ترجمة وتحرير: نون بوست
هناك نكتة قديمة تروي قصة رجل مخمور أضاع مفاتيحه وبدأ بالبحث عنها تحت عمود الإنارة في الشارع، فتوقف أحد المارة لمساعدته في ذلك. بعد بضع دقائق من البحث معه، لم يعثر عليها. سأل الرجلُ المخمور ما إذا كان متأكدا من أنه أضاع المفاتيح في هذا المكان. فأجابه: “لا لست متأكدا، فالظلام دامس في كل الأماكن الأخرى”. في الواقع، هذه هي الطريقة التي يتعامل بها البشر مع العديد من المهام الشاقة، وينطبق هذا الأمر على الكتابة عن الفساد. نحن نعلم أنه مشكلة خطيرة، لكننا نقتصر على البحث عن أدلة تسلط الضوء على البلدان القليلة المستعدة والقادرة على اتخاذ إجراءات قانونية بشأن هذه الجريمة. في المقابل، يمتد الظلام إلى الكثير من المناطق الأخرى، غير أننا نفتقد عالمًا كاملاً من الأدلة التي ما زالت غامضة تمامًا.
خلال خطاب ألقاه سنة 1996، شبّه جيمس وولفنسون، الذي شغل منصب رئيس البنك الدولي في ذلك الوقت، الفساد بالسرطان، حيث قال “إن الفساد مسؤول عن نقل الموارد من الفقراء إلى الأغنياء، ويزيد من تكلفة إدارة الأعمال، ويثقل كاهل النفقات العامة ويثبط المستثمرين الأجانب”. بعد الحرب الباردة، طرأت الكثير من المستجدات على العالم. نتيجة لذلك، أراد وولنفسون قيادة عملية تحث على مكافحة الفساد ومساءلة الشركات، حيث لم يعد من المقبول تجاهل الكليبتوقراطية لأسباب تتعلق بالنفعية الجيوسياسية. إثر ذلك بسنتين، حدّد نظير وولفنسون في صندوق النقد الدولي، الخبير الاقتصادي ميشيل كامديسوس، أرقاما تتعلق بهذه الظاهرة. بحسب تقديرات كامديسوس، تعد ما بين اثنين وخمسة بالمئة من التدفقات النقدية العالمية ذات مصادر إجرامية.
حوالي 8% من الأصول المالية العالمية مخبأة في حسابات خارجية مختلفة
من هذا المنظور، يجب أن يتحول كل أمر ينطوي على هذا القدر من المال والضرر الذي يلحق بالكثير من الناس إلى أولوية واضحة في السياسة العامة بالإضافة إلى ضرورة التركيز على إجراء أبحاث مفصلة حول هذه المسألة. يحتاج الناشطون والسلطات والصحفيون إلى بيانات حول نطاق المشكلة ودينامياتها وأسبابها لمعرفة أفضل السبل لمكافحتها. ومع ذلك، على الرغم من الجهود التي بذلها وولفنسون وكامديسوس وآخرين بهدف دق ناقوس الخطر، إلا أن حلم تسليط الضوء على جرائم الفساد ظل مجرد سراب.
على مدار العقدين الماضيين، صبت بعض الجهات المزيد من الاهتمام على هذه القضية، من خلال اتخاذ إجراءات قانونية بموجب قوانين مكافحة الرشوة الأمريكية والبريطانية والتقارير التي أصدرتها المنظمات غير الحكومية مثل غلوبال ويتنس والشفافية الدولية. لكن على العموم، تجاوزت كمية المعلومات التي تحصلنا عليها تلك المتوفرة قبل 20 سنة بقليل.
استندت الأرقام التي قدّمها كامديسوس إلى تقديرات تقريبية للغاية، باتت بالية بعد استخدامها على المدى الطويل. واجه أولئك الذين حاولوا تحسينها عقبات حالت دون تحديد صورة أوضح للفساد العالمي منذ فترة طويلة، تتعلق بالهياكل المالية الغامضة التي تستخدمها الشركات والأفراد الأثرياء لإخفاء أصولهم. أنجز أكاديميون مثل الاقتصادي غابرييل زوكمان عملا رائعا للتأكد من حجم هذه الثروة السرية. خلص زوكمان إلى أن حوالي ثمانية بالمئة من الأصول المالية العالمية مخبأة في حسابات خارجية مختلفة. ومع ذلك، لا يعلم، أحد نسبة هذه الأموال المتأتية من المصادر الإجرامية، ناهيك عن مقدار الأموال المتأتية من الرشاوى.
