أقل من 30 دقيقة تتجول فيها على منصات السوشيال ميديا في مصر هذه الأيام حتى تتحسس سلاحك وترتدي البزة العسكري، فالحرب تطرق الأبواب والجميع على أهبة الاستعداد والتخندق خلف المؤسسة العسكرية واجب لا يغفره الخلاف السياسي مع النظام الحاكم.
“100 مليون فدائي” و”كلنا الجيش” شعارات تحولت إلى هاشتاغات تصدرت التريند في مصر، عكست حالة التجييش الكبيرة للفنانيين والصحفيين واللجان الإلكترونية ووسائل الإعلام المختلفة، تأييدًا لدعم النظام المصري لقوات المشير خليفة حفتر في ليبيا ورفضًا للتدخل التركي لدعم حكومة فايز السراج المعترف بها أمميًا.
وفي الشاطئ الآخر يقف المعارضون لمشاركة الجيش المصري في تلك الحرب، وتحت وسم “#دم_جنودنا_مش_للبيع” دشنه مغردون رفضًا للترويج للتدخل العسكري في ليبيا، معتبرين أنها مغامرة تعرض حياة الجنود المصريين للخطر في مواجهات لا طائل من ورائها ولا خطر فيها.
يأتي هذا التجييش والحشد المضاد في الوقت الذي لم تصدر فيه أي تصريحات رسمية من مسؤولي مصر وتركيا بشأن أي مواجهات عسكرية بين الطرفين، إذ إن الأمر لا يتعدى تصريحات إعلامية وتحركات من قيادات هنا وهناك لا تشير إلى نشوب حرب بالمعنى المنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي.
كلنا الجيش
منذ إعلان البرلمان التركي موافقته على قرار إرسال قوات إلى ليبيا، انطلقت العديد من الحملات الإلكترونية على منصات السوشيال ميديا لإعلان التضامن الكامل مع الجيش المصري والنظام بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث انبرى عشرات الفنانيين والسياسيين والشخصيات العامة لقيادة لواء التجييش والدعم بعبارات تبدو متطابقة إلى حد كبير.
الحضور الأبرز في هذا المضمار كان للفنانيين، حيث أعرب الكثير منهم عن تأييده للإجراءات التي من المقرر أن تتخذها القيادة السياسية والعسكرية، على رأسهم الفنان هاني رمزي الذي نشر على حسابه على تويتر صورة لأحد الجنود المصريين وعلق عليها قائلًا: “مصر ربنا حاميها وكلي ثقة في قيادتنا وقواتنا المسلحة وإذا كتب علينا القتال فالنصر حليف لنا إن شاء الله، كلنا الجيش المصري، مصريين إيد واحدة”.
الكنيسة المصرية كانت على خط الدعم هي الأخرى، وإن لم يصدر تصريحات بشكل رسمي عنها إلا أن بعض القساوسة عبروا عبر تصريحات لهم عن دعمهم الكامل للموقف الرسمي
الأمر ذاته قام به المطرب أحمد فهمي حيث كتب: “كلنا الجيش وقت الحرب، كلنا جنود مصر ودرعها وسيفها، 100 مليون محارب كامل الدعم لجيشنا ورئيسنا، مصر أولًا وأخيرًا”، أما محمد هنيدي فكتب يقول: “أنا مصري وكلنا ورا الجيش المصري وأي قرارات القيادة المصرية هتاخدها للدفاع عن مصر وأمنها القومي من البلطجية والمرتزقة”.
انا مصري وكلنا ورا الجيش المصري وأي قررارات القيادة المصرية هتاخدها للدفاع عن مصر وامنها القومي من البلطجية والمرتزقة
— Mohamed Henedy (@OfficialHenedy) January 3, 2020
أما الفنان كريم عبد العزيز فنشر تغريدة لها جاء فيها :”مع مصر دائمًا وأبدًا، أثق في كل القرارات التي تتخذها الدولة المصرية في الحفاظ على هوية ووحدة أمتنا العربية تجاه التدخل السافر من البعض تجاه الشأن الليبي العربي”، وتابع:”أثق في رئيس بلدي، أثق فى قواتنا المسلحة الباسلة العظيمة، أدعم مصر”.
