“هدفي وحلمي التتويج بهذه الجائزة، لدي الشغف دائمًا للحصول عليها، أظن العام المقبل لن أتركها وسأحصل عليها؛ سأفعل ما في وسعي لأكون هنا العام القادم وأتوّج بها.. كرة القدم لايوجد بها شيئ مضمون بنسبة 100% ولكن دع كل شيء يحدث كما يجب، لاتوجد لدي خطط محددة ولكني واثق أنني سأفعل ما يلزم لأفوز بهذه الجائزة”.. هكذا تعهد اللاعب السنغالي ساديو ماني نجم ليفربول الإنجليزي، قبل عام، بالحصول على جائزة أفضل لاعب إفريقي للعام الحالي.
ساديو الذي ظهر إلى جوار زميله، محمد صلاح، في 8 يناير 2019، على منصة تسليم الجائزة التي فاز بها الأخير، بينما عيناه تحتضن الدرع الذي يُمسك به أحمد أحمد، رئيس الاتحاد الأفريقي “كاف” على مسرح الحفل، هاهو اليوم يصدق ما وعد به، محققا حلم حياته في أن يصبح “ملك إفريقيا”.
وفي حفل بهيج احتضنه منتجع الغردقة (شرق القاهرة)، مساء أمس الثلاثاء، لتوزيع جوائز الاتحاد الأفريقي لكرة القدم “كاف” أعلن عن فوز ماني بالجائزة، متفوقًا على منافسيه، المصري صلاح، نجم ليفربول والجزائري رياض محرز نجم مانشستر سيتي الإنجليزي لينضم اللاعب إلى قائمة كبار القارة السمراء لأول مرة في تاريخه.
مسيرة كروية حافلة
8 سنوات كاملة قضاها ماني فوق المستطيل الأخضر، نجح خلالها في كتابة اسمه بأحرف من نور في سجلات تاريخ كرة القدم، الأوروبية والإفريقية على حد سواء، منافسًا بذلك أباطرة اللعبة وكبارها، على رأسهم الأرجنتيني ليونيل ميسي، والبرتغالي كريستيانو رونالدو.
ومن قلب العاصمة السنغالية، دكار، سجل اللاعب المولود في 1992، أولى ضرباته الكروية على الأرض، حين بدأ في تقديم أوراق اعتماده كلاعب مهاري في صفوف نادي جينيراسيون فوت، ليخطف بعضها أنظار نادي ميتز الفرنسي المرتبط بعقد تمويل مع النادي السنغالي، ليضطر اللاعب بعدها إلى السفر دون علم والديه، خشية منعه من السفر.
وفي يناير 2012 انضم ماني إلى صفوف النادي الفرنسي، وسجل له هدفًا وحيدًا على مدار 12 مباراة خاضها، وانتهت بهبوطه إلى دوري الدرجة الثانية، لكنه لم يستمر معهم طويلًا، ففي أغسطس من نفس العام انتقل إلى صفوف “ريد بل سالزبورج” النمساوي، 2012، مقابل 4 ملايين يورو، وقاده إلى الفوز بلقبي الدوري والكأس، وكان له دور بارز في تحقيق اللقبين، عبر إحرازه العديد من الأهداف.
لفت السنغالي أنظار معظم مدربي البريمير ليج، وكان مطلب للعديد من الأندية، لكنه آثر أن يكون ضمن صفوف الريدز “ليفربول”
لم يقف طموح اللاعب الشاب عند حدود الدوري النمساوي، إذ كان البريمير ليج “الدوري الإنجليزي” هو الحلم الذي يداعبه منذ نعومة أظفاره، وبالفعل انتقل إلى صفوف “ساوثهامبتون” مقابل 11.8 مليون جنيه إسترليني وكان ذلك في 2015، ليحقق في هذا الموسم رقمًا قياسيًا جديدًا في الدوري الإنجليزي كأسرع هاتريك عندما سجل ثلاث أهداف في 176 ثانية خلال مباراة الفوز على أستون فيلا 6–1.