يعني هذا الأمر أنه لا وجود لبيانات موثوقة لقياس مدى انتشار الفساد، مما يحول دون اتخاذ إجراءات منهجية ضد الجهات الفاعلة السيئة، بما في ذلك الشركات الكبرى التي تدفع رشاوى بشكل روتيني مقابل إبرام العقود والحصول على الامتيازات وغيرها من المعاملات التفضيلية. على الرغم من درجة الأهمية التي تكتسيها هذه المشكلة، إلا أن الحكومات والجامعات ومراكز البحوث لم تخصص المزيد من الموارد لإجراء البحوث الأساسية بخصوص هذه المعضلة.
تجدر الإشارة إلى أن الجهات المذكورة آنفا تفسر فشلها باتهام الصحفيين والأكاديميين بأنهم لم ينجحوا في نقل مدى إلحاح القضية بشكل ملائم، وهو ما لم تتقبله المخيلة الشعبية. في المقابل، يتمثل التفسير الأقل الأهمية في شعور الأشخاص النافذين في جميع أنحاء العالم بالقلق إزاء التكلفة المالية الباهظة لعملية تقييد الأموال القذرة المتأتية من مصادر مجهولة. وتبعا لذلك، اتخذوا خطوات لإبقاء الجمهور غير عالم بما يدور حوله.
رؤساء الدول
ما زاد من تعقيد المشكلة هو نشر الكثير من الأبحاث المضللة. في هذا السياق، يصنف مؤشر مدركات الفساد السنوي الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية درجات الفساد في كل دولة بحسب ما يتوصل إليه الخبراء والمسؤولون التنفيذيون في قطاع الأعمال، الذين يستندون بالأساس إلى الكثير من المعطيات الصحفية والسياسية حول الفساد. في المقابل، يأخذ المؤشر بعين الاعتبار القطاع العام فحسب، ويركز على “مدى استخدام المسؤولين للمناصب العامة لتحقيق مكاسب خاصة”.
بالإضافة إلى ذلك، وبشكل واضح، لا يأخذ هذا المؤشر التدفقات المالية غير المشروعة وغسل الأموال وما تسميه منظمة الشفافية الدولية “بعوامل تعزيز للفساد” في الحسبان. في ظل هذه النظرة المحدودة، وعندما يتعلق الأمر بالرشوة، يعد الطرف الوحيد الذي يساهم في الفساد هو الطرف الذي يحصل عليها. لا يستبعد هذا التفكير دافع الرشوة فحسب، بل آلية الدعم الكاملة للفساد الحديث، التي يدعمها المصرفيون في لندن وزيوريخ الذين يقبلون الأموال القذرة، والمحامون في نيويورك الذين يوجهون تلك الأموال إلى العقارات، والمسؤولون عن الملاذات الضريبية في الخارج الذين يموهون ملكيتها من خلال إرساء شركات وهمية.
كشف مؤشر مدركات الفساد لسنة 2019 أن الدنمارك تعد أنظف دولة في العالم على الرغم من حقيقة أن أكبر بنوكها قد اعترفت قبل أشهر بغسل 200 مليار يورو
في الحقيقة، إن التفكير في الفساد دون الرجوع إلى هؤلاء اللاعبين يشبه مناقشة موضوع تجارة المخدرات فقط في سياق مدمن ينبغي علاجه واستبعاد المزارع والمصانع التي تنتج وتصنع المواد غير المشروعة، والكارتلات والتجار الذين يوزعونها، والحكومات التي تحميهم، ناهيك عن الموزعين والبنوك التي تساعدهم على غسل أموالهم. نتيجة لذلك، تعد الآثار المترتبة عن النطاق الضيق لمعايير هذا المؤشر ضارة.
كشف مؤشر مدركات الفساد لسنة 2019، الذي صدر خلال شهر كانون الثاني/ يناير عن منظمة الشفافية الدولية، أن الدنمارك تعد أنظف دولة في العالم على الرغم من حقيقة أن أكبر بنوكها قد اعترفت قبل أشهر بغسل 200 مليار يورو. وتعد هذه العملية من إحدى أكبر عمليات غسل الأموال في العالم غير المسبوقة.
