ترجمة وتحرير: نون بوست
نشرت مجلة نيويوركر الأمريكية تحقيقًا مطولاً بشأن أداء لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية (جماعة الضغط القوية والتي تُعرب باسم آيباك (AIPAC) وكيف أنها بدأت في فقد الدعم الشعبي الذي تحصل عليه من الأمريكيين، لاسيما اليهود الأمريكيون، الذين تعتمد عليهم اللجنة في عملها بشكل أساسي.
في الثالث والعشرين من يوليو الماضي اجتمع مسئولو آيباك في مبنى الكابيتول الأمريكي لعقد اجتماع مغلق مع عشرات من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزب الديمقراطي، كان جدول الأعمال للاجتماع الذي حضره قيادات يهودية أخرى يخص الحرب على قطاع غزة.
ادعت الحكومة الإسرائيلية أن الحرب التي تسببت في مقتل الآلاف من المدنيين قد اتخذت فيها دولة الاحتلال إجراءات استثنائية للحد من خسائر المدنيين، إلا أن رد الأمم المتحدة كان الحديث عن بدء تحقيق بشأن جرائم حرب ارتكبتها قوات الاحتلال، الولايات المتحدة لم تستطع إخفاء إحباطها من تصرفات حليفها بنيامين نتنياهو، تحدث “فيليب غوردون” منسق شئون الشرق الأوسط في البيت الأبيض قائلاً: “كيف يمكنك أن تحقق السلام إذا كنت غير مستعد لترسيم الحدود وإنهاء الاحتلال والسماح بسيادة الفلسطينيين على أرضهم وبالأمن والكرامة لهم؟! لا يمكن الحفاظ على السيطرة العسكرية على شعب آخر لأجل غير مسمى”.
لم تنف الإدارة الأمريكية ضيقها على الرغم من تأكيداتها المستمرة على دعمها الدائم وغير المشروط لإسرائيل، لكن آيباك لا تشارك الإدارة هذا القلق، وأيدت قرار مجلس الشيوخ بدعم “حق إسرائيل في الدفاع عن مواطنيها”، وهو القرار الذي تم استصداره برعاية 79 عضوًا في مجلس الشيوخ وبدون صوت واحد معارض.
آيباك دومًا ما تكون فخورة بنفوذها، تتحدث عن أن حفلاتها يحضرها أكبر عدد من أعضاء الكونغرس باستثناء جلسات الكونغرس المشتركة أو خطاب حالة الاتحاد الأمريكي، كان رئيسها السابق “ستيفن روزين” مولعًا بالقول إنه بإمكانه أن يخرج منديلاً من جيبه ليحصل على عدد التوقيعات المؤيدة لأي قضية يريدها من عدد كبير من النواب الأمريكيين في أي جلسة! آيباك لديها أكثر من 100 ألف عضو، ومن الصعب تتبع أموالها وكيف تدعم بها السياسيين المختلفين، لكن الجميع في الكونغرس يعترفون بنفوذ اللجنة في الانتخابات، عندما أعلن الفلسطينيون في 2011 نيتهم التوجه للأمم المتحدة للحصول على قرار بإقامة الدولة، أسرعت آيباك وحشدت 446 عضو كونغرس للمشاركة في الحملة المضادة للفكرة.
خلال حرب غزة حققت آيباك نجاحًا كبيرًا في إرسال رسالة دعم الحزبين الأمريكيين لإسرائيل، لم يتوقف الأمر على الدعم المعنوي فقط، بل الدعم المادي والعسكري أيضًا، تعتمد إسرائيل على نظام القبة الحديدية لصد صواريخ المقاومة، ورغم أن الولايات المتحدة كان من المقرر أن تدعم النظام بـ 351 مليون دولار ابتداءً من أكتوبر القادم، إلا أن آيباك طلبت المزيد من الأموال فورًا، وفي 22 يوليو أرسل “تشاك هاغل” وزير الدفاع الأمريكي رسالة إلى “هاري ريد” زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، مطالبًا بإرسال 225 مليون دولار لإسرائيل بشكل فوري لدعم نظام القبة الحديدية، كان ذلك عمل آيباك.
