لا تزال أصداء عملية استهداف قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، اللواء قاسم سليماني، ومعه نائب رئيس مليشيا الحشد الشعبي العراقي، أبو مهدي المهندس، إثر قصف أمريكي لقاعدة عراقية بالقرب من كركوك، أمس الجمعة، تخيم على الأجواء، بصورة لم تشهدها طيلة العقدين الأخيرين على وجه التحديد.
عملية الاغتيال الدقيقة التي تعد الأجرأ من نوعها منذ التصعيد الأمريكي الإيراني، أحدثت هزة عنيفة في المنطقة بأسرها، تبعها تحركات عسكرية أمريكية في منطقة الخليج العربي، واستنفار إسرائيلي على الحدود الشمالية، وسط مؤشرات على ازدياد منسوب التصعيد بين الطرفين، خاصة مع تصريح وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر، بـ”تغيير قواعد اللعبة”.
وعليه سحبت واشنطن عشرات القطع البحرية من بحر الصين باتجاه الخليج، ونصبت بطاريات باتريوت في مناطق عديدة من الخليج والحدود اللبنانية الإسرائيلية، فضلًا عن حركة غير عادية من الناقلات العسكرية، علاوة على ما أثير بشأن إرسال قرابة 3000 جندي أمريكي إضافي إلى الشرق الأوسط من الفرقة 82 المحمولة جوًا كإجراء احترازي وسط تصاعد التهديدات للقوات الأمريكية في المنطقة.
من الواضح أن طهران لم تستفق بعد من الصدمة، رغم التصريحات الانتقامية الصادرة عن السلطات الإيرانية وميليشياتها في المنطقة، سواء في العراق أم لبنان، وهو ما يجعل كل السيناريوهات على طاولة الاحتمالات، حتى إن لم يكن هناك جدول زمني ولا جغرافي لها، رغم دعوات ضبط النفس ومساعي الاحتواء المتوقعة من بعض القوى الإقليمية.
عملية بهذا الحجم بما أحدثته من زلزال مدوٍ لا شك أنها لم تكن عشوائية، فالأهداف من ورائها معروفة للجميع، والمستفيدون ليسوا ببعيد عن أعين المتابعين، غير أنه وفي الجهة الأخرى فإن الخاسرين منها كثر أيضًا، وظلالها القاتمة لا شك ستخيم على المنطقة المستعرة بطبيعة الحال طيلة العشرين عامًا الماضية.
الرابحون من مقتل سليماني
لم يختلف أحد على أن الرابح الأول وربما الأكبر من عملية كهذه هو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي ربما يقع تحت مقصلة المحاكمة في مجلس الشيوخ قريبًا جراء ما سمي بـ”أوكرانيا جيت”، هذا بخلاف الانتقادات الكثيفة التي يتعرض لها خلال الأشهر القليلة الماضية التي أثرت بشكل كبير على شعبيته.
وفق المعلن ربما كانت العملية ردًا على اقتحام السفارة الأمريكية في العراق من ميليشيات الحشد الشعبي قبل أيام، وهو ما أعاد الذاكرة بحادث اقتحام السفارة الأمريكية في طهران 1979، ذلك الحدث المهين الذي وضع سمعة أمريكا وهيبتها على المحك، وهو ما لم يغفره الأمريكيون قط.
وبينما يواجه ترامب احتمالية العزل في ضوء تعدد فضائحه مؤخرًا، تزامنًا مع نيته خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، كان التوقيع على عملية استهداف رجل بحكم سليماني طوق نجاة له، ربما يضيف من خلال تلك العمية إنجازًا يحسب له في السياسة الخارجية لبلاده.
الدفاع عن هيبة أمريكا والعزف على وتر “أمريكا أولًا” ودغدغة مشاعر الشارع بالشعارات الشعبوية، كلها إستراتيجيات يلجأ إليها الرئيس الأمريكي لغض الطرف عما يواجهه من انتقادات داخلية، وهو ما يلتقى مع رأي قيادات أمريكية حزبية وعسكرية تعتبر أن القيام بعمل عسكري مدروس ضد طهران ضروري لإيجاد توازن مع إيران في المنطقة.
