قبل 4 سنوات، احتضنت مدينة الصخيرات المغربية مختلف الأطراف الفاعلة في ليبيا على طاولة واحدة، لبحث حل لأزمة بلدهم المنكوب، فكان أن توصلوا لاتفاق سياسي لتسوية الأزمة الليبية، لكن منذ ذلك الوقت غاب المغرب عن الساحة الليبية، فلا نكاد نسمع له صوتًا ولو خجولًا في هذه الأزمة.
اتفاق الصخيرات
سنة 2015، كان المغرب مقصد الليبيين وكل المتدخلين في الشأن الليبي للتفاوض والتشاور بخصوص أزمة هذا البلد العربي الذي يعاني نتيجة الاقتتال الداخلي والتدخل الخارجي. سَعى المغرب في تلك الفترة إلى تقريب وجهات نظر جميع الأطراف المتدخلة التي لها علاقة بالأزمة، من خلال سلسلة من المفاوضات، وكان هدفه حينها تقريب وجهات النظر ودعم المرحلة الانتقالية في البلاد وعدم وقوع ليبيا في المتاهات.
هذا الصمت، يرى فيه بعض المغاربة، دليل تشبث من سلطات بلادهم بحكومة الوفاق الوطني
أفرزت هذه المفاوضات المراثونية توقيع الأطراف الليبية المتنازعة في 17 من ديسمبر/كانون الأول 2015، على اتفاق سياسي في مدينة الصخيرات، برعاية الأمم المتحدة وحضور وزراء خارجية دول إيطاليا وقطر وتركيا وإسبانيا وتونس، إضافة إلى وزير الخارجية المغربي صلاح مزوار.
نص هذا الاتفاق الذي احتضنه المغرب، وما زال العمل به إلى الآن، على تشكيل حكومة وحدة وطنية توافقية واعتبار برلمان طبرق الهيئة التشريعية وتأسيس مجلس أعلى للدولة ومجلس أعلى للإدارة المحلية وهيئة لإعادة الإعمار وأخرى لصياغة الدستور ومجلس الدفاع والأمن.
صفق الليبيون كثيرًا لهذا الاتفاق، رغم ما يحتويه من نقائص اتفق على تلافيها فيما بعد، لكن منذ يوم توقيعه توارت الصخيرات وباقي المدن المغربية التي احتضنت المشاورات والمفاوضات لأشهر عدة عن الأنظار، فلم يعد لهذه المدن أي دور في الشأن الليبي.
تريث وانتظار
بعد أن استضافت مدنه جولات عدة من المفاوضات بين مختلف الفرقاء الليبيين، اختار المغرب الابتعاد والاكتفاء بمراقبة الوضع من بعيد، فضلًا عن تبني خيار الحياد السلبي، ما أثار استغراب العديد من المهتمين بالشأن المغاربي.
ابتعاد المغرب عن هذا الملف، جعله يخرج من بين أيديها ويذهب إلى جهات ودول أخرى، بعضها يسعى لخير ليبيا وشعبها، والبعض الآخر يسعى إلى الإمساك بهذا الملف لتأزيم الوضع هناك وإطالة أمد الصراع لما له من مصالح كبرى في ذلك.
تم توقيع اتفاق الصخيرات قبل 4 سنوات
انسحاب المغرب من الساحة اللبيبة، جاء بعد تشعب الموقف هناك وتدخل العديد من الدول في هذه الأزمة، فقد ارتأت الرباط “الغموض” وتأجيل إصدار موقف واضح من الأزمة الليبية وأطراف الصراع حتى لا تحسب على أي محور.
يرى رئيس المركز الأطلسي للدراسات الإستراتيجية عبد الرحيم المنار أسليمي، أن الأمر لا يتعلق بغموض في موقف المغرب ولا بغياب عن المشهد الليبي، ويقول أسليمي في تصريح لنون بوست: “يجب فهم وتفسير سلوك السياسة الخارجية من منطلقات متعددة ، أولًا، أن الوثيقة الوحيدة التي ما زالت تروج في الساحة الليبية رغم وجود صراع وعدم تفاهم بشأن مضمونها هي اتفاق الصخيرات الذي جرى في المغرب”.
ويضيف “المغاربة يتريثون ويعرفون جيدًا أن كل الأطراف الليبية ستعود في نهاية المطاف إلى وثيقة الصخيرات ما دامت هي اللحظة الوحيدة التي جمعتهم طيلة مسار الأزمة”.
توجه جديد في حل الأزمات العربية
فضلًا عن ذلك، يقول محدثنا: “المغرب بات له توجه جديد في حل الأزمات العربية وهذا يظهر بوضوح عندما يطالب بأن يتم حل الأزمة بين الأطراف الليبية نفسها وقد لاحظنا موقف المغرب في الاجتماع الأخير لجامعة الدول العربية”، ويؤكد أسليمي أن المغرب “يرفض أن تفرض أقلية القرارات في العالم العربي ويدعو أن تكون المواقف مبنية على مصالح مشتركة لكل الدول العربية وليس اتخاذ قرارات تخدم أقلية من الدول العربية ضد أخرى”.
