اتفقت الجزائر وتركيا الثلاثاء على تجنب أي إجراء عملي يزيد تعكير الأجواء في ليبيا، وبذل كل الجهود لوقف إطلاق النار في الجارة الشرقية للجزائر في ختام الزيارة التي أداها وزير الخارجية التركية مولود جاويش أوغلو للجزائر، ودامت يومين، فهل سيؤسس هذا الاتفاق لحل الأزمة في طرابلس ولشراكة جديدة بين البلدين؟
رئيس الدبلوماسية التركية أجرى خلال الزيارة مباحثات مع مختلف المسؤولين الجزائريين يتقدمهم الرئيس عبد المجيد تبون والوزير الأول عبد العزيز جراد، إضافة إلى نظيره صبري بوقدوم.
اتفاق
بيان للرئاسة الجزائرية أفاد بأن تبون بحث مع جاويش أوغلو الملف الليبي الذي أصبح اليوم ضمن أولى أجندات البلدين، بالنظر لحساسيته بالنسبة للجزائر البلد المجاور لطرابلس، وكذا بالنسبة لتركيا التي تنوي التدخل عسكريًا هناك بعد توقيع اتفاق مع حكومة الوفاق الوطني التي يرأس مجلسها الرئاسي فايز السراج.
وجاء في بيان الرئاسة الجزائرية أن اللقاء تناول “الوضع في ليبيا في ضوء تصعيد أعمال العنف الناجمة عن التدخلات الأجنبية، التي تعقد سبل الحل السياسي الكفيل وحده بإعادة الأمن والسلم والاستقرار إلى ربوع ليبيا الشقيقة”.
ويقصد الطرفان قوات الضابط المتقاعد خليفة حفتر الذي ترفض الجزائر استعانته بقوى دولية لتنفيذ أجندة خارجية في ليبيا، خاصة بعد الهجمات المسلحة التي يقودها ضد في طرابلس، وأشار بيان الرئاسة الجزائرية أيضًا إلى أنه “بعد تحليل معمق للوضع من كل جوانبه، بما فيها التدخلات العسكرية الأجنبية في التراب الليبي، اتفق الطرفان على تجنب أي إجراء عملي يزيد في تعكير الأجواء، وبذل كل الجهود لوقف إطلاق النار”، وعبر البلدان “عن أملهما في أن تكون الندوة الدولية المزمع تنظيمها حول ليبيا بداية للحل السياسي الشامل الذي يضمن وحدة ليبيا شعبًا وترابًا ويحمي سيادتها الوطنية”.
وبالنظر لعدم تنظيم ندوة صحفية، يبقى ما جاء في البيان محل قراءات وتساؤلات ستكون الأيام القادمة كفيلة بالإجابة عنها، ومنها هل تعني جملة “اتفق الطرفان على تجنب أي إجراء عملي يزيد في تعكير الأجواء” تخلي أنقرة ولو على الأقل مؤقتًا عن التدخل عسكريًا في ليبيا، بالنظر إلى أن الجزائر لا تحبذ هذا الإجراء، وترافع لدفع آلة الحوار السياسي أم أن مضمون هذه العبارة موجه بالأساس للدول التي ترمي يوميًا الزيت على النار المشتعلة في ليبيا.
توقيت خاص
لا تشبه الزيارة التي أداها جاويش أوغلو إلى الجزائر مطلقًا باقي الزيارات التي أداها المسؤولون الأتراك إلى الجزائر، بالنظر إلى تطورات الوضع في المنطقة وبالتحديد في ليبيا، وكذا تزامنها مع زيارة رئيس المجلس الرئاسي الليبي فايز السراج.
يظهر أن هذه الزيارة كانت فرصة لتحاور الجزائر وتركيا بأوراق مكشوفة وبموقف واضح، وهو ما ظهر بعدما أدانت الرئاسة الجزائرية الإثنين الماضي بقوة أفعال حفتر وهجومه على الكلية العسكرية في طرابلس، وقال بيان الرئاسة الجزائرية “وهنا تندد الجزائر بقوة بأعمال العنف، وآخرها تلك المجزرة التي حصدت أرواح حوالي 30 طالبًا في الكلية العسكرية بطرابلس، وهو عمل إجرامي يرقى إلى جريمة حرب. إن الجزائر تعتبر العاصمة الليبية طرابلس خطًا أحمر ترجو أن لا يجتازه أحد”.
حكومة الوفاق ترى أن الدور الجزائري مهم جدًا، باعتبار أن الجزائر جارة ولم تتورط في الأزمة الليبية عسكريًا
يتطابق موقف اعتبار طرابلس خطًا أحمر إلى أبعد الحدود مع الموقف التركي، وهو ما جعل حكومة الوفاق الوطني التي وقعت على الاتفاق العسكري مع تركيا ترى في التحرك الجزائري إضافة فعالة لحل الأزمة الليبية.
