ترجمة وتحرير: نون بوست
فيرجيني كولومبييه هي باحثة وأستاذة في معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا. بعد عملها على الثورة المصرية في سنة 2011، تخصصت في دينامية النزاعات وعمليات المصالحة في ليبيا. في مقابلة مع لوموند أفريك، تفسّر كولومبييه مخاطر سقوط سرت بين يدي المشير خليفة حفتر يوم الاثنين السادس من كانون الثاني/ يناير، خاصة من خلال انضمام أنصار القذافي إلى حفتر. ينفّذ رئيس الجيش الوطني الليبي، الذي يتلقى دعمًا نشط من الإمارات العربية المتحدة ومصر والمملكة العربية السعودية، هجومًا على حكومة الوفاق الوطني الذي يرأسها فايز سراج الواقع مقرها في طرابلس والمدعومة من تركيا، منذ مدة تسعة أشهر.
ما الذي يجعل السيطرة على سرت تكتسي رمزية بالنسبة لحفتر؟
لدى المدينة بعد استراتيجي مهم للغاية. فهي تقع على الحدود بين المعسكرين، بين الخطوط الأكثر تقدما في مصراتة، غربا، وخطوط حفتر الرئيسية، شرقا وجنوبا. يمتلك الطرف الذي يسيطر على سرت القدرة على التحكم في التحركات بين شرق وغرب ليبيا، فضلا عن الطرق المؤدية إلى الجنوب، لا سيما باتجاه قاعدة الجفرة، التي يسيطر عليها حفتر في الوقت الحالي.
بالإضافة إلى هذا البعد الاستراتيجي العسكري، فإن لسرت أهمية رمزية كبيرة، إذ كانت المدينة عاصمة نظام معمر القذافي السابق ومقر تنظيم الدولة في ليبيا (في سنتي 2015 و2016).
لماذا تمكن حفتر من دخول سرت في الوقت الحالي؟
جرت حوادث تفجير متقطعة في الأشهر الأخيرة، لكنها لم تتسبب في زعزعة الاستقرار بشكل كبير. وقع تفسير هذا الاستقرار النسبي بحقيقة وجود التوازن في المواقف وتقسيم للمهام بين قوات مصراتة التابعة لائتلاف البنيان المرصوص والتي كانت منتشرة في أطراف المدينة وكتائب محلية بما في ذلك كتيبة 604، المكلفة بالحماية الاستراتيجية داخل المدينة، وخاصة المجلس البلدي. لذلك، كان هناك توازن نسبي ونوع من الترقب.
ما الذي حدث حتى يتزعزع هذا الاستقرار لصالح حفتر؟
حثّ التصعيد الجديد في طرابلس واستعداد الأتراك للتدخل بشكل مباشر بعض الأطراف الفاعلة المحلية على التحرك. فعلى سبيل المثال، هاجم أبو زيد دوردة، الشخصية المؤثرة للغاية في أوساط أنصار القذافي، السياسة التركية بعنف يوم الأحد، مما ساعد على حشد الكثير من مؤيديه، لا سيما في قبيلتي القذاذفة وورفلة.
إلى حد الآن، ظلت القبيلتان بعيدتان عن الأنظار بسبب معاناتهما من هزيمة لاذعة سنة 2011. لقد نُزعت عنهما الشرعية اجتماعيا وسياسيا (بسبب ثورة 2011). لكن، ساعدت أحداث الأيام القليلة الماضية على إعادة ظهورهما على الساحة. لهذا السبب، يمكن تفسير ترحيب بعض أحياء سرت بحرارة بوصول قوات حفتر، حتى لو لم يكن الأمر كذلك في كل المدينة. عرفت القوات المحلية في كتيبة 604، التي كانت منقسمة منذ هجوم حفتر على طرابلس (في نيسان/أبريل 2019)، انتكاسات كبيرة. واضطرت قوات مصراتة للانسحاب.