فضلا عن ذلك، يدل هذا الأمر على وجود مشكلة نظامية أكبر في صلب مؤشر مدركات الفساد، الذي يغطي فقط جوانب الفساد في البلدان الفقيرة وليس تلك التي تساعد في تعزيز اقتصادات الدول الغربية الغنية. ومن شأن وضع مقياس حقيقي للفساد التشجيع على مقاضاة الأطراف المتورطة في ارتكاب جرائم تتعلق بغسل الأموال.
لحسن الحظ، هناك مجموعة متزايدة من الأعمال التي تتحدى النهج التقليدي في مجابهة الفساد. ويعد كتاب ديفيد مونتيرو الذي كان بعنوان “كيك باك” إضافة جديدة مذهلة إلى هذا النوع من الأبحاث. على غرار أي باحث آخر، حاول الكشف عن الجهات المعنية بالفساد، يجب أن يقتصر مونتيرو على البيانات المتاحة له، بيد أنه أضاف تحذيرات حول الطبيعة المحدودة للمادة. كما تجنّب تقديم تقديرات مضخمة تعصف بحسابات أطراف مثيرة للجدل، فضلا عن أنه طرح بعض الأفكار الجديدة حول كيفية مكافحة هذه الآفة العالمية.
“كارثة بطيئة الحركة”
من جانب آخر، سعى مونتيرو إلى انتقاء الأدلة بعناية، حيث أنه لم يركز على متلقي الرشوة فحسب، بل على الشركات التي تدفع لهم، التي تشمل عددا من أكبر الأسماء التجارية، على غرار شيفرون وهاليبرتون وآي بي إم وفايزر، وغيرها من الشركات الكثيرة. في هذا الصدد، كتب مونتيرو:”الرشوة، خلافا للجرائم الأخرى، غالبًا ما تتغلغل ببطء، حيث تتدفق المدفوعات السرية بين الشركة والحكومة على مدار سنوات، مما ينتج عنها كارثة بطيئة تترك أضرارا اقتصادية وسياسية واجتماعية لا يمكن اكتشافها ما لم يبدأ شخص ما في البحث عنها”.
علاوة على ذلك، حلل مونتيرو في كتابه سلسلة من الفضائح من أجل استخلاص دروس مختلفة. بدأ بمناقشة برنامج النفط مقابل الغذاء الذي تديره الأمم المتحدة في العراق بين سنتي 1995 و2003، عندما غزت الولايات المتحدة البلاد. سمحت تلك المبادرة لأكثر من ألفي شركة بالتواطؤ مع نظام الديكتاتور العراقي صدام حسين لتجنب العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة، وهي بمثابة مثال على فشل اتفاقيات مكافحة الفساد العالمية. كان الهدف من البرنامج يتمحور حول ضمان عدم تأثر الأشخاص الأكثر ضعفا في العراق بأعمال حكومتهم. بدلاً من ذلك، سمحت للمطلعين على خفايا الكثير من الأمور في بغداد بجني أرباح من خلال الحصول على رشاوى من الشركات المتعطشة للنفط، في حين حرمت العراقيين العاديين من الحصول على الغذاء والمياه النظيفة والأدوية الأساسية.
وفقًا لوجهة نظر العديد من الشركات: دفع الرشاوى أمر منطقي
أظهرت الفضيحة كيف قدّمت الشركات مصالح مساهميها على مصالح حكوماتها في كثير من الأحيان، خاصة عندما يواجهها المسؤولون الذين يطلبون الرشاوى. ووقع توضيح الأسباب الكامنة وراء ذلك في الجزء الأكثر أهمية في كتاب مونتيرو، والذي تتعارض فيه المخاطر والمكافآت المتأتية من الانخراط في سلوك فاسد.
في الواقع، يستشهد مونتيرو بعمل الخبير الاقتصادي جوناثان كاربوف، الذي تشير أبحاثه إلى أن الشركات، في المتوسط، لديها فرصة تزيد قليلاً عن خمسة بالمئة لوقوع في قبضة العدالة إذا دفعت رشوة في الخارج. وفي الوقت نفسه، ينتج عن كل دولار ينفقونه على الرشاوى معدل خمسة دولارات إضافية في الأرباح. في الواقع، تفوق المكافأة بكثير المخاطر، ومن هذا المنظور، فإن دفع الرشاوى أمر منطقي.
تنبثق استنتاجات كاربوف من الإجراءات القانونية بموجب قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة لسنة 1977، وهو تشريع أمريكي صدر في أعقاب فضيحة ووترغيت، يرتكز على منع الشركات الأمريكية من ممارسة الرشوة في الخارج. تكتسي محاكمات قانون الممارسات الأجنبية الفاسدة، وتحقيقات الكونغرس التي ترافقها في بعض الأحيان، أهمية أساسية لفهم منظومة الفساد، كما تبقى أفضل مورد متاح لأي شخص يعمل على حل المشكلة.