وقال الناطق باسم الخارجية الليبية محمد القبلاوي في تصريح للإذاعة الجزائرية إن حكومة الوفاق ترى أن “الدور الجزائري مهم جدًا، باعتبار أن الجزائر جارة، وباعتبارها لم تتورط في الأزمة الليبية عسكريًا، وبالتالي فإن دورها مهم جدًا، وسيكون محوريًا خاصة أننا بدأنا نجني ما حاولنا أن نركز عليه في الأيام السابقة، وهو ضرورة إشراك الجزائر في أي تسوية سياسية في أي مؤتمر أو جهود دولية”.
وما يزيد من خصوصية زيارة جاويش أوغلو أنها تزامنت مع حراك دبلوماسي جزائري حقيقي تمثل في اتصالات مع وزراء خارجية فرنسا ومصر والإمارات وهي الأطراف الداعمة لحفتر ولا تتفق مع الرؤية التركية، إضافة إلى دعم ألماني للموقف الجزائري.
كما سبقت زيارة جاويش أوغلو جولة مرتقبة لوزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو إلى المنطقة وتشمل الجزائر، وهو المعنية بلاده مباشرة بالملف الليبي بدرجة كبيرة، حيث ستعمل الجزائر على نقل مواقف الدول التي تحادثت معها أيضًا للوزير الإيطالي الذي أكد أن بلاده تدين هي الأخرى الهجوم الذي قامت به قوات حفتر ضد الكلية العسكرية بطرابلس، وفق ما نقلت وكالة “أكي”.
ومهما اختلفت وجهات نظر الجزائر وتركيا بشأن الحل في ليبيا، إلا أنها تظل تلتقي في نقطة مهمة تتمثل في دعم المؤسسات الرسمية المعترف بها دوليًا ممثلة في حكومة الوفاق الوطني، ورفض التدخل الأجنبي الذي ترفضه حكومة طرابلس أيضًا.
شراكة إستراتيجية
وبما أن السياسة والاقتصاد مجالان لا يمكن فصلهما عن بعضهما البعض في العلاقات الدولية، فقد شكلت هذه الزيارة لجاويش أوغلو أيضًا فرصة للحديث عن العلاقات بين البلدين التي سترُقّى إلى مستوى إستراتيجي.
وقال في هذا الإطار جاويش أوغلو في تغريدة على “تويتر”: “نقلنا تحيات رئيس الجمهورية التركية إلى رئيس الجمهورية الجزائرية عبد المجيد تبون. سنرفع مستوى التعاون بين البلدين إلى مستوى المجلس الإستراتيجي، سنقوم بالتعاون على أساس مصالحنا المشتركة بشأن القضايا الإقليمية، وخاصة الأزمة الليبية”.
بدوره، أشار بيان الرئاسة الجزائرية أن الوزير التركي نقل لدى استقباله من طرف الرئيس تبون “تهاني الرئيس رجب طيب أردوغان إلى الرئيس بمناسبة انتخابه رئيسًا للجمهورية، وقدم له تعازيه في وفاة المرحوم الفريق أحمد قايد صالح طيب الله ثراه”، وأشار المصدر ذاته إلى أن اللقاء “تناول المستوى الجيد للعلاقات الثنائية، وكيفية إعطائها دفعًا قويًا على أسس جديدة، وتوسيع آفاقها إلى تعاون أعمق في المجال الاقتصادي وتبادل الخبرات ونقل التكنولوجيا”.
وحسب بيان الرئاسة الجزائرية، فقد أكد الطرفان “إرادتهما لإنعاش آليات التعاون القائمة، ووضع ميكانيزمات جديدة تمكن من إقامة تشاور إستراتيجي على أعلى مستوى”، ووجه الرئيس الجزائري دعوة لنظيره التركي رجب طيب أردوغان، لزيارة الجزائر “وقد قبلها الطرف التركي على أن يحدد موعدها في الأيام القادمة”.
يبدو أن الأزمة الليبية التي كانت ستمثل نقطة خلاف بين البلدين بالنظر إلى رؤية كل طرف لحلها، ستتحول إلى قضية ستزيد من شراكة بلدين مؤثرين في المنطقة، خاصة في حال ما نفذ الرئيس تبون الوعود التي أطلقها بشأن “الجزائر الجديدة” التي يتكلم عنها في خطاباته، وهو ما قد يسمح برفع التبادل التجاري بين البلدين الذي تمثل في استيراد الجزائر خلال الأشهر الـ11 الأولى من 2019 ما يزيد قيمته على 2.049 مليار دولار من تركيا، وتصديرها نحو ما قيمته 2.015 مليار دولار، ما يعني أن الميزان التجاري بينهما متقارب إلى حد ما، وأن شراكتهما متوازنة.