في غضون الخمس سنوات الأخيرة شهدت الجزائر أزمة مالية كبيرة بسبب انهيار أسعار النفط في الأسواق الدولية وانهيار احتياطي الصرف الجزائري من 200 مليار دولار نهاية 2014، وهي السنة التي طرقت فيها الأزمة أبواب البلاد، إلى حدود 70 مليار دولار منتصف العام الحاليّ، لسبب واحد أن النفط يمثل المورد الوحيد لمداخيل البلاد من العملة الصعبة.
وأطلقت الحكومات المتعاقبة في حقبة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، عدة مبادرات لمواجهة الأزمة المالية وتفادي الاقتراض الخارجي، بسبب المرارة التي تجرعتها البلاد في تسعينيات القرن الماضي، وفي عام 2016، أطلقت الحكومة القروض السندية للمواطنين والمؤسسات الاقتصادية، لتمويل المشاريع الإستراتيجية وطرحت تسهيلات مغرية لاستقطاب الناشطين في السوق الموازية لاعتماد المعاملات البنكية الرسمية.
لجأت الحكومة نهاية 2017، إلى تعديل قانون النقد والصرف لأجل الاستدانة الداخلية عن طريق التمويل غير التقليدي من بنك الجزائر، وطبعت حتى أبريل/نيسان الماضي ما يعادل 55.6 مليار دولار، قبل أن تعلن وزارة المالية عقب سقوط حكومة أحمد أويحيى بعد انطلاق الحراك الشعبي في 22 من فبراير/شباط وقف العملية.
لتفتح حكومة تصريف الأعمال السابقة التي عينها الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة قبل تنحيه الأبواب أمام المؤسسات العمومية للاستدانة الخارجية، واقترح مضمون قانون الموازنة 2020، السماح بالتمويل الخارجي عبر اللجوء إلى المؤسسات المالية الدولية، وبحسب ما ورد فيه فإن هذه التمويلات تستهدف مشاريع اقتصادية هيكلية وذات مردودية وفق شروط تفضيلية.
الوزير السابق: الجزائر ليست تحت تهديد ولا رحمة صندوق النقد الدولي
وفي حوار أجراه مع وكالة الأنباء الرسمية، قال وزير المالية السابق، محمد لوكال يوم 13 من يوليو/تموز 2019، إن احتمال اللجوء إلى التمويل الخارجي يتطلب الخضوع إلى “إجراءات استثنائية تتعلق بالمدة الزمنية وفي إطار قروض مطابقة لشروط تفضيلية وموجهة”.
ونفى الوزير السابق، إمكانية تعرض البلاد لأي ضغوطات كانت، وقال: “الجزائر ليست تحت تهديد ولا رحمة صندوق النقد الدولي”، مضيفًا: “لدينا احتياطات صرف مريحة ومديونية خارجية لا تتجاوز 1% من الناتج الداخلي الخام، ومصادر مالية بديلة تسمح لنا بمواصلة ضمان مصاريف الدولة دون تفاقم اللجوء إلى التمويل غير التقليدي”.
قلق وتوجس
أظهر خبراء اقتصاد جزائريون، توجسًا من لجوء المؤسسات العمومية للبحث عن مصادر تمويل خارجي، وهو القرار الذي ظل يرفضه النظام السابق طيلة السنوات الماضية بمبرر رهن القرار السيادي للبلد.
وفي حديثه عن هذا القرار، يقول الخبير الاقتصادي كمال سي محند، لـ”نون بوست” إن سيناريو لجوء الجزائر إلى الاقتراض الخارجي في سنوات التسعينيات يختلف بشكل كبير عن الإجراء الحاليّ، فسيناريو الاستدانة في التسعينيات جاء كنتيجة حتمية فرضتها الظروف المالية حينها كعجز الدولة عن تسديد أجور الموظف العمومي وقيمة القروض آنذاك بلغت 33 مليار والمبلغ الذي اقترضه المجمع النفطي المملوك للدولة الجزائرية سونطراك بلغ 250 مليون دولار.
ويؤكد المتحدث أن الدولة الجزائرية لجأت إلى خيار الاقتراض الخارجي لعدة أسباب أبرزها قرار القاضي الأول للبلاد بتوقيف آلة طبع النقود وهو الإجراء الذي فعلته حكومة رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى الموجود حاليًّا بسجن الحراش عام 2017 إضافة إلى ضعف البورصة الجزائرية وعجز المؤسسات الحكومية عن تنويع مواردها المالية.
يرى مهدي زنتوت أن الجزائر اتجهت نحو هذا الخيار من باب ضعف نظرًا للوضع الاقتصادي الصعب الذي تعاني منه البلاد وتفاقم عجز الميزانية إضافة إلى تسجيل انهيار محسوس في مواردها المالية
ولهذا القرار يقول الخبير الاقتصادي كمال سي محند عدة تداعيات على المؤسسات المعنية بالاقتراض الخارجي، أهمها تراجع العوائد والضغوطات الكبيرة التي ستواجهها في حالة عدم تسديدها لهذه القروض، بغض النظر عن الفوائد التي تفرضها الدول المقرضة.
ومن جهته يقول رئيس الكتلة البرلمانية لحركة مجتمع السلم (أكبر الأحزاب الإسلامية في البلاد) مهدي زنتوت، لـ”نون بوست” إن قرار العودة للاستدانة الخارجية تم بآلية غير صريحة، ويشير إلى أن الشراكة بين مؤسسات وطنية إستراتيجية مع أي مؤسسة أجنبية سيعود بالفائدة بالدرجة الأولى على المؤسسات الأجنبية لأن الاستثمار الأجنبي في البلاد لن يكون دون مقابل، وحذر المتحدث من إمكانية عجز هذه المؤسسات عن تسديد قيمة هذه القروض، ويؤكد أن هذا سيقلل الجانب التفاوضي عندها.
ويرى مهدي زنتوت، أن الجزائر اتجهت نحو هذا الخيار من باب ضعف نظرًا للوضع الاقتصادي الصعب الذي تعاني منه البلاد وتفاقم عجز الميزانية إضافة إلى تسجيل انهيار محسوس في مواردها المالية.
أما الخبير الاقتصادي الجزائري، يحيى جعفري، فيقول لـ”نون بوست” إن الجزائر كانت أمام خيارين أحلاهما مر يتعلق الأول بالاستمرار في طبع النقود أو الذهاب إلى الاستدانة الخارجية بأي شروط، وطبع النقود كان قد وصل إلى نهايته وهو ما أعلنه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ويشير المتحدث، إلى أن هذا القرار قد تكون عواقبه وخيمة على استقلالية القرار السياسي والاقتصادي للبلاد في حال فشلت الدولة في تسديد قيمة القروض التي طلبتها المؤسسات العمومية.