استيقظ العالم العربي صباح اليوم الجمعة على خبر مقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني، وواحد من أبرز الأيدي الإيرانية الممتدّة في الشرق الأوسط، وبالأخص في سوريا والعراق واليمن ولبنان، والمسؤول الأول عن قتل وتهجير مئات الآلاف من المدن السورية.
قتل سليماني بعد استهداف سيارته بطائرة أمريكية مسيّرة على مشارف بغداد قادماً من سوريا بصحبة أبو مهدي المهندس، نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، ومستشار القاسمي الذي يعتبر الأب الروحي لميليشيات الحرس الثوري الإيراني.
تأتي هذه العملية بعد سلسلة من التصعيدات المستمرة بين الولايات المتحدة الأمريكية والحشد الشعبي العراقي وأنصاره، والتي نتج عنها قبل أيام اقتحام مناصرين للحشد السفارة الأمريكية في بغداد للتنديد بغارات جوية شنها الجيش الأمريكي يوم الأحد الماضي على مواقع متفرقة لكتائب “حزب الله” المتواجدة في العراق، فيما تبنّت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) العملية بالقول: “إن الجيش قتل سليماني بناءً على توجيهات الرئيس دونالد ترامب، كإجراء دفاعي حاسم لحماية الموظفين الأميركيين في الخارج”.
خيارات إيران في “الانتقام”
تكثر السيناريوهات المتوقعة التي ستشهدها المنطقة خلال الأيام القادمة جرّاء التعهدات الإيرانية “بالانتقام القاسي”، حيث شهدت العلاقات الإيرانية الأمريكية خلال الأشهر الأخيرة موجة كبيرة من التصعيدات السياسية والعسكرية والاقتصادية، وحتى المرتبطة منها بالحدود والمصالح، إذ تخللتها تهديدات علنية وواضحة تقتضي بنية الطرفين في القضاء على بعضهما البعض، الوضع الذي ساهمت الاحتجاجات الشعبية المطالبة بخروج إيران من المنطقة في لبنان والعراق بتدهوره أكثر، إذ بات الردّ الإيراني الآن وشيكاً بعد سلسلة من التصريحات الإيرانية التي خرجت في ساعات الصباح الأولى من فجر اليوم. فقد تعهدت إيران بالانتقام لمقتل سليماني، كما تقرر عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن القومي الإيراني لبحث الرد المناسب.
عينت إيران مباشرة الجنرال إسماعيل قآني قائداً جديداً لفليق القدس، بالإضافة إلى إعلان المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي الحداد ثلاثة أيام في كافة أرجاء البلاد، وخروج علي الشيرازي، ممثل المرشد الأعلى في فيلق القدس قائلاً أن الانتقام لاغتيال سليماني على يد القوات الأمريكية “واجب شرعي”.
إن مقتل سليماني ينذر بدخول الصراع الصامت بين روسيا وإيران في سوريا إلى مرحلة جديدة ستدار بفضلها دفّة الحكم لصالح اللاعب الروسي
وضمن القراءات الإيرانية بمستويات عدة بات جلياً الخيارات الكثيرة المتاحة لإيران في اختيار الشكل المناسب للردّ على أمريكا أهمها إمكانية إغلاق مضيق هرمز، الممر المائي الذي يعبر منه نحو خُمس النفط المستهلَكة عالمياً وهو ما لا تملكه من وجهة نظر القانون الدولي إلا أن عجلة التصعيدات المتسارعة قد تدفعها له في أقرب فرصة، خاصةً بعد إجراء الحرس الثوري الإيراني تجربة محاكية لإغلاق القناة، وانتشار الصواريخ ومضادات السفن ووجود قاعدة بحرية تتبع للحرس الثوري الإيراني. والذي يعني بطبيعة الحال وقوع الخليج بأكمله تحت مرمى أسلحة الطائرات المروحية والسفن والمدفعية الإيرانية، كما من الممكن أن تكون القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في المنطقة أهدافاً في حال قررت إيران المواجهة المباشرة.
ماذا عن روسيا؟
على صعيد آخر، يقول عبيدة عامر، الكاتب والمترجم السوري عبر حسابه في تويتر أن مقتل سليماني ينذر بدخول الصراع الصامت بين روسيا وإيران في سوريا إلى مرحلة جديدة ستدار بفضلها دفّة الحكم لصالح اللاعب الروسي. إذ من المتوقع أن يتم تصفية بعض رجال الأعمال أصحاب النفوذ العسكرية القائمين على إدارة الأعمال التجارية الإيرانية في سوريا. إلى جانب قيام روسيا بنقلة نوعية تدير فيها الميليشيات العسكرية الإيرانية في سوريا والحدّ من تقدمها لما يناسب مصالحها. ويضيف “ما سيحصل هو السير أكثر باتجاه شرعنة النظام و”عسكرة المليشيات”، أي استدخال المليشيات المحلية شبه المستقلة، وخصوصا “الدفاع الوطني” التي كانت تحت قيادة سليماني، تحت مظلة جيش النظام، بجانب بعض عمل المرتزقة، في نمط الحرب الهجينة، الذي سيكون السائد”.
