مع بداية عام 2020 وافق البرلمان التركي على إرسال قوات تركية إلى ليبيا بعد توقيع مذكرتي تفاهم في المجال البحري والعسكري نهاية نوفمبر 2019 بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية المعترف بها من الأمم المتحدة التي تسيطر حاليًّا على طرابلس، حيث تعرضت حكومة الوفاق الليبية إلى هجمة شديدة من مليشيات حفتر التي أعلنت ساعة الصفر للسيطرة على العاصمة طرابلس وبدعم من عدة دول وقوات مرتزقة روسية وإفريقية، مما دعا حكومة الوفاق إلى الاستعانة بتركيا لحمايتها حيث تعتبر تركيا صاحبة مصلحة كبيرة في الحفاظ على حكومة الوفاق للحفاظ على الاتفاق البحري وعلى حكومة صديقة في ليبيا.
أمام هذه المصلحة البارزة للعيان وفي ظل سعي عدة دول لاستبعاد تركيا من ترتيبات نقل الطاقة شرق المتوسط التي كان آخرها توقيع اتفاق ميد إيست بين اليونان و”إسرائيل” وقبرص، ومع اعتبار كثيرين أن قرار تركيا إرسال قوات إلى ليبيا يعتبر قرارًا متأخرًا مع تقدم قوات حفتر على مشارف العاصمة طرابلس بل دخلت بعض أحيائها، فقد لوحظ أن المعارضة التركية رفضت فكرة إرسال القوات إلى ليبيا، بل وذهبت أبعد من ذلك إلى رفض عقد اتفاقات مع حكومة الوفاق الوطني الليبية حيث رأت في ذلك مشكلة من وجهة نظرها، وقال رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو متسائلًا: “لماذا نكون في ليبيا؟ ما عملنا هناك؟”.
وفقًا للباحث التركي نبي ميش في مقال له قبل أيام قليلة في صحيفة تركيا فإن المعارضة التركية ترى أن حفتر يمثل الوجه “العلماني والمقبول” في ليبيا، ولذلك فإن المنطقي تفعيل الدبلوماسية مع حفتر وترى أن تعاون تركيا مع حفتر يمكن أن يحل مشاكل تركيا، ويتناقض هذا الأمر مع دعوة حفتر إلى “الجهاد” ضد القوات التركية.
وقد اعتبر مؤيدون لسياسة الدولة في التوافق مع حكومة الوفاق الوطني الليبية أن مواقف المعارضة التركية تأتي على نفس المنوال مع الدول التي تعتبر تفاهم تركيا مع حكومة الوفاق تهديدًا لها.
ويتعجب الكاتب التركي نبي ميش من استخدام المعارضة التركية لغة تنساق مع شرعنة مليشيات حفتر بدلًا من العمل على دعم الحكومة المعترف بها من الأمم المتحدة رسميًا، ويقول لو أن تركيا لم ترسل قوات إلى ليبيا لما كان هناك نداء مشترك لوقف إطلاق النار من بوتين وأردوغان ولما كان هناك سرعة في عرض هذه المبادرة.
من بين الأصوات المعارضة كان هناك صوت معارض وحيد أيد إرسال القوات التركية إلى ليبيا وهو دنيز بايكال رئيس حزب الشعب الجمهوري السابق لمدة 18 عامًا الذي كان وزيرًا للمالية عام 1974 عندما تم إرسال القوات التركية إلى قبرص، حيث ذكّر بايكال في حديثه أنه عندما أعلنت الولايات المتحدة حظرًا على تركيا بعد عملياتها في قبرص وقفت ليبيا مع تركيا، واعتبر بايكال أن إرسال قوات تركية إلى ليبيا أمرًا إستراتيجيًا وخطوةً في المسار الصحيح.
