتعديل ورئيس الحزب بهاء الدين أبو شقة، وذلك على خلفية تقديم النائب المشروع بصورة منفردة، وكان يتمحور حول منح الطرف غير الحاضن حق استضافة الطفل كي يحظى برعاية مشتركة، خلال مدة تراوح بين 24 و48 ساعة، لمساعدة الطفل في التعرف عن قرب إلى ذويه وأقاربه، والتعايش في منزل الأب مع أسرته، بدلاً من نظام الرؤية المعمول به حتى الآن، الأمر الذي واجه رفضًا نسويًا من منظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق المرأة.
رئيس الحزب رفض المقترح من الأساس وعليه قرر فصل النائب من تشكيلات الحزب كافة، مرجعًا رفضه للمشروع، بحجة عدم انتهاء الحكومة من إعداد مشروعها بشأنه، على الرغم من إعلان الأزهر مشروع متكامل للقانون، بعد الاستعانة فيه بهيئة كبار العلماء وذوي الاختصاص والمهتمين بقضايا المرأة والطفل والأسرة.
يذكر أن قضايا الزواج والطلاق والخلع والنفقة والحضانة والإرث والوصية للمسلمين في مصر تنظمها أربعة تشريعات رئيسية وهي: القانون رقم 25 لسنة 1920 وتعديلاته، والقانون رقم 25 لسنة 1929 وتعديلاته، والقانون رقم 1 لسنة 2000 (إجراءات التقاضي في قضايا الأحوال الشخصية)، والقانون رقم 10 لسنة 2014 (إنشاء محاكم الأسرة).
الصراع بين الإمام والرئيس
“تعبتني معاك يا فضيلة الإمام”، لم تكن تلك الجملة التي رددها السيسي قبل عامين، مجرد مزحة كما اعتبرها البعض، لكنها تكشف الصراع المكتوم وقمة جبل الجليد بين الإمام والرئيس المستمر حتى اليوم، حيث شهدت الأعوام السبع الماضية عددًا من محطات التوتر بين الطرفين خرجت من إطار السرية إلى العلن.
البداية كانت مع إعلان شيخ الأزهر رفضه إراقة الدماء في فض اعتصام رابعة العدوية في 14 من أغسطس 2013، وفي تسجيل صوتي له قال: “إيضاحًا للحقائق وإبراءً للذمة أمام الله والوطن، يعلن الأزهر للمصريين جميعًا أنه لم يكن يعلم بإجراءات فضّ الاعتصام إلا عن طريق وسائل الإعلام صباح اليوم”.
الطيب لم يكتف بالإدانة اللفظية للمجزرة وفقط، لكنه توجّه بعد ذلك إلى قريته القرنة بمحافظة الأقصر في صعيد مصر، واعتزل هناك أسابيع عدة، احتجاجًا على ما حدث، وهو ما استفزّ قادة المشهد وقتها، الذين لم يكن في إمكانهم اتخاذ أي موقف ضدّ الطيب نظرًا لحساسية تلك الفترة.
وبعد عامين تقريبًا عن محطة التوتر الأولى جاءت المحطة الثانية في 11 من ديسمبر 2014 حين رفض شيخ الأزهر التوسّع في إصدار فتاوى التكفير أو “التكفير على المشاع”، كما أشار في تصريحات له، رافضًا ما يُتداول في الإعلام المصري بشأن إصدار فتوى تكفير تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
ثم جاءت أزمة الخطبة الموحدة لصلاة الجمعة، عندما أعلنت وزارة الأوقاف في يوليو 2016 وجود خطبة موحدة مكتوبة للأئمة يوم الجمعة، فيما أعلنت هيئة كبار العلماء رفضها القرار، ليردّ جمعة بالقول: “نحترم هيئة كبار العلماء، لكن القرار غير ملزم”.
وأكّدت هيئة كبار العلماء أن الخطبة الموحدة قد تتسبب في “تجمّد” الخطاب الديني، وذلك في تحدٍّ واضح للحكومة والرئاسة، مضيفةً أن فرض خطبة مكتوبة مسبقًا سيؤدي بعد فترة إلى تسطيح فكر أئمة المساجد، وتابعت “الإمام سيجد نفسه غير قادر على مناقشة الأفكار المنحرفة والجماعات الضالة التي تتخذ من الدين ستارًا لها، وتستخدم بين أساليبها تحريف بعض آيات القرآن والأحاديث النبوية عن مواضعها”.
