ترجمة وتحرير: نون بوست
عقب ساعات من تعيين العميد إسماعيل قاآني خلفا للقائد العسكري قاسم سليماني الذي يحظى باحترام كبير في البلاد، ظهرت صورة القائد الجديد لفيلق القدس على شبكات التواصل الاجتماعي الإيرانية.
من بين العناصر الخمس وعشرون التابعين لفيلق القدس التابع لحرس الثورة الإسلامية، يعتبر قاآني البالغ من العمر 62 سنة من الناجين القلائل من الحرب ضد العراق، حيث لقي معظمهم حتفهم في الصراع الذي استمر ثماني سنوات، والذي ألقى الإيرانيون اللوم فيه على الولايات المتحدة، وشكلوا جيلًا من القادة العسكريين. ومنذ ذلك الحين، اعتبروا شهداء. بالنسبة للإيرانيين، يعتبر قاآني، الذي نجا من حرب لقي خلالها مئات الآلاف من الأشخاص حتفهم من كلا الجانبين، فإن هذا الجنرال سيتقاسم مشاعر العداء ذاتها تجاه الولايات المتحدة على غرار سلفه، الذي اغتالته الولايات المتحدة في غارة جوية يوم الجمعة.
يواجه الجنرال قاآني، الذي كان يشغل السابق منصب نائب سليماني، أمة تشعر بالحزن الشديد لفقدان القائد العسكري الأكثر احتراما في تاريخ إيران الحديث. إذا ردت طهران على مقتل سليماني كما توعد قادتها، فسيكون هذا الانتقام على يد الجنرال قاآني. وجاء هذا التصعيد في الوقت الذي تواجه فيه الجمهورية الإسلامية أزمة اقتصادية داخلية بسبب العقوبات الأمريكية التي تثقل كاهلها، علما وأن الولايات المتحدة وحلفائها العرب يحملون مسؤولية عدم الاستقرار في جميع أنحاء الشرق الأوسط لسيلماني، لا سيما وأن إيران تقدم دعما للجماعات المسلحة في كل من سوريا والعراق ولبنان واليمن.
تجدر الإشارة إلى أنه حتى الإيرانيين الذين لم يكونوا على اتفاق مع الاستراتيجية الإقليمية التي ينتهجها سليماني، يكنون له احتراما كبيرا بسبب قدرته على الحفاظ على أمن إيران في منطقة تعيش اضطرابا وتوترا. وعلى الرغم من مخاوفهم من احتمال نشوب حرب شاملة ضد الولايات المتحدة، إلا أن مؤيدي النظام يطالبون بالانتقام. حين طرحت ابنة سليماني على الرئيس الإيراني حسن روحاني يوم السبت السؤال التالي: “من سينتقم لمقتل والدي؟” ردّ قائلا: “لا تقلقي! سيشارك الجميع في الجهود الرامية إلى الانتقام من المسؤولين عن ذلك”.
قيادة سليماني المؤثرة ساعدت إيران على إنشاء شبكة من الوكلاء في جميع أنحاء المنطقة
في سياق متصل، أكّد محللون أن قيادة سليماني المؤثرة ساعدت إيران على إنشاء شبكة من الوكلاء في جميع أنحاء المنطقة، الأمر الذي أدى إلى تشكّل نطاق نفوذ غير مسبوق يمتد من الخليج إلى البحر المتوسط. وعلى الرغم من مسيرته العسكرية الطويلة، إلا أن قدرة الجنرال قاآني على ممارسة قدر مماثل من النفوذ على الصعيدين المحلي أو الدولي ما زالت غير واضحة. وقال روحاني يوم السبت إن سليماني “لا يمكن استبداله بسهولة لأنه لم يكن مجرد قائد حرب يتمتع بقدرة كبيرة على التخطيط لعمليات في غاية الأهمية، بل كان أيضًا سياسيًا واستراتيجيًا موهوبًا وفريدًا”.
