ترجمة وتحرير: نون بوست
تضمّن تقرير إخباري غير دعائي بشكل ملحوظ، أعده إريك ليبتون وماجي هابرمان ومارك مازيتي، ونشرته صحيفة “نيويورك تايمز”، دليلاً قويًا على أن جهود الإقالة ضد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مدفوعة جزئيًا إن لم يكن بالكامل، برغبة من أعضاء مجلس الشيوخ والنواب الأمريكيين – وكذلك الموظفين المحترفين بوزارة الدفاع الأمريكية ووزارة الخارجية والوكالات الأخرى ذات الصلة بالدفاع الوطني – لزيادة حجم مبيعات الأسلحة أمريكية الصنع الموجهة إلى دول أجنبية.
في حين أن المحتوى بأكمله يكرّر تقريبا ما وقع تداوله، فإن هذه المقالة الواردة في صحيفة التايمز تذكر مرارًا وتكرارًا أن تعزيز الشركات مثل لوكهيد مارتن، وجنرال ديناميكس، وبوينغ، ونورثروب جرومان، كان الحافز الرئيسي، إن لم يكن الأهم، الذي يدفع العلاقات الدولية للولايات المتحدة، وأنه فيما يتعلق بأوكرانيا، لم يكن ترامب داعما لبيع الأسلحة، بل كان يحاول منع هذه العمليات وهو ما خلق أعداء هائلين في حكومة الولايات المتحدة كنتيجة مباشرة.
هذا المقال، الذي نُشر على الإنترنت يوم الأحد، 29 كانون الأول/ ديسمبر، بعنوان “وراء تجميد المساعدات الأوكرانية: 84 يومًا من النزاع والارتباك”، يقتبس من العديد من الأفراد قولهم إن الرئيس ترامب يعارض بشدة بيع الأسلحة الأمريكية لأوكرانيا، وأنه “في اجتماع المكتب البيضاوي في 23 أيار/ مايو مع السيد سندلاند والسيد مولفاني والسيد بلير، رفض ترامب التأكيدات بأن فولوديمير زيلينسكي، الرئيس الحالي لأوكرانيا، ملتزم بمكافحة الفساد.
في هذا الصدد، قال ترامب: “إنهم جميعًا فاسدون، وجميعهم أناس فظيعون”، وفقًا لشهادة في التحقيق في قضية المساءلة. بعبارة أخرى، زعم ترامب أنه لا يريد أن يشتري “أشخاص فظيعون” الأسلحة الأمريكية وأن يحصلوا عليها. ويفترض المقال ببساطة أن ترامب كان مخطئًا في “أنهم جميعًا أناس فظيعون”.
في الواقع، باع ترامب نفسه ما يساوي مئات المليارات من الدولارات من الأسلحة أمريكية الصنع لآل سعود في المملكة العربية السعودية، ويرفض التراجع عن تلك المبيعات على الرغم من أن تلك العائلة كانت وراء الحادثة المدوّية لتعذيب وقتل صحافيّ “واشنطن بوست” جمال خاشقجي، ورغم الجهود التي بذلوها منذ سنة 2015 لإخضاع الحوثيين في دولة اليمن المجاورة عن طريق قصف الإمدادات الغذائية وتجويعهم، ورغم استخدامهم الأسلحة الأمريكية من أجل تحقيق أهداف القتل. وبالتالي، حتى لو كان ترامب محقًا بشأن حكومة أوكرانيا، فإنه لا يزال لديه الكثير من التوضيح، من أجل إلغاء مبيعات الأسلحة الأمريكية المأذون بها من الكونغرس إلى أوكرانيا ولكن ليس للسعودية.
مع ذلك، يمكن تقديم حجة قوية تؤكد أن ترامب كان على صواب بشأن أوكرانيا، حتى وإن كان مخطئًا بشأن السعوديين. من الواضح أن الخط المعياري للولايات المتحدة ووسائل الإعلام الحليفة بشأن الإطاحة بحكومة أوكرانيا المنتخبة ديمقراطيًا في شباط/ فبراير 2014 واستبدالها بـ “ثورة ديمقراطية” بدلاً من انقلاب أمريكي، يستند إلى أكاذيب صارخة، وهذا يعني أن النظام الانقلابي الذي فرضته الولايات المتحدة لا يزال ساري المفعول، حيث أنه يوظف التطهير العرقي من أجل أن يكون قادرا على البقاء في السلطة.
