وهج الإنجاز هو تلك المكاسب والمنافع والمميزات الواقعية الت يخلقها إنجاز ضخم ومهم يجسد الأحلام واليوتوبيا إلى واقع ملموس يحياه الناس.
يقول الأستاذ “نواف القديمي” عن اعتماد تنظيم داعش على وهج الإنجاز: استطاع تنظيم الدولة الإسلامية أن يصنع، وعلى مدى سنين، حضوره وجمهوره وجاذبيته ومشروعيته الجهادية، لا على الشهادات والتزكيات المقدمة من القيادات التاريخية للسلفية الجهادية، ولا على “صحة الموقف الشرعي”، بل على “وهج الإنجاز”، وعلى اقتراب تحقيق الحُلم الجامح في المخيلة النضالية لشباب الجهاد بتأسيس “دولة الإسلام”.
فمثلاً تنظيم القاعدة استطاع في الشهور التي تلت حصول “منجز” 11 سبتمبر أن يكسب كوادر ومنتمين له، أضعاف الذين استطاع اكتسابهم في عدة سنين، سبقت “11 سبتمبر” عبر الإقناع السياسي والشرعي، كل ذلك بسبب “وهج الإنجاز”.
لذلك، لن تجد أن المنتمين لتنظيم الدولة الإسلامية معنيون كثيرًا بالتنظير الشرعي لمواقفهم وأفعالهم، أو مهمومون بالجدل حول مسائل العذر بالجهل وإقامة الحُجّة ونواقض الإسلام وأحكام الردة، بقدر ما هم مهمومون بمطاردة خيال “إمبراطورية الخلافة” التي يُريدون أن ينفخوا في جسدها الروح من تحت ركام التاريخ، ويسعون إلى إعادة رفع لوائها من جديد، ولو كان على جبلٍ من جماجم “إخوة المنهج.”.
وهذا ما يُفسر وجود أعداد كبيرة من المهاجرين غير العرب “شيشان وأوروبيين وسواهم” في صفوف تنظيم الدولة، وهم لا يتكلمون العربية، مما يشير إلى أن دوافع وجودهم مرتبطة “بالإيمان والوجدان” أكثر من ارتباطها بالقناعة الشرعية.
واعتمدت أيضًا المقاومة الفلسطينية عامة وكتائب الشهيد عز الدين القسام على وهج الإنجاز فأحبها شعبها وتضامن معها وكانت حاضنته الشعبية أقوى حصن تترس فيه وبه المقاومة، فكانت المقاومة خير صادق لما وعدت به فنجحت بصواريخها – التي كانت توصف بالعبثية -وأنفاقها التي هزت أركان الكيان الصهيوني وأصبحت حلم ولبنة في مشروع تحرير الأمة كلها.
فانتصرت المقاومة رغم كل ما يحاط بها ومن حولها، والحقيقة أنه انتصر الشعب الواحد بجميع أشكاله وألوانه وأطيافه وشرائحه، انتصرت المرأة الصابرة المجاهدة المحتسبة التي ضحت بفلذات أكبادها لتحيا فلسطين وتبقى القضية، انتصر الشباب المناضل المقاوم، انتصر الأطفال الأبرياء، انتصر المسيحى والمسلم، انتصر الفتحاوى والحمساوى وأبناء الجهاد الإسلامي.
انتصرت وحدة الفصائل المقاومة بقسامها وقدسها وألويتها وسرايها، انتصرت عندما حددت هدفها ووحدت مصيرها وعرفت عدوها، انتصرت عندما تسامت على الحزبية والفصائلية، انتصرت عندما اعترفت بفضل الجميع صغير الفصائل وكبيرها، انتصرت عندما اختلطت الدماء فى ميدان واحد لرب واحد وهدف واحد وراية واحدة.
انتصرت وحدة الفصائل السياسية المفاوضة بثوبها الوحدوي الجميل والذي تزين بشراكة وطنية كبيرة بين الجميع يحمل هم فلسطين كل فلسطين ومطالب إنسانية للشعب الفلسطيني كي يعيش كباقي جميع شعوب العالم، يحلم بسماء تطير فيها طائراته وميناء ترسو فيه سفنه ومعابر تفتح في وجهه.
انتصر الشعب المقاوم بفصائله التي كانت بالأمس متناحرة، لكنها اليوم أيقنت وفهمت أن حل قضيتهم في وحدتهم حقيقة لا زورًا وبهتانًا.
انتصر الجميع .. غزة الصابرة .. وفلسطين المكلومة .. والأمة المريضة.
انتصرت القسام الكبيرة بأخلاقها وعزيمتها، انتصرت عندما احتضنت أشقائها الصغار وأجلستهم بجوارها وهي الكبيرة النافذة، انتصرت عندما احترمت أشقائها وأنزلتهم منازلهم حتى وإن كانوا صغارًا عدةً وعتادًا.
