شرع الوافد الجديد على قصر المرادية في الجزائر، عبد المجيد تبون، في تنفيذ الوعود التي أطلقها خلال حملته الدعائية، وبدأ بالعمل على تعديل الدستور وأسند المهمة للجنة خبراء يقودها خبير قانوني جزائري، في مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر.
إعلان القاضي الأول للبلاد تعديل الدستور الذي يعتبر القانون الأعلى، يأتي بعد مرور ثلاث سنوات كاملة على آخر تعديل أجراه الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، دون المرور باستفتاء شعبي، وأهم ما جاء فيه عودة البلاد إلى تحديد عهدة الرئيس باثنتين فقط وإقرار الأمازيغية لغة رسمية ثانية بعد العربية.
كما عرفت الوثيقة الأعلى في البلاد، تعديلين آخرين عامي 2002 و2008، سمحا بترسيم الأمازيغية كلغة وطنية، وفتحا العهدات الرئاسية بعدما كانت محددة في عهدة واحدة لخمس سنوات تتجدد مرة واحدة، وهو الأمر الذي أدخل البلاد في دوامة سياسية تفاقمت حدتها بعد إعلان الرئيس السابق ترشحه لولاية رئاسية خامسة.
ولادة عسيرة
تعديل الدستور المنتظر، يشكل أول وأكبر تحد يواجه ساكن قصر المرادية الجديد، بالنظر إلى استمرار ضغط الشعب في الشارع، ما ينذر بـ”ولادة عسيرة “، وهو ما يؤكده يحيى جعفري رئيس “منتدى الحراك الأصيل” أحد مكونات الحراك الشعبي وهو أستاذ جامعي، في تصريح لـ”نون بوست”، وقال: “المهمة ستكون صعبة لكنها ليست مستحيلة لعدة أسباب أبرزها المرحلة الانتقالية السياسية والاقتصادية التي تمر بها البلاد، إضافة إلى التناقضات الداخلية والخارجية التي تمر بها”.
إن تعديل الدستور المنتظر، يشكل أول وأكبر تحد يواجه ساكن قصر المرادية الجديد، بالنظر إلى استمرار ضغط الشعب في الشارع، ما ينذر بـ”ولادة عسيرة”
ولم يستسغ قطاع من المتتبعين للمشهد السياسي، إسناد صياغة دستور جديد للجنة خبراء تقنية، وهو ما ذكره المتحدث السابق باسم مؤتمر المعارضة والناشط السياسي البارز محمد أرزقي فراد، في تقدير موقف ذكره للرأي العام، وقال: “صياغة دستور جديد قضية سياسية محضة وأكبر من لجنة الخبراء”، وانتقد المتحدث بشدة الطريقة التي اتبعها تبون في تعديل الدستور، وقال: “اختار السير على نهج الرؤساء السابقين الذين صنعوا الدساتير السابقة على المقاس، بواسطة لجان خبراء خارج الشرعية الشعبية”.
واقترح أن تسند مهمة تعديل أعلى قانون في البلاد إلى برلمان جديد (هيئة تشريعية)، يتضمن شباب الحراك يتمتعون بالشرعية الشعبية، يشرفون على دراسة الدستور وتعديله وفق مطالب الحراك الذي ينادي بالتغيير الجذري في المنظومة السياسية.
ومن جهته يقول رئيس منتدى الحراك الأصيل، إن تعديل الدستور في الظرف الحاليّ “مطلوب وضروري”، غير أنه أكبر من أن يُترك لأهل القانون وحدهم، ففيه العمق الثقافي والبُعد التاريخي والنهج الاقتصادي والتوجه السياسي والروح الثورية، وهي كلها أبعاد ينبغي أن تكون حاضرة فيه ومشتملة عليه”، ويقول إنه وبعد ذلك لا بأس أن يتولى أهل المنهجية الدستورية قولبة هذه الأبعاد في أبواب ومواد تعد صنعتهم ومنتهى خبرتهم.
وتناولت المحاور السبع الكبرى التي أعلنها القاضي الأول للبلاد، في رسالة تكليف لأحمد لعرابة الذي سيتولى رئاسة اللجنة التقنية التي ستشرف على صياغة دستور جديد، مسألة تحديد العهدات الرئاسية بعهدة واحدة قابلة للتجديد مرة واحدة، على أن يكون هذا التعديل أمرًا ثابتًا لا يمكن المساس به، وتعزيز الدور الرقابي للمعارضة البرلمانية ومراجعة تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء لإبعاده عن التأثير المباشر للهيئة التنفيذية وإعادة الاعتبار لدوره في تسيير سلك القضاء، إضافة إلى تعزيز حقوق وحريات المواطنين والمساواة أمام القانون وتكريس أخلقة الحياة العامة ومكافحة الفساد.