في قاعة المؤتمرات، جلس أعضاء مجلس الشيوخ في جانب من الطاولة وفي الجانب الآخر جلس القادة اليهود، “روبرت كوهين” رئيس آيباك قام بتبرير الحرب على غزة واتفق مع ادعاءات نتنياهو بأن حماس مسئولة عن مقتل الفلسطينيين من مواطنيها، وعندما حدثت مشادة مع نائب ديمقراطي من ولاية فيرجينيا تم اتهامه بأنه “يساوي بين حماس وإسرائيل” وهي التهمة التي حاول نفيها عن نفسه بسرعة!
مجلس الشيوخ سارع للتصويت على تمويل القبة الحديدية قبل عطلة المجلس في أغسطس، قال هاري ريد إنه سيدعم القبة الحديدية بأموال مكافحة حرائق الغابات في أمريكا، في مؤتمر صحفي لاحق، قال ليندسي غراهام الذي كان أحد أكبر متلقي التبرعات الانتخابية من آيباك، إن تمويل القبة الحديدية هو بادرة تضامن أمريكية مع إسرائيل، مؤكدًا “لن نعطيكم أسلحة فقط، لكننا سنكون أيضًا أصدقاء أفضل”، وتابع “سنقاتل من أجلكم في المحاكم الدولية ولدى الرأي العام، سنقاتل من أجلكم في الأمم المتحدة”.
نفوذ آيباك في الولايات المتحدة يُعد سمة من سمات السياسة في واشنطن، لكن هذا التأثير ليس ثابتًا، تمامًا مثل المجتمع الذي تمثله آيباك، لقد ازدهرت آيباك على مدى عقود، لكن الحكومة الإسرائيلية التي يهيمن عليها ائتلاف يميني بقيادة حزب الليكون، قدمت تنازلات أقل كثيرًا مما كانت إسرائيل تقدمه قبل جيل واحد، يختلف نتنياهو مع أوباما طوال الوقت، ورغم أنهما يؤكدان دومًا على العلاقات الحميمية بين واشنطن وتل أبيب، إلا أن نتنياهو لم يخف تطلعه لفوز ميت رومني منافس أوباما الجمهوري في انتخابات الرئاسة الأمريكية في 2012.
التأكيدات المتزايدة بالتقارب الأمريكي الإسرائيلي، لم يخفف من حقيقة أن إسرائيل أصبحت قضية مثيرة للانقسام بين الجمهور الأمريكي، وفقًا لاستطلاع رأي أجراه مركز بيو، فإن دعم إسرائيل بين الجمهوريين هو 73٪، وبين الديمقراطيين 44٪، هذه الفجوة تزداد بين الديمقراطيين الليبراليين وبين الجمهوريين المحافظين.
هذا الاختلاف يمثل الانقسام داخل اليهود الأمريكيين المؤيدين لآيباك نفسهم، فاليوم، هناك أعداد متزايدة من اليهود الأمريكيين يناضلون من أجل تحقيق سلام مع الفلسطينيين، وهم يوقنون أن آيباك لا تتكلم باسمهم، وجد الاستطلاع أن 38٪ فقط من اليهود الأمريكيين يعتقدون أن الحكومة الإسرائيلية تسعى بإخلاص للسلام، كما أن 44٪ يعتقدون أن بناء مستوطنات جديدة يدمر الأمن القومي لإسرائيل، يقول أحد الحاخامات في تصريح لنيويوركر: إن “كثير من الناس الذين أعرفهم في العشرينات والثلاثينات يقولون إن إسرائيل لا تمثلني كيهودي، حياتي اليهودية جيدة هنا، أنا لست فخورًا بما يحدث هناك، وبالتأكيد لست مستعدًا أن أدعمهم بالمال”.
هذا تحديدًا هو التناقض الذي يصفه المنتمون إلى آيباك بالـ “مدمر”، شيمون بيريز صرح سابقًا: “انطباعي هو أن نفوذ آيباك ضعيف وسط الشباب”.
