ترجمة وتحرير: نون بوست
خارج مخيم موريا للاجئين في ليسبوس، تزداد مساحة مدينة الصفيح المصنوعة من القماش المشمع الممتد من أشجار الزيتون كل أسبوع. يوجد الآن حوالي 18 ألف شخص يعيشون في المعسكر الثاني، والذي وقع تصميمه ليستوعب أكثر من ألفي شخص. أحمد، كان هذا اسمه المستعار، البالغ من العمر 17 سنة، وصديقه موسى يشقّان طريقهما في مسارات موحلة نحو خيمتهما، حيث ينحرفان لتفادي مجموعات من الأطفال يركضون في مجموعات عبر أكوام الفضلات الملقاة على الأرض.
لقد اتخذ الأولاد منزلا لهم تحت البلاستيك وأرادوا أن يوضحوا لنا كيف يتجمعون ضمن مجموعة من ثلاثة أطفال للشعور بالدفئ. يعيش أحمد هنا منذ تشرين الأول/ أكتوبر، عندما وصل من سوريا متوقعا الانتقال من هنا بسرعة. على الرغم من أنه لم يكن يعلم شيئا عن القوانين المتعلقة بلمّ شمل الأسرة عندما خرج من قريته بالقرب من حلب، إلا أن أحمد يعرف الآن أن ما تبقى من عائلته شمالي إنجلترا – المتكونة من أخ وابن عم اللذان يسعيان لمنحه منزلا – يمثل أمله الوحيد في الهروب من موريا. لكنه لا يزال قلقا حيال ذلك: “إن العملية بطيئة للغاية، وأنا أعلم أننا إذا لم نمتثل للنظام بسرعة فقد لا يحدث ذلك”.
في الأسبوع الماضي، صوّت أعضاء البرلمان البريطاني على رفض المقترحات التي كانت ستوفر الحماية للأطفال اللاجئين في مشروع قانون اتفاقية الاتحاد الأوروبي الذي أُعيد صياغته. وصوّت النواب بأغلبية 348 صوتا مقابل 252 صوتا ضد التعديل، الذي يضمن حق الأطفال اللاجئين غير المصحوبين في لمّ شملهم مع أفراد الأسرة الذين يعيشون في المملكة المتحدة.
تعمل “سايف باساج”، المؤسسة الخيرية التي تساعد أحمد، في جميع أنحاء أوروبا لمساعدة الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 10 سنوات، على الانضمام إلى أفراد أسرهم في المملكة المتحدة. وتفيد المؤسسة الخيرية بأن 95 بالمئة من قضاياها ستكون مستحيلة في غياب قانون الاتحاد الأوروبي المتعلّق بلمّ شمل الأسرة، لأن القانون البريطاني يسمح للأطفال فقط بالانضمام إلى والديهم. تعتبر قضية أحمد، الصبي الذي يريد الانضمام إلى شقيقه، القضية الأكثر شيوعا.
بين أكوام القمامة، يكافح الآلاف من الناس من أجل البقاء على قيد الحياة
تجدر الإشارة إلى أنه جرى الاتصال بالمؤسسة الخيرية في الأشهر الأخيرة من قِبل العديد من العائلات التي شعرت بالقلق وخشيت فقدان آخر الفرص لإنقاذ ابن عم صغير أو أخ من القيام برحلة خطيرة عبر أوروبا. وتعرف الجمعيات الخيرية أن مخاطر هذه الرحلة تشمل الاستغلال والإساءة المنتشرة على نطاق واسع.
عندما غادر أحمد قريته السنة الماضية لم يكن لديه أي نية للوصول إلى شقيقه. لقد ظن أنه سيستمر في المشي وعبور الحدود حتى يصل، بصعوبة، إلى بر الأمان شمالي أوروبا. أردف أحمد “لقد كذب المهربون. اعتقدت أنني من المحتمل أن أقضي ليلة واحدة فقط في ليسبوس وأواصل المُضي قدمًا في الغابات كما فعلت طوال الطريق من سوريا. لم يكن لدي أي فكرة أنني سوف أبقى عالقا هنا”.