تبون تعهد بفتح مشاورات واسعة مع الفاعلين في الحياة السياسية والمجتمع المدني قبل عرض المسودة الجديدة للمصادقة البرلمانية ثم الاستفتاء الشعبي.
وتعهد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، بفتح مشاورات واسعة مع الفاعلين في الحياة السياسية والمجتمع المدني قبل عرض المسودة الجديدة للمصادقة البرلمانية ثم الاستفتاء الشعبي، ويعد الدستور الجديد المنتظر بعد ثلاثة أشهر رابع دستور سيعرض على التصويت الشعبي، في محاولة منه لاكتساب الشرعية الشعبية.
طبيعة التعديلات السؤال الأهم
يتساءل مراقبون اليوم عن طبيعة التعديلات التي ستدرج الدستور، وإن ستكون عميقة أم أنها ستكون نسخة طبق الأصل لسابقاتها التي أدرجت خلال حقبة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ويقول في هذا السياق القيادي البارز في جبهة التحرير الوطني، يوسف ناحت لـ”نون بوست” إنه من الضروري اليوم إدراج تعديلات عميقة في الدستور، وهو ما التزم به الرئيس عبد المجيد تبون في الحملة الانتخابية، وبالنظر إلى مواد التعديلات المرتقبة، حسب يوسف ناحت، فإنَها تتعلق بـ”تقليص صلاحيات الرئيس وإحداث توازن في المؤسسات الدستورية”.
ومن جهته يقول يحي جعفري، إن المحاور الكبرى التي أعلنها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تغطي معظم الاهتمامات لكنه يؤكد بالمقابل أن “العبرة بالنتائج”.
بينما يقول الحقوقي عمار خبابة، إن الرسالة التي بعث بها تبون لرئيس لجنة صياغة الدستور لم تشر بوضوح للفصل الأول من الباب الأول المتعلق بالثوابت في “النظام واللغة والدين والعلم الوطني”، لكنه يؤكد أن المحاور الكبرى الواردة في الرسالة تصب في كفة إعادة التوازن بين السلطات بحكم ما يملكه الرئيس من صلاحيات والخلل بين صلاحيات السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية”.
ردود متباينة
إلى ذلك، أثارت خطوة عبد المجيد تبون، ردود فعل متباينة من الطبقة السياسية، يميل أغلبها إلى التحفظ، لأنها اعتبرت الخطوة سابقة لأوانها، وكان من المفروض إطلاق حوار جدي مع الطبقة السياسية والحراك الشعبي لرصد وجمع المقترحات عوض إسناد المهمة للجنة تقنية محضة.
ونصبت حركة مجتمع السلم (أكبر الأحزاب الإسلامية في البلاد)، لجنة خاصة مكونة من خبراء في القانون ونواب في الغرفة السفلى لمناقشة وإعداد مقترحات الحركة بشأن تعديل الدستور الجديد، وفقًا لما كشفه القيادي في الحركة أحمد صادوق في تصريح لـ”نون بوست” لتكون هذه الخطوة أول موقف تفاعلي مع قرار تبون، رغم إعلانها مقاطعة الانتخابات الرئاسية التي جرى تنظيمها في 12 من ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وأظهر رئيس الحركة عبد الرزاق مقري، في تصريحاته الأخيرة، استعداده للتعاون مع السلطة، ودعا إلى منح الوقت الكافي للقاضي الأول للبلاد بهدف تنفيذ التعهدات التي أطلقها خلال حملته الانتخابية.
وعلى النقيض، عبر رئيس جبهة العدالة والتنمية (حزب إسلامي) عبد الله جاب الله عن خيبة أمله حيال الخطوة التي أقدم عليها الرئيس تبون، وذكر أنه لا يعلق آمالًا كبيرة في إمكانية أن تتوصل هيئة الخبراء إلى مخرجات جدية بشأن إجراء تغيير عميق على نظام الحكم في البلاد، خاصة أن الهيئة تضم وجوهًا سبق لها أن اشتغلت على صياغة دساتير سابقة، بينها رئيس الهيئة الجديدة أحمد لعرابة.
جاب الله تساءل عن أسباب عدم إشراك سياسيين في لجنة الخبراء، لأنهم يعرفون حسبه الثغرات القانونية في الدساتير التي مرت بها البلاد وهم الذين نبهوا لها مرارًا وطالبوا بتعديلها وقدموا مقترحات، واعتبر أن المسار الذي اتجهت إليه السلطة في التعاطي مع مطالب الشعب بعيد عما يطمح إليه الشعب.