انتصرت المقاومة عندما تعاملت مع العدو بأخلاقها ودينها وارتبطت بربها وفقدت التعلق بأسباب الأرض – مع الأخذ بجميعها – وحصرت جل قوتها في هدفها الوحيد وضد عدوها الوحيد ولم تفتح على نفسها وشعبها جبهات أخرى – وهم كثر -.
انتصر إعلام المقاومة وذراعها الأقوى عندما تعامل بدينه وأخلاقه فكان صادقًا حتى كسب مصداقيته عند الأعداء قبل الأصدقاء، انتصر عندما كان صوت الحق والمقاومة، انتصر الإعلام المقاوم عندما فهم المعركة وتترس بقيمه وثوابته ولم ينجرف إلى دهاليز الكذب ونشر الشائعات فلم يكذب ولم يدلس.
فى حين فشلت جماعة الإخوان المسلمين الأم (مصر) في كل هذا!
وبمقارنة الإخوان المسلمين بتنظيم داعش أو تنظيم القاعدة – مع اختلافنا الشديد على صورة النموذج المقارن – وحماس والمقاومة الفلسطينية في اعتمادها على وهج الإنجاز والاعتماد عليه في كسب الأنصار والمؤيدين لتحقيق اليوتوبيا إلى واقع يحياه الناس.
لم يستطع الإخوان خلق نموذجًا من وهج الإنجاز تكسب منه الأنصار وتحقق أحلام الشباب وتغرس الأفكار اليوتوبية في كنف الواقع، لا من خلال معارضتها للأنظمة والتي اتسمت بالديكورية الشكلية والتي يجمل بها النظام المستبد وجهه إعلاميًا وعالميًا،، ولا من ناحية الأفكار الإصلاحية المعلبة والمغلفة والتي حينما فتحت في وجه الواقع المرير ارتطمت بعوامل التعرية ورياح الواقع وبكتريا الفساد وتربة الجماهير غير الممهدة؛ فلفظتها الجماهير وأصابها الطرد من دنيا الناس تارة بالتشويه المتعمد من أعدائها والتشويه الدعائي والإعلامي من أبنائها.
فمن خلال تاريخ الإخوان ورصد حركتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية تجد أفكارهم وأطروحاتهم مسجلة حصريًا باسمهم فى أدراج مكتباتهم وكتبهم، وحينما فتحت لها السماء الأبواب لم يقدموا نموذجًا واحدًا من وهج الإنجاز فى مجال واحد من المجالات الإعلامية والاقتصادية والسياسية والتجتماعية وحتى المجالات الفكرية لم تلق القبول في الأرض.
وحتى بعد الانقلاب الدموي وخلال مواجهتهم للانقلاب لم يقدموا نموذجًا يحتذى به في مناهضة الانقلاب ولم يتعلموا من تاريخ الانقلاب ولم يكسبوا أنصارًا، بل خسروا كثيرًا على جميع الأصعدة.
ولنأخذ مثالاً: الجانب الإعلامي الذي لم يواكب الأحداث ولم يكن ذراعًا قويًا في المشهد السياسي، بل كان معوال هدم للمنظومة الفكرية والخلقية للجماعة حيث اعتمد على بث الأكاذيب والشائعات حتى فقد مصداقيته لدى جمهور الناس، فعندما تشاهد معي موقع إليكسا الدولي والمهتم بمواقع الإنترنت وإحصائياتها تجد أن موقع إخوان أون لاين (الموقع الرسمى لجماعة الإخوان المسلمين):
– من أقل المواقع ولوجًا من أكتوبر الماضي حتى وصل لأقل مستوياته فى يوليو مقارنة بالمواقع المصرية الأخرى.
– الموقع في الترتيب رقم 767 فىي مصر ورقم 36571 عالميًا مقارنة بموقع اليوم السابع (المحسوب على الأجهزة الأمنية) والذي جاء في الترتيب رقم 5 مصريًا!
– طلبة الكليات هي أكثر شريحة تدخل الموقع ولا يدخله أحد من المدارس.
– خريطة جمهوره من مصر بنسبة 49% ويزيد والباقي من اليابان والسعودية وألمانيا.
أمثالي ممن يحتفظون للإخوان بنصيب من الود والحب تعتصر قلوبهم ألمًا وكمدًا مرتين: مرة من قمع النظام الاستبدادي الظالم الذي سرق الأرواح والأوطان وصلفه وجموده والسير بالوطن للمجهول، ومرة من الإخوان المسلمين الذين يتصدرون المشهد بنفس الشخوص والأدوات والوسائل التي كانت السبب الرئيسى لما نحن فيه الآن وحتى في معاركهم يتبعون النهج البوشي في تصنيف الناس إما معنا أو ضدنا، إنهم لا يشعرون بمن ليس معهم وضد عدوهم.