قال دينيز بايكال: “ليبيا دولة مهمة وهي بوابة إفريقيا، والسياسة الخارجية لا بد أن لا تكون عرضة للحماسة والخصومة، كان من المفترض أن نكون بجوار الليبيين من قبل، كان لا بد أن يكون دعمنا السياسي والعسكري لليبيا قبل هذا الوقت بكثير”، متمنيًا أن يحصل الشعب الليبي على حقه بالعيش بحرية وكرامة، كما بارك إنجاز الاتفاق مع ليبيا وهنأ من كان له دور في ذلك، مؤكدًا أن الاتفاق العسكري مع ليبيا أمر مهم جدًا ودعم تركيا للحكومة الشرعية المعترف بها من الأمم المتحدة في ليبيا أمر مهم كذلك.
ينظر حزب العدالة والتنمية إلى سياسة رئيسه تجاه ليبيا وفي البحر المتوسط على أنها سياسة تتعلق بمصالح الأمن القومي التركي
وقد لقي تصريح بايكال تقديرًا من مناصري حزب العدالة والتنمية واعتبروه مختلفًا عن المعارضين الأتراك الذين دافعوا عن حفتر، وقد قال الصحفي أحمد هاكان في صحيفة حرييت “يمكن أن تكون معارضًا وتتحدث بهذه الطريقة”، حيث أشار هاكان إلى اللغة التي استخدمها بايكال، حيث قال “اتفاقيتنا” مع ليبيا وليس “الاتفاق مع ليبيا” وقال بدلًا “من الحكومة الليبية التي تدعمها الاتفاقية” قال “الحكومة الليبية التي ندعمها”، وأشار أن حفتر لا يهدد حزب العدالة والتنمية بل يهدد تركيا، وقد نوه هاكان إلى أن رئيس المعارضة التركي الحاليّ كمال كليجدار أوغلو لو اتبع نفس طريقة بايكال في المعارضة لحقق مكاسب كثيرة.
ويمكن هنا أن نشير إلى أن وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو رتب لقاءات مع زعيمي حزبين معارضين قبل عرض مذكرة إرسال جنود أتراك إلى ليبيا على البرلمان، حيث التقى تشاوش أوغلو مع زعيم حزب الشعب الجمهوري ورئيسة الحزب الجيد لإقناعهما بالتصويت مع قرار إرسال الجنود إلى ليبيا، ولكنه لم ينجح في تغيير رأيهم، ولذلك اعتبر تصريح بايكال مميزًا.
يتفهم أنصار حزب العدالة والتنمية بعض مواقف المعارضة في رفض بعض المواقف سياسيًا، لكن بعض المواقف المتعلقة بالأمن القومي تحتاج تضامنًا عامًا
ينظر حزب العدالة والتنمية إلى سياسة رئيسه تجاه ليبيا وفي البحر المتوسط على أنها سياسة تتعلق بمصالح الأمن القومي التركي، ولهذا توقع أن توافق أحزاب المعارضة مع قليل من التوضيح عن مصالح تركيا القومية على دعم إرسال الجنود لليبيا وحماية حكومة الوفاق الليبية ولكن المعارضة التركية كان لها رأي آخر.
يتفهم أنصار حزب العدالة والتنمية بعض مواقف المعارضة في رفض بعض المواقف سياسيًا لكن بعض المواقف المتعلقة بالأمن القومي تحتاج تضامنًا عامًا، وعلى سبيل المثال وحتى لو اختلفنا بشأن صوابية قرارهم، فقد صوت الديمقراطيون والجمهورييون في الكونغرس الأمريكي لمشاريع قرارات تستهدف تركيا بعد عملية نبع السلام شمال سوريا وكان موقف الطرفين متطابقًا مع أنهما مختلفان مع ما يرون أنه مصلحة قومية للولايات المتحدة، ولكن في تركيا لم يستطع حزب العدالة والتنمية أن يحصل على إجماع مع حزب الشعب الجمهوري والأحزاب المعارضة الأخرى بشأن قضايا السياسة الخارجية وهذا من الأمور التي تجعل صانع القرار أقل ثقة فيما لو كان الجميع متحدًا خلفه ولا يشوش عليه.