النفوذ الإيراني في المنطقة هو الخاسر الأكبر من وراء تلك العملية التي بلا شك سيكون لها تأثير قوي في تقليم أظافر طهران في العديد من البلدان التي حققت فيها خلال الأعوام الماضية اختراقات على نطاقات واسعة
وفي ذات السياق فإن ترامب بهذه العملية استطاع أن يكسب ثقة اللوبي الصهيوني في بلاده، كون جزء كبير من محركات هذه الخطوة جاء نتيجة الضغوط الإسرائيلية المتواصلة لتحريض واشنطن على خوض مواجهة مع إيران، وهو دور لا يمكن التقليل منه، وألمحت “إسرائيل” مرارًا الى أنها ستتحرك بمفردها ضد إيران، مما سيورّط الولايات المتحدة بحكم تحالفها الإستراتيجي مع تل أبيب.
لم تكن روسيا هي الأخرى ببعيدة عن كعكة المكاسب من وراء مقتل الرجل الثاني في إيران، فرغم التصريحات الاستنكارية الصادرة عن موسكو بتداعيات هذه العملية التي من شأنها تصعيد التوترات في الشرق الأوسط، إلا أنه في الجهة الأخرى تفتح المجال أمام الجانب الروسي لبسط هيمنته الكاملة على المشهد السوري، مغردًا بمفرده في تشكيل الخريطة السياسية التي كانت طهران تمثل أحد العقبات أمامه.
حزمة من التوترات شهدتها العلاقات الروسية الإيرانية منذ دخول موسكو إلى جانب قوات بشار الأسد في 2015، في ظل تباين أجندات كلا البلدين من وراء قرار المشاركة في العمليات العسكرية هناك، الأمر الذي أجهض العديد من خطط البلدين، وهو ما خرج للعلن أكثر من مرة وإن تم التغاضي عنه حفاظًا على صورة تماسك الجبهة الداخلية التي يسعى الحلف الروسي لتصديرها للخارج.
وبمقتل سليماني، العقل المدبر للوجود الإيراني في سوريا، لا شك أن الأمر سيكون له تداعيات ليست بالإيجابية على النفوذ الإيراني هناك، خاصة أن الرد الإيراني المتوقع سيتجاوز فكرة التراب السوري، ما يتطلب تكثيف الجهود المركزية على حساب بعض المناطق الخارجية، ما يمهد الطريق أمام الروس لمزيد من إحكام القبضة.
العملية لا شك تمثل ضربة موجعة للنظام الإيراني، كونها الأكثر إيلامًا له منذ الثورة الإسلامية قبل 40 عامًا، يعود ألمها إلى حجم الرجل الذي استهدفته الأيادي الأمريكية، ومع ذلك فإن تلك العملية ربما تخفف من وطأة الاحتجاجات الشعبية المشتعلة منذ أشهر ضد نظام حسن روحاني والمرشد الأعلى.
ردود الفعل الأولية عقب العملية تشير إلى تماسك الجبهة الداخلية وتوحيد كلمتها في مواجهة الولايات المتحدة، حيث خرجت العديد من المسيرات الحاملة لصور خامنئي بجانب سليماني في شوارع طهران وبغداد، رافق ذلك غياب التظاهرات الاحتجاجية التي كانت تطالب بإسقاط النظام، وهو ما كان ليحدث لولا عملية بهذا الحجم.
الخاسرون.. إعادة تشكيل الخريطة الإقليمية
وفي الجهة المقابلة فإن النفوذ الإيراني في المنطقة هو الخاسر الأكبر من وراء تلك العملية التي بلا شك سيكون لها تأثير قوي في تقليم أظافر طهران في العديد من البلدان التي حققت فيها خلال الأعوام الماضية اختراقات على نطاقات واسعة، على رأسها لبنان والعراق، وكما قلنا سابقًا سوريا.
