منذ انطلاق الإعلان عن رؤساء القوائم الانتخابية للأحزاب التونسية والصراع انطلق محفوفا فالجميع يرغب في أن يحجز مقعده في “مجلس نواب الشعب” لـ5 سنوات متتالية تخرج البلاد من دائرة السلطة المؤقتة إلى المؤسسات المنتخبة.
ولئن ستشكل الانتخابات التشريعية المزمع انجازها في السادس والعشرين من شهر كتوبر المقبل أولى الخطوات في إقامة المؤسسات المنتخبة. فإنّها شهدت في عديد من الأحزاب ثورة القواعد على اسقاطات المكاتب المركزية مما أدى إلى موجة من الاستقالات التي شملت كبرى أحزاب المعارضة حركة نداء تونس الذي يعتبر القاطرة التي تجرّ المعارضة التونسية ضدّ الترويكا الحاكمة والتي تخلت عن السلطة لصالح حكومة التكنوقراط. كما شملت الحزب الأغلبي في انتخابات 23 أكتوبر 2011 والترويكا الحاكمة حركة النهضة.
وشهدت حركة النهضة ثورة للمكاتب القاعدية على التسميات المسقطة من المكتب المركزي مؤكدة بأن لا يمكن لأية أسماء أن تمر من دون موافقة القواعد الحزبية. وقد اعتبر ذلك من قبيل ترسيخ الديمقراطية داخل الحزب وهو ظاهرة صحيّة وصراع طبيعي. لكن أن يؤدي هذا الصراع إلى رسائل مناشدة للابقاء على نواب سابقين في دائرة نابل 2 فهذا يعدّ من قبيل إعادة ممارسات العهد السابق.
من ناحية أخرى فقد كشفت القوائم الانتخابية لحركة نداء تونس عن مدى التصدّع الحاصل داخل الحزب، من ذلك رفض المموّل الأساسي للحزب أن يترأس ابن رئيس الحزب حافظ قائد السبسي لقائمة الحزب بدائرة تونس1، ما أدى إلى تجميد رئيس الحزب الباجي قائد السبسي لعضوية فوزي اللومي جراء هذا الرفض. تجميد قد يميط اللثام عن أمرين هما السعي إلى التوريث ثم رفض الرأي المخالف ومقابلته بالزجر.
لم يتوّقف التصدع داخل نداء تونس عند ضجر المموّل الرئيسي، حيث حرّك هذا الأخير خيوطه مؤكدا أنّ التوريث لن يمرّ في الحزب، لتنتهي حرب الزعامات بسقوط ورقة حافظ قائد السبسي وإبعاده عن رئاسة قامة نداء تونس بالدائرة الانتخابية تونس1.
صراع الندائيين لم ينحصر في العاصمة فحسب حيث امتد إلى جل المحافظات لتصل عدد المكاتب المستقيلة محليا وجهويا إلى ما يفوق العشرين مكتبا. صراع لم يقتصر على المواجهة بين صاحب الفضل المالي (فوزي اللومي) وصاحب الفضل السياسي (الباجي قائد السبسي) في عمليّة تصفية حسابات سياسيا وماليا، بل امتد إلى المناضلين المحليين للنداء.
من الواضح أن مركز ثقل حزب حركة نداء تونس هو شخصية الباجي قائد السبسي كسياسي محنك قاد الحكومة في أصعب فترات يمكن أن تمر بها دولة إبان ثورة. لكن ذلك لا يبيح له التوريث العلني قبل انطلاق العملية الانتخابية. ولعلّ السبسي تغافل عن أن تونسيين باتوا يرفضون أي صلة قرابة في دوائر الحكم، ليس أدّل على ذلك من الحرب الضروس التي شُنّت ضدّ تنصيب صهر رئيس حركة النهضة رفيق عبد السلام على رأس وزارة الخاريجية في أول حكومة ناتجة عن انتخابات 23 أكتوبر 2011.
صراع حزبي حامي الوطيس تعيشه أغلب الأحزاب التونسية لكنّ يظل نداء تونس اكثر الأحزاب الجالبة للأضواء من خلال موجة الاستقالات، وبوادر التوريث التي توحي بغياب الديمقراطية داخليا مما يجعل الناخب التونسي في شك من التصويت للحزب الباجي قائد السبسي سليل المدرسة البرقيبية.