ترجمة وتحرير: نون بوست
لا أحد في واشنطن يرغب في الدفاع عن قاسم سليماني، حتى من أدانوا عملية قتله. يعتبر الجميع الجنرال سليماني إرهابيًا دمر حياة عدد لا يحصى من الناس في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط لأكثر من عقد، ويداه ملطخة بالدماء السورية والعراقية واليمنية واللبنانية والأمريكية.
في تغريدة له، أدان السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي ما أسماه عملية الاغتيال لكنه، أفاد بأن: “حقيقة كون سليماني عدوًا للولايات المتحدة ليست قابلة للتشكيك”. علاوة على ذلك، انتقد النائب الديمقراطي الذي يترأس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، إليوت إنغل، عدم التشاور مع الكونغرس لكنه وصف سليماني بأنه “العقل المدبر وراء العنف الشديد والمعاناة وعدم الاستقرار”، على مدى إدارتي الرئيسين السابقين لدونالد ترامب.
لماذا قُتل في هذا التوقيت؟
لم يستهدف الرئيس السابق جورج بوش الجنرال قاسم سليماني في ذروة حرب العراق، حتى حينما أسفرت القنابل التي زرعتها إيران وهجمات الميليشيات التابعة لها عن مقتل مئات الجنود الأمريكيين. بلغ عدد القتلى أكثر من 600 جندي بحلول سنة 2011، وذلك إبان إدارة الرئيس السابق باراك أوباما الذي رفض بدوره قتل الجنرال الإيراني. مع ذلك، قرر ترامب الذي تعهد في بداية إدارته بسحب قوات الولايات المتحدة من حروب الشرق الأوسط، تجاوز خطٍ خشي الرئيسان اللذان سبقاه تجاوزه.
لا يرجع هذا الخوف للحظر الأمريكي طويل الأمد لـ “الاغتيالات،” الذي صيغ خلال الحرب الباردة للتحقق من تجاوزات وكالة المخابرات المركزية. منذ 11 أيلول/ سبتمبر، قامت الإدارات المتعاقبة بتأويل هذا الحظر بشكل متقارب، بحجة أن استهداف شخص في ساحة المعركة لا يعد اغتيالا. حسب مدير برنامج قانون الأمن القومي بجامعة كولومبيا الذي خدم في إدارة بوش، ماثيو واكسمان، فإن “الحظر نشأ ردًا على مؤامرات سرية لوكالة المخابرات المركزية، على غرار محاولة اغتيال فيدل كاسترو باستخدام سيجار قابل للانفجار خلال وقت السلم. وترجع هذه المحاولة بالأساس إلى الخلافات السياسية وليس إلى الدفاع عن النفس في ساحة الحرب”. من جهتها، استخدمت إدارة أوباما مصطلح “القتل المستهدف” لشن هجمات على قادة الإرهابيين في ساحات القتال في الخارج، بحجة حق الدفاع عن النفس في الحرب المستمرة ضد تنظيم القاعدة.
لكن يبدو أن هذه الحجة لا تقنع الجميع. ترى الأستاذة بكلية الحقوق في “نوتردام ماري” إلين أوكونيل أنه “لا يمكن التمييز بين هذا النوع من العمليات والاغتيالات غير القانونية”. إن قتل سليماني في هذا السياق ليس قانونيًا بقدر اغتيال زعيم ما لمجرد أنه يعمل قائدًا عامًا ويرتدي الزي الرسمي لدولة ما. وإذا قبلت بفكرة أن استهداف مقاتل فردي دفاعا عن النفس لا يصنف عملية اغتيال، وبالتالي اعتبار استهداف سليماني أمرا عادلا، فإن ذلك يشترط أن تثق في ادعاءات ترامب بأن سليماني كان يخطط لهجمات شريرة وشيكة ضد الأمريكيين.
أشار مسؤول في وزارة الخارجية خلال مكالمة هاتفية مع الصحفيين إلى أن “الاغتيالات ممنوعة بموجب القانون” لكنه أفاد بأن ما حصل لم يكن كذلك. وفقا لما ورد عنه، “تتمثل المعايير المحددة للاغتيال أولا، في وجود أدلة دامغة على قيام شخص ما بشن هجوم عسكري أو إرهابي ضدك؟ وقد تم التحقق من هذا الجانب. ثانيا: وجود بعض الوسائل القانونية، على غرار اعتقال هذا الرجل من قبل السلطات البلجيكية أو ما شابه ذلك وهو ما تم التحقق منه. وبما أنه لا توجد وسيلة لإيقاف قاسم سليماني في الأماكن التي كان يتجول فيها في دمشق أو بيروت، وجب القيام بهذه العملية المميتة”.
إن الاعتقاد بأن عمليات القتل الاستهدافية مصطلح معقم للاغتيالات التي أصبحت أمرا طبيعية ولكنه غير قانوني في عصر حرب الطائرات دون طيار، فإن استهداف سليماني يعد جريمة حرب خاصةً في ظل عدم وجود حالة حرب رسمية بين الولايات المتحدة وإيران. وحسب أوكونيل، إن “الدفاع الوقائي عن النفس لا يعد مبررًا قانونيًا لعمليات الاغتيال، ولا تملك هذه العملية صلة قانونية على غرار ميثاق الأمم المتحدة، الذي يعرّف الدفاع عن النفس على أنه الحق في الرد على أي هجوم مسلح حقيقي وخطير”.