آيباك واجهت توترات مع إدارة أوباما، في أكتوبر الماضي رفضت آيباك محادثات القوى الغربية مع إيران لأن الجمهورية الإسلامية تشكل تهديدًا وجوديًا لإسرائيل، ولاحقًا في نوفمبر، عندما زار وزير الخارجية الأمريكي جون كيري القدس والتقى نتنياهو، علق الإسرائيلي على المفاوضات بحدة شديدة قائلاً: “إنها صفقة شديدة السوء، إنها صفقة القرن لإيران”، وفجأة تم إلغاء الصور التذكارية بين نتنياهو وكيري وعاد الأخير إلى سويسرا فورًا.
كان الإسرائيليون يتدخلون بشدة في السياسة الأمريكية من خلال آيباك، هذا ما استفز الأمريكيين، حاولت آيباك تمرير مشروع قانون للعقوبات على إيران من شأنه أن ينسف المفاوضات، دافع الإسرائيليون عن مشروع القانون رغم أنه ليس من عادة الدبلوماسيين أن يعلقوا على مشاريع قوانين الولايات المتحدة، صرح حينها أحد الديمقراطيين المقربين من آيباك قائلاً: “إنهم في آيباك يعتقدون أنهم يجب أن يكونوا ذراع الليكود في أمريكا”، لكن آيباك قالت إنها لا تأخذ أوامرها من إسرائيل، ولا أحد يصدق ذلك!
تأسست آيباك عام 1963، بعد خمسة عشر عامًا من نشأة دولة الاحتلال، كان زعيمها “آشعيا كينين” موظفًا من مكتب إسرائيل للمعلومات في الأمم المتحدة، كان كينين مستاء بشدة من القوانين الأمريكية التي تراقب نفقاته واتصالاته بحكم عمله، كان يقول “آيباك ليس لها أعداء، نحن فقط لدينا أصدقاء، وأصدقاء محتملون” هذا التصريح يعبر عن عقلية شديدة البراغماتية بلا أي مبادئ.
بعد تقاعد كينين في 1974، وبحلول أواخر الثمانينيات كان مجلس إدارة آيباك يسيطر عليه مجموعة من رجال الأعمال اليهود الأثرياء المعروفة باسم عصابة الأربعة: (ماير ميتشل، إدوارد ليفي، روبرت آشر ولاري وانيبرغ)، الأخير كان ديموقراطيًا انتقل إلى اليمين، والبقية كانوا جمهوريين، استأجرت آيباك “توماس داين” وهو دبلوماسي وموظف سابق في الكونغرس، استطاع أن يطور شبكة استطاعت من خلالها آيباك التأثير على كل عضو في الكونغرس! لقد كان هذا تحديًا كبيرًا، إذ استطاعت آيباك بثلاثة في المئة فقط من عدد سكان أمريكا، وهي نسبة اليهود الأمريكيين، أن تصبح قوة سياسية رئيسية في كلا الحزبين وفي كل ولاية أمريكية.
أطلق داين حملة شعبية وأرسل موظفيه الشباب في جميع أنحاء البلاد للبحث عن اليهود في الولايات الأمريكية المختلفة،على سبيل المثال، وجد سفراء داين تسعة يهود في لوبوك، وهي مقاطعة صغيرة في ولاية تكساس، كانوا يشعرون بالانتماء لإسرائيل، لكنهم لم يفكروا أبدًا في لعب دور سياسي، قام هؤلاء لاحقًا بعقد المئات من الاجتماعات مع أعضاء الكونغرس للحديث عن أجندة مؤيدة لإسرائيل.
قال داين “إذا كنت تريد أن يكون لك تأثير، عليك أن تجمع التبرعات”، ورغم أن آيباك ليست منظمة سياسية – على الرغم من اسمها – وبالتالي فلا يمكنها جمع تبرعات بشكل رسمي، إلا أنه مع نهاية الثمانينات وتغيير قوانين تمويل الحملات الانتخابية، كان هناك العشرات من اللجان ذات الأسماء الفضفاضة التي شكلت كوكبة من المنظمات حول آيباك لجمع التبرعات.