دعم حكومة الوفاق
هذا الصمت، يرى فيه بعض المغاربة، دليل تشبث من سلطات بلادهم بحكومة الوفاق الوطني، ويستدلون على ذلك بالتصريحات القليلة التي تدلى في هذا الشأن، منها ما أدلى به وزير خارجية المغرب ناصر بوريطة مؤخرًا، من أن “اتفاق الصخيرات كان ولا يزال اتفاقًا جيدًا، وأن تكاثر المبادرات بشأن الأزمة يؤدي إلى تنافر بينها”.
وقال بوريطة على هامش لقاء صحافي بمناسبة افتتاح القنصلية العامة لغامبيا بمدينة الداخلة جنوب المغرب، إن التدخلات الأجنبية “لم تعمل إلا على تعقيد الوضع بليبيا، وإبعاد آفاق حل سياسي بالبلاد، وتكريس الخلافات الداخلية وتهديد السلم والأمن بالمنطقة المغاربية برمتها”.
توقع رئيس المركز الأطلسي للدراسات الإستراتيجية عبد الرحيم المنار أسليمي، أن يصدر عن بلاده مبادرة جديدة لحل الأزمة الليبية بعد وصول الأزمة إلى كل الممرات المغلقة
شدد الوزير المغربي على أنه لا يوجد أي حل عسكري للنزاع في ليبيا، موضحًا أن حل الأزمة التي يعرفها هذا البلد الشقيق، لا يمكن أن يكون إلا سياسيًا، ويكمن في التوافق بين الفرقاء الليبيين، في إطار المصلحة العليا لليبيا وللشعب الليبي وأن هذا الحل السياسي يمر عبر مرحلة انتقالية وفقًا لمقتضيات اتفاق الصخيرات السياسي، وذلك من خلال تعزيز هذا الاتفاق وتجويده إن لزم الأمر.
وقبل ذلك، قال المتحدث باسم الحكومة المغربية الحسن عبيابة، عقب اجتماع لحكومة البلاده، إن المملكة مستعدة لبذل أي مجهود لحل الأزمة الليبية، مضيفًا “المغرب بذل مجهودًا مع الأشقاء الليبيين لحل مشكلتهم، وهم يعتبرون اتفاق الصخيرات اتفاقًا مرجعيًا”، وأوضح أن بلاده تحترم السيادة الليبية وتحترم كل المجهودات التي بذلت من أجل تطبيق اتفاق الصخيرات الذي يعتبر اتفاقًا تاريخيًا، وتابع عبيابة “نحن مستعدون لبذل أي مجهود لحل مشكل دولة تنتمي للمغرب العربي”.
مبادرة جديدة متوقعة
توقع رئيس المركز الأطلسي للدراسات الإستراتيجية عبد الرحيم المنار أسليمي، أن يصدر عن بلاده مبادرة جديدة لحل الأزمة الليبية بعد وصول الأزمة إلى كل الممرات المغلقة، فالقوى الخارجية المتدخلة باتت على أبواب المواجهة وحفتر على وشك النهاية لأن ورقة دخول طرابلس ستموت في الأيام المقبلة، وفق قوله.
وتوقع أن تُقبل هذه المبادرة المغربية الجديدة من كل الأطراف، “فالسياسة الخارجية المغربية تتصف بالاتزان والتريث وتعرف جيدًا الوقت الذي تتقدم فيه المبادرات وتوقيت القيام بالاتصالات لمحاولة جمع أطراف الأزمة الليبية”.
خسائر كبيرة نتيجة هجوم حفتر على طرابلس
بدورها قالت الباحثة المغربية في الشؤون السياسية شريفة لومير إن المغرب كان دائمًا يدافع عن مبدأ الحل الداخلي وقدم تصورًا سياسيًا للحل، بعيدًا عن التدخلات الأجنبية التي لن تزيد إلا في تأزم الوضع خصوصًا إذا تم اللجوء للتدخل العسكري.
ورأت لومير في تصريح لنون بوست أن “الحل العسكري لا يخدم إلا الأطماع الخارجية في ليبيا وهذا ما سيجعل من ليبيا بؤرة للصراعات والتجاذبات التي ستنعكس أكيد على دول الجوار تونس والجزائر والمغرب”.
“لهذا فالمغرب ما زال يلعب دورًا إيجابيًا مهمًا في حل هذه الأزمة بشكل عقلاني يخدم مصلحة ليبيا وشعبها بشكل خاص وبالتالي ينعكس على الاستقرار في المنطقة الإقليمية بشكل عام، لأن رؤية المغرب في التعاطي مع هذا الموضوع تستحضر مصلحة ليبيا أولًا”، وفق قولها.