مع مصر ..دائما وأبدًا ..أثق في كل القرارات التي تتخذها الدوله المصريه في الحفاظ علي هويه ووحده أمتنا العربيه تجاه التدخل السافر من البعض تجاه الشأن الليبي العربي …أثق في رئيس بلدي ..أثق فى قواتنا المسلحة الباسلة العظيمة..أدعم مصر …
كريم عبدالعزيز
— Karim Abdel Aziz (@karimabdelaziz) January 2, 2020
فيما نشر الفنان صلاح عبد الله، مقطع فيديو له ألقى خلاله قصيدة في حب مصر، معلقًا عليه بقوله: لما بكتب تحيا مصر يشتموني يا مصر ليه، هى كلمة تحيا عيب ولا اسمك ولا إيه”، وتابع: “وتانى رغم أنف الكارهين الشتامين فرسان المحاميل تحيا مصر وكمان كلنا الجيش، وفعلاً الحياد في هذا الوقت خيانة للوطن، وصباح الخير يا مصر وتصبحي على كل الخير”.
وتاني رغم أنف الكارهين الشتامين فرسان المحاميل #تحيا_مصر وكمان #كلنا_الجيش وفعلاً الحياد في هذا الوقت خيانة للوطن وصباح الخير يامصر وتصبحي على كل الخير❤️??❤️ pic.twitter.com/1ZwuBevuSY
— salah abdallah صلاح عبدالله (@SalahAbdallah) January 3, 2020
دعم ديني
في إطار حملة التجييش دخل الدين على الخط كذلك، حيث أبدت هيئة كبار العلماء في الأزهر دعمها للموقف المصري “للحفاظ على أمن مصر وسلامتها وأمن المنطقة بأكملها”، وأعلنت رفضها أي تدخل أجنبي على الأراضي الليبية، الهيئة في اجتماع طارئ لها السبت الماضي أكدت أن “أي تدخل خارجي على الأراضي الليبية هو فساد في الأرض ومفسدة لن تؤدي إلا إلى مزيد من تعقيد الأوضاع في ليبيا، وإراقة المزيد من الدماء وإزهاق الأرواح البريئة”.
“الجهات الأمنية المسؤولة عن وسائل الإعلام طلبت من الصحفيين والفنانين حث المصريين وتجييشهم للاصطفاف حول القيادة السياسية، حال نشوب حرب بين مصر وتركيا على الأراضي الليبية”.. مصادر للجزيرة
وفي البيان الذي أصدرته أعلنت فيه رفضها “منطق الوصاية الذي تدّعيه بعض الدول الإقليمية على العالم العربي، وتتخذه ذريعة لانتهاك سيادته، والتأكيد أن حل مشكلات المنطقة لا يمكن أن يكون إلا بإرادة داخلية بين الأشقاء”، فيما وجهت دعوة لـ”جميع الأشقاء الليبيين إلى تغليب صوت العقل والحكمة ورفض الاستقواء بالخارج، لما يمثله ذلك من تدمير لمستقبل ليبيا وتفتيت لوحدة ترابها، وتمزيق أواصر الأخوة بين أبنائها”.
وجاء موقف دار الإفتاء متطابقًا تمامًا مع موقف الأزهر، فعلى صفحتها الرسمية على “تويتر” وتحت هاشتاغ #كلنا_الجيش نشرت الدار تقول: “خير أجناد الأرض ولو كره الكارهون” في إشارة للجيش المصري.
#كلنا_الجيش
خير أجناد الأرض ولو كره الكارهون
— دار الإفتاء المصرية ?? (@EgyptDarAlIfta) January 2, 2020
بدوره انتقد حزب النور السلفي قرار الرئيس التركي بإرسال قوات تركية إلى ليبيا، الذي أيَّده البرلمان التركي، معربًا في بيان له: “نرى أن الأزمة الليبية لا يمكن حلها إلا بتقديم المصلحة الليبية الشاملة على المصالح الجزئية”، وتابع “جامعة الدول العربية يجب أن يكون لها الدور الرئيسي في هذا الأمر، لا سيما إذا تطرق الأمر إلى إرسال قوات غير ليبية إلى ليبيا، ليكون أبعد عن الحسابات الضيقة التي يمكن أن تنطلق منها أي دولة تنفرد باتخاذ قرارٍ خطيرٍ كهذا”.
الكنيسة المصرية كانت على خط الدعم هي الأخرى، وإن لم يصدر تصريحات بشكل رسمي عنها إلا أن بعض القساوسة عبروا عبر تصريحات لهم عن دعمهم الكامل للموقف الرسمي، ففي خلال حفل الكنيسة الإنجيلية المصرية بعيد الميلاد، أعلن سامح موريس راعى الكنيسة صلاته من أجل الرئيس، وتابع “طبول الحرب تدق حولنا والطامعون يدفعوننا لمعارك لا نريدها”، مضيفًا “العالم يعيش فى ظلام دامس”.