فمقتل سليماني أحدث صدمة كبيرة لإيران وأذرعها في المنطقة وفق ما ذهب الباحث في الشأن الإيراني، أسامة الهتيمي، كون المستهدف كان ذراع خامنئي المعنية بمتابعة الميليشيات والإشراف على تحركاتها ومن ثم اعتبر الجميع أن اغتياله استهداف لأحد أهم محددات قوة طهران في المنطقة.
الهتيمي لـ”نون بوست” توقع أن مقتل قائد فيلق القدس سيكون له أثره السلبي على النفوذ الإيراني في المنطقة، مؤكدًا أن طهران ستحرص على أن ترد ردًا قويًا على الواقعة، وهو أمر حتمي وليس خيارًا لها على حد قوله، لافتًا إلى أنها ستعمل على بعث رسائل لكل من أمريكا وللميليشيات الموالية لها بأنها ما زالت قادرة وأنها لا يمكن أن تفرط في أمن وسلامة رجالها خاصة أن أبو مهدي المهندس نائب قائد الحرس الشعبي في العراق كان من بين الذين قتلوا في العملية الأمريكية.
ووفق خبراء يعتقد أن واشنطن لن تكتفي بتوجيه ضربات عسكرية إلى أذرع إيران في العراق فحسب، بل قد تطول ضرباتها مصالح إيران السياسية والعسكرية والاقتصادية في عموم المنطقة، وبالتحديد سوريا، ما يعني إصابة إيران بشلل الأطراف وعدم القدرة على الاستمرار بمشروعها في المنطقة.
فترة الاستقرار النسبي التي عاشها العراق منذ القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” يبدو أنها لن تستمر طويلًا
“حزب الله” هو الآخر ربما يكون أحد أبرز المتأثرين بما حدث، حيث كان يعد قبلة سليماني المفضلة وذراعه الأكثر تأثيرًا في المشهد اللبناني، هذا في الوقت الذي ينتاب فيه الحزب وقياداته حالة من القلق بعد ترديد أنباء تشير إلى احتمالية استهداف الحزب وأركانه كذلك في خطوة ربما تضع طهران في موقف حرج للغاية.
زعيم الحزب حسن نصر الله في بيان نعى سليماني قائلًا: “سنكمل طريقه وسنعمل في الليل والنهار لنحقق أهدافه، وسنحمل رايته في كل الساحات والميادين والجبهات (…) كما أن القصاص العادل من قتلته المجرمين الذين هم أسوأ أشرار هذا العالم سيكون مسؤولية وأمانة وفعل كل المقاومين والمجاهدين على امتداد العالم”.
البيان لم يكن على القدر من الحماسة المتوقعة، وهو ما دفع خبراء ومحللين إلى استبعاد قيام الحزب بأي رد على عملية الاغتيال، وأنه سيكتفي بمراقبة تطور الأمور في المنطقة آخذًا بعين الاعتبار أهمية تحصين وضعه داخل لبنان لما في ذلك من مصلحة موضوعية للحزب في بلد تريد إيران أن تحافظ داخله على نفوذ متقدم مهيمن على الحياة السياسية فيه.
ووفق مصادر فإن فتح حزب الله للجبهة اللبنانية ضد “إسرائيل” ليس مستبعدًا إذا تعرضت إيران نفسها لهجمات مباشرة أمريكية إسرائيلية، وأن نصرالله سبق أن أعلن جهارًا أن تنظيمه لن يبقى على الحياد إذا تعرضت الجمهورية الإسلامية لهذا الاحتمال، وإن كانت معظم الترجيحات تذهب في إطار ألا يدفع الحزب باتجاه تنفيذ تهديداته في هذا الظرف بالذات.
المشهد العراقي كذلك، كما كان مسرحًا للعملية فإنه من المتوقع أن يستمر كساحة للحرب بالوكالة بين طهران وواشنطن، هذا في الوقت الذي تتصاعد فيه احتمالية نشوب عمليات أخرى واستهدافات جديدة، خاصة في ظل تمركز العديد من القوات الأمريكية هنالك، في ظل توعد قوات الحشد الشعبي بالرد.