الجمهوريون أدركوا لاحقًا أنهم لن يستطيعوا الحصول على أكثر من أصوات الأقلية اليهودية، لكن أعضاء آيباك استطاعوا أن يقنعوا الكثيرين بالتصويت لصالحهم، في 1984، فاز “ميتش ماكونيل” بفارق ضئيل على المرشح الديمقراطي “والتر هادلستون”، لاحقًا، قابل ماكونيل عضوي آيباك وقال لهم “دعوني أكون واضحًا للغاية، ما الذي يمكنني أن أفعله لأحصل على دعمكم؟”.
في 1984، قررت آيباك أن السيناتور “تشارلز بيرسي” الجمهوري من إلينوي لا يجب أن يفوز بسبب موقفه غير الودي تجاه إسرائيل، في الانتخابات التالية فاز “باول سيمون” الليبرالي الديمقراطي بمقعد بيرسي، وقال داين حينها “اليهود في الولايات المتحدة من الساحل إلى الساحل اجتمعوا على الإطاحة ببيرسي، والساسة الأمريكيون، هؤلاء الذين يشغلون المناصب العامة، وهؤلاء الذين يطمحون لشغلها وصلتهم الرسالة”.
آيباك كانت تطرق أبوابًا مفتوحة، هذا ما يقوله أحدهم، إذ أن الأمريكيين حينها كانوا بشكل كبير قد حسموا رأيهم لصالح إسرائيل.
في خريف 1991، قرر جورج بوش الأب تأخير إرسال عشرة مليارات دولار كقرض لإسرائيل، أرسلت آيباك عددًا من قادتها للكابيتول هيل (مقر الكونغرس)، لم يوافق بوش على حديث آيباك على الرغم من ثقتهم المبالغ فيها بأنفسهم، وبعد ساعة من الاجتماع، عندما عاد ماير ميتشل إلى مقر آيباك كان لازال يرتعد لأن رئيس الولايات المتحدة صاح في وجهه!
لاحقًا، وبعد تغيير قيادة دولة الاحتلال وحلول رابين محل شامير الذي كان السبب في تأجيل القرض الأمريكي بسبب توسعه الاستيطاني، قال رابين لقادة آيباك إنهم “أضروا إسرائيل أكثر مما نفعوها، فقد قاتلوا من أجل قضية خاسرة مسبقًا”.
في سبتمبر 1993، دعمت آيباك اتفاقات أوسلو بين ياسر عرفات وإسحاق رابين، لكن في 1995 شجعت آيباك “نيوت غينغريتش” رئيس مجلس النواب الأمريكي الجديد على دعم تشريع لنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، كان هذا يعرض أوسلو للخطر، رابين رفض مشروع القانون، لكن تم تمريره بسبب ضغط آيباك بأغلبية ساحقة، رفض بل كلينتون تنفيذ القرار بحجة الأمن القومي الأمريكي، وكذلك فعل كل رئيس أمريكي منذ ذلك الحين.
آيباك تصبح شديدة الفعالية في أوقات التوترات بين الإدارة الأمريكية وحكومة الاحتلال، أثناء فترة “إيهود باراك” الذي كان من حزب العمل، اقترب من كلينتون، وخلال ذلك الوقت لم يكن هناك حاجة لآيباك، لكن في 2000 حدث شيء هام للرصد، أرسل إيهود باراك “يوسي بيلين” وزير العدل الإسرائيلي للولايات المتحدة للحصول على المال الذي وعد كلينتون إسرائيل به لكنه لم ينفذ وعده حتى حينها، ذهب بيلين لرؤية “ساندي بيرغر” مستشار الأمن القومي الأمريكي الذي قال له: “لا يمكننا أن نرسل هذه الأموال لإسرائيل بدون إرسال 225 مليون دولار لمصر، إذ أنهما مرتبطتان سويًا”، وتابع “يجب أن نقنع الكونغرس أولاً أن يدعم حزمة المساعدات كاملة، لمصر ولإسرائيل”، قال بيلين “وأنا أتكلم باسم رئيس الوزراء، نحن نريد أن تحصل مصر على هذه الأموال”، وكان الرد المذهل من مستشار الأمن القومي الأمريكي “يوسي .. هذا أمر رائع! هل تعرف شخصًا في آيباك؟”.
