تعلق “إسرائيل” آمالها على المبعوث الأمريكي الخاص الجديد آفي بيركوفيتش، لإحراز تقدم في خطة السلام الأمريكية المعروفة بـ”صفقة القرن”، بعد أن شهدت جمودًا بسبب عدة أزمات في الشرق الأوسط والعالم.
وبيركوفيتش (يهودي درس في مدرسة دينية أرثوذكسية بـ”إسرائيل”)، جاء خلفًا لجيسون غرينبلات الذي استقال من منصبه في سبتمبر/أيلول الماضي، بعد أن كان جزءًا من الثلاثي المكلف بإعداد خطة سلام لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مع صهر الرئيس دونالد ترامب جاريد كوشنر والسفير الأمريكي لدى “إسرائيل” ديفيد فريدمان.
ورغم أن تنحي غرينبلات (يهودي هنغاري الأصل) جاء بحسب تقديرات عربية وإسرائيلية، بسبب التأجيل المستمر لإقرار الخطة التي كان يُعتزم نشرها أواخر 2018، فإنها لن تؤثر على الأرجح في مصيرها، حيث جددت كل من أمريكا و”إسرائيل” الحديث عن إمكانية طرحها، رغم أن سقف التوقعات حيال نجاحها انهار بالكامل.
وتأجل نشر الصفقة مرتين على خلفية فشل جولتي انتخابات شهدتهما “إسرائيل” في أبريل/نيسان، وسبتمبر/أيلول من العام المنصرم، ويتردد أنها تجبر الفلسطينيين على تقديم تنازلات مجحفة لمصلحة تل أبيب، بما فيها وضع شرق القدس المحتلة، وحق عودة اللاجئين، وقال مسؤولون إسرائيليون، في 7 من يناير/كانون الأول الحاليّ، إن واشنطن تدرس نشر “صفقة القرن” قبيل انتخابات الكنيست (البرلمان) المقررة في 2 من مارس/آذار المقبل.
المشهد السياسي
يؤكد الخبير الأردني في الشؤون الإسرائيلية الدكتور أيمن الحنيطي أن الصفقة مرتبطة بالدرجة الأولى بتطورات المشهد السياسي في “إسرائيل” وأمريكا على حد سواء، ويرى الحنيطي في حديث لـ”نون بوست” أن رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو “استنفد معظم أوراقه للبقاء في الحكم، في خضم محاكمته بتهم فساد، وهو يحاول الآن كسب الوقت، خاصة بعد طرح قضية الحصانة”.
وتتصاعد الدعوات في “إسرائيل” إلى الإسراع بتشكيل لجنة الكنيست المعنية بالبت في منح نتنياهو، الحصانة البرلمانية من المحاكمة في قضايا فساد، دون الانتظار لما بعد الانتخابات المقررة في مارس/آذار المقبل.
ونقلت القناة “13” العبرية، عن مسؤولين إسرائيليين (لم تسمهم) أن إدارة ترامب لم تقرر بعد نشر الصفقة، إلا أنها تدرس ذلك بجدية، ودللوا على الأمر بزيارة مبعوث ترامب الخاص للمفاوضات الدولية آفي بيركوفيتش إلى “إسرائيل”.
وخلال يومين من وجوده في تل أبيب، التقى بيروكوفيتش كل من نتنياهو زعيم حزب الليكود، وبيني غانتس زعيم تحالف “أزرق – أبيض”، وسفير بلاده ديفيد فريدمان، وبحث معهم بشكل منفرد مسألة نشر “صفقة القرن” ووضع اللمسات النهائية على الخطة، وبحسب المصدر ذاته، تسبب التأجيل المستمر في نشر الخطة، بإدخال تعديلات وتغييرات على نصها، دون مزيد من التفاصيل، وأشارت القناة إلى أن الإفصاح عن الصفقة قبيل الانتخابات يمكن أن يؤثر بشكل كبير على الناخبين، وقالت إن مسؤولين في “أزرق – أبيض” يخشون أن يستجيب البيت الأبيض لطلب نتنياهو ويقرر نشر خطة السلام المذكورة قبل الانتخابات، مع إدخال تعديلات عليها تخدم الأخير سياسيًا.
