تنهي ألمانيا عامها الميلادي، بجدل كبير وانقسام حاد وصل حتى الائتلاف الحكومي الذي تقوده المستشارة أنغيلا ميركل، نتيجة اعتزام سلطات البلاد الاضطلاع بمزيد من المسؤوليات العسكرية في منطقة الساحل تلبية لمطالب فرنسا.
جدل وانقسام جاء نتيجة رفض غالبية الألمان مشاركة جنود بلادهم في مهام قتالية بالخارج، وخشيتهم من أن يتورط “البوندسفير” (الجيش الاتحادي الألماني) في المستنقع الإفريقي، ويكون مصير الجنود الألمان كمصير الفرنسيين هناك.
مهمة عسكرية جديدة
أخبار الاضطلاع بمزيد من المسؤوليات العسكرية في منطقة الساحل، طغت على وسائل الإعلام الألمانية وحديث الألمان في الآونة الأخيرة، فكل مسؤول يخرج إلى الإعلام يتحدث عن هذه النقطة التي تتنزل ضمن مشروع وزيرة الدفاع الألمانية كرامب كارنباور تحويل الجيش الألماني إلى جيش تدخل في العالم.
وكانت وزيرة الدفاع الألمانية أنغريت كرامب – كارنباور، قد دعت في وقت سابق لإعطاء تفويض “أكثر قوة” لقوات بلادها في منطقة الساحل الإفريقي، خاصة أنها تعتبر فرنسا “منخرطة على الأرض بتفويض أكثر حزمًا” مقارنة بالجيش الألماني المتمركز حاليًّا في مالي ويقتصر تفويضه على مهام تدريب ومراقبة.
وقالت كرامب كارنباور التي تشغل أيضًا منصب رئيسة حزب المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل المسيحي الديمقراطي لصحيفة “فرانكفورتر ألغيماينه زونتاغس تسايتونغ” إن الجيش الفرنسي يسير حاليًّا في منطقة الساحل بتفويض أكثر قوة وثباتًا، مضيفة أن فرنسا تحقق ذلك كي يتسنى للجيش الألماني ولمنظمات مدنية تأسيس شيء هناك في أمان.
تسعى فرنسا إلى دعم الوجود العسكري لحلفائها في المنطقة حتى تتمكن من إنجاز أهدافها هناك
رئيسة حزب ميركل “المسيحي الديمقراطي” المحافظ، أشارت إلى أن شركاء ألمانيا في أمريكا وأوروبا يتساءلون حاليًّا عما إذا كان يمكن أن يظل الوضع كذلك فيما يتعلق بتوزيع العمل، وشددت على ضرورة ألا تتملص ألمانيا من العمل في هذه المنطقة.
وأوضحت الوزيرة المحافظة أن منطقة الساحل تشهد تنامي نشاط الجماعات المتطرفة، كما تشهد نشاطًا عسكريًا دوليًا، خصوصًا في مالي، مؤكدة أنه يتعين على ألمانيا التفكير “إذا ما كنا نريد حقًا الاهتمام بالاستقرار في تلك المنطقة لمصلحتنا الخاصة أم لا”، وأضافت أنه ينشأ حاليًّا في منطقة الساحل مركز كبير للإرهاب والجريمة المنظمة وللهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، موضحة أنها لا ترغب في تصور ما يمكن أن يؤدي إليه التقاعس، وقالت: “حينئذ سيتعين علينا في النهاية وضع أسوار وأسلاك شائكة حول أوروبا بأكملها”.
طلب فرنسي
هذه المهمة العسكرية الجديدة التي تروج لها وزيرة الدفاع الألمانية في منطقة الساحل تأتي استجابة لطلب فرنسي قديم جديد من ألمانيا للمشاركة في مهمة قتالية وتدريبية جديدة في المنطقة التي تشهد تصاعد موجات العنف فيها.
وتشارك ألمانيا حاليًّا في بعثة الأمم المتحدة مينوسما بمالي التي تضم 950 جنديًا، كما تشارك القوات المسلحة الألمانية في بعثة الاتحاد الأوروبي التي تضم نحو 150 جنديًا، ﻭﺗﻌﺪ ﺍﻟﺒﻌﺜﺔ ﺍﻷﻟﻤﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺎﻟﻲ ﺛﺎﻧﻲ ﺃﻛﺒﺮ ﺑﻌﺜﺔ ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ ﻷﻟﻤﺎﻧﻴﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﺎﺭﺝ ﺑﻌﺪ بعثتها في أفغانستان.
يشارك الجيش الألماني في 7 مهمات خارجية
تعمل هذه البعثة التي بدأت نشاطها منذ عام 2013 على تدريب قوات الأمن المالية وقوة العمل الإقليمية للمجموعة الخماسية لمنطقة الساحل (موريتانيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد)، وبمقتضى تفويض البرلمان الألماني، تتولى القوات الألمانية مهمة تكوين الجنود الماليين، كما تزود القوات الأممية هناك بإمدادات بالطائرات، وفي حالة الطوارئ يمكنها تزويد الطائرات الفرنسية بالوقود خلال التحليق.