لقد كان مشهدًا كافكاويًا كما يقول بيلين! مستشار الأمن القومي الأمريكي يسأل وزير العدل الإسرائيلي عما إذا كان يعرف شخصًا في آيباك للضغط على النواب الأمريكيين!! لم توافق آيباك على الضغط من أجل الإفراج عن حزمة المساعدات، لم يريدوا أن تحصل مصر على المال، إنهم يريدون معاقبة العرب، وحتى نهاية فترة باراك، لم يتم الإفراج عن المال، بيلين قال “إنهم جماعة يمينية للغاية، إنهم لا يمثلون غالبية يهود أمريكا، إنهم يريدون حماية إسرائيل من نفسها، خاصة عندما يكون قادة إسرائيل معتدلين”.
في ربيع 2008، افتتحت آيباك مقرها، وفي هذا اليوم، دُعي مدير كازينو لحضور الحفل، وقال له أحد رؤساء آيباك “ما رأيك في حضور الغداء؟”، وعندما رد شيلدون آديلسون “كم سيكلفني ذلك الغداء؟” كان يمزح، لكن الغداء كلفه 10 ملايين دولار تبرعات لآيباك.
أصبح نتنياهو رئيسًا للوزراء في العام التالي، وكان الرجل مقربًا من آيباك منذ الثمانينيات، أثناء عمله في السفارة الإسرائيلية في واشنطن.
في اجتماع أوباما الأول مع نتنياهو في مايو 2009، أعلن “رون ديرمر” السفير الإسرائيلي في واشنطن قائلاً: “نتنياهو سيكون له طريقه الخاص، لقد ولى زمن تقديم التنازلات والبوادر الطيبة من جانبنا لننتظر الفلسطينيين ونأمل ونأمل ونأمل أن يردوا بالمثل، لقد انقضى ذلك الزمن بغير رجعة”، اجتاح التصفيق الغرفة!
في مايو 2011 ألقى أوباما خطابًا حول الربيع العربي وذكر فيه القضية الفلسطينية قائلاً: “إن على إسرائيل أن تعود إلى حدود ما قبل يونيو 1967″، في اليوم التالي جاء نتنياهو إلى واشنطن ووبخ الرئيس في مكتبه البيضاوي صارخًا: “لا يمكننا أن نعود إلى حدود لا يمكننا الدفاع عنها”.
كان أحد الساسة الإسرائيليين المخضرمين مذعورًا من أسلوب نتنياهو في الحديث مع أوباما “هذا هو رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وأنت رئيس دولة ضيف، دعنا لا ننسى ذلك”، وتابع “كان ينبغي لآيباك أن تأتي إلى نتنياهو لتقول له ألا يتحدث للرئيس بهذه الطريقة، بدلاً من الدفاع عن كل ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية مهما كان سيئًا”.
تدعم آيباك حل الدولتين بشكل رسمي، إلا أن الكثير من أعضائها يرفضون ذلك، إنهم يدعمون ما يقوله نتنياهو من أنه “لا يوجد شريك للسلام” خاصة مع صعود حماس في غزة.
نتنياهو يفخر بفهمه للمناخ السياسي الأمريكي، لكن هذا ليس صحيحًا، فعلاقاته هي مع كبار السن، وهو أقل وعيًا بالتغييرات في التركيبة السكانية الأمريكية وخلاف الآراء بين اليهود الأمريكيين الأصغر سنًا، تحدث نتنياهو أيضًا لاحقًا في 2013 عن خداعه للأمريكيين قائلاً: إن “العام كان قياسيًا من حيث بناء المستوطنات في الضفة الغربية”، وعندما سأله عضو في الليكود عن المحادثات مع الفلسطينيين، رد عليه نتنياهو بينما كان الحضور يضحكون “عن المــ.. ماذا؟؟”.