لفت السنغالي أنظار معظم مدربي البريمير ليج، وكان مطلب للعديد من الأندية، لكنه آثر أن يكون ضمن صفوف الريدز “ليفربول” لينتقل إليه في 2016 في صفقة بلغت قيمتها بنحو أربعين مليون يورو، ليدخل على إثرها عالم الشهرة والنجومية، ويفرض نفسه كأحد أبرز الموهوبين في الدوريات الأوروبية.
وخلال 3 أعوام كاملة قضاها اللاعب ذو البشرة السمراء مع ناديه الإنجليزي الجديد، نجح في دعم الفريق بصورة كبيره، حيث قاده إلى نهائي دوري أبطال أوروبا في عام 2018 والحصول على اللقب، بعد إحرازه 5 أهداف طوال مشوار البطولة، هذا بخلاف فقدان التتويج باللقب المحلي بفارق نقطة واحدة عن مانشستر سيتي الذي حصل على الدوري المحلي.
وفي العام الماضي توج ماني تألقه بقيادة ليفربول إلى الفوز بكأس السوبر الأوروبي 2019 بعد أن أحرز هدفين خلال الوقت الأصلي من المباراة أمام تشيلسي التي انتهت بالتعادل 2-2 وفاز فيها “الريدز” 5–4 بركلات الترجيح بعد انتهاء المباراة بالتعادل. واختير “ماني” رجل المباراة.
كما حصل على جائزة الحذاء الذهبي في الدوري الإنجليزي الممتاز “بالمناصفة” برصيد 22 هدفًا، من إجمالي 32 مباراة خاضها، وقد رشح للمنافسة على لقب أحسن لاعب في إفريقيا العام الماضي، لكن الحظ لم يحالفه بعد أن فاز بها رفيقه المصري، لكن هذا العام عاد ليتوج بها، ملتزما بالوعد الذي قطعه على نفسه العام الماضي.
وعلى المستوى الدولي، خاض اللاعب المخضرم 60 مباراة مع منتخب بلاده السنغال منذ 2012. ومثل “أسود التيرانجا” في الأولمبياد الصيفية 2012، وكأس الأمم الأفريقية 2015 وكأس الأمم الأفريقية 2017 وكأس العالم 2018.
لاعب بدرجة إنسان
بجانب أنه لاعب مهاري من الطراز الأول، ومهاجم قلما تلد الملاعب مثله، إلا أنه في الجهة المقابلة إنسان من المستوى الرفيع، وهو ما تجسده أعمال الخير التي يتكفل بها، وسلوكياته التي كانت خير سفير له في مختلف المحافل والمناسبات، والتي نجح اللاعب الكبير من خلالها في أن يقدم صورة إيجابية عنه وعن بلاده.
لا يخفي ماني حرصه على المساهمة في الأعمال الخيرية، وهو الذي عبر أكثر من مرة عن شعوره بمعاناة الفقراء والمحتاجين، موضحا أنه في يوم من الأيام كان واحدا منهم، وكان من بين أشهر تصريحاته “لا أريد شراء عشر سيارات فيراري وعشرين ساعة وطائرة خاصة.. اختبرتُ أوقاتًا صعبة ولعبت الكرة حافي القدمين.. لم أتلق أي تعليم. اليوم أستطيع مساعدة أهلي وشعب بلادي.. بناء المدارس والملاعب وشراء الملابس والطعام لهم.. أفضّل أن أمنح أهلي بعضًا مما منحني إياه ربي”.
في 2018 ظهر ماني وهو يشارك في تنظيف دورات المياه بأحد المساجد بمدينة ليفربول، تلك اللقطة التي كانت مثار إعجاب الجماهير الإنجليزية، والجماهير المسلمة على مستوى العالم
وفي نوفمبر 2019 نال النجم السنغالي إشادات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد انتشار مقطع فيديو له وهو يساعد أحد العمال في حمل زجاجات مياه منتخب بلاده قبل مباراته في تصفيات كأس أمم أفريقيا 2021، حيث ظهر وهو ينزل من حافلة أسود التيرانغا على أبواب ملعب مباراتهم مع الكونغو، وبدلًا من أن يتوجه كباقي اللاعبين إلى غرفة الملابس، ساعد العامل الذي ينقل أمتعة الفريق وحمل صندوقي مياه معه.
