يواجه الاحتلال الإسرائيلي متلازمة القلق الوجودي من فكرة الاندماج بالمنطقة العربية المصاحب له على الدوام، حتى تلك المشاريع التطبيعية في مسارها السياسي لا تعني أن هذا المحتل أصبح مرغوبًا به من شعوب المنطقة، فهو يُصنف تحت خانة المستعمر شعبويًا.
وإن خسر الفلسطينيون العديد من الساحات إلا أن هناك ما يجب التركيز عليه في عام 2020، فمن يريد مقاومة الاحتلال الإسرائيلي يجب أن يحدد ويدعو ويفكر في البنى الجديدة لديه والساحات الفاعلة، ويلاحظ أن نسق المادة يتحدث عن ديمومة القضية الفلسطينية وفعاليتها.
إن معرفة الواقع الجديد المحيط بالقضية الفلسطينية أو الداخلي لها، يستلزم التفكير جديًا بالأدوات الجديدة المناسبة لهذا الواقع، أهمها موجة التطبيع المستمرة التي تأخذ منحى اقتصاديًا واجتماعيًا متزايدًا عن منحاه السياسي، سواء من تحت الطاولة أو فوق سطحها.
ومن أهم التحديات التي تواجه عدالة القضية الفلسطينية بعد حركة التطبيع المتصاعدة وضعف النخبة الفلسطينية هو غياب الموقف الفلسطيني الموحد. ترصد هذه المادة هذه الإشكاليات من خلال الساحات الفاعلة للفلسطينيين في عام 2020 التي يستطيع فيها الفلسطينيون الحفاظ على “ديمومة قضيتهم”.
التركيز على بناء نخبة فلسطينية جديدة
بعد الحديث بشكل تفصيلي عن النخبة الفلسطينية المتكلسة في مقال سابق، يمكن القول إن العديد من النخب الفلسطينية انتهت صلاحيتها أو توقفت فعاليتها أو ارتبطت بما فيه الكفاية بمصالحها الخاصة، حتى الفلسطينيين أنفسهم فقدوا الثقة بنخبهم السياسية والاقتصادية والثقافية، لذلك فإن الساحة الأكثر أهمية للتطرق لها عام 2020 هو تحديث النخبة وإصلاحها.
لعل الانتخابات مدخلًا لهذا التحديث – إن لم تتبع الفصائل الفلسطينية نفس الطرق التقليدية لتصعيد مرشحيها تحديدًا حركة حماس -، فتصعيد نخبة جديدة شبابية للانتخابات وصناعة القرار، مدخل مهم للوحدة الفلسطينية وإنهاء الانقسام وديمومة القضية الفلسطينية.
دعم حركة المقاطعة العالمية
على الفلسطينيين البقاء مع حركة المقاطعة حتى تتبناها الدول، هنا يبدأ تأثيرها الحقيقي على الاحتلال الإسرائيلي، فليس هناك خيارات أخرى لدى الفلسطينيين إلا دعمها، وحركة المقاطعة الفلسطينية بأنواعها الاقتصادية والأكاديمية والثقافية، وحاجة الفلسطينيين للمقاطعة لديمومة عدالة القضية الفلسطينية على الساحة الدولية، فـ”إسرائيل” على صعيد الرأي العالمي ما زالت كيانًا استعماريًا غير مقبول.
وعلى اعتبار أن المقاطعة هي آخر حلقة في حلقات شرعنة الاحتلال الإسرائيلي لتصبح “إسرائيل” مقبولة عالميًا إذا أغلقت الحلقة، لذا تحاربها “إسرائيل” بقوة كأحد أهم الفصول الأخيرة للدفاع عن عدالة قضية فلسطين والذاكرة التاريخية.
وبالنسبة للمنطقة العربية، فإن الاحتلال الإسرائيلي يعرف حجمه جيدًا فيها سياسيًا ومعنويًا، لذا من الضروري اعتراف العرب بهم من أجل الحصول على الاعتراف العالمي، لذا من الضروري ضم المثقفين العرب والمشهورين وكل من له تأثير عربي على الجماهير لحملة المقاطعة العالمية.
زيادة فعاليات الوعي بالقضية الفلسطينية
لوقت طويل، كانت القضية الفلسطينية علامة على العدالة العالمية، فليس غريبًا أن تتجول في عدة أماكن في العالم وترى صورة الرئيس الزعيم ياسر عرفات أو الشاعر الكبير محمود درويش أو الشيخ أحمد ياسين، وفي العقل الباطن لمختلف الناس كان آخر الاستعمارات المتبقية هو المستعمر الإسرائيلي، لكن الآن بات مقلقًا للغاية غياب القضية الفلسطينية.