بعد فترة وجيزة من اندلاع الثورة الإسلامية سنة 1979، التحق الجنرال قاآني، الذي تعود جذوره إلى مدينة مشهد المقدسة، بصفوف الحرس الثوري المشكّل حديثًا حين كان في العشرينات من عمره. في البداية، خدم في إقليم كردستان الإيراني، ولكن، حين اندلعت الحرب ضد العراق سنة 1980، التحق بجبهة القتال حيث شغل منصب قائد في الجيش حتى نهاية الحرب سنة 1988. وحيال هذا الشأن، قال أحد سكان مدينة مشهد الذي انضم إلى “فرقة 21 الإمام الرضا” بقيادة الجنرال قاآني خلال الحرب “كان أحد القادة القلائل في مقاطعة خراسان الذين برزوا خلال الحرب”.
إثر انتهاء الحرب، انتقل إلى طهران وانضم إلى فيلق قوات القدس، الذراع الخارجي للحرس الثوري الإيراني. في سنة 2012، قالت وزارة الخزانة الأمريكية إن الجنرال قاآني كان مسؤولاً عن “النفقات المالية” على العناصر الموجودة في أفريقيا وحزب الله اللبناني وشحن الأسلحة إلى غامبيا في غرب إفريقيا.
من غير الواضح ما إذا كان هذا القائد العسكري قادرا على مواصلة حشد النفوذ الذي اشتهر به سليماني. الجدير بالذكر أن سليماني لعب دورا محوريا في إقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالتدخل في الحرب السورية، وهي خطوة حددت نتائج الصراع وساعدت في الإبقاء على بشار الأسد في السلطة. وفي هذا الخصوص، صرح حسين أمير عبد اللهيان، وهو دبلوماسي كبير سابق، أنه باستثناء سليماني، لم يكن أحد قادرا على التعامل مع مثل هذه الاجتماعات الدبلوماسية والسياسية رفيعة المستوى.
على مدار العقد الماضي، تولى الجنرال قاآني منصب نائب قائد فيلق القدس. وكُلّفت هذه القوات، التي صنّفتها الولايات المتحدة منظمة إرهابية، بمنع الولايات المتحدة من توسيع وجودها في المنطقة، وهو ما تعتبره مهمة مقدسة. لعل علاقة العمل الوثيقة التي كانت تربطه بسليماني قد أعدته لتولي منصبه الجديد. وأشار أحد المحللين في التلفزيون الحكومي الإيراني قائلا: “صرّح سليماني في عدة مناسبات خلال السنوات الخمس أو الست الماضية، في دوائر خاصة، “أنا وقاآني روح واحدة في جسدين”. وتابع المحلل قوله: “عندما كان سليماني مسافرا، كان قاآني يقدم له المشورة… ويحضر اللقاءات عالية المستوى… وفي الآن ذاته، تعرف جميع جماعات المقاومة في مختلف المناطق قاآني جيدًا”.
في الواقع، نشأت العلاقة بين الرجلين خلال السنوات الأولى للحرب ضد العراق. ونقلا عن وصف الجنرال قاآني للعلاقة التي تجمعه بسليماني في وسائل الإعلام المحلية، قال: “نحن رجال حرب. لا تتشكل روابطنا وصداقتنا على أسس الجغرافيا والأرض والمدن التي ننتمي إليها”، مضيفا “أولئك الذين يصبحون أصدقاء أثناء الأوقات العصيبة يمكنهم الحفاظ على علاقات أقوى وأكثر ديمومة”.
خلال العديد من المقابلات، أوضح الجنرال قاآني أن أكثر ما يهمه هو الوفاء بواجبه الديني، الذي يتمثل في تخليص العالم الإسلامي من الظلم واستمرار القتال ضد الولايات المتحدة. وفي سياق متصل، قال الجنرال قاآني في مقابلة مع مجلة رمز عبور قبل أربع سنوات إن”المأزق الذي يواجهنا مع الولايات المتحدة والإسرائيليين لا يتعلق بالقضايا النووية وحقوق الإنسان وما إلى ذلك، بل يتعلق بتعلمنا طرق مقاومتهم وتعليم هذا للآخرين”. وأردف قائلا “سيكون من السذاجة أن يعتقد الأمريكيون أن الثورة الإسلامية ستترك لهم المجال للتصرف بحرية.
المصدر: فايننشال تايمز