تتجه الأوضاع في ليبيا إلى مزيد من التصعيد، خاصةً في ظلّ إصرار اللواء المتقاعد خليفة حفتر على مواصلة حملته العسكرية ضد العاصمة طرابلس للاستيلاء عليها، إضافة إلى موافقة البرلمان التركي على مذكرة تفويض تسمح للرئاسة بإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا لدعم حكومة الوفاق.
يحتم هذا التصعيد الكبير على دول الجوار، وتحديدًا الجزائر التي تعرف وصول قيادة جديدة إلى الرئاسة وقيادة الأركان في البلاد، اتخاذ إجراءات عدّة داخليًا وخارجيًا، بسبب ارتباطها الكبير في ليبيا، فأي دور ستلعب الجارة الغربية في ليبيا في الفترة القادمة؟
دعم حكومة الوفاق
بعد ترتيب الجزائر لشؤونها الداخلية وتعيينها حكومة جديدة، اتجهت السلطات الجزائرية مباشرةً إلى الملف الليبي الملتهب، فوفقًا للإعلامي التونسي المختصّ في الشأن الليبي، كريم البوعلي، خلال حواره الخاص مع “نون بوست”، تُرجم هذا التوجه في أول خطاب لعبد المجيد تبون حين ذكر أن الجزائر معنية أولًا بالشأن الليبي، ثم انعقاد مجلس الأمن الجزائري للبحث في الوضع على الحدود الليبية.
ويرى البوعلي في تصريح لـ “نون بوست”، أن “الموقف الجزائري الرسمي حيال الأزمة الليبية كان واضحًا في الجلسة الطارئة للجامعة العربية، حيث عبّر المندوب الجزائري عن رفض هجوم حفتر على طرابلس، وجدد التأكيد على شرعية حكومة الوفاق الوطني، المعترف بها دوليًا، فيما ظهرت بوادر تعاطي إعلامي رسمي جزائري جديد مع الأزمة الليبية بإدانة خطوات حفتر العسكرية ومحاورة قادة قوات الوفاق لتوضيح موقفهم العسكري وتقديرهم للموقف الجزائري.”
دعم السلطات الجزائرية لحكومة الوفاق جعل الأخيرة تطلب منها تفعيل الاتفاقية الأمنية الموقعة بين البلدين وذلك لصدّ عدوان حفتر والمرتزقة العاملين معه
حمّل تقرير صحفي نُشر قبل يومين في وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية (تم حذفه لاحقًا)، مسؤولية انفلات الوضع في ليبيا لحفتر الذي وصفه التقرير بقائد المجوعات المسلحة المدعومة من قوى أجنبية، وذكرت الوكالة الرسمية “تعثر مسار التسوية في ليبيا سنة 2019، بفعل العدوان العسكري الذي تشنه المجموعات المسلحة بقيادة الضابط المتقاعد خليفة حفتر منذ شهر إبريل/نيسان على العاصمة طرابلس”، مما وجه ضربة موجعة لكل المساعي الوطنية والدولية لإخراج البلاد من الأزمة التي تعصف بها منذ 2011.
إضافة إلى ذلك، يعتقد الإعلامي التونسي، البوعلي، أن “مواصلة صبري بوقادوم على رأس الخارجية الجزائرية سيعزز الموقف الجزائري والليبي المتطابق حول رفض الحلول العسكرية”، فبوقادوم، وفقًا لمحدّثنا، هو الوزير العربي الوحيد الذي أدان قصف طرابلس جوًا وبرًا، عدا عن رفضه العلني للهجوم عليها، ما يدل على عدم توافق الموقف الجزائري الداعم لحكومة الوفاق، مع مواقف مصر والإمارات والسعودية الداعمة لحفتر، والحل العسكري الذي يخلق مشاكل أمنية للجزائر على حدودها مع ليبيا.”
دعم مهم لتعديل الكفة
في حوار آخر لـ “نون بوست” مع الصحفي الليبي أنس المسلاتي، يرى المسلاتي أن الدعم الجزائري لحكومة الوفاق مهمًا جدًا، وخاصةً بسبب ما يمثله ثقلها العسكري وموقعها الجغرافي الذي من المتوقع أن يغير من موازين القوى في ليبيا، وهو ما أكدته تصريحات الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون عقب، استلامه لمهامه بعد فوزه بالانتخابات، بحسب المسلاتي.
علاوةً على ذلك، يرى المسلاتي أن عقد الرئيس الجزائري لاجتماع طارئ مع مجلس الأمن القومي وإعلانه إبقاء هذا المجلس رهن الاجتماع في أي وقت، وإعطائه الأولوية لملف خارجي على حساب الملفات الداخلية الساخنة، كلها عوامل تمثل رسالة إلى القوى الإقليمية بعودة الثقل الجزائري لشغل مساحته إقليميًا، خصوصاً في القضايا ذات الصلة المباشرة بالأمن القومي للبلاد، والتي تتلاعب بها دول لديها تصادم في المواقف والمصالح مع الجزائر في المنطقة، مثل فرنسا ومصر والإمارات.