تجييش ممنهج
التحرك بهذه الكيفية لم يكن عشوائيًا وفق ما ذهبت “الجزيرة” نقلًا عن مصادر أمنية مصرية خاصة بها، حيث أشارت إلى أن “الجهات الأمنية المسؤولة عن وسائل الإعلام طلبت من الصحفيين والفنانين حث المصريين وتجييشهم للاصطفاف حول القيادة السياسية، حال نشوب حرب بين مصر وتركيا على الأراضي الليبية”.
وبحسب المصادر ذاتها فإن رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل يشرف بنفسه على عملية تجييش الشارع وإثارته ضد تركيا، وطالب بأن يتحدث الصحفيون والفنانون على حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي وبين دوائر معارفهم عن ضرورة الاصطفاف خلف الرئيس عبد الفتاح السيسي في مواجهة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
كما طالبهم بالحديث عن أن “تركيا تستهدف احتلال مصر وكسر هيبة الجيش المصري في المنطقة، عبر إرسال وحدات من جيشها إلى ليبيا”، وفي الوقت ذاته دفعهم لاتهام أي شخص يرفض قرار الحرب بـ”الخيانة والعمالة، ويجب نبذه بل والإبلاغ عنه حال اقتضى الأمر”.
تساءل البعض عن سبب هذا الزخم والدعم للتدخل العسكري في ليبيا حفاظًا على الأمن القومي المصري في الوقت الذي لم يحرك أحد ساكنًا للتهديد الذي تتعرض له البلاد سواء فيما يتعلق بمستقبل الأمن المائي الخاص بسد النهضة الإثيوبي أو التهديدات الإسرائيلية على الحدود الشرقية
علاوة على ذلك فقد تضمنت الرسائل الموجهة للإعلاميين التأكيد على “ذكاء السيسي بشراء طائرات الرافال، وحاملة الطائرات الميستيرال ليوم كهذا، وليس لشراء سكوت الاتحاد الأوروبي عن الانتهاكات التي تحدث في مصر، كما قال المنتقدون وقتها”.
وتشير التجارب السابقة إلى أن حملات من هذه النوعية ليست جديدة على الساحة المصرية، إذ تبنت العديد من الجهات نماذج عدة من هذا التجييش الممنهج، لعل آخرها ما كان قبل عدة أشهر حين أطلق الاتحاد العام للمصريين بالخارج، حملة تحت عنوان “كلنا معك“، لتأكيد وقوف جميع الاتحادات والجاليات المصرية بالخارج بجانب الدولة المصرية ممثلة في القيادة السياسية والجيش المصري.
الحملة التي انطلقت من السعودية، أوضحت أن الهدف منها دعم السيسي والدولة المصرية، ودعم الجيش المصري في تصديه ومحاربته للإرهاب، مؤكدين أن ما يحدث ضد مصر يتم بمساندة أجهزة استخبارات عالمية معادية لمصر.
دم جنودنا مش للبيع
وفي الجبهة الأخرى وتحت وسم “#دم_جنودنا_مش_للبيع” أعرب مغردون مصريون رفض الترويج للتدخل العسكري المصري في ليبيا، والدعوة إلى عدم مشاركة الجيش في تلك الحرب، مؤكدين دعمهم في الوقت ذاته للقوات المسلحة المصرية لكن ليس في مواجهة كهذه لا مبرر لها على حد قولهم.
المغردون الداعمون لهذا التوجه هاجموا سياسة الرئيس المصري التي رأوا فيها رهنًا لحياة الجنود المصريين مقابل الحصول على الدعم الإماراتي والسعودي، ملمحين في الوقت ذاته إلى حالة الانفصام التي بات عليها الموقف الرسمي المصري حيال الملفات الساخنة التي تتعرض لها الدولة.
واية اللي يودينا ليبيا ما نطلع علي اثويبيا ? pic.twitter.com/PikKjHON2S
— Muhammad Etman (@MuhammadEtman) January 5, 2020
وقد تساءل البعض عن سبب هذا الزخم والدعم للتدخل العسكري في ليبيا حفاظًا على الأمن القومي المصري في الوقت الذي لم يحرك أحد ساكنًا للتهديد الذي تتعرض له البلاد سواء فيما يتعلق بمستقبل الأمن المائي الخاص بسد النهضة الإثيوبي أم التهديدات الإسرائيلية على الحدود الشرقية، حيث قدم البعض تساؤلًا قالوا فيه: لماذا لم يتم طرح الخيار العسكري بأي صورة في قضية سد النهضة والخلاف الحاصل بشأنه مع إثيوبيا رغم أن السد يمس مصالح مصر وحياة مواطنيها”.