ويعتقد الحنيطي أن ضغط نتنياهو على واشنطن لإقرار الخطة، مرتبط هذه المرة بضم غور الأردن لكسب أكبر تأييد انتخابي من المستوطنين والأحزاب، “فهو يطلب الدعم الأمريكي لتعزيز معسكر اليمين”.
تم عمليًا تنفيذ الكثير من صفقة القرن ولم يبق شيء، ننتظر فقط مؤتمر سلام إقليمي يجلس فيه نتنياهو مع قادة عرب ليعلن الخطة رسميًا
وإلى جانب الغور، كان ترامب قد أقر بشرعية الاستيطان وبأن القدس عاصمة “إسرائيل” ونقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى المدينة المحتلة، واعترف بسيادة الكيان على الجولان المحتل، لذلك يرى الخبير الأردني في الشأن الإسرائيلي أنه يجري وضع اللمسات الأخيرة على صفقة القرن، حيث “تم عمليًا تنفيذ الكثير منها ولم يبق شيء، ننتظر فقط مؤتمر سلام إقليمي يجلس فيه نتنياهو مع قادة عرب ليعلن الخطة رسميًا”.
ومن أوراق نتنياهو للخروج من أزمته الاستعانة بأصدقائه في المنطقة، والحديث للحنيطي الذي يرى أن “الكثير من الزعماء العرب وخاصة الخليجيين، يريدون أن يبقى المسؤول الإسرائيلي المأزوم في سدة الحكم”.
عزل ترامب
من الأسباب التي أدت إلى التأجيل المتكرر لنشر الخطة، تحقيق مجلس النواب الأمريكي مع الرئيس دونالد ترامب في مزاعم استغلال سلطته عبر الضغط على أوكرانيا لفتح تحقيق ضد جو بايدن، أحد خصومه السياسيين والمرشح لمواجهته في السباق الانتخابي في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
ولذلك، فإن محاولات عزل ترامب، أنتجت رأيًا مغايرًا عن إمكانية نجاح صفقة القرن، حيث يقول الكاتب الفلسطيني فايز رشيد إن إمكانية تأثير العزل دفعت إلى محاولة إحياء الصفقة عبر إطلاق تصريحات من نتنياهو كان آخرها وعوده بضم منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت ومدينة الخليل إلى “إسرائيل”.
ويتابع في مقال له نشر في أكتوبر/تشرين الأول الماضي “في حال عُزل ترامب قد تتأثر سلبًا مواعيد إعلان وتنفيذ بنود الصفقة بالتزامن مع صعوبة تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة من قبل نتنياهو أو غانتس، وهذا إضافة إلى الرفض الفلسطيني الرسمي والشعبي والجماهيري العربي لها”.
مؤتمر المنامة الاقتصادي “فشل فشلًا ذريعًا، وهو ما يشير إلى مصير البنود السياسية للصفقة أبقيَ ترامب أم تم عزله”
أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مرارًا في العامين الماضيين، رفض الفلسطينيين لـ”صفقة القرن” لأنها تُخرج القدس واللاجئين والحدود من طاولة التفاوض، وردت الإدارة الأمريكية على عدم قبول الخطة، بوقف كل أشكال الدعم المالي عن الفلسطينيين بما في ذلك مشاريع البنى التحتية والمستشفيات في شرق القدس ووكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”.
وبدلًا من ذلك، عقدت واشنطن مؤتمر المنامة الاقتصادي في يونيو/حزيران الماضي لتسويق الشق الاقتصادي للصفقة في البحرين، الذي أريد منه أن يكون مدخلًا للطرح السياسي.
ويعتقد الكاتب رشيد أن المؤتمر “فشل فشلًا ذريعًا، وهو ما يشير إلى مصير البنود السياسية للصفقة أبقيَ ترامب أم تم عزله”. وقال عباس في نوفمبر/تشرين الثاني، إن خطة ترامب للتسوية “ماتت”، مضيفًا: “قلنا مقدمًا إنها لن تنجح”.
وبعد تأجيلها أكثر من مرة لمنح نتنياهو وقتًا لإجراء الانتخابات وتشكيل حكومة، تهكم كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات على الخطة قائلاً: “أصبحت الآن صفقة القرن القادم”.