فترة الاستقرار النسبي التي عاشها العراق منذ القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” يبدوا أنها لن تستمر طويلًا، وهو ما أثار حفيظة الشارع العراقي الذي بات الآن على مشارف توحيد جبهتيه، السنة والشيعة، في مواجهة الاعتداءات الأمريكية التي من المرجح ألا تتوقف عند حاجز سليماني وفقط.
وكان مجلس النواب العراقي على أبواب مناقشة مشروع قانون يدعو لخروج القوات الأمريكية من العراق باعتبار أنها تجاوزت السيادة الوطنية العراقية بشكل فجّ في محطات عدة وأصبحت قوة احتلال تمارس ما تمارس، من دون العودة للحكومة العراقية، ويشير البعض إلى أن هذا المشروع ربما كان السبب في تعجيل هذه العملية التي ربما تعيد رسم خريطة الوجود العسكري الأمريكي في البلاد.
وفي إطار متصل فإن العملية تلك ربما تقضي على ما تبقى من أمل في إحياء الاتفاق النووي الذي انسحبت منه أمريكا منفردة عام 2018، فالاتفاق الذي كان ميتًا سريريًا بعد انسحاب واشنطن، في ظل مساعٍ أوروبية لبث الروح فيه من جديد، بات اليوم بعد التصعيد الأخير ميتًا بصورة شبه رسمية، وسط احتمالات تصعيدية من طهران بزيادة التخصيب.
#Photos
Funeral procession of Lt. General #Soleimani underway in #Baghdad #SevereRevenge #قاسم_سليماني pic.twitter.com/WMLebybb5L
— Iran (@Iran) January 4, 2020
أمن الخليح والشرق الأوسط
حالة من القلق تخيم على الأجواء الخليجية بصفة عامة والسعودية على وجه الخصوص، فمنذ الوهلة الأولى لإعلان العملية توقع الجميع أن ساحة الرد الإيراني انتقاًما على ما حدث ستتمحور في تنفيذ هجمات ضد القواعد الأمريكية في دول الخليج أو ضد ناقلات نفط أو ضد السفن التجارية في منطقة مضيق هرمز الذي يمكن لطهران إغلاقه في أي وقت.
الخبراء توقعوا استهداف القواعد المتعددة التي ينتشر فيها الجيش الأمريكي في العراق أو في سوريا أو السفارات الأمريكية الأخرى في المنطقة، إضافة إلى مهاجمة حلفاء واشنطن مثل “إسرائيل” أو السعودية أو حتى الدول الأوروبية، وهو الأمر الذي سيكون له تداعيات خطيرة على أمن واستقرار المنطقة.
ولإيران باع طويل وتجارب كثيرة في استهداف منشآت سعودية قادرة من خلالها على إيصال رسائل عدة، سواء للرياض أم حليفتها واشنطن، ولعل ما حدث من استهداف لمنشأتي نفط تابعتين لشركة أرامكو قبل أشهر، كان جرس إنذار شديد اللهجة من الممكن تكراره، لكن هذه المرة ربما يكون بشكل أكثر إيلامًا يتناسب مع حجم العملية الأخيرة، وهو ما يعني تعرض الاقتصاد السعودي – المرتعش بطبيعته – إلى هزة ربما تقضي عليه كلية.
اغتيال الولايات المتحدة سليماني مباشرة هو تحد صريح وعلى إيران أن ترد بعمل لإنقاذ ماء الوجه وإلا فإن الصورة والمكانة اللتين حرصت على إبرازهما في العقدين الأخيرين يصبحان على المحك صراحة
ويجسد البيان الصادر عن المملكة في أعقاب مقتل سليماني حالة القلق السعودي، إذ دعت إلى ضبط النفس حيال تلك العملية التي أكدت أنها جاءت نتيجة لتصاعد التوترات والأعمال الإرهابية في المنطقة، وأضاف البيان “مع معرفة ما يتعرض له أمن المنطقة واستقرارها من عمليات وتهديدات من الميليشيات الإرهابية تتطلب إيقافها، فإن المملكة وفي ضوء التطورات المتسارعة تدعو إلى أهمية ضبط النفس لدرء كل ما قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع بما لا تحمد عقباه”.