طبعاً #كلنا_الجيش
واللي مالوش خير في جيشه
مالوش خير في حد
بس المهم يكون جيشه
مش جيش السيسي!
كلنا الجيش المصري
اللي مش بيقتل أهله وناسه
في مجازر
وفي#سيناء
ويهجرهم من أجل عيون الأعداء
واللي مابيفرطتش في#تيران_وصنافير
وفي ميه وغاز
كلنا الجيش
لحماية الحدود
مش لبزنس ومكرونة!
— Haytham Abokhalil هيثم أبوخليل (@haythamabokhal1) January 2, 2020
كما استنكروا في الوقت ذاته الدعم المصري لحفتر في حربه ضد حكومة الوفاق رغم أن الأخيرة هي المعترف بشرعيتها دوليًا، في حين تناقل مغردون مقاطع سابقة للواء الليبي كان قد اعتبر فيها مصر وتونس أعداءً لبلاده بسبب فقرهم على حد قوله، وهو ما يجعل من دعمه حاليًّا مغامرة في غير محلها عل حد قولهم.
حوار الحرب ده و فتحة الصدر ما هو إلا عصفورة عشان ذكرى ثورة يناير و دعوات النزول .. احنا ف حالة حرب يا كماعة انقذ الموقف يا سيسي !!#دم_جنودنا_مش_للبيع pic.twitter.com/w436etlOiM
— ? ℋѦℕѦ (@Official_Hana01) January 4, 2020
وفي الوقت ذاته تساءلوا: لماذا لم يتحرك الجيش المصري إزاء التدخل العسكري الروسي والأمريكي والهجمات العسكرية المباشرة التي شنتها بعض القوى الأوروبية على مدار السنوات الماضية؟ ولماذا وقفت القاهرة صامتة حيال الحرب المعلنة ضد الجماعات والميليشيات المسلحة هناك طيلة هذه الأعوام؟ وتابعوا: ألم يكن وقتها هناك تهديد للأمن القومي للبلاد؟
كما كانت فاتورة الحرب الباهظة أحد أسباب الرفض للتدخل العسكري المصري، في ظل ما يواجه اقتصاد الدولة من أزمات طاحنة لا يتحمل معها تكلفة بهذا الحجم، لافتين إلى أن الشعب المصري هو أكثر المتضررين من مآلاتها، وستتفاقم أوضاعه المعيشية المتدهورة.
وفي محاولة تفسيرهم لهذا التجييش غير المسبوق يرى مراقبون أنه لا يعدو كونه محاولة للهروب غربًا نحو ملف آمن، بدلًا من مواجهة الأزمات الداخلية والخارجية المستعصية التي تهدد نظام السيسي، مع تصاعد الاحتقان الشعبي والغضب على سياساته وهو ما تجسد في الحراك الشعبي المعارض حياله وإن كان طفيفًا.
أنصار هذا الرأي يميلون إلى أن اقتراب ذكرى ثورة يناير أحد الأسباب وراء هذه الحملات التي تستهدف لفت الأنظار حيال أي تحركات مضادة كان يعد لها من التيارات المعارضة، مبررين ذلك بأن الإعلام المصري ولجانه لم يتحرك قيد أنملة حيال ملف المياه رغم التصريحات المتصلبة لمسؤولين إثيوبيين تجاه المطالب المصرية المتعلقة بأزمة نهر النيل وأثر سد النهضة الإثيوبي الخطير على مصر.
وعلى العكس من ذلك فقد ركز الخطاب السائد عن سد النهضة، السياسي والإعلامي، على ضرورة التماهي مع خطاب التهدئة الرسمي الغالب، وضرورة التصرف بحكمة وهدوء مع الجانب الإثيوبي، واعتبارهم أصدقاء يمكن حل الأزمة معهم بالتفاهم، رغم خطورة الموقف وإصرار أديس أبابا على بناء السد.
وبينما تشتعل أجواء الحرب على منصات التواصل الاجتماعي يبقى الوضع على الأرض مغايرًا تمامًا، وهو ما يثير الكثير من الشكوك لدى الفريق المعارض لفكرة التدخل العسكري، الأمر الذي أوضحه وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير محمد العرابي، الذي اعتبر أن الحديث عن اندلاع حرب نوع من التهويل، مستبعدًا أن تصل الأمور للحرب.