بعد أكثر من شهر ونصف من المشاورات،علم التونسيون أسماء التشكيلة الحكومية المقترحة، حكومة قال رئيسها إنها “مستقلة” وتضم كفاءات إدارية بعيدًا عن الأحزاب السياسية سواء كانت رابحة في الانتخابات التشريعية الأخيرة أم لا، ما جعل العديد من التونسيين يتساءلون عن جدوى إجراء انتخابات تصرف فيها المليارات إن كانت الأحزاب الفائزة لن تحكم، وجدوى العمل السياسي والحزبي إن كان التقني من سيحكم وليس السياسي؟
حكومة تكنوقراط
قبل يومين، أعلن رئيس الحكومة التونسية المكلف الحبيب الجملي، تركيبة حكومته الجديدة التي ضمت كفاءات مستقلة عن كل الأحزاب السياسية، حسب قوله، وتضم الحكومة الجديدة برئاسة الجملي 28 وزيرًا و14 كاتبًا للدولة، فيما تتكون حكومة تصريف الأعمال الحاليّة برئاسة يوسف الشاهد من 30 وزيرًا و10 كتاب للدولة.
الحكومة المقترحة، ضمت 6 وزراء مستقلين تقلدوا مناصب وزارية سابقة، و10 نساء فقط من أصل 41، بينهم 4 وزيرات من أصل 27 وزيرًا، و6 كاتبات للدولة من ضمن 14، مقابل 3 وزيرات وكاتبة دولة فقط في حكومة تصريف الأعمال الحاليّة برئاسة الشاهد.
عرفت تونس منذ ثورة يناير 2011، سقوط نظام الحزب الواحد وانفجار حزبي، بعد ولادة أحزاب سياسية من عائلات فكرية مختلفة وصل عددها في يوليو الماضي إلى 221 حزبًا
وكان رئيس الجمهورية قيس سعيد قد كلف في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، الخبير في المجال الفلاحي الحبيب الجملي بتشكيل حكومة جديدة ضمن مهلة لا تتجاوز شهرين بعدما أعلن حزب “النهضة” الإسلامي ترشيحه لتولي منصب رئيس للحكومة.
شغل الجملي (60 عامًا)، سابقًا منصب كاتب دولة لدى وزير الفلاحة (2011-2014) وشارك في حكومتين بصفة تكنوقراط مستقل، وشغل الجملي وهو مهندس فلاحي، مهامه في إطار حكومتي “النهضة” اللتين ترأسهما كل من حمادي الجبالي وعلي لعريض.
عقب إعلان قائمة الوزراء، أرسل الرئيس التونسي قيس السعيد تشكيلة حكومة الجملي إلى البرلمان وفقًا لما ينص عليه دستور البلاد، وفق ما أفاد به بيان من رئاسة الجمهورية، وحدد اليوم السبت لاختيار تاريخ لعقد جلسة عامة للتصويت على الحكومة المقترحة.
جدوى إجراء انتخابات تشريعية
عقب إعلان تشكيلة الحكومة المقترحة، تساءلت الصحفية التونسية إشراق بن حمودة عن جدوى إجراء انتخابات تشريعية في البلاد، وقالت بن حمودة في تصريح لنون بوست: “لا يوجد أي داعٍ لإجراء انتخابات تشريعية إذا كان السياسي الذي سينتخبه الشعب لن يحكم، مثلما يحصل الآن في تونس”، مضيفة “قبل ثلاثة أشهر شهدنا انتخابات وفائزين، وقبلها حملة انتخابية امتدت لأسابيع ووعود وبرامج انتخابية، وبعد ذلك نسمعهم يتحدثون ويشكلون حكومة كفاءات بعيدًا عن الأحزاب الفائزة”.
تصدرت حركة النهضة الانتخابات التشريعية
شهدت تونس في الـ6 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي انتخابات تشريعية، هي الثانية بعد ثورة يناير 2011 (دون احتساب انتخابات المجلس التأسيسي) أفرزت تصدر حركة النهضة بحصولها على 52 مقعدًا، تلاها حزب “قلب تونس” بـ38 مقعدًا، ثم التيار الديمقراطي بـ22 مقعدًا، وائتلاف الكرامة الحاصل على 21 مقعدًا.
وأرجع رئيس الحكومة التونسية المكلف الحبيب الجملي، خلال مؤتمر صحافي، عزمه تشكيل حكومة كفاءات غير سياسية وغير متحزبة، لفشل المشاورات مع الأطراف المعنية بالمشاورات الحكومية، ويأمل الجملي أن تحظى حكومته المقترحة بثقة أغلبية نواب البرلمان.