لا يتعلق تجنب إدارتين سابقتين الخوض في مسألة اغتيال سليماني بأسباب قانونية أو أخلاقية بقدر ما يتعلق بأسباب استراتيجية. اختار الجانبان الأمريكي والإيراني خوض هذا الصراع عبر أشكال أخرى من المواجهة، على غرار خوض المعارك بالوكالة أو التخريب والهجمات الإلكترونية والعقوبات. مع ذلك، لم يلجأ أي منهما إلى اغتيال جنرالات العدو، لكن هذا الحاجز كُسر في الوقت الحالي تاركًا العالم في انتظار الخطوة الإيرانية التالية. من وجهة نظر إيران، لا يهم ما إذا كانت الإدارة الأمريكية تعتبر قتل سليماني عملية اغتيال أم لا، بالنسبة لها تعتبر حقيقة وفاته العامل المهم الوحيد.
رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الأمريكية مارك ميلي لبعض المراسلين: إن الخطر الذي قد ينتج عن عدم التحرك يفوق مخاطر تنفيذ هذه العملية
في شأن ذي صلة، أفادت النائب الديمقراطي والمحللة السابقة في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والمهتمة بالميليشيات الشيعية، إليسا سلوتكين، في بيان لها إنها شاهدت أصدقاءها وزملاءها يقتلون ويسقطون جرحى بنيران الأسلحة الإيرانية تحت إشراف سليماني حين كانت تعمل في العراق. وأضافت سلوتكين أنها شاركت في مناقشات خلال إدارتي بوش وأوباما حول كيفية الرد على هذا العنف لكن لا أحد لجأ لخيار الاغتيال.
علاوة على ذلك، أكدت إليسا سلوتكين أن “التساؤل عما إذا كان القيام بهذه العملية يستحق مواجهة الانتقام الإيراني المحتمل، وجر الولايات المتحدة إلى صراع طويل الأمد، هو ما كان دائمًا يمنع الرؤساء الديمقراطيين والجمهوريين من استهداف سليماني بشكل فردي. وبناء على ذلك، قررت الإدارتان اللتان عملت بهما أن الغايات النهائية لا تبرر الوسيلة لكن يبدو أن إدارة ترامب لها حسابات مختلفة”.
إلى حد الآن، يرفض المسؤولون في إدارة ترامب تحديد السبب الذي رجح كفة هذه الحسابات، على الرغم من تصريحات ترامب حول تخطيط سليماني لمهاجمة الدبلوماسيين والعسكريين الأمريكيين. ووفقًا لدان لاموث من “واشنطن بوست”، صرح رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الأمريكية مارك ميلي لبعض المراسلين بأن “الخطر الذي قد ينتج عن عدم التحرك يفوق مخاطر تنفيذ هذه العملية”.
إن حسابات مخاطر تنفيذ مثل هذه العمليات منعت الولايات المتحدة من استهداف القادة العسكريين في عديد الحالات الأخرى من أجل التمسك بخيار المفاوضات على سبيل المثال، أو انطلاقًا من الاعتقاد بأن “مثل هذا الإجراء سيساهم في مقتل المزيد من الأمريكيين”. مع ذلك، لا يمكن اعتبار هذه العملية سابقة.
كما أخبرني واكسمان: “استهدفنا في الماضي قادة عسكريين بارزين، حيث كان هذا النمط من العمليات معتمدا أثناء الحرب المستمرة”. خلال حرب العراق، التي كانت تعتبر صراع دولة ضد دولة مرخصا من قبل الكونغرس، كان لدى القوات الأمريكية “مجموعة من الأوراق” تضم أسماء أبرز الشخصيات المطلوبة بما فيهم كبار القادة في القوات المسلحة التابعة لصدام حسين. وقد اغتالت الولايات المتحدة الأميرال الياباني الذي خطط للهجوم على بيرل هاربور خلال الحرب العالمية الثانية.
في كلتا الحالتين، كانت الولايات المتحدة في حالة نزاع مسلح رسمي. ونظرًا لتركيز الولايات المتحدة على محاربة المنظمات الإرهابية غير الحكومية في الآونة الأخيرة، قامت أيضًا باستهداف قيادات تلك الجماعات. لم تعلن الحرب بصفة رسمية، على الرغم من أن إيران شنت منذ أيار/ مايو سلسلة من الهجمات العنيفة ضد حلفاء الولايات المتحدة ومصالحها في المنطقة، التي بلغت ذروتها في الشهرين الماضيين من خلال شن هجمات صاروخية ضد الولايات المتحدة أو قواعد حلفائها في العراق إضافة إلى وفاة متعاقد أمريكي. وعندما قُتل سليماني على أرض دولة من حلفاء الولايات المتحدة، أدانت حكومتها هذه العملية.
أقر مسؤول في وزارة الخارجية في مكالمة هاتفية غير رسمية مع الصحفيين، بالمخاطر المحتملة، مؤكدا أنه “لا يمكننا أن نعد بكسر دائرة العنف”، لكن دون سليماني “قد يكون هناك تصعيد في العنف، لكنه لن يكون عبقريًا بشكل شيطاني
المصدر: ذي أتلانتيك