علاوة على ذلك، يستخدم مونتيرو هذه القوانين بشكل كبير في تحليله للفساد في مجال الدفاع اليوناني في أواخر التسعينيات وأوائل هذا القرن، عندما دفعت شركات الأسلحة الأمريكية والروسية والأوروبية المطلعين الحكوميين من أجل الفوز بالعقود، مما أدى إلى تضخيم أسعارها لتغطية تكلفة الرشاوى. نتيجة لذلك، اُضيفت الأسعار المرتفعة بشكل طبيعي إلى الديون العامة المستعصية في اليونان، التي خلقت أزمة عندما انهارت البلاد في سنة 2009.
كلما ارتفع مستوى خيانة الأمانة العامة في بلد ما، انخفض النمو الاقتصادي وزاد عدم المساواة في الدخل
كما أوضح مونتيرو كيف استغلت شركات الأدوية الغربية حقيقة أن أرباح الأطباء الصينيين كانت مرتبطة بكمية العقاقير التي وصفوها، قبل أن تتخذ السلطات الصينية إجراءً قبل بضع سنوات يخص هذه المسألة. كان نظام الدفع يهدف إلى مكافأة الأداء ولكنه انتهى بتحفيز المبالغة في وصف الأدوية. وكان من الممكن التنبؤ بالنتائج، إذ قام الوسطاء برشوة الأطباء نيابة عن شركات الأدوية الكبرى المصممة على الاستفادة من النمو الذي لم يعد متاحًا في أسواقهم المحلية.
لم يقوض هذا الأمر الثقة في الأطباء فحسب، بل انجرت عنه عواقب وخيمة على الصحة العامة. يقول مونتيرو “إن الإفراط في استخدام الصين للمضادات الحيوية أدى إلى ظهور سلالات مقاومة للمضادات الحيوية لمختلف الأمراض، مثل السل والزهري، فضلاً عن العديد من البكتيريا الخارقة، التي أطلق عليها مسؤولو الصحة اسم “البكتيريا الكابوس” لأنها ما زالت مقاومة لجميع المضادات الحيوية المعروفة، وبالتالي يمكن أن تكون قاتلة”.
يلخص مونتيرو الأبحاث التي تظهر أنه كلما ارتفع مستوى خيانة الأمانة العامة في بلد ما، انخفض النمو الاقتصادي وزاد عدم المساواة في الدخل. وهذا هو بالضبط ما يمكن قياسه، كيف يمكنك قياس مدى فقدان الثقة في الموظفين العموميين والمؤسسات الناجم عن الرشوة المنتشرة؟ إذا كان الهجوم الذي شنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على قواعد الحكم مؤلماً للعديد من الأميركيين، فكيف ينبغي أن يكون شعور سكان بلد مثل نيجيريا بعد عقود من حكم الكليبتوقراطية الراسخة؟ كيف سيكون الأوكرانيون، على سبيل المثال، قادرين على بناء ديمقراطية حقيقية بعد أن اعتادوا على الموظفين العموميين الذين يسرقون ولا يعملون؟
ميناء مونتي كارلو في موناكو، والذي يعتبر على نطاق واسع ملاذاً من الضرائب.
الكشف عن المستور
كل من يكتب عن الفساد يجد أن تشخيص الأزمة أسهل من حلها. ينتج هذا جزئيًا عن قلة المعرفة بالأبعاد الدقيقة للفساد كما يعكس مدى صعوبة المشكلة. على سبيل المثال، تُعد الأزمة المتمثلة في تمكين الفساد خارج البلاد نتيجة للعولمة، وأي أمر سيقلص هذه التدفقات المالية سيحد أيضًا من أنشطة الشركات والأفراد القويين ذوي النفوذ الواسع والمتهربين من الضرائب. لذلك، من الطبيعي أن تكافح مثل هذه القوى للحصول على دعم سياسي.
من جهة أخرى، تركز العديد من حلول مونتيرو على البلدان التي تتفشى فيها الرشوة، كما يدعو إلى تمويل أفضل لوكالات مكافحة الفساد وتعزيز القضاء المستقل من خلال رواتب أعلى وحماية قانونية أفضل. ومع ذلك، فهو لا يقترح كيفية تحقيق تلك التغييرات في البلدان التي أصبحت فاسدة لدرجة حصول الطبقة السياسية برمتها على الرشاوى.