في 2009، وبعد عملية “الرصاص المصبوب” التي هاجمت فيها إسرائيل غزة، واستُشهد خلالها أكثر من 1400 فلسطيني، خرج تقرير غولدستون يتهم إسرائيل بارتكاب سلسلة من جرائم الحرب المحتملة، لكن آيباك دعمت قرارًا في الكونغرس يدين التقرير، وخرج قرار الكونغرس يدين التقرير بـ 344 عضوًا!
جاء التحدي السياسي الأوسع لآيباك في 2009 مع تأسيس جي ستريت J STREET وهي جماعة ضغط “مؤيدة لإسرائيل، مؤيدة للسلام” وأسسها “جيرمي بن عامي” معاون سابق لإدارة كلينتون، والجماعة ترى في الاحتلال تهديدًا للديمقراطية وللقيم اليهودية، “داني آيالون” السفير الإسرائيلي السابق قال إن هذه الحملة هي “لتقويض الأمن الإسرائيلي من حيث أنها تنزع الشرعية عن إسرائيل”.
لاحظ العديد من الفلسطينيين والإسرائيليين صعود جي ستريت، تحدث في أحد مؤتمراتها “حسام زملط” وهو قيادي صاعد في حركة فتح، وقوبل بحفاوة بالغة، لم تعد آيباك تحظى بنفس الفعالية كما كان في السابق، وجي ستريت هي أول جماعة يهودية يتم إنشائها في واشنطن بأجندة مختلفة منذ تأسيس إسرائيل.
آيباك تعارض جي ستريت بعنف، “روبرت ويكسلر” عضو الكونغرس الديمقراطي عن جنوب فلوريدا قال إن “آيباك حذرتني من الحديث مع جي ستريت مرة أخرى أو دعمهم”، وتابع “لقد دعمتني آيباك لمدة اثني عشرة سنة”.
تعرضت آيباك لهزيمة مؤلمة في التشريع الذي أرادته لفرض عقوبات على إيران، قاتل أوباما بقوة، وتم رفض التشريع في نهاية المطاف، يقول جون يارموث، من ولاية كنتاكي، وهو عضو يهودي في الكونغرس ممن رفضوا مناقشة التشريع المقترح “هناك شعور متنام أن هناك العديد من الأمور تتم فقط لاسترضاء آيباك، لكن آيباك لا تعمل لمصلحة الولايات المتحدة، نحن أقسمنا على رعاية مصالح الولايات المتحدة، لكنهم في آيباك يطلبوا منا تجاهل ذلك!”.
وبعد عدة أشهر من ذلك، بدأت إسرائيل حربها ضد غزة، كررت آيباك ما قاله نتنياهو، واستغلت الإعلام لنشر دعايتها، أنتجت آيباك فيديو يصور جنديًا إسرائيليًا يرفض إطلاق النار على مطلقي الصواريخ من حماس، لأن هناك أطفال عرضة للخطر! لكن في نفس الوقت الذي عُرضت فيه تلك الدعايا كانت إسرائيل تقصف المدرسة السادسة للأمم المتحدة في غزة، هاجمت إسرائيل في تلك الحرب المدارس والمستشفيات ومنازل المدنيين بأسلحة أمريكية، وفي نفس الوقت تقريبًا أصدر مجلس النواب قرارًا بدعم آيباك، وشجب استخدام حماس للدروع البشرية وقرر إرسال أموال لإسرائيل لدعم قبتها الحديدية، كان اليوم الذي وافق فيه الكونغرس على دعم إسرائيل، هو أكثر أيام الحرب دموية باستشهاد 150 فلسطينيًا!
وفقًا لبعض موظفي الكونغرس، كان قرار مجلس النواب محاولة لتعويض خسارة آيباك في شأن المفاوضات مع إيران، وللسخرية، فإن آيباك تواجه هجومًا يمينيًا متطرفًا بسبب اعتقاد اليمينيين أن آيباك استسلمت في معركتها ضد إيران، إلى حد حديثهم عن الحاجة إلى تأسيس منظمة أكثر يمينية.
المصدر: نيويوركر