ساديو ماني توقف عند نزوله من الحافلة لمساعدة عامل المنتخب السنغالي لنقل زجاجات المياه.
pic.twitter.com/SLl9jC12QF
— ميديا البريميرليغ (@EPL4Media) November 15, 2019
الإسلام.. مصدر فخر له
في 2018 ظهر ماني وهو يشارك في تنظيف دورات المياه بأحد المساجد بمدينة ليفربول، تلك اللقطة التي كانت مثار إعجاب الجماهير الإنجليزية، والجماهير المسلمة على مستوى العالم، باعتبارها دليلاً على تواضعه، وأن الشهرة والمال لم يغيرا فيه شيئًا، الأمر الذي دفع الصحف الإنجليزية للتساؤل “ما الذي يدفع لاعبًا يحصل على راتب يتجاوز مئة ألف يورو أسبوعيًا لفعل ذلك الأمر؟”.
ساديو ماني ينظف حمامات المسجد الله يكرمكم عمل جميل جداً ويدل على تواضعه اهخخ يابو ماني لو تدري اغلب اللي عندنا اذا صار برصيده 100 الف مايشوف احد من الكبر pic.twitter.com/tXFlteAIbb
— س.ع.د. (@swe3d) October 13, 2019
وفي الوقت الذي كان يخفي البعض انتماءاته الدينية كان النجم السنغالي صداحًا بهويته الإسلامية، فخورًا بتدينه، فهو الذي تحدث في أكثر من مناسبة أنه لا يشرب الخمر لأن ذلك مخالف لتعاليم دينه،؛ الأمر الذي علقت عليه صحيفة “ديلي ميل” بقولها، إنه “عندما تزاول كرة القدم في الدوريات الأوروبية ويعرف الناس أنك شخص متدين وملتزم، فأول ما يبادر إلى أذهانهم هو أنك تذهب بصفة دائمة إلى الكنيسة أنت وأسرتك، وهذا ما حدث مع ماني، ليرد اللاعب ضاحًكا: “نحن مسلمون، لم نذهب إلى الكنيسة مطلقًا”.
مدرب فريقه، الألماني يورجن كلوب، أثناء قضاء إجازته السنوية في العام الماضي، أعرب عن ثقته في الحالة البدنية للاعبه المفضل”ماني” وعودته سريعًا إلى لياقته العالية التي يشتهر بها، مضيفًا في تصريحات صحفية له: “ساديو سيكون في حالة جيدة، لأنه لا يشرب (الكحول)، ولا يأكل كثيرًا”.
ورغم الشهرة والجماهيرية الكبيرة التي حققها اللاعب في الملاعب الإنجليزية والأوروبية إلا أن ذلك لم يحُل دون خضوعه لأمر والده والالتزام بتعليماته، ففي تصريح له العام الماضي قال: “والدي إمام مسجد في قريتنا بالسنغال، ولا زال يؤنبني على قصة شعري.. ويتصل بي يوميًا يحثني على المحافظة على الصلوات وقراءة القرآن”.
بجانب ذلك يعد ماني صاحب الوجه الطفولي والابتسامة الملائكية كما يلقبه بعض عشاق الريدز العرب، أيقونة في التسامح الديني في بلاده، فهو الذي قال إن: “الدين مهم جدًا بالنسبة لنا.. أنا أحترم تعاليم الإسلام وأقيم الصلوات الخمس يوميًا بصفة دائمة.. 90% من سكان السنغال مسلمون و10% مسيحيون ولكن الجميع يعيشون سويًا في وئام كبير”، مضيفًا في تعليقه على التعايش بين الأديان: “صديقي المقرب يدعى لوقا وهو مسيحي.. كنت أزوره في منزله دائمًا وكان يفعل كذلك أيضًا.. ليس هناك أي صراع بسبب الدين في بلادنا”.