هل يهدد سقوط سرت.. مصراتة؟
ألحق تغيير الهيمنة في سرت اضطرابا بالخريطة العسكرية. من الواضح أن مصراتة تمر بوضعية هشة في الوقت الحالي، لا سيما مع اتساع وعمق الغطاء الجوي الذي يتمتع به حفتر. نحن نمر بنقطة تحول. سيتعين على سكان مصراتة التدخل على جبهتين في وقت ما زالت فيه معنوياتهم منخفضة للغاية، خاصة وأن حماية مصراتة من الشرق معقدة دون دعم جوي. تتعرض قوات مصراتة لخطر القصف. يمكن ملاحظة تصاعد شعور القلق في المدينة لأول مرة منذ سنة 2011.
هل يمكن أن يؤدي ذلك إلى ردود فعل متسلسلة تهدد طرابلس؟
تفتح حقيقة حصار مصراتة بهذه الطريقة المجال أمام هذا الاحتمال بشكل أكثر وضوحًا. ونتيجة لذلك، سيزيد هذا الأمر من خطر مزايدات مستمرة وتصعيد تمارسه الأطراف الخارجية الفاعلة. هل سيشارك الأتراك في اللعبة بشكل أقوى وأسرع، خاصة مع الطائرات دون طيار؟ لا أعرف إذا كان ذلك ممكنًا. سيكون هذا أحد تحديات الأيام المقبلة. أما الأتراك، ففي حال كانوا يريدون الإيفاء بوعودهم لدعم الجيش الوطني الليبي لفايز سراج، فسيقع التحفز لمواجهتهم.
إن سرت معقل القذافي. فهل تعني سيطرة حفتر عليها أن أنصار القذافي انضموا إلى المشير وعادوا إلى اللعبة؟
ليس هذا الأمر حديثًا تمامًا. لقد لاحظنا هذا الأمر في سنة 2017. انخرط المعسكران، وهما الجيش الوطني الليبي وحفتر، في نوع من السباق لحشد الشخصيات والجماعات الأكثر نفوذا في النظام القديم، التي عانت من التهميش بعد سنة 2011. من وجهة النظر هذه، كان حفتر أكثر فعالية. واتسع نطاق هذا الأمر في الأشهر الأخيرة.
لكن من المهم فهم أهداف وطموحات كل مجموعة. في المناقشات التي أجريتها معهم مؤخرًا، يمكن تلخيص إحدى الخطب التي ظهرت من جانب مؤيدي النظام القديم على النحو التالي: “حفتر يعد، بالنسبة لنا، القطار الذي سيعيدنا إلى السلطة في طرابلس”. بناء على ذلك، هناك رؤية انتهازية للعملية التي ينفذها حفتر في الوقت الحالي. إنهم يعتقدون أن عقد تحالف معه سيسمح لهم بالعودة إلى السلطة.
لطالما أكد العديد من المراقبين منذ فترة طويلة على تنوع الائتلاف حول حفتر. ويجمع هذا التحالف بين مجموعات غير متجانسة للغاية، على المستويين العسكري والسياسي. تختلف طموحات هذه الجماعات وربما نواياها. وتواصل السير معا حاليًا لأنها تتقاسم مصلحة مشتركة، تتمثل في الاستيلاء على السلطة والتخلص من الجيش الوطني الليبي. ولكن، لا يشير أي أمر لاستمرار هذا التحالف. من المرجح أن تظهر التوترات حين تقترب السلطة.
هل يمكن أن ينتهي أنصار القذافي بالتجمع تحت راية واحدة؟
إن معسكر القذافي منقسم ولم ينضم إلى حفتر بشكل تام. لطالما ضمت هذه الحركة ثلاث مجموعات رئيسية على الأقل، أقدمها محاور المعسكر المتطرف الذي ظل يناصر النضال المسلح منذ عام 2011 وتقرب أعضاؤها من حفتر منذ فترة طويلة. علاوة على ذلك، هناك أحزاب سياسية ظهرت في معقل القذافي، وشخصيات شابة لديها رؤية أكثر تطورًا لما يمكن أن تكون عليه السياسة بعد النصر. وأخيرًا، توجد شخصيات من عائلة القذافي. لدي شكوك حول قدرة حفتر على حشد جميع مكونات النظام القديم.
المصدر: لوموند