وفي يناير 2017، وخلال كلمته باحتفالات عيد الشرطة المصرية، فاجأ السيسي المشاركين في الاحتفال بالحديث عن نسب الطلاق المرتفعة في مصر ومدى خطورتها على أمن واستقرار الأسرة، وطالب بتعديل قانون الطلاق ليصبح الطلاق المعتمد فقط هو الموقّع أمام المأذون.
يبدو أن مشروع قانون الأحوال الشخصية الذي يناقش حاليًّا سيكون أداةً جديدةً لتعميق الخلاف بين الرئاسة والأزهر، وحلقة جديدة في مسلسل الصراع بينهما، الأمر الذي يرجح عدم الانتهاء من المشروع في الوقت الحاليّ
لكن الأزهر وبعد مرور أسبوعين تقريبًا على تصريحات السيسي أصدر بيانًا مذيلاً بتوقيع الطيب يرفض فيه هذا التعديل المتنافي مع الشرع، على حد تعبيره، البيان لم يرفض مقترح الرئيس فقط، بل خُتم بفقرة حادة اعتبرها مراقبون موجهةً للسيسي شخصيًا، وتقول: “على مَن يتساهلون في فتاوى الطلاق أن يَصرِفوا جُهودَهم إلى ما ينفعُ الناس ويُسهم في حلّ مشكلاتهم على أرض الواقع؛ فليس الناس الآن في حاجةٍ إلى تغيير أحكام الطلاق، بقدر ما هم في حاجةٍ إلى البحث عن وسائل تُيسِّرُ سُبُلَ العيش الكريم”.
وبعد تلك المحاولات غير المجدية لدفع الإمام للاستقالة، ارتأت السلطات اللجوء إلى أسلوب آخر في المواجهة، يعتمد في المقام الأول على تخفيف ثقل الطيب ووزنه في المؤسسة، وإبعاد كل رجاله الأقوياء من حوله، والإطاحة بأجنحته التي يعتمد عليها في إدارة شؤون المؤسسة.
وعليه رفض الرئيس التجديد للذراع اليمني للطيب، الدكتور عباس شومان، كوكيل للمشيخة عامين جديدين، الذي حاول شيخ الأزهر استمراره فى منصبه، ولحق ذلك القرار، وقف ندب المستشار محمد عبد السلام، المستشار الخاص بشيخ الأزهر، والمسؤول عن الأمور التنظيمية والقانونية داخل المشيخة.
وفي الإطار ذاته اتخذ الخلاف منحى آخر، يعكس حجم الهوة بين الدولة والأزهر، حيث ناور النظام بطرح أسماء أخرى بديلة للطيب وتصعيدها إعلاميًا بشكل غير مسبوق، رافق ذلك تضخيم إعلامي لها وتسريبات بين الحين والآخر بشأن إعادة هيكلة في المشيخة ربما تطل أذرعها الإمام ذاته.
ترأس قائمة تلك الأسماء المرشحة، مفتي البلاد شوقي علام، ومستشار الرئيس أسامة الأزهري، وكلاهما يبدي مرونة شديدة في التعاطي مع الأمور الدينية والمواقف السياسية، لكن من جهة أخرى، تتحرك الدولة إلى المؤسسة المنافسة حيث تدفع وزارة الأوقاف الدينية باتجاه مبادرة لتدريب الأئمة في الأكاديمية الوطنية الملحقة برئاسة الجمهورية، عوضًا عن تدريبهم في الأزهر.
وفي المجمل يبدو أن مشروع قانون الأحوال الشخصية الذي يناقش حاليًّا سيكون أداةً جديدةً لتعميق الخلاف بين الرئاسة والأزهر، وحلقة جديدة في مسلسل الصراع بينهما، الأمر الذي يرجح عدم الانتهاء من المشروع في الوقت الحاليّ، وأن يتم إرجاؤه لدورة الانعقاد الجديدة.