في الواقع، لم قد يوافق أي شخص في الكرملين، على سبيل المثال، على الإصلاحات التي من شأنها إضعاف نموذج أعماله بالكامل؟ حتى لو تمرّد الروس العاديون، فإن النخبة ستستمر في الحفاظ على ثروتها المسروقة، المخبأة في الخارج دون أمل لاسترجاعها. يتمثل الحل الوحيد في الجهود طويلة الأجل والتدريجية لفرض خاصية مصداقية على الموظفين العموميين والمواطنين على حد سواء. لكن يصعب تحقيق هذا الأمر مع ارتفاع مكافآت الفساد بشكل مطرد وتراجع العواقب بشكل كبير.
عندما يُمنح البشر خيار ارتكاب جريمة دون عقاب فإنهم يميلون لارتكابها
إذا تجاوزت نظرتنا البلدان التي يقع فيها طلب الرشاوى وركزنا على الأماكن التي تُدفع وتُغسل فيها، فإن مونتيرو محق في دعوة الحكومات للعمل معًا بشكل أوثق لمحاربة ما يسميه “بنظام الاسترداد العالمي”، خاصة في بلدان مثل قبرص، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، التي تعد نقاطا مهمة في النظام المصرفي الدولي. في المقابل، لا يحدد طرقًا جديدة ينبغي عليهم اعتمادها معًا، أو كيفية تغلبهم على انعدام الثقة الذي مسّ السياسة في جميع أنحاء العالم، بل جعل التعاون الدولي أقل احتمالًا الآن مما كان عليه منذ عقود.
إن الحل الحاسم الذي لا يتعامل معه مونتيرو هو التزام الحكومات بشفافية الشركات. تتضمن كل حلقة من حالات الفساد الموصوفة في كتاب “كيك باك” استخدام هياكل الشركات المجهولة التي تسمح للمسؤولين المحتالين بوضع حاجز إنكار بينهم وبين الرشاوى التي طلبوها وتمكين الشركات من الادعاء بأنهم لم يكونوا على علم بتورّطهم في الرشوة.
هذا النوع من الكليبتوقراطية الاستبدادية المتصاعدة والمتفشية في أماكن مثل الفلبين وروسيا سوف يصبح قاعدة عالمية
بالإضافة إلى ذلك، يظل إنشاء شبكة من الشركات الوهمية أمرًا سهلاً وغير مكلف، ويحير حتى وكالات إنفاذ القانون ذات أفضل الموارد، من خلال جعل تحديد المالكين الحقيقيين لأي كيان مالي أمرًا مستحيلًا. لقد أظهر التاريخ أنه عندما يمنحون خيار ارتكاب جريمة دون عقاب، يميل البشر إلى القيام بذلك.
على الرغم من وجود بعض التحرّكات من قبل الاتحاد الأوروبي وبين بعض المشرعين في الكونجرس الأمريكي لإجبار الشركات على الكشف عن مالكيها الحقيقيين، إلا أن هذا الجهد ما زال غير مكتمل ويفتقر لموارد، ويطبق بالكاد على صناديق الائتمان والمؤسسات التي تسيطر على قدر كبير من ثروة العالم. إذا كشفت الملاذات الكبرى للثروة، مثل سويسرا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، عن ملكية جميع الممتلكات العقارية والكيانات المؤسسية بشكل علني، فإن الحرية المتاحة للجهات الفاعلة الفاسدة ستنكمش بشكل كبير، وسيسهُل عمل وكالات إنفاذ القانون.
في الحقيقة، شرح مونتيرو سبب اهتمام الجميع بالفساد بشكل جيد. لذلك، يظل الأمر بين أيادي السياسيين والأكاديميين والمسؤولين الحكوميين لتحويله إلى أولوية. خلافا لذلك، فإن هذا النوع من الكليبتوقراطية الاستبدادية المتصاعدة والمتفشية في أماكن مثل الفلبين وروسيا سوف يصبح قاعدة عالمية. فكّر في كيفية تمكن كميات الأموال المشكوك فيها الضئيلة نسبيا من زعزعة استقرار النظام السياسي الأمريكي. لا ينبغي محاربة الفساد شكليا فقط، فالأمر مهم للدفاع عن الديمقراطية الليبرالية
المصدر: فورين أفيرز