ما الفائدة من الأحزاب السياسية؟
بعد الثورة، تقول الصحفية التونسية ملاك القاطري، نجحنا في تشكيل أحزاب سياسية تعددية في مناخ ديمقراطي لكن للأسف لم نتمكن من بناء ثقافة ولا أخلاق سياسية، وتضيف القاطري في تصريح لنون بوست “من العار على بلادنا أن نخوض انتخابات شفافة ونزيهة نتباهى بها بين الأمم خاصة أننا نسير نحو خطى ثابتة لاستكمال المسار الديمقراطي ومن بعد ذلك تقصى الأحزاب من الحكم”.
وتتابع القاطري “من المؤلم أن نتساءل بعد أكثر من 9 سنوات عن جدوى الانتخابات ما دامت الأحزاب السياسية لن تشارك في الحكم، أليس الأولى في هذه الحالة أن نستغنى عن الانتخابات ونقوم بمناظرة واختيار كفاءات للحكومة، في تلك الحالة نستثمر في الميزانية المخصصة التي قدرت بأكثر من 70 مليار لتنفيذ مشاريع تستجيب لتطلعات الشباب المتعطش لغد أفضل”.
ما يحصل اليوم في تونس، سيجعل الحكومة القادمة مهما كانت حزبية أو مستقلة أمام تحديات كبرى
عرفت تونس، منذ ثورة يناير 2011، سقوط نظام الحزب الواحد، وانفجار حزبي بعد ولادة أحزاب سياسية من عائلات فكرية مختلفة وصل عددها في يوليو الماضي إلى 221 حزبًا، بعد موافقة السلطات على تأسيس حزب سياسي جديد باسم “حزب العهد رئيسته شهرزاد حداد، وفقًا لمقتضيات المرسوم عدد 87 لسنة 2011 المؤرخ في 24 من سبتمبر 2011 المتعلق بتنظيم الأحزاب السياسية.
من شأن تشكيل حكومة مستقلة، وفق ملاك القاطري أن تضعف الأحزاب السياسية في البلاد، وتزيد من ابتعاد التونسيين عن السياسة والعمل الحزبي، ذلك أنه لا فائدة يرجى منها إن كان التقني والإداري من سيحكم في الأخير.
وسبق أن أكد الحبيب الجملي أن المقياس الأساسي لأداء أعضاء الحكومة هو مدى تفوقهم في تنفيذ برامجهم، إذ سيلتزم كل وزير، وفق قوله، بإعداد مشروع برنامج لوزارته خلال الشهر الأول لتسلمه منصبه رسميًا ليتم تدارسه في إطار مجلس وزراء ثم أمام نواب الشعب التونسي.
تلاعب بإرادة الناخبين
يندرج تشكيل حكومة كفاءات مستقلة، وفق الصحفي التونسي هشام بن أحمد، “ضمن مجال الخداع والتلاعب والاستهتار بإرادة الناخبين الذين صوتوا خلال الانتخابات على قائمات وبرامج حزبية وأعطوا الشرعية الانتخابية لأحزاب بعينها لممارسة الحكم وتطبيق برامجها التي أعلنتها خلال الحملات الانتخابية”.
ويرى الصحفي التونسي في تصريح لنون بوست أن “الذهاب إلى حكومة مستقلة يفقد الانتخابات قيمتها، بل ربما يلغيها تمامًا ويصبح دورها شكلي فلكلوري فرجوي كما كانت في العهد السابق من الحكم البورقيبي والنوفمبري تقام من أجل التباهي أمام المنظمات الدولية والدول الديمقراطية وإعطاء مشروعية للنظام”.
تراجع اهتمام التونسيين بالسياسة
يضيف بن أحمد “السياسة لا يمكن أن تدار خارج أطرها الحقيقية وهي الأحزاب وكل من يعتبر نفسه كفاءة ويرى في ذاته القدرة على الاضطلاع بمنصب حكومي عليه أن ينخرط أولًا في العمل السياسي ويقدم برامجه وأفكاره ويستعرض تاريخه أمام الجمهور ويترك لهم حرية الاختيار”.
ويعتبر هشام أن “استقدام أسماء مغمورة ليس لها صدى لدى الشعب وتنصيبها وتوشيحها بوشاح الكفاءة المشكوك فيها خداع واحتيال”، وتساءل: “هل الأحزاب اليوم تفتقر إلى كفاءات ولم تعد تنتج كوادر ورجالاً قادرين على التسيير، لا أعتقد ذلك”.
ما يحصل اليوم في تونس، سيجعل الحكومة القادمة مهما كانت حزبية أو مستقلة أمام تحديات كبرى، وجب معالجتها حتى يستقر وضع البلاد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ولا تذهب تونس إلى مستقبل مجهول تسعى العديد من القوى الإقليمية أن تشاهدها فيه.