ودعا البيان السعودي المجتمع الدولي إلى وجوب اضطلاعه بمسؤولياته “لاتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان أمن واستقرار هذه المنطقة الحيوية للعالم أجمع”، وسط حالة من الترقب الأمني والاستعدادات المكثفة خشية توجيه أي هجمات إيرانية على مواقع سعودية.
ارتباك السوق العالمية
حالة من الارتباك أصابت أسواق المال والنفط العالمية، في أعقاب مقتل سليماني، حيث قفزت أسعار النفط لتقترب من 70 دولارًا للبرميل في تعاملات أمس الجمعة، وارتفع سعر التعاقدات الآجلة لخام برنت، وهو الخام القياسي للنفط في الأسواق العالمية، بأكثر من 4% خلال تعاملات اليوم، ليقفز إلى أعلى مستوى في أكثر من ثلاثة أشهر، في ظل المخاوف من تداعيات مقتل سليماني على استقرار إمدادات النفط في منطقة الخليج بشكل خاص.
فيما ارتفع سعر خام برنت اليوم بنحو 2.91 دولار أي بنسبة 4.4% إلى 69.16 دولار قبل أن يتراجع قليلًا، وكانت آخر مرة كسرت فيها عقود برنت حاجز 69 دولارًا، منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، تزامنًا مع هجمات على منشأتين نفطيتين تتبعان أرامكو في السعودية.
ومع توقع خروج مظاهرات شيعية في العراق، ينجم عنها تعطيل مراكز الإنتاج أو التصدير النفطي، في البلد المصنف كثاني أكبر منتج للنفط الخام في منظمة أوبك بعد السعودية بمتوسط 4.6 مليون برميل يوميًا، تؤكد وزارة النفط العراقية أن عمليات الإنتاج والتصدير لم تتأثر، رغم مغادرة موظفين أمريكيين يعملون في شركات النفط بالبلاد.
كيلين بيرتش الخبيرة الاقتصادية العالمية في “إيكونومست إنتلجنس يونيت” علقت على هذه المخاطر بقولها إن السوق تخشى من اتساع النزاع، مضيفة أن “الأهمية لا تأتي بشكل خاص من احتمال خسارة إمدادات النفط الإيراني، بل من خطر إشعال نزاعات أوسع تنجر إليها العراق والسعودية وغيرها من الدول”.
أما فيما يتعلق بأسواق المال، فقد انخفضت بورصة لندن بنسبة 0.42% في تعاملات الأمس، كما خسرت بورصة باريس 0.52%، بينما انخفضت بورصة فرانكفورت بنسبة 1.50%، بينما سجلت بورصة هونغ كونغ انخفاضًا بنسبة 0.3%، وشنغهاي 0.1%، وسنغافورة 0.7%، وبومباي 0.5%، إلا أن بورصات سيدني وسيول وولينغتون ومانيلا وتايبيه حققت مكاسب، وفي أمريكا تراجعت المؤشرات الرئيسية للأسهم نحو 1% في بداية التعاملات اليوم الجمعة مع ابتعاد المستثمرين عن الأصول الأكثر مخاطرة.
كما دفعت العملية المستثمرين إلى التوجه إلى الخيارات الأكثر أمانًا ومن بينها العملات، حيث ارتفع الين بنسبة 0.6% مقابل الدولار، وينظر إلى الين عادة كملاذ آمن من المخاطر، نظرًا لوضع اليابان كأكبر بلد دائن في العالم، كما ارتفع الفرنك السويسري الذي يعتبر ملاذًا آمنًا هو الآخر، إلى أعلى مستوياته في أربعة أشهر عند 1.0824 مقابل اليورو.
وفي السياق ذاته ارتفع الذهب هو الآخر بمعدل 1.4% ليصل إلى 1600 دولار للأونصة في أعلى معدل له منذ نحو سبع سنوات، بالمقابل، تراجعت العملات العالية الخطورة ومن بينها الدولار، كما تراجع الجنيه الإسترليني 0.2% إلى 1.3117 للدولار، رافق ذلك نزول عوائد السندات الحكومية الأمريكية لأجل عشر سنوات إلى أدنى مستوياتها في ثلاثة أسابيع عند 1.81%.
يبقى استهداف شخصية بحجم قاسم سليماني حدثًا ربما يغير خريطة المنطقة بأسرها، على أكثر من مستوى، إلا أنه من السابق لأوانه تقييم رد الفعل أو استشراف ما يمكن أن يؤول إليه المشهد حاليًا
Massive protests against the United States in Iran#Soleimani#قاسم_سليمانيpic.twitter.com/9aeS7zq8k5
— AOUN⚡ (@AounMehdi20) January 4, 2020
خيارات الرد الإيراني
“اغتيال الولايات المتحدة سليماني مباشرة هو تحد صريح وعلى إيران أن ترد بعمل لإنقاذ ماء الوجه وإلا فإن الصورة والمكانة اللتين حرصت إيران على إبرازهما في العقدين الأخيرين يصبحان على المحك صراحة”، هكذا علق الباحث الزميل بمركز كارنيغي الشرق الأوسط في بيروت، مهند حاج على العملية.
وأضاف في تصريحاته لـ“رويترز” “لن يأتي الثأر سريعًا. فهم رابطو الجأش حتى في وضع كهذا يتدارسون خياراتهم ثم يردون، سيستغرق الأمر بعض الوقت لكن كل الخيارات مطروحة على الطاولة”، هذا في الوقت الذي يرى فيه محللون أن من المؤكد أن الرد الإيراني على الولايات المتحدة وحلفائها سيكون متعدد المحاور.
وتعتبر كيم غطاس من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي أنه من الصعب توقع تطورات المشهد، وتتساءل “حرب؟ فوضى؟ أعمال انتقامية محدودة؟ لا شيء؟ لا أحد يعرف حقيقة، لا في المنطقة ولا في واشنطن، لأنّ ما حدث غير مسبوق”، بينما الخبيرة في شؤون الخليج سنام فاكيل من معهد “تشاتام هاوس” البريطاني فتعتبر أن اللحظة التي كان يخشاها المحللون ويحذرون منها، هي” دعوة حلفاء إيران للتحرك لدعمها”.
وتضيف أن هذه التحالفات التي بقيت منفصلة قد تعمل معًا بطريقة عابرة للحدود، متسائلة “هل ستكون هناك عملية عسكرية منسقة بين الحوثيين وحزب الله والحشد وإيران؟ هذا هو السيناريو الأكثر قتامة”، مشيرة إلى أن جبهة العراق تبدو الأكثر هشاشة في هذا المجال.
أما المتخصّص في العلاقات الدولية في الشرق الأوسط، عزيز الغشيان، فيرى أن اغتيال سليماني سيدفع الإيرانيين للعمل على الترويج بشكل أكبر لصورة “الشيطان الأكبر” للولايات المتحدة، ولكن ربما سيؤدي ذلك أيضًا “إلى الحد من تصرفاتهم” العدائية، مرجحًا أن الاحتمال الأكبر أن تتجنّب إيران استهداف الموظفين الأمريكيين، لكنها قد تلجأ “لأهداف سعودية أو إماراتية، وإن بطريقة رمزية، للادعاء بأنها ترد على الولايات المتحدة”.
وفي المجمل يبقى استهداف شخصية بحجم قاسم سليماني حدثًا ربما يغير خريطة المنطقة بأسرها، على أكثر من مستوى، إلا أنه من السابق لأوانه تقييم رد الفعل أو استشراف ما يمكن أن يؤول إليه المشهد حاليًّا، فالإيرانيون لم يستفيقوا بعد من صدمتهم والأمريكان على دراية كبيرة بحجم عمليتهم، فيما تبقى السيناريوهات كلها مفتوحة في انتظار ما ستكشفه الأيام القادمة.