لم يبق شيء في المناهج العربية يتحدث عن القضية الفلسطينية التي كانت تزخر بها، وغابت فلسطين عن فعاليات التضامن في الجامعات العربية، تحديدًا كرمز للحقوق والعدالة وكترويج أيضًا للحركات الطلابية بأن أولوياتهم عدالة قضية فلسطين كأهم جاذب للجماهير.
يلاحظ تمامًا أن إعادة الوعي من خلال الفلكلور الشعبي والثقافي الفلسطيني، والتعامل معه كمطلب مهم لحماية كل أشكال النضال والمقاومة الفلسطينية، كما أن كتابة التاريخ للأجيال القادمة عن قضية فلسطين مهم لديمومة القضية.
تعزيز وجود الفلسطينيين على الصعيد الدولي
ليس عاقلًا من يرفض أي خطوة من شأنها تعميق وجود الفلسطينيين في المجتمع الدولي على صعيد المنظمات أو الجمعيات أو حتى العلاقات الثنائية بين الدول، فحاجة الفلسطينيين اليوم ليس للشرعية بقدر تثبيتها وتدويلها أكثر واستمرار زعزعتها للاحتلال الإسرائيلي، بل لمحاصرته من خلال المجتمع الدولي نفسه الذي تسعى “إسرائيل” لتجاوز قوانينه.
الاقتصاد المقاوم الأكثر تحديًا في هذه المرحلة هو ما يمكن ربطه بإطاره العالمي، كتفعيل قطاع التكنولوجيا والشركات العاملة عن بعد
قرار محكمة الجنائيات الدولية الأخير بالتحقيق في جرائم حرب ضد الاحتلال الإسرائيلي أربك صناع القرار الإسرائيليين بشكل كبير، لتفتح الجنائية الدولية طاقة أمل جديدة بعدالة قريبة للفلسطينيين، وهذه الخطوة من شأنها إبقاء ديمومة القضية الفلسطينية.
تعزيز الاقتصاد المقاوم
إن توفير شبكة أمان مالية أمر ضروري للفلسطينيين لإبقاء ديمومتهم وفعالية قضيتهم دون مشروطية سياسية أمريكية أو إسرائيلية، والأهم تعزيز الاقتصاد المقاوم فلسطينيًا والاستمرار في منهاج الانفكاك الاقتصادي عن الاحتلال تدريجيًا.
تسارعت مؤخرًا حركة الصادرات الفلسطينية ضمن العلاقات الفلسطينية العربية، وبرامج دعم المنتج الفلسطيني خصوصًا في المناطق الفلسطينية ذات التهديد مثل الأغوار الفلسطينية، وهو أمر يجب تعزيزه أكثر.
يوفر الاقتصاد المقاوم المساحة الضرورية لتعزيز صمود الفلسطينيين واستمرار المقاومة في آن واحد، فالاحتلال الإسرائيلي على مدار السنوات الماضية عزز حاجة الفلسطينيين للبحث عن حاجاتهم الأساسية لنزع أي اقتصاد من مفهومه السياسي، وحارب الاحتلال الإسرائيلي الفلسطينيين في الوصول لاستحقاقات الغذاء والماء، ليبقى بحاجة للمساعدات ومشروطيتها، خصوصًا فيما يتعلق برفع فاتورة الإنفاق العام وحجم ما يدفع داخل موازنة السلطة للنفقات العامة تحديدًا رواتب الموظفين.
الاقتصاد المقاوم الأكثر تحديًا في هذه المرحلة هو ما يمكن ربطه بإطاره العالمي، مثل تفعيل قطاع التكنولوجيا والشركات العاملة عن بعد، أو تعزيز الاستثمار بقطاعات السياحة في الضفة الغربية، وتعزيز الشراكات الاقتصادية لفلسطيني الخارج مع الداخل.
ويضمن نجاح نظرية الاقتصاد المقاوم الفلسطيني تعزيز شراكات التعاون مع البلديات العالمية أو استصلاح قطاعات البنى التحتية الفلسطينية وتوفير شركات الكهرباء وفلترة مياه البحر (زيادة فرص الوصول لاستحقاقات الأمن الغذائي والمائي) فلسطينيًا.
ملخص القول، أن الثابت فلسطينيًا من قضايا لا يختلف عليها الفلسطينيون، مثل القدس والحدود واللاجئين، يجب أن تكون محور التركيز هذا العام، مع ضرورة زيادة مساحة الاشتباك مع الاحتلال الإسرائيلي شعبيًا وجماهيريًا وتعزيز كل أشكال النضال السلمي في الضفة الغربية وقطاع غزة.