ويستمر تفويض البرلمان الألماني حتى 31 من مايو/آيار 2020، وبالنسبة لبعثة Minusma فإن العدد الأقصى للجنود 1100 جندي، أما بعثة EUTM Mali فيجب ألا يتجاوز العدد الأقصى للجنود فيها 350 جنديًا.
وتسعى فرنسا إلى دعم الوجود العسكري لحلفائها في المنطقة حتى تتمكن من إنجاز أهدافها هناك، حيث تشارك في عملية “برخان” لمكافحة الإرهاب في منطقة غرب إفريقيا بـ4500 مقاتل، وأنشأت هذه القوات بالتزامن مع التدخل الفرنسي في مالي لوقف زحف الجماعات المسلحة على باماكو في فبراير 2013.
تقول فرنسا إن تدخلها في مالي جاء نتيجة سعيها فرض الأمن والاستقرار في هذه المنطقة، إلا أن المتابع للسياسة الخارجية الفرنسية يرى أن هذا التدخل جاء لحماية مصالح باريس في هذا البلد الإفريقي الغني بالنفط والثروات المعدنية، ومحاولة لتعزيز الوجود الفرنسي في منطقة تعتبر تقليديًا مركز نفوذ خاص بفعل التاريخ الاستعماري الذي يجمعهما.
غياب تفويض أممي
هذه المهمة التي تسعى إلى إقرارها وزيرة الدفاع الألمانية، من الصعب أن يصادق عليها برلمان بلادها، والجيش الألماني هو جيش برلماني أي أن كل مهمة عسكرية في الخارج تحتاج بالضرورة إلى موافقة ممثلي الشعب، وسبق أن رفضت ألمانيا مطالب فرنسية بنشر قوات خاصة في إطار مشروع أوروبي لتعزيز قدرات الجيش المالي، ودعت باريس إلى نشر قوات خاصة أوروبية في منطقة الساحل لدعم قوة “برخان” الفرنسية وقوامها 4500 عسكري.
رغم التدخل الفرنسي قبل 7 سنوات والوصول إلى اتفاق سلام عام 2015 كان يفترض أن يؤدي إلى عزل الجماعات المسلحة نهائيًا، تتواصل أعمال العنف في شمال مالي
تشهد منطقة الساحل منذ قرابة الـ10 سنوات أعمال عنف وحربًا بين الجماعات المسلحة من جهة والجيوش النظامية هناك بمساعدة الجيش الفرنسي المنتشر في المنطقة الذي جاء لمساعدة مالي في حربها ضد هذه الجماعات، ويعود هذا الرفض الألماني بشكل أساسي إلى عدم وجود تفويض من منظمة الأمم المتحدة أو حلف شمال الأطلسي (الناتو) أو الاتحاد الأوروبي لهذه المهمة الجديدة التي تريد فرنسا أداءها في منطقة الساحل الإفريقية.
وقالت الرئيسة الجديدة للحزب الاشتراكي الديمقراطي الشريك في الائتلاف الحاكم، ساسكيا إيسكن، في هذا الشأن: “لن نوافق على أي هجوم عسكري أعد له بشكل سيء”، مؤكدة أن وزارة الدفاع “لا تحدد السياسة الخارجية الألمانية”.
الخشية من مصير مشابه لمصير الفرنسيين
إلى جانب ذلك، يخشى الألمان أن يكون مصير جنودهم في منطقة الساحل كمصير الجنود الفرنسيين، خاصة أن فرنسا تريد أن تتحول مهمة الجنود الألمان في منطقة الساحل من التدريب إلى المشاركة الفعلية في العملية القتالية، الأمر الذي يرفضه الألمان، فهو يمس النزعة السلمية التقليدية للرأي العام الألماني ويعيد صورة جيش هتلر إلى مخيلتهم.
العملية العسكرية في مالي راح ضحيتها عشرات الجنود الفرنسيين والمحليين
وصل عدد قتلى جنود الفرنسيين في مالي إلى 41 عسكريًا، ومؤخرًا قتل 13 جنديًا نتيجة اصطدام مروحيتين خلال عملية قتالية في شمال شرق مالي، في أكبر حصيلة تتكبدها فرنسا، منذ التفجير الذي استهدف مقر قيادة القوات الفرنسية في بيروت عام 1983 وأوقع 58 قتيلًا.
رغم التدخل الفرنسي قبل 7 سنوات والوصول إلى اتفاق سلام عام 2015 كان يفترض أن يؤدي إلى عزل الجماعات المسلحة نهائيًا، تتواصل أعمال العنف في شمال مالي وامتدت إلى وسط البلاد وبوركينا فاسو والنيجر المجاورتين، كما تضاعف عدد الهجمات التي تسبب خسائر كبيرة للجيوش المحلية التي تجاوز الوضع قدرتها.