سيناريوهات الرد العراقي
تنحصر الردود العراقية حول هذا التصعيد بخيارات قليلة تتراوح بين إنهاء الدعم الأمني والعسكري بين أمريكا وإيران، وطرد للقوات الأمريكية المتواجدة في بغداد. فقد صرّح مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري الأكبر في العراق، ومسؤول المقاومة الوطنية في بيان يدين مقتل سليماني ويصفه بـ “الاستشهاد” بجهوزية “جيش الإمام المهدي” لحماية أمن وأمان العراق. ويذكر أن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها ذكر جاهزية الإمام المهدي منذ عام ٢٠١١.
تبدو العراق الآن لأطراف الصراع المكان الأنسب والضحية الأولى لنمو حرب الوكالات هذه
ووجّه رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، عادل عبد المهدي بياناً يدين فيه تجاوز الولايات المتحدة للصلاحيات الممنوحة لها في العراق والتي تنحصر بتدريب القوات العراقية ومحاربة داعش. موجهاً دعوةً رسمية لعقد جلسة استثنائية لمجلس النواب من أجل تنظيم الموقف الرسمي للعراق واتخاذ “الإجراءات الضرورية لحفظ كرامة العراق وسيادته”. الأمر الذي يجعل من العراق مطمعاً مناسباً لنمو حروب الوكالة بين أمريكا وإيران.
هل إدارة ترامب مستعدة لعواقب التصعيد؟
كان من المرجح منذ زمن طويل أن يثُبت مقتل سليماني نقطة التحول في علاقات واشنطن مع العراق وإيران، وبأن تأثيره سيمتد وصولاً لتحديد الموقف الأمريكي الشامل في الشرق الأوسط، بالأخص لو أضفنا تصريح ترمب سابقاً حول رغبته في إنهاء الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، حين بيّن نية الجيش الأمريكي في الخروج من العراق قائلاً “دع شخصًا آخر يقاتل على هذا الرمل الطويل الملطخ بالدماء” معلناً أن ليس على الجيش الأمريكي حفظ الأمان في العالم. وهو ما يجعل أمريكا الآن أمام خيارين أوّلهما هو الإبقاء على الوجود العسكري الأمريكي بشكل ضئيل في العراق وسوريا وأفغانستان، وهو ما سيجعل منها أكثر عرضة للهجمات الإيرانية، أو أن تقلل من نفوذها وتسلّم إيران المزيد من القوة في المنطقة.
وفي حال أنها قد قررت التصعيد والانقياد خلف مواجهة عسكرية فإن أكثر ما ستكون بحاجته هو الحلفاء للحصول على المزيد من الدعم في العمليات العسكرية والمساعدة في حراسة المنشآت الأمريكية، إلا أن إدارة ترامب قد أخفقت مسبقاً بقطع علاقاتها مع العديد من الحلفاء التقليديين منهم حلف الناتو وأستراليا وغيرها.
تنتقل المنطقة من حالة التوتر القصوى إلى حالة الحرب، وهو ما قد يحدد معالم العقد الجديد ويغير من شكل خارطة النفوذ.
من المحتمل أن تُظهر هذه العملية واستهداف أمريكا لشخصيات موالية لإيران في العراق، ما إذا كانت إدارة ترمب قوية وثابتة وتخطط على المدى الطويل، أم أنها تسعى لتحقيق انتصار أجوف وقصير الأجل يصبّ في صالحه داخلياً مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، وحملة الإدانات الموجهة ضدّه من قبل مجلس الشيوخ الأمريكي. وبالرغم من هذا من الصعب توقّع ما سيحدث تماماُ إلا أنه يعتمد كثيراً على مدى استعداد الولايات المتحدة لاستجابة إيران ورد فعل العديد من وكلائها في الشرق الأوسط.
بعد مقتل سليماني تنتقل المنطقة من حالة التوتر القصوى إلى حالة الحرب، وهو ما قد يحدد معالم العقد الجديد ويغير من شكل خارطة النفوذ المتصارعة في منطقة الشرق الأوسط.