كشف تقرير سنوي صدر عن وزارة الخارجية الأمريكية في يوليو الماضي حول الحريات الدينية بأن عام 2013 شهد أكبر حركة نزوح سكاني في تاريخ العالم الحديث لأسباب دينية.
وذكر التقرير أنه “في جميع أنحاء العالم تقريبا، أرغم الملايين من المسيحيين والمسلمين والهندوس وأتباع ديانات أخرى على مغادرة منازلهم بسبب معتقداتهم الدينية”.
وبنظرة سريعة على أخبار المنطقة وخاصة في مناطق النزاعات نجد أن ما خلص إليه التقرير يتسق مع الواقع ، وبقليل من التأمل سنجد أغلب هذه الصراعات تذكي الطائفية نارها وتطيل أمدها.
ومن المهم اليوم أن نتساءل إلى أي نهاية تتجه بنا هذه العصبيات الطائفية التي تلف المنطقة، وماذا يقول لنا التاريخ في مثل هذه الحالة ؟
وحتى يتضح المعنى أكثر، يجب أن نحرر المقصود من الطائفية ، فقد عرف معجم أوكسفورد الشخص الطائفي: بأنه “الشخص الذي يتبع بشكل متعنت طائفة معينة، ويرفض الاعتراف بالطوائف الأخرى، ويسلب حقوقها بدافع التعصب لطائفته في جميع الظروف والأحوال”.
اختزال الحقيقة في فكرة واحدة وعدم تقبل وجود أفكار أخرى هي أولى بذور التعصب المذهبي، وتدريجيا ستغيب معها مبادئ قبول الآخر والعيش المشترك، وستستبدل لغة الحوار بالإقصاء وقد يتطور – كما هو حاصل اليوم – لنزاع دموي. ولعل هذا الفهم لحالة التعصب الطائفي هو ما حذر منه أمين معلوف في كتابه (الهويات القاتلة) حينما قال : ” ذلك المفهوم الذي يختصر الهوية في انتماء واحد يحصر البشر في موقف متحيز ومتعصب، مما يحولهم إلى قتلة أو أتباع قتلة”.
ويجد التعصب الطائفي بيئة خصبة عندما يستند إلى أرضية من الموروث ترهن الحاضر بأزمات الماضي، مع سعي بعض الأطراف إلى استغلال الوضع لتحقيق مكاسب ضيقة من خلال تغذية نار الطائفية من فترة لأخرى.
لو بحثنا في تجارب التاريخ لوجدنا أن النزاعات الطائفية خسائرها لا تستثني أحدا، الكل يخرج منها خاسرا بدرجات متفاوتة ،وأكبر درس أعطاه لنا التاريخ كان في حرب الثلاثين التي وقعت في أوروبا ( 1618 م – 1648 م ) وانتهت بمعاهدة صلح وستفاليا عام 1648 م.
وأورد الكاتب البريطاني بيتر ويلسون نتائج هذه الحرب الواقعة بين البروتستانت والكاثوليك في كتابه (حرب الثلاثين سنة ..مأساة أوروبا) حيث بلغ عدد الضحايا فيها 1.8 مليون من الجنود وما لا يقل عن 3.2 ملايين من المدنيين، وخسرت ألمانيا لوحدها نصف عدد سكانها ودمرت مناطق بأكملها ، وتعطلت فيها شتى مناحي الحياة من علوم وفنون وصناعة، واحتاجت ألمانيا إلى مائتي عام حتى تتعافى من آثار هذه الحرب المدمرة.
وعودة إلى تقرير الحريات الدينية، أليس من الأجدى التفكير في سلوك طرق أخرى تضمن السلامة للجميع، تكلفتها الان قليلة ، وتحافظ به على النسيج الاجتماعي وبالتالي تستفيد الأوطان من جهود مبدعيها، وتذهب بالتنمية خطوات للأمام؟!
حريق الكراهية سيلتهم ما تبقى من المنطقة إن لم يبادر العقلاء إلى حل عاجل، وإذا استمرت هذه النزاعات الطائفية لسنوات قادمة فلربما لن نجد لا تنمية ولا مدنية ولا حتى انسان !!
نُشر هذا المقال لأول مرة في إسلام أونلاين