إن الرئيس الأوكراني الحالي، فولودمير زيلينسكي، هو “الشريك التجاري” الموصوف ذاتيا للأوليغارشي الوحشي الأوكراني إيهور كولومويسكي، الذي ساعده في الوصول إلى السلطة، مثلما ساعد القائد القومي الاشتراكي السابق أرسين أفاكوف على التخطيط لعملية حرق داخل مبنى النقابات العمالية في أوديسا، الذي ضم داخله عشرات أو ربما أكثر من مئة شخص كانوا يقومون بطباعة وتوزيع منشورات ضد الانقلاب، وتنفيذ هذا المخطط في الثاني أيار/ مايو 2014.
بالنسبة لصحيفة “نيويورك تايمز”، إن افتراض تقريرها – الذي هو أقل تحيزًا من معظم التقارير الإخبارية السائدة في الولايات المتحدة – أن ترامب ليس لديه سبب وجيه لتأكيد ما فعله ضد حكومة أوكرانيا الحالية (التي رسخها أوباما)، هو مجرد دعاية ضد ترامب من قبلهم (لصالح أوباما)، وهو ما يجعله ملائما أكثر في افتتاحية من مقال إخباري من هذا النوع. مع ذلك، إن القيمة الفعلية للأخبار في هذا المقال حقيقية. لقد نقلوا عن “مقال في صحيفة ‘واشنطن إكستمينر’ المحافظة خبر أن البنتاغون سيدفع ثمن الأسلحة وغيرها من المعدات العسكرية لأوكرانيا، وبذلك تصل المساعدات الأمنية الأمريكية لهذا البلد إلى 1.5 مليار دولار منذ سنة 2014”.
كان المقال والصحيفة معاديين للديمقراطيين ومؤيدين للجمهوريين، حيث قالا: “صرح كورت فولكر، وهو الممثل الأمريكي الخاص لأوكرانيا، بلجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ في جلسة يوم الثلاثاء قائلا: ‘أعتقد أنه من المهم أيضًا أن ترد أوكرانيا باستخدام المشتريات العسكرية الأجنبية منا أيضًا، وأنا أعلم أنها تنوي القيام بذلك”. أتت المساعدة في لحظة حاسمة بالنسبة لرئيس أوكرانيا المنصّب حديثًا فولوديمير زيلينسكي، الممثل الكوميدي الشهير الذي فاز بانتصار ساحق في نيسان/ أبريل. وقد جعل زيلينسكي إنهاء التمرد الذي تدعمه روسيا في منطقة دونباس بشرق أوكرانيا أولويته السياسية القصوى”.
حقيقة رغبة ترامب في إيقاف المساعدات لم تُكشف سوى لمجموعة صغيرة من المسؤولين لمدة شهر كامل
من أجل أن تبدو الصحيفة غير حزبية، كانت تستشهد بتصريح كورت فولكر المعادي لترامب الذي عُين من قبل ترامب نفسه، الذي ورد فيه: “أعتقد أنه من المهم أيضًا أن ترد أوكرانيا باستخدام المشتريات العسكرية الأجنبية منا أيضًا، وأنا أعلم أنها تنوي القيام بذلك”. بعبارة أخرى، يعتقد فولكر أن حكومة أوكرانيا ستتابع حرب أمريكا ضد روسيا المجاورة لها، وبالتالي، ينبغي على دافعي الضرائب الأمريكيين دفع ثمن مشتريات أوكرانيا من الأسلحة أمريكية الصنع من شركات مثل شركة لوكهيد مارتن ورايثيون. ووفقا لفولكر، يمثل استغلال دافعي الضرائب الأمريكيين لتعزيز أرباح الشركات الأمريكية أمر جيدا وليس سيئًا.
من جهته، يعتقد فولكر أن أوكرانيا تعمل على عاتق دافعي الضرائب الأمريكيين، كما لو أن الحكومة الأوكرانية التي أُسست من قبل أوباما والمناهضة لروسيا تمثل قضية خيرية تهم أعمال حكومة الولايات المتحدة وليس فقط أصحاب الأسهم الخاصة. لذلك، يجب أن يواصل ترامب سياسة أوباما تجاه أوكرانيا التي تستخدم أوكرانيا من أجل وضع صواريخ على حدودها مع روسيا، ضد موسكو. وهذه هي الصورة الإيجابية التي تقدمها صحيفة “نيويورك تايمز”.