تدعم الجزائر حكومة الوفاق
يضيف المسلاتي، “تأكيد الحكومة الجزائرية دعمها لحكومة الوفاق واعتبارها هي الحكومة الوحيدة الممثلة للشعب الليبي يمثّل تغييرًا حقيقيًا ودعما مباشرًا لتحركات حكومة الوفاق، في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد.”
ويتابع، “بالعودة للسنوات الماضية قليلا، كنا نشهد تغول الجانب المصري في الأزمة الليبية، نظرًا لانشغال الجزائر ببعض المشاكل الداخلية لها، مما أتاح لمصر التحرك بقوة وبراحة أكبر في الأزمة واعتبار نفسها المسؤول الأول أو حتى الوصي على ليبيا.”
كما يشير محدّثنا إلى أن هذا الأمر لن تسمح به الجزائر في الوقت الراهن بعد لملمة أوراقها الداخلية وأنباء عن زيارة طارئة للواء شنقريحة للحدود مع ليبيا، في هذا الأسبوع فالدور الجزائري هذه المرة سيعمل على كسر هيمنة الدور المصري في ليبيا ودعم حكومة الوفاق الشرعية.”
عقيدة الجيش الجزائري
دعم السلطات الجزائرية لحكومة الوفاق، جعل الأخيرة تطلب منها تفعيل الاتفاقية الأمنية الموقعة بين البلدين، بهدف صدّ عدوان حفتر والمرتزقة العاملين معه، والذين يسعون لاحتلال العاصمة طرابلس التي تضم مقر حكومة الوفاق والبعثات الدبلوماسية الأجنبية.
إذ ترتبط الجزائر وليبيا، باتفاق أمني منذ عام 2001، وتم الاتفاق على تحيينه خلال انعقاد الدورة الثانية للجنة الأمنية المشتركة في عام 2012، لكي يتماشى مع المعطيات والتحولات الجديدة التي عرفتها ليبيا، وهو ما دعت إليه كذلك اللجنة الكبرى المشتركة للبلدين 2013، في العاصمة طرابلس.
إلا أن هذا الأمر يبدو مستبعدًا، وفقًا للصحفية الجزائرية، نور العين زرقة، التي قالت في تصريح لـ “نون بوست”، بأن ” الجيش الجزائري لن يتدخل أبدًا في ليبيا، وسيقتصر عمله على تأمين الحدود فقط للحفاظ على أمن البلاد.”
تعتبر الجزائر أي اضطراب أمني أو سياسي في المنطقة، خطرا من الممكن أن ينتقل إليها
أرجعت الصحفية الجزائرية هذا الأمر، إلى عقيدة جيش بلادها، وترفض الجزائر المشاركة البشرية في أي عملية عسكرية خارج أراضيها انسجامًا مع مبادئها الأساسية في عدم مغادرة جيشها لتراب الجمهورية، إلا في الحالات الإنسانية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين. حيث لم يشارك جندي واحد جزائري في أي عملية خارج بلاده، منذ ما يقارب الستة عقود، واحتفظت الذاكرة الجماعية للبلاد بخروج الجيش مرتين في تاريخه خارج الحدود في عامي 67 و73 ضد جيش الكيان الإسرائيلي.
مبادرات متعددة في اتجاه الحل السلمي
في المقابل، تسعى الجزائر لحلّ الأزمة الليبية سلميًا، فهي تعتبر أي اضطراب أمني أو سياسي في المنطقة، خطرًا من الممكن أن ينتقل إليها، لذلك فإنها تعمل على إيجاد حلول للأزمات التي تعرفها المنطقة دون اللجوء للحل العسكري. في هذا الإطار، أعلن وزير الشؤون الخارجية الجزائري صبري بوقادوم، أمس الخميس، أن بلاده ستطلق في قادم الأيام مبادرات متعددة في اتجاه الحل السلمي للأزمة في ليبيا.
لا يشارك الجيش الجزائري في مهمات قتالية في الخارج
قال بوقادوم في تصريح للإعلام المحلي، على هامش إرسال مساعدات إنسانية إلى ليبيا، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الرسمية، “ستقوم الجزائر في الأيام القليلة القادمة بالعديد من المبادرات في اتجاه الحل السلمي للأزمة الليبية ما بين الليبيين فقط”، دون توضيح طبيعتها.
كما حث الوزير الجزائري، الأطراف الليبية على وقف الاقتتال فيما بينها، واستئناف الحل السلمي والسياسي. وقال “لغة المدفعية ليست هي الحل، وإنما الحل يكمن في التشاور بين كافة الليبيين، وبمساعدة جميع الجيران، وبالأخص الجزائر”.
وتقاتل حكومة الوفاق الوطني بقيادة فائز السراج، ميليشيات الكرامة التي يقودها اللواء المتقاعد خليفة حفتر، بمعية مرتزقة من السودان وروسيا والطيران المسير الإماراتي والمصري، في مسعى منها للتصدي للعدوان على العاصمة طرابلس وحماية البلاد من خطر التقسيم والعسكرة.