كان المشهد على بعد عشر دقائق بالسيارة من منتجع ميتيليني للعطلات مريعا، حيث كانت الكهرباء منقطعة والماء متوفرا بكميات قليلة. بين أكوام القمامة، يكافح الآلاف من الناس من أجل البقاء على قيد الحياة، حيث يقومون بالتقاط فروع من بستان الزيتون لإشعال النيران للطبخ، ويحوّلون الدقيق إلى خبز مفرود، ويخيطون القماش المشمع فوق الألواح لصنع ملاجئ جديدة، أين ترضع النساء صغارهن على الأرض الموحلة. وفقا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن 42 بالمئة من المهاجرين البالغ عددهم 20 ألف في موريا وحولها، هم دون سن 18 سنة، ونصفهم تقريبا أقل من 12 سنة.
اللاجئ السوري أحمد: “لم يكن لدي أدنى فكرة أنني سأكون عالقًا بهذه الكيفية
يرتدي أحمد الذي حشر خصل شعره المجعدة تحت القبعة الصوفية، معطفا كبير الحجم ووشاحا وبنطالا رياضيا. خططت عائلته لتهريبه عندما بلغ الخامسة عشرة من عمره. قال إن الوصول إلى هذا السن يعد أمرا خطيرا للغاية بالنسبة للشباب، إذ يمكن أن يأتي شخص ما ويجبرك على محاربة وقتل أصدقائك وإخوانك.
وأضاف أحمد قائلا: “لقد غادر الكثير من الناس، وبعد سنة من التفكير مليّا في الأمر، قرر والداي رحيلي، لم يستطيعا الهروب لأنهما كبيران في السن. كان الأمر صعبًا للغاية، فلا أحد يريد مغادرة منزله. لكن عندما أصبح الوضع سيئا للغاية، أُجبرت على الرحيل، فلقد دُمر منزلنا بالقنابل”. في الواقع، كانت رحلة أحمد وحشية: قُتل أحد أصدقائه بالرصاص أثناء عبورهم الحدود التركية. عندما وصل إلى موريا لأول مرة، كانت كوابيس الرحلة البحرية التي تراوده، توقظه صارخا من النوم، الشيء الذي أزعج الناس من حوله.
يتعين على أوروبا أن تعمل على توحيد جهودها فقد بات من الضروري التعامل مع حالة الطوارئ لنقل الأطفال من هذا البلد
وصف أحمد الوضع داخل المخيم الرئيسي قائلا إنه “يوجد العديد من البالغين والكثير من الشجار، لكن الوضع يعتبر أفضل هنا. من جهة أخرى، يشعر والدي بالقلق الشديد حيالي، فهما لا يريدان ابنهما في هذا الموقف، ويشعران بالندم أحيانًا على سماحهما بمغادرتي وأحيانًا يقولان إنه ليس باليد حيلة”. يريد أحمد أن يعرف لماذا كل هذا التأخير إذا كان هناك قانون يسمح له بالانضمام إلى أخيه، لكنها عملية شائكة وطويلة. وتعتبر قضيته أشبه بقطرة في المحيط بالنسبة لليونان، وهي دولة بها 4000 قاصر غير مصحوبين برعاية.
في زيارة للجزر اليونانية الشهر الماضي، دعا المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، أوروبا إلى بذل المزيد من المجهودات. وقال بعد زيارة ليسبوس: “يتعين على أوروبا أن تعمل على توحيد جهودها فقد بات من الضروري التعامل مع حالة الطوارئ لنقل الأطفال من هذا البلد”. فكل يوم تقريبًا، يصل قارب إلى ليسبوس من تركيا، ليجلب المزيد من الأشخاص اليائسين، عدد كبير منهم من النساء والأطفال. وفي ليلة الخميس، أتى قارب على متنه 57 شخصًا، 33 منهم من الأطفال.
في الوقت الحالي، يرسل شقيق أحمد المال لمحاولة مساعدته على العيش، بينما تواكب مؤسسة “سايف باسج” قضيته للانضمام إلى عائلته في شمال إنجلترا. وحين سُئل أحمد عن الذي يعرفه عن بلدة السوق حيث تنتظره عائلته أجاب ضاحكا: “لا أعرف أي شيء، لكنني أعرف أنها أفضل من ليسبوس”.
المصدر: الغارديان