بعد ذلك، ذكر تقرير “نيويورك تايمز” أن حقيقة رغبة ترامب في إيقاف المساعدات لم تُكشف سوى لمجموعة صغيرة من المسؤولين لمدة شهر كامل. ثم في 18 تموز/ يوليو، علمت مجموعة من كبار مسؤولي الإدارة المتجمعين لمناقشة سياسة أوكرانيا – بعضهم مدعوون من كييف – من مسؤول متوسط الأهمية في مكتب الميزانية أن الرئيس قد أمر بتجميد المساعدات. حيال هذا الشأن، قال وليام ب. تايلور جونيور، وهو كبير الدبلوماسيين الأمريكيين في أوكرانيا أمام محققي مجلس النواب: “جلست أنا والآخرون الذين تلقوا مكالمة في دهشة. في لحظة، أدركت أن إحدى الركائز الرئيسية لدعمنا القوي لأوكرانيا كانت مهددةً”.
بمعنى آخر، يمثل الهجوم الإضافي الذي شنته صحيفة “نيويورك تايمز” ضد نية ترامب بعدم توفير أداة دفع ضرائب أمريكية إلى لوكهيد مارتن ورايثيون ويونايتد تكنولوجيز وغيرها من شركات صنع الأسلحة الأمريكية – وهي أداة لازمة حتى تستمر الولايات المتحدة في تزويد النظام الأوكراني المؤسس من قبل أوباما بالأسلحة أمريكية الصنع ضد روسيا – تلك المهنة التي يدعمها أفراد الأمن القومي الأمريكي والرغبة في مواصلة حرب أوباما ضد روسيا.
في الواقع، صممت حرب أميركا ضد روسيا لإثراء المستثمرين في مقاولي الدفاع في الولايات المتحدة
ثم، أضافت صحيفة “نيويورك تايمز”: “قال السيد بولتون وفقًا لمسؤول مطلع على الاجتماع: ‘هذا في مصلحة الولايات المتحدة’. وأضاف السيد إسبر مشيرًا إلى أن معظم الأموال قد أنفقت على معدات عسكرية صنعت في الولايات المتحدة: ‘حصلنا على بعض الفوائد الجيدة حقًا من هذه العلاقة الدفاعية’ “.
في الواقع، صممت حرب أميركا ضد روسيا لإثراء المستثمرين في مقاولي الدفاع في الولايات المتحدة. أليس من الواضح إذن ما الذي كان وراء أحداث 11 أيلول / سبتمبر، وما وراء الغزو الأمريكي لأفغانستان في سنة 2001 (بدلاً من مجرد عملية القوات الخاصة فيما يتعلق بالبلاد)، وغزو العراق سنة 2003 وليبيا سنة 2011 وسوريا من 2012 إلى الآن، … والانقلاب على أوكرانيا سنة 2014؟
اختتم مقال صحيفة نيويورك تايمز بجملة اعزل ترامب: “ولكن بعد ذلك وفجأة، تمامًا مثلما وقع تعليق التجميد، فقد رُفع. في هذا الصدد، أخبر ترامب الذي يبدو غير مستعد على ما يبدو لخوض معركة عامة، السيد بورتمان بأنه سيسمح برفع التجميد على الأموال. هرع مساعدو البيت الأبيض لإبلاغ نظرائهم في البنتاغون وفي أي مكان آخر، ورُفع التجميد. قيل لهم إنه من الممكن أن تنفق الأموال وترسل خارجا. سيبدأ النقاش الآن حول سبب رفع التجميد، مع ثقة الديمقراطيين في أنهم يعرفون الإجابة. من جهته، قال النائب إليوت إنجل، وهو ديمقراطي من نيويورك ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب: “ليس لدي شك في سبب السماح الرئيس بالمساعدة. لقد ألقي القبض عليه” ‘
بعبارة أخرى، خضع ترامب لخطر التعرض للإقالة، وأدرك باعتباره مندوب مبيعات باع لعائلة آل سعود أسلحة أمريكية بقيمة مليارات الدولارات، أنه ما لم تكن روسيا هي الهدف الرئيسي للأسلحة الأمريكية، فإن رئاسته ستكون في خطر. وفي الواقع، تمثل السياسات الخارجية للولايات المتحدة خطة ترويج مبيعات واسعة لأصحاب المليارات في هذا البلد الذين يتوقون للسيطرة على روسيا قبل كل شيء. لن يمولهم ترامب، وبدلاً من ذلك سيواصل تطبيق سياسة أوباما تجاه أوكرانيا
المصدر: مودرن ديبلوماسي