تتجه الأنظار إلى الوجود الأجنبي في العراق عقب الغارة الأمريكية بمطار بغداد التي قُتِل فيها قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، حيث يزداد حماس السياسيين لتشريع قانون جديد ينص على إخراج القوات الأمريكية من البلاد.
وفي الوقت الذي تتطلع فيه القوى السياسية الحليفة لإيران لعراق خالٍ من الأمريكان، تبدو أمنيتها صعبة المنال، بسبب الانقسام ودعم التوافق السياسي داخل البرلمان، بفعل الخلافات التي تعصف بالسلطة التشريعية منذ أول جلسة له.
القانون المنسي
قانون إخراج القوات الأمريكية لم يُطرح رسميًا في مجلس النواب، لكنه بات حديث القوى السياسية التي دعت إلى تحرك جاد في هذا الصدد، وفي أول رد رسمي دعا رئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي، البرلمان إلى عقد جلسة استثنائية من أجل تنظيم الموقف الرسمي العراقي واتخاذ الإجراءات التشريعية المناسبة.
لم يتأخر البرلمان كثيرًا في الرد على دعوة عبد المهدي، ووجه عبر رئيسه محمد الحلبوسي دعوة مماثلة للحكومة باتخاذ الإجراءات والتدابير السياسية والقانونية والأمنية إزاء عملية الاغتيال، وحدد جلسة طارئة تعقد اليوم الأحد، لمناقشة تداعيات مقتل سليماني والمهندس، لكنه تجاهل الحديث عن قانون إخراج القوات الأمريكية.
مجلس النواب العراقي خلال إحدى جلساته الاعتيادية
يحتاج البرلمان إلى إقرار قانون يلزم الحكومة بطلب رحيل القوات الأمريكية، بأغلبية بسيطة وليست مطلقة، لكن يتعين أن يشارك في التصويت 165 نائبًا من أصل 328 نائبًا، ليكون القرار سليمًا من الناحية القانونية.
ستبقى وفق آليتين
الأكاديمي والمحلل السياسي الدكتور باسل حسين يرى أن “لو أصدر البرلمان قرارًا أو شرّع قانونًا بإخراج القوات الأمريكية من العراق، فإنها ستبقى وفق آليتين”، ويؤكد حسين في حديثه لـ”نون بوست” أن “الأولى من خلال إعادة الانتشار في قواعد إقليم كردستان، والثانية هي عدم الاعتراف بالقرار لأن وجود قوات التحالف الدولي جزء من إستراتيجية عالمية عابرة للحدود لمكافحة الإرهاب”.
11 هجومًا في شهرين
منذ 28 من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، سُجّل 11 هجومًا على قواعد عسكرية عراقية، تضم جنودًا أو دبلوماسيين أمريكيين، وصولًا إلى استهداف السفارة الأمريكية الواقعة في المنطقة الخضراء المحصنة أمنيًا في بغداد.
أسفرت أول عشر هجمات عن سقوط قتيل وإصابات عدة في صفوف الجنود العراقيين، فضلًا عن الأضرار المادية، غير أنّ هجوم السفارة الأخير مثل نقطة تحول في المشهد، إذ قُتِل متعاقد أمريكي، وكانت المرة الأولى التي تسقط فيها 36 قذيفة على قاعدة واحدة يوجد بها جنود أمريكيون.
جندي أمريكي في إحدى القواعد بالعراق خلال أداء مهامه
حجم الوجود الأمريكي؟
في العراق نحو 5 آلاف جندي أمريكي، أغلبهم لهم مهام استشارية، ضمن التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي، إذ تمتلك الولايات المتحدة 9 قواعد عسكرية رئيسية في العراق، تتوزع على المحافظات، ففي غربي البلاد توجد بمحافظة الأنبار قاعدتان أساسيتان هما: قاعدة “عين الأسد” و”الحبانية”، المخصصة لتدريب القوات العراقية.
وفي وسط العراق تتخذ القوات الأمريكية قاعدة بلد الجوية بمحافظة صلاح الدين مقرًّا لها للتحكم بطلعات طائرات “إف 16″، وقاعدة في معسكر التاجي شمالي بغداد، توجد فيها أيضًا قوة لأغراض التدريب، فضلًا عن قاعدة “النصر” داخل حدود مطار بغداد الدولي التي تستخدمها للقيادة والتحكّم والتحقيقات والمعلومات الاستخبارية.
في شمال العراق تحتفظ الولايات المتحدة بثلاث قواعد عسكرية، إذ توجد في أربيل قاعدة عسكرية داخل مطارها الدولي، وقاعدة الحرير الجوية في أربيل أيضًا، أما في كركوك فتوجد قاعدة K1، فضلًا عن قاعدة القيارة جنوب محافظة نينوى.
ترامب خلال زيارته لقاعدة عين الأسد بمحافظة الأنبار عام 2018
إجراءات احترازية!
غداة الضربة الأمريكية التي استهدفت سليماني والمهندس، قرر التحالف الدولي تقليص عملياته العسكرية في العراق، معلنًا أن مهامه ستكون محدودة ضد تنظيم داعش بالتعاون مع شركائه، وأنه سيعزز إجراءاته الأمنية والدفاعية في القواعد العراقية التي تستضيف قواته.
العراق وثنائية التنافس
تحاول واشنطن مزاحمة طهران وإزاحة نفوذها المتجذر في العراق، عبر عمليات قصف منظمة تستهدف قيادات موالية لها، لكن العراق المحكوم بثنائية التنافس الأمريكي الإيراني، تشعر قواه الموالية لإيران بالعزلة اجتماعيًا وسياسيًا وحتى أمنيًا، بفعل القرارات الأمريكية التصعيدية المفاجئة، ما اضطرها للجوء أولًا إلى خيار